أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - قراءة في قصة ( بيت العنكبوت )














المزيد.....

قراءة في قصة ( بيت العنكبوت )


سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 5945 - 2018 / 7 / 27 - 20:09
المحور: الادب والفن
    



ما يلفت النظر في قصة بيت العنكبوت لخليل الجيزاوى هو اللغة .. ليست لغة إنشائية ، لا لحظات شعرية فيها ، أو لحظات سكون وتأمل ، هي لغة تندفع في لهاث محموم مع الحركة بشكل متوتر، ليس الهدف من هذه اللغة أن تكون أسلوبا لكاتب ومرجعا عليه ، بل قصديتها أن تكون أسلوبا لوضع مجتمع ، راصده لهاثه، كاشفة عيوبه .. تصدم وتعرى ... لا تعرف التزويق، لأنها ترفض وضع غطاء على الداء لنورد مقطعا :
(قال الإمام: السلام عليكم، فلم يمهله للثانية، تلفت يبحث عن الحذاء اللامع، لهث ناحية الباب الرئيسي، يضع نصف قدمه في الحذاء، بيده أشار إلي أول تاكسي، لهث وهو يعرج ويحجل بالقدم الثانية؛ لأنه لم يضعها بإحكام في فردة الحذاء)
هذه اللغة هي لغة خالية من الترهل ، تترافق بتطابق تام مع الأوضاع الخارجية للمجتمع والذات الفردية الحاضرة دائما داخل النص ... وما يبدوا لأول وهلة ثنائية بين الفعل والقول ، أي أفعال البطل مع الفتاة ثم نهيه لأخته في عده مواضع داخل النص ، ما هو سوى استقلال الذات الفردية عن المرجعيات الأخلاقية والروحية المتعارف عليها داخل المجتمع .
يوجد فرد .. وهذا الفرد يتمركز حول عالمه الخاص .. أي بينه وبين المجتمع انفصال وقطيعة معرفية .. أن الثنائية التي تتبدى لنا شكلا كأنها مسيطرة على النص ، هي في بعدها العميق: عدم اعتراف الفرد بالمجتمع وعدم اعتراف المجتمع بالفرد .. فكلاهما ينفى وجود الأخر .
تكشف القصة عن وضع تاريخي معقد .. هو بالخصوص نتيجة أوضاع سياسية خاطئة ..ولكي نقترب من النص بموضوعية تامة ، فعلينا أن نتأمل تلك التحولات التي جرت على المجتمع في العقود الأخيرة , تحولات في الرؤية والأفكار .. فالإنجاز الذي تم مقابل الانتصار هو الضياع ، والتضحيات سلبت ، والمثل العليا انتهكت ، ولا جدوى من الانتقادات والاحتجاجات .
وليس صدفة في قصتنا تلك إن يأتي البطل من خارج المدينة كما يذكر النص :
(فقد جاء هو وشقيقته للقاهرة ليلتحقا بالجامعة، هو في كلية الآداب وأخته في كلية العلوم،)
إن مدينة كالقاهرة بكل جبروتها وعنفها ، تطرح إشكالية الانحلال والغربة بشكل دائم .. وهناك تعبير موجز على لسان البطل :
(امتد الحديث بينهما ساعات، وهو يكلمها عن وحدته، وغربته في مصر المدينة التي لا تعرف مؤانسة الغريب. )
ثم يكررها كتأكيد على الفكرة :
(أولاد الشوارع الهاربين، التائهين في مصر المدنية التي لا تحتضن الغريب أو تحنو عليه.)
في هذه المدينة الغريبة المتحررة ، يتحرر الفرد من تراثه الأخلاقي والروحي ..وتنكشف لنا في هذه اللحظة إن الفرد البطل ، بوعيه الداخلي الناقص والمشوه ، وبفكره المتحور حول نفسه وتحرره الأخلاقي ، تحول ليكون معادلا فنيا لعالم خارجي غير أخلاقي ، منحل وعنيف لا يحنو على أحد :
(المدنية التي لا تحتضن الغريب أو تحنو عليه.)
.. وبذا يكون بيت العنكبوت ليس بيتا لفرد .. بل بيت يعيش فيه مجتمع .
بيت واهن وضعيف لا يحمى من الحر والبرد وهو في ذات الوقت مصيدة موت للغريب ، وفي هذا البيت الضعيف الذي ضرب به الله المثل لمن أشرك به ، ابتعد الفرد فيه عن الأخلاق والدين ، وحدث بينه وبين المجتمع قطيعة معرفية وانفصال .. هو فرد غير قادر على العطاء ، مبتعدا تماما عن الإحساس الإنساني ، وما يتبدى لنا في الظاهر انه ثنائية في تعامله مع أخته كما يسجل النص :
( ضبط أخته واقفة في البلكونة، هاج وثار ولعن وأمر بعدم الوقوف مرة ثانية. )
هو في الحقيقة رد فعل عنيف ضد مجتمع ، يقود الفرد إلى افتقاد تام لرهافة الإحساس ، ويجعله غير قادرا على الحب الإنساني والخلق الإبداعي ، فرد أصبح في الحقيقة تمثيلا للقبح والعنف ... عاكسا تماما وبصورة أصيلة أوضاع مجتمع ، يحطم القلب ويبعده عن دفء الحياة .
ويتمثل أمامنا الجسد الأنثوي المنتهك بطريقتين :
الأولى : انتهاك بالقول بالنسبة إلى الأخت ، لأن الأخ لم يعد يرى فيها أخت تشعر وتحس وإنسان يحتاج أيضا إلى الحياة ، بل فقط مجرد جسد يتربص به الآخرون
والطريقة الثانية : انتهاك بالفعل مع الفتاة الأخرى ..عبر علاقة شهوة لا تنتج، محكوم عليها بالدمار، عبر وسيلة رمزية تستخدم لعدم الإنجاب .
يجتمع الاثنان: الانتهاك بالقول والانتهاك بالفعل، ليجسدا معا انتهاك لجسد المجتمع .. جسدا أصبح مشوها خربا .. قد يكون جميلا من الخارج بالزينة والأضواء وعوامل الزيف ، لكنه بالداخل فضاء خرب ... ربما يكون الكاتب لمس ذلك بشكل مقصود أو بشكل عفوي ، لكن البنية الدالة على الخراب طافحة على النص .
إن الجسد الاجتماعي منتهك .. مهدد في إبداعه وتاريخه وتراثه الروحي ، ويعبر النص عن انكسارا ته وتصدعاته ...
وإذا كان الفرد هنا ينتهك جسد المرأة / المجتمع
فيكون الفرد هنا تحول بشكل مأساوي من فرد يعمل مع المجتمع، إلى فرد منفصل عن المجتمع ، ثم إلى فرد عدو للمجتمع .
-----
خليل الجيزاوى- كاتب مصرى



#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصة ( رانيا )
- قراءة في رواية -على قيد الموت-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية -الجزءالثالث عشر
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية -الجزء الأخير-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية -الجزء الحادى عشر-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية -الجزء الثانى عشر-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء االتاسع-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء العاشر-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء االسابع-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية -الجزء الثامن-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء االخامس-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء االسادس-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء الثالث-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء االرابع-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية - الجزء الثاني-
- -الصمود والهوية في لوحات فلسطينية -الجزء الأول
- تخريفات مفلس للخروج من الخرابة
- تأملات بشرى في الاحوال البشرية !!
- سيناء وضحايا الأكاذيب الكبرى
- مقدمة لديوان (على ذاك الكثيب)


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - قراءة في قصة ( بيت العنكبوت )