أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - هذا هو العراق يا بهيجة














المزيد.....

هذا هو العراق يا بهيجة


زكي رضا

الحوار المتمدن-العدد: 5987 - 2018 / 9 / 7 - 03:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بالأمس خرجت بهيجة، " فتاة الجسر" شهيدة وثبة كانون من مرقدها المقدّس، فوصلت للمحطة العالمية بكرخ بغداد وإستقلّت القطار الصاعد الى البصرة العطشى. وما أن تحرك القطار من بغداد التي خدّرتها العمائم ناهبا الأرض صوب الشمس ليعانق "ريله" أعذاق النخيل، وليستريح عند بقايا تنور أم جنوبية قتلها العطش والجوع والفقر والمرض، حتّى بدأت تتأوه بحزن متذكرة ساعة إستشهادها حينما كانت جماهير بغداد والعراق تزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة. فعدّلت من جلستها وهي تنظر من خلال نافذة القطار الى براري العراق، وترثي حال الجماهير الصامتة في وطنها عمّا يجري في الفيحاء لتترنم قائلة " يا ريل طلعو دغش" نعم بهيجة، " طلعو دغش" ويا ريت تظل بس عالدغش.

وقف القطار في محطّات خاوية مختلفة وهو في طريقه للبصرة، ووصل السماوة ونظرت الى رصيفها فشاهدت " قطار الموت" يقف هناك والجماهير تلتف حوله، فأدارت وجهها قليلا، وإذا بالمحطة خاوية من الجماهير هي الأخرى و صوت أزيز الرصاص القادم من البصرة يُسمع فيها. فعدّلت من وضعية عبائتها التي نزلت على كتفيها النحيلتين وعادت تقول من جديد " يا ريل طلعو دغش"، وظلّت عيناها تبحث عن القطار وركابه وسائقه لتقول بصوت عال سمعه بقية الركاب الذين معها في " الفارگون"، " وضحچة وبچيه تطﮔ بعيني .. لو ردّيت انته وذاك انته". إهدئي يا بهيجة وأتركي ضحكاتك وبكاءك حتى وصولك لشط العرب لتشاهدي عطشه وموت العشّار. فهل سينجب العراق رجال كركاب ذلك القطاروذاك السائق الشهم الذي كان يقوده؟ وهل سينجب العراق جماهير كالتي سالت دمائها على الجسر بحثا عن كرامتها وكرامة وطنها؟ فجاءها هاتف من مكان قصي وبعيد أن: إطمئني يا بهيجة ففي البصرة ستلاقين هندال يتظاهر مع الشباب الثائر متحدين رصاص السلطة والميليشيات، إطمئني يا بهيجة فما دام للعراقيات أمثالك أرحام فأنّ الرجال قادمون لتحريرعراقك من الحكم الإسلامي الأسود.

حين وصل القطار الى محطته الأخيرة، وما أن وضعت بهيجة قدميها على الرصيف المتشقق عطشا كما شفاه أطفال البصرة، حتّى قفزت وسط الشباب الثائر، لتتقدمهم وهي تشّد عباءتها على وسطها وليغطّي صوت زغاريدها على صوت رصاص المجرمين المتمترسين في أبنيتهم الكونكيرتية. فرفعتها أذرع الجماهير عاليا، وهي تشير كما البوصلة الهادية الى حيث مقرّات الفساد التي جعلت من البصرة مدينة منكوبة.

صعدت بهيجة على برحية مقطوعة الرأس يبكي جذعها سعفها، ونظرت الى الجماهير التي وقفت تطوف بتلك البرحية كما يطوف الحجيج حول الحجر الأسود، وصاحت " بعالي الصوت" وهي تحثّ المتظاهرين على الإستمرار في تظاهراتهم ...

" يا صدري گل للفرح .. أوفي الشعب أوفي
دم بالضمير إشتعل .. شيلنني يچفوفي"

صدرك النازف يا بهيجة لا زال معطاءا ووفيّا لهذا الشعب المضطهد، واليوم وأنت بين الجماهير البصريّة العطشى والمحرومة، فأن أكفّ الجماهير هي التي تحملك عوضا عن كفّيك، وهي تنتظر الفرح القادم حتما على أشلاء الطغاة عديمي الضمير.

" شو هي لهبة وطن .. شو هيّ ساعتها
إلعب يطفل الشمس .. واللعبة لعبتهه"

صدقت يا بهيجة، فالبصرة اليوم هي الوطن والساعة اليوم هي بداية الخلاص من الموت والإنتقال للحياة، وطفل الأمس الذي أحرقته أشّعة الشمس وهو يبيع الماء على أرصفة المدينة دون أن يشرب منه، يلعب اليوم اللعبة الأخيرة مع الموت، وسينتصر حتما وإن رماه قنّاص برصاصة أو مات مختنقا بغاز. سينتصر لأن كفنه هو عباءتك وچرغد أمّه وشيلة أخته وعقال أبيه، كيف لا ينتصر من يكون كفنه عِرْضه؟

نزلت بهيجة من على النخلة التي تساقط حولها رصاص الغدر والخيانة بدل الرطب فزغردت:

"هي يا رصاص وهله .. وطرزلي نفنوفي
شو چني ليلة عرس تتراگص زلوفي"

يا شباب البصرة الثائر، ها هي بهيجة تتحدى رصاص القتلة ليطرّز "نفنوف" عرسها الأبيض ويلونه بالأحمر بدلا عن أحمر شفاه لشفتيها التي ذاقت العطش مثلكم، ولتقل للطغاة موتوا بغيضكم فشعب يطرز الرصاص ثياب نساءه وهنّ يزغردنّ لن يموت، وسينهض كما العنقاء من تحت ركام رماد جهلكم وتخلفكم وعمالتكم.

