أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السعدنى - ولاتزال الحقيقة عارية














المزيد.....

ولاتزال الحقيقة عارية


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 5985 - 2018 / 9 / 5 - 18:30
المحور: الادب والفن
    


أنت منذ الآن غيرك
هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق،
ونرى ‏دمنا على أيدينا...
لنُدْرك أننا لسنا ملائكة..
‏وهل كان ‏علينا أن نكشف عن عوراتنا
كي لا تبقى حقيقتنا عذراء "عارية"
‏كم ‏كَذَبنا حين قلنا: نحن استثناء!
‏أن تصدِّق نفسك أسوأُ من أن تكذب على ‏غيرك!
‏أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا،
وقساةً مع مَنْ يحبّونَنا - تلك ‏هي دُونيّة المُتعالي،
وغطرسة الوضيع!
‏أيها الماضي! لا تغيِّرنا... كلما ‏ابتعدنا عنك!
أيها المستقبل: لا تسألنا: مَنْ أنتم؟
وماذا تريدون مني؟ ‏فنحن أيضاً لا نعرف.
‏أَيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً،
فلسنا سوى عابري ‏سبيلٍ ثقلاءِ الظل!
- محمود درويش –

هكذا تحدث الشاعر عن الحقيقة وأساطير الوهم وغطرسة الكذب، ولقد جاء فى إحدى الأساطير"أن الحقيقة والكذب التقيا ذات يوم فقال الكذب للحقيقة: إنه ليوم جميل فدعينا نستمتع به معاً. نظرت الحقيقة حولها تستطلع في ريبة، فمنذ متى تحدث الكذب بصدق؟ تلفتت حولها فإذا بالسماء صافية، وأشعة الشمس حانية ونسمة الهواء نادية وزهور الزنبق والبسلة فى ألوانها الزاهية، فقضت وقتا طويلا بصحبة الكذب حتى كادت أن تأنس له. وفى الطريق بادرها: أنظرى الماء في البئر رائع، فلنستحم سوياً. لمست الماء، فوجدته بالفعل رائعا، خلع الاثنان ثوبيهما ونزلا للاستحمام في البئر. وفجأة، خرج الكذب من البئر وارتدى على عجل ثوب الحقيقة وركض بعيداً وضحكاته تملأ أرجاء المكان. خرجت الحقيقة الغاضبة من البئر، وركضت وراءه لتسترد ثوبها وتستر نفسها، لكن البشر فى كل مكان ذهبت إليه راكضة نظروا إلى عري الحقيقة وأشاحوا بوجوههم في غضب واستهجان. عادت الحقيقة المسكينة إلى البئر واختفت للأبد من فرط خجلها. ومنذ ذلك الحين، يسافر الكذب حول العالم مرتديا ثوب الحقيقة القشيب، فيلبي أغراض المجتمع ويخاتل الجميع، بينما يرفض الناس أن يروا الحقيقة عارية".
إنها حكمة التجربة الإنسانية أودعها الناس عالم الأساطير "الميثولوجيا" ولعلها تمثل المحاولات الأولى للفكر الإنسانى فى بداياته التى كانت محدودة تخلط الوعى باللاوعى للتعبير فى مسيرتها عن تخيلات الناس وانطباعاتهم عن الكون والحياة والطبيعة القاهرة التى تصوروا أن محركها الأساس هو الآلهة والأبطال. من هنا فالأسطورة رؤية مختصرة وفلسفة بدائية وقناعات مبتسرة ومواقف وتجارب وصراعات حاول فيها الانسان فى بداياته القديمة أن يفسر ويشرح ويتمنى ويتخيل، وأن يعطى الحكمة فى كل ما يعيشه ويراه ويكابده ويتطلع إليه. ولا يمكننا أن نعتبرها عطاءاً معرفياً يمكن الركون إليه، والتأريخ من خلاله، فلانحن نعرف من كتبها ولا متى كتبت ولا يمكننا أن نعزوها لعقل جمعى ساد فى فترة معينة، وإنما لضمير جمعى كانت قدرته على التعبير والحلم والتخيل متناسبة مع واقعه البسيط، فلم يكن العقل البشرى فى تلك الأيام الغابرة يمكن التعويل عليه، لذلك جاءت الاسطورة دائماً فى تعبير حسى إنطباعى، ولم تعتمد على أية منهج علمى فلم تكن قواعد العلم ومناهجة قد وجدت بعد. كذلك نحن لانعرف هل كان الضمير الجمعى الذى أنتجها يفكر بالطريقة التى نتصورها عنه الآن؟ وفى هذا يقول د. ماكس موللر المستشرق البريطانى من أصل ألمانى (1823- 1900): "إن الإنسان البدائي لم يكن يفكر كما نفكر نحن، بل ولم يفكر بالطريقة التي نتصوَّر نحن الآن أنه كان يفكر بها أيضًا". وفى تقديرى أن الأسطورة ربما شكلت لمجتمعاتها فى تلك العصور قواعد الأخلاق والدين الذى لم يكن موجوداً بعد إلا فى رموز وتقاليد وطواطم.
ويرى البعض أن الأسطورة تختلف عن الخرافة، فهي معالجة شعرية خيالية لمادة تاريخية، تظهر في نص أدبي وأبيات شعرية. وقد قام "هوميروس " الشاعر اليوناني بتدوين – وليس تأليف - معظم أساطير عصره في الإلياذة والأوديسة. والأسطورة تعبر عن نفسها بالمبالغة تارة، والإعجاز تارة أخرى، وهى تنزع نحو التشخيص والتجسيم والتمثيل الحسي، ومن هنا تتخذ الآلهة في ضوء الأساطير مظهرًا إنسانيًا " حيث تحب وتكره وتدخل فى معارك وصراعات وأحياناً تنجب، وتنتصر وتهزم.
على أن المفارقة فى عالمنا هذا وأيامنا تلك أننا ورغم ماقطعه العقل الإنسانى من أشواط فى عالم الارتقاء والتطور لازالت تحكمنا أساطير وأكاذيب، فى عالم الزيف الذى راكمه الكذب حولنا فى عوالم الاقتصاد والاجتماع والسياسة والعلم والفن والأدب والعلاقات الدولية وأنظمة الحكم وحتى فى الدين، بينما لاتزال الحقيقة عارية.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تُراه كان يكتبنا؟
- يوليو وناصر الذى لا يغيب
- الاغتيال الاقتصادى للدول
- الكوربوقراط يهددون العالم
- قديس فى الحانة .. لص فى المسجد
- الأحزاب والرشادة السياسية
- الليكود الجديد فى مصر والوقوف فوق سن إبرة
- جمال عبد الناصر: مئوية النضال والثورة
- ترامب والقدس: سانتاكلوز جاء مبكراً
- سيرك تحت وهج الشمس
- يوسف زيدان: إنها خديعته وليس ضميره
- أفقٌ فى وجه العاصفة
- يوسف زيدان: ماذا يريد ذلك الكاتب اللجوج؟
- لا تضعوها فى حظيرة الدجاج
- لمن قربانك اليوم يا سيد عمرو؟!
- جمال عبد الناصر وبهتان عمرو موسى
- وبضدها تعرف الأشياء
- رجل غاب قمره وحضرت حكمته
- فنجان قهوة على الحائط
- داروا مع الشمس فانهارت عزائمهم


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السعدنى - ولاتزال الحقيقة عارية