أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زين وآلان: الفصل الثاني 2














المزيد.....

زين وآلان: الفصل الثاني 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5987 - 2018 / 9 / 7 - 20:30
المحور: الادب والفن
    


" سيامند "، وهوَ الكرديّ الدمشقيّ، كان أيضاً يعرف معنى فقدان المرء للغته الأم داخل مدينة كبيرة، سبقَ وقدَمَ إليها أسلافه وكانوا محاطين بمشاعر الحذر والريبة حال أغرابٍ، مبتلين بالجذام. وإنه صديقه " عبد الإله "، من وضعه ذاتَ مرة في صورة التشكيلة الاجتماعية، هنا في المغرب، وذلك في قالبٍ من التفلسف الغالب عليه نبرة الهزل:
" لم تكن مراكش ذاتَ طابع أوروبيّ، حال مدن السواحل الشمالية والغربية؛ ثمة، أين رطنَ مواطنونا باللغات الإسبانية والبرتغالية والفرنسية، خصوصاً من كانوا خدماً للمستعمرين بصفتهم العسكرية أو المدنية. إنها إلى الأمس، وإلى حدّ كبير، كانت تُشبه الحواضر الداخلية في المشرق، لناحية غلبة اللغة العربية وروح المحافظة. الجبال المحيطة بمراكش، ظل ساكنوها يتكلمون الشلحة ولا يعرفون من العربية سوى بعض الآيات القرآنية، يلفظونها كيفما اتفق. إلا أنهم بمجرد ما يُحتضنون من لدُن المدينة الحمراء، المحاصرة بالصحاري، تراهم تبرؤوا من لغتهم وأقبلوا في حماسة على التكلم بالمحكية الدارجة. على أنكَ لا يذهبن بك الظن، أن تلك المدن الأخرى قد تطبّعت بالحداثة نتيجة هيمنة الأوروبيين على مقدراتها لعدة قرونٍ خَلَت. لا، بل إنها بقيت على شيء من الجمود ضمن علاقاتها الاجتماعية، المقننة وفق تعاليم الدين الحنيف ـ كما المحار داخل قوقعة صدفية، مهملة مع أحلام مستحيلة على رمل ساحلٍ ساخن ".
ولكن كيفَ استقبلته مراكش، بوصفه غريباً قادماً من المشرق ويبغي الإقامة فيها؟ يمكن القول، أنّ المدينة الحمراء قلبت حياته رأساً على عقب. تماماً مثلما كان الأمرُ على أثر وفاة أبيه، حيث سيعرفُ من وقتها طعمَ الحياة البكر بدءاً بقضمه للتفاحة المحرّمة. حق له عند ذلك تذكّر غشيانه لأول مرة مجتمعَ المدينة الحمراء، آنَ كان عليه تقديم نفسه لآل " الفيلالي " في الفيللا ذات الأدوار الثلاثة، الكائنة عند مدخل حي غيليز، الراقي. سرعان ما قبلوه هناك كقريب، طالما أنه عم طفلةٍ ما تنفك في رعايتهم من نعومة أظفارها، باعتبارها ـ كذا ـ حفيدة كبيرهم الراحل.
دأبَ " سيامند " منذئذٍ على الرفرفة بأجنحة طائر السعادة، مهيمناً على مشهد المدينة بوسامته وأناقته، فضلاً عن محفظته المحشوة بالعملات الورقية. كون الغذاء الجنسيّ ميسوراً حدّ الإباحة، فإنه انغمس في علاقات نسائية عديدة لدرجة كاد يفقد فيها براءته تماماً. ولقد أنعكس هذا الجانب السلبيّ، ولا غرو، على صلته بأول فتاة خفق قلبه لها؛ ونعني بالطبع، " خدّوج "، الابنة الصغرى للأسرة المُحسنة. لقد بدا لها قليلَ الصبر، الشابُ الغريب، المعتاد على البنات السهلات المنال. من ناحيته، صُدِمَ كرجل قادم بعقلية مشرقية مما عاينه من حرية في شخصية الفتاة وما يحتويه كلامها من تعبيرات جنسية، مكشوفة ومستهترة.