تقدمّت بهيجة الجماهير الغاضبة وهي تتجه الى حيث مقرّات العصابات الإسلاميّة التي نهبت أموال الشعب وهي تهتف :

"الريح دم .. والهتاف إنجمع تسبيح
يا بويه چن الشعب .. طاح السمه وميطيح"

فهتفت حناجر الجماهير ضد الطغاة وهي تقول لبهيجة: أجسادنا ستكون أعمدة لهذا الوطن كي لا ينهار على رؤوس شعبنا، وحياتنا ستكون قربانا لهذا الوطن كي ينهض من جديد ويتنفس هواءا نقيا لا شائبة إسلاميّة فيه، وسنجعل الريح التي تكنس الإسلاميين، ريح صرصر عاتية.

فردّت بهيجة على الجماهير:

" صبر الشعب لو طفح .. كل عوجه يعدلها
ومن يمحي ثورة شعب .. بجروحه سجّلهه؟"

نعم، لقد طفح الكيل بشعبنا يا بهيجة، وها هي البصرة الثائرة تواجه رصاص الغدر لوحدها وهي تسجّل بأجساد أبنائها البررة قصّة مدينة تطفو على الماء وهي عطشى، قصّة مدينة تطفو على النفط وهي جائعة، قصّة مدينة يريدون بيعها للأجنبي بأبخس الأثمان، قصّة مدينة تموت يوميا ألف ميتة.

الموصل، أربيل، دهوك، السليمانية ، الأنبار، صلاح الدين ، كركوك، ديالى، واسط، ميسان، بابل، كربلاء، النجف الأشرف، الديوانيّة، الناصرية، السماوة، بغداد. لاتتركوا البصرة فهي أمّكم التي ترضعكم الحياة. تعلموا منها فن الثورة والتمرّد، فهي المشعل الذي ينير ليلكم الحالك.

" يا ريل طلعو دغش" من قصيدة الريل وحمد للشاعر مظفر النواب.
" وضحچة وبچيه تطﮔ بعيني .. لو ردّيت انته وذاك انته" للشاعر مظفر النواب.
الشعر ما بين الأقواس، من قصيدة بهيجة للشاعر كريم العراقي.



#زكي_رضا (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدسوسين .. مصطلح يتعكّز عليه الطغاة بالعراق
- البصرة تنزع عن آيات الله عمائمهم
- لبوة الشيعة .. من أين لك هذا؟
- إرحلوا
- النظام الداخلي للحزب الشيوعي ليس بحمّال أوجه
- هل سيكتمل عقد أهل الكساء؟
- السياسة فن لكنه بالعراق هابط ومبتذل
- شكراً لله
- المدن الغبيّة والثورة
- اللامعقول واللامعقول في المشهد السياسي العراقي
- السبت القادم ستعرض بلادي للبيع من يشتري؟
- السيّد السيستاني على مسافة واحدة من الخوش ولد والموخوش ولد!! ...
- البارزاني يطالب بإستمرار نهج المحاصصة
- وداعا دانا جلال .. وداعا أبن الوند
- الكورد الفيليون الشيعة والعرب الشيعة بين قانوني جهرم ورفحاء
- 31 آذار و پ. ب. راي وذيوله
- نفس العضّة ونفس الدكتور
- خمسة عشر عاما على الأحتلال ... وعود ونتائج وآمال
- نوروز بلون الدم وطعم العلقم
- طاعون فساد الإسلام السياسي سيلتهم ما تبقى من العراق


المزيد.....




- رجل يعتدي بوحشية على طفل أفغاني ويطرحه أرضًا في مطار موسكو
- توقيف طبيب نفسي مغربي بشبهة الاعتداء الجنسي على مريضاته وتصو ...
- كيف يقضي طيارو المقاتلة B2 عشرات الساعات داخل قمرة القيادة؟ ...
- ماذا نعرف عن صناعة كسوة الكعبة؟
- وزير الدفاع الأميركي: تسريب التقرير الاستخباراتي هدفه التشكي ...
- مستذكرًا تجربة الاتحاد السوفيتي.. وزير بولندي: هكذا يمكن إسق ...
- قتلى وجرحى ودمار واسع خلفته غارة إسرائيلية على مخيم الشاطئ ب ...
- شرق ألمانيا: تطرف الشباب أو حين تصبح -تحية هتلر- عرفا مدرسيا ...
- مرسيدس تختبر أقوى سيارة كهربائية فائقة السرعة!
- القسام تعلن قنص جندي إسرائيلي وعائلات قتلى كمين سابق يشعرون ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - هذا هو العراق يا بهيجة