أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السعدنى - تُراه كان يكتبنا؟














المزيد.....

تُراه كان يكتبنا؟


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 5977 - 2018 / 8 / 28 - 15:15
المحور: الادب والفن
    


يقول مسافرٌ في الباص
لا شيء يعجبني
لا الراديو ولا صحف الصباح
ولا القلاع على التِّلال
أريد أن أبكي
يقول السائق:
انتظر الوصول إلى المحطة
وابكِ وحدك ما استطعت
تقول سيدةٌ:
أنا أيضاً أنا لا شيء يعجبني
دلَلْتُ ابني على قبري
فأعجبه ونام ولم يُوَدِّعني
يقول الجامعي:
ولا أنا لا شيء يعجبني
درست الأركيولوجيا
دون أن أجد الهوية في الحجارة
هل أنا حقاً أنا؟!
ويقول جنديٌّ:
أنا أيضاً أنا لا شيء يعجبني
أُحاصر دائماً شبحاً يُحاصِرُني
يقول السائق العصبي:
ها نحن اقتربنا من محطتنا الأخيرة
فاستعدُّوا للنزول
فيصرخون:
نريد ما بعد المحطة فانطلق
أمَّا أنا فأقول:
أنزِلني هنا
أنا مثلهم لا شيء يُعجبني
ولكنِّي تَعِبْتُ من السفر
كانت هذه قصيدته: لا شئ يعجبنى، وهكذا كان هو، مر فى حياتنا ذات يوم ولايزال فى حضرة الغياب على أوراق الزيتون يغنى، ويهش العصافير التى بلا أجنحة، عاشق من فلسطين لم يترك الحصان وحيداً وقدم لنا آخر الليل بطاقة هوية: "سجل ..أنا عربي لا أصغر أمام بلاط أعتابك فهل تغضب". هو لم يترك العصافير تموت فى الجليل، ولم يقدم لنا ورداً أقل، ولا أعتذر عما فعل الحصار والاحتلال بنا فحبوب سنبلة تجف، ستملأ الدنيا سنابل.
كان محمود درويش من أهم زهور سلة خبزنا اليومى فى الشعر مع مجايليه سميح القاسم والفيتورى ونازك الملائكة وملك عبد العزيز وصلاح عبد الصبور وعبدالوهاب البياتى وأدونيس، وكان على الضفة الأخرى من النهر صلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودى وفؤاد حداد وغيرهم ممن مثلت أشعارهم بالنسبة لجيلى رؤية ونافذة وتحريض.
عرفت وجيلى محمود درويش أكثر عندما تلقفنا بلهفة كتاب الراحل الكبير رجاء النقاش "محمود درويش شاعر الأرض المحتلة"، وأدعوا دار الهلال أن تقدم لأبنائنا الشبان طبعة جديدة منه، ثم تابعنا دوواوينه عصافير بلا أجنحة وأوراق الزيتون وعاشق من فلسطين وآخر الليل والعصافير تموت فى الجليل، وبقية أعماله التى ازدادت مع الزمن تعقيداً ولفتها غلالة من الفلسفة والشجن خصمت من غنائية محمود درويش لتضيف إلى غناه ثراء فكرياً جسد أزمة المثقف والمفكر وتوقه للإنعتاق والخلاص والحرية فى عذابات الإغتراب واللاوطن، وراح يحن لخبز أمه، فالأم وطن، والأم سكن والأم تاريخ وذكريات لاتعرف النسيان: "أحن إلى خبز أمى، وقهوة أمى، ولمسة أمى، وتكبر فىَ الطفولة يوماً على صدر أمى، وأعشق عمرى لأنى، إذا مت، أخجل من دمع أمى".
كما مواطنه المفكر إدوارد سعيد، مارس درويش السياسة، أصاب وأخطأ، لكن خطيئته الكبرى لم تكن سوى اجتهاده لفهم العالم وتصاريف الدنيا ومصير الإنسان. عانى كما إدوارد سعيد عذابات مابعد الكولونيالية و"خارج المكان" حيث المنفى والغربة حتى على أرض الوطن. توالت دوواوينه: لاتعتذر عما فعلت، الحصار، فى حضرة الغياب، كزهر اللوز أو أبعد، حيث كتب:
لوصفِ زهرِ اللوز، لا موسوعةُ الأزهارِ تسعفني،
ولا القاموسُ يسعفني...
سيخطفني الكلامُ إلى أحابيلِ البلاغةِ، ..
فكيفَ يشعُّ زهرُ اللوز في لغتي أنا، وأنا الصدى
وهو الشفيفُ كضحكةٍ مائيةٍ نبتتْ،
على الأغصانِ من خفرِ النَّدى...
وهو الخفيفُ كجملةٍ بيضاءَ موسيقيةٍ...
وهو الضعيفُ كلمحِ خاطرةٍ تطلُّ على أصابِعنا، ونكتبها سدى.
فى أخريات أيامه كان درويش شفيفاً كما زهرة اللوز، عفياً شامخاً كما الشجرة العتيقة التى أنبتتها، لكنه كان قد تعب من الترحال والحصار والاحتلال والمطاردة والسفر، آثر أن ينزل فى المحطة الأخيرة فقد استوعب فى رحلته الطويلة أنه مثلنا جميعاً لاشئ يعجبه، لكنه كان قد تعب من السفر والباص والسائق والراديو وصحف الصباح، فراح يكتب أشعاراً لذاته فى التيه والنضال والترحال والثورة. هل كان فعلاً يكتب نفسه وتجربته، أم تراه كان يكتبنا؟



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوليو وناصر الذى لا يغيب
- الاغتيال الاقتصادى للدول
- الكوربوقراط يهددون العالم
- قديس فى الحانة .. لص فى المسجد
- الأحزاب والرشادة السياسية
- الليكود الجديد فى مصر والوقوف فوق سن إبرة
- جمال عبد الناصر: مئوية النضال والثورة
- ترامب والقدس: سانتاكلوز جاء مبكراً
- سيرك تحت وهج الشمس
- يوسف زيدان: إنها خديعته وليس ضميره
- أفقٌ فى وجه العاصفة
- يوسف زيدان: ماذا يريد ذلك الكاتب اللجوج؟
- لا تضعوها فى حظيرة الدجاج
- لمن قربانك اليوم يا سيد عمرو؟!
- جمال عبد الناصر وبهتان عمرو موسى
- وبضدها تعرف الأشياء
- رجل غاب قمره وحضرت حكمته
- فنجان قهوة على الحائط
- داروا مع الشمس فانهارت عزائمهم
- بين روما ومونبلييه: رحلة في الفكر والتاريخ


المزيد.....




- فنانة تُنشِئ شخصيات بالذكاء الاصطناعي ناطقة بلسان أثرياء الت ...
- فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بناهي يمثل فرنسا في تر ...
- غداً في باريس إعلان الفائزين بجائزة اليونسكو – الفوزان الدول ...
- اليوميات الروائية والإطاحة بالواقع عند عادل المعيزي
- ترامب يدعو في العشاء الملكي إلى الدفاع عن قيم -العالم الناطق ...
- رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي ...
- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...
- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السعدنى - تُراه كان يكتبنا؟