سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1505 - 2006 / 3 / 30 - 09:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنها ليست »قمة« بأي معيار موضوعي.
هي بالكثير »نصف قمة« إذا قمنا بتقييمها بمعيار عدد الملوك والرؤساء الذين شاركوا فيها.
وهي أيضاً »نصف قمة« إذا قمنا بتقييمها بمعيار الوقت المخصص لجدول أعمالها، والذي تم اختصاره من يومين إلي يوم واحد.. بل ربما نصف يوم فقط.
وهي حتي أقل من »نصف قمة« إذا قمنا بتقييمها بمعيار الموضوعات المطروحة علي جدول أعمالها، والتي يمتلك الحاضرون صلاحيات البت فيها.
ذلك إن الموضوعات الرئيسية التي تتصدر أجندة »قمة الخرطوم« انتقلت كلها إلي »التدويل«.
ينطبق ذلك علي ملف العراق، وعلي ملف دارفور، وعلي ملف القضية الفلسطينية، وأيضاً علي الملف السوري ـ اللبناني.
وهذا معناه أن الزعماء العرب، أو بالأحري نصف الزعماء العرب الحاضرين للقمة، أو بالأحري نصف القمة، لم تعد لهم صلاحية البت في هذه الملفات.
ويصل هذا الوضع العجيب إلي أبعاد عبثية في حالة الملف العراقي، حيث نجد أن الرئيس العراقي جلال الطالباني كان من بين الرؤساء والملوك »المقاطعين« لقمة الخرطوم رغم أن المسألة العراقية تتصدر أجندتها.
وغياب الطالباني موقف »عملي« بالفعل، لأنه يعلم أن الحاضرين في الخرطوم لا يستطيعون أن يهشوا أو ينشوا، وبالتالي فانهم لا يقدمون ولا يؤخرون، والدليل علي ذلك أن المفاوضات الحقيقية للمسألة العراقية أصبحت تدور بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني.. وليس لهذا من معني سوي أن العرب خارج الصورة، وخارج التأثير.. سواء من خلال القمة أو من خارجها.
حتي المسألة التي يمتلك الزعماء العرب صلاحية بحثها، والنظر فيها، واتخاذ قرارات تتعلق بها، وهي مسألة الإصلاح السياسي والحريات في العالم العربي.. فلم يتم إدراجها أصلاً علي جدول الأعمال!
وهكذا وجدنا أنفسنا أمام مفارقات مدهشة.
حضرت الأزمات وغاب الزعماء.. مثلما هو الحال بالنسبة للملفات التي تم تدويلها علي النحو الذي أشرنا إليه آنفا.
وحضر الزعماء وغابت القضية.. مثلما هو الحال بالنسبة لملف الإصلاح والديموقراطية في البلدان العربية.
وهذا معناه أن قمة الخرطوم الأولي، التي عقدت منذ 39 عاماً في أعقاب أكبر هزيمة تعرض لهم العرب في تاريخهم الحديث كانت أفضل حالاً من قمة الخرطوم الثانية، وقمة العرب الثامنة عشرة، التي خطفت منها الأضواء انتخابات الكنيست السابعة عشرة.
فعلي الأقل كانت اللاءات الثلاثة التي تبنتها قمة الخرطوم الأولي دليلاً علي أن الجسد العربي كان لايزال ينبض بقدر من الحياة والمقاومة.
أما نصف القمة الأخيرة المنعقدة في الخرطوم إنما تجسد حالة موت سريري للنظام الإقليمي العربي والذي أصبح جثة هامدة.
لا أراكم الله مكروهاً في عزيز لديكم.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