***
هوَ ذا على درب حي غيليز، مستعداً لمقابلة إحدى الشخصيات المهمة، تتلألأ حبّات العرق على جبينه ورقبته جرّاء موجة الجفاف في هذا الربيع. وكان يفكّر عندئذٍ، بأنّ الشجاعة لن تعوزه حينَ سيقدّم " زين " على أنها خطيبته: " كما لم أفتقدها عندما كنت مرسلاً مع مواطنيها الشبّان إلى الجانب الآخر من الصحراء، لخوض حربٍ ربما قررت مصيرَ المنطقة لأجيال عدة قادمة ". وعادته ذكرى الحرب مع ولوجه القبو البار، الأشبه بأحد الملاجئ العسكرية، وتساءل في نفسه ما إذا كان ذلك الضابط الكبير يُشبه أيضاً ما عرفه من أنداده في الوطن، المعرّفين عموماً بالجشع وانعدام الإنسانية.
" تصوّر لو أنها لحقت بك إلى هذا المكان، المرأةُ ذات الثوب الأحمر؛ أتراك ستترك جلسة العمل المهمة، لتعمد إلى مطاردة طيفها؟ "، سألته فتاته في جدية. على أنه تمهل قليلاً في الجواب، مراوحاً قدميه عند المدخل الداخليّ للبار. فلما أيقن من خلو ملامحها من علامة سخرية، بادر إلى جوابها: " ما زلتِ كالآخرين، تعتقدين أنها طيفٌ وعلى الرغم من رؤيتك لها على مسافة بضع خطوات. حسناً، ليكن أنها طيفٌ. إننا في حالات كثيرة نود لو يتحول من نعرفه إلى شكل هلاميّ، لنستطيع التحكم فيه "
" هه، يا له من تصوّر طريف لم يخطر لي ببال! "، قالتها ضاحكة. وما لبثت أن عانقته في ود، كأنها تعتذر عن سؤالها. كان " سيامند " ما ينفك مقطباً حاجبيه حينَ أضحى داخل القبو، مشمولاً بعتمة عميقة، مخترقة هنا وهناك ببصيص أضواء خافتة، بيضاء وملونة. دعا صديقته لانتظاره في إحدى الصالات الصغيرة، المفروشة بأرائك جلدية، ثم اتجه نحوَ البار. جلبَ قدحَيْ شراب غازيّ كبيرين، ثم عاد بخطى حذرة إلى مكان الفتاة. " عبد الإله "، كان قد أوصاه بالانتظار ما لو حضرَ قبله إلى موعد الاجتماع. على أنّ الرجل لم يتأخر بحال، وها هيَ خطاه بدَورها تتحسس طريقها في عتمة الممر، بطيئة ومتأنية.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زين وآلان: الفصل الثاني 1
- زين وآلان: الفصل الأول 5
- زين وآلان: الفصل الأول 4
- زين وآلان: الفصل الأول 3
- زين وآلان: الفصل الأول 2
- زين وآلان: الفصل الأول 1
- خجي وسيامند: الفصل السابع 5
- خجي وسيامند: الفصل السابع 4
- خجي وسيامند: الفصل السابع 3
- خجي وسيامند: الفصل السابع 2
- خجي وسيامند: الفصل السابع 1
- خجي وسيامند: الفصل السادس 5
- خجي وسيامند: الفصل السادس 4
- خجي وسيامند: الفصل السادس 3
- خجي وسيامند: الفصل السادس 2
- خجي وسيامند: الفصل السادس 1
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 5
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 4
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 3
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 2


المزيد.....




- أكثر 70 فنانا يوقعون على عريضة تدعو لإقصاء إسرائيل من مسابقة ...
- -الديمومة-.. كيف تصمد القضية الفلسطينية أمام النكبات؟
- ترامب يواصل حرب الرسوم.. صناعة السينما تحت الضغط
- من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة -الإلغاء- وحقّ الجمهور بال ...
- سيرسكي يكشف رواية جديدة عن أهداف مغامرة كورسك
- الأفلام السينمائية على بوصلة ترمب الجمركية
- الغاوون:قصيدة (وداعا صديقى)الشاعر أيمن خميس بطيخ.مصر.
- الشَّاعرُ - علاَّل الحجَّام- فِي ديوان - السَّاعَةِ العاشِق ...
- محمد الغزالي.. الداعية الشاعر
- تحقيق المخطوطات العربية.. بين إحجام العالم وإقدام الجاهل


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زين وآلان: الفصل الثاني 2