أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - العباءة السوداء














المزيد.....

العباءة السوداء


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5929 - 2018 / 7 / 10 - 17:18
المحور: الادب والفن
    


العباءة السوداء
الكاتب:د. مظهر محمد صالح 02/7/2014 12:00 صباحا

كان سوق البزازين وسوق دانيال في بغداد في خمسينيات القرن الماضي يزدهران بالمنسوجات الرائعة التي تداعب الذوق بدون استئذان يذكر، وبألوان من طيف يدرك سر افتتانه الصارخ من ضوء مصابيح السوق نفسه. أمسكت بأمي التي التفت بعباءتها الداكنة السوداء التي أحاطت رأسها وعنقها حتى أسفل قدميها باستثناء بصرها اللامع وأنا مازلت أمسك بقوة طرف عباءتها كي لا أفقد بوصلة طريقي معها في ذلك السوق الذي اكتظ بالنسوة المتبضعات من كل صوب. ولم أجد شكا في هويتهن لأن الجامع لهن هو ذلك الرداء الأسود الذي التفت به النساء كافة وكأنه زي مدرسي موحّد.. إنها حقاً قطع بشرية مغلفة بالسواد المطلق تتحرك على طرفي السوق مثل أفواج النمل، تتجمع وتتفرق أمام مخازن الأقمشة والتبضع المزدهرة الساطعة بألوانها. وتلامسك بين الحين والآخر وخزة قوية من أحد الحمالين ممن وضعت على اكتافه لفائف الأقمشة الحريرية وغيرها.. وكأنما يحمل على منكبيه أو ظهره طيفا لونيا أخفى معالم شقائه لشدة اختلاط الضوء المنبعث من دكاكين القماش بعضها البعض.. ولم تستطع أن تعرف من معالم ذلك الحمّال ككائن بشري سوى أرجله المتحركة الضاربة في الأرض. قلت في سري إنهم الفقراء الطيبون الذين تكَفنهم اليوم أقمشة الحياة المزدهرة الألوان وهم من شق أحدهم الصفوف متحركاً عبر المارة ويطلق صيحة واحدة مكررا صداها..انتبه!! إنها كلمة يكررها وهو مجهد السير مقاوماً المارة برجليه الحافيتين بعد أن تصلبت ملامحه من شدة التعب قبل أن يتقاضى أجره وقوت حياته!. توزعت افكاري المتضاربة في سوق البزازين واختلطت يومها ضوضاء الناس بالألوان. وبين حركة الكتل النسوية الملتفة بالعباءات الحالكة السواد، وألوان الأقمشة الزاهية التي استباحت السوق من كل زاوية عبر سلاسل الدكاكين الثابتة وحركة الحمالين وهم محملون ببضائع مختلفة الطيات ومتنوعة الألوان، فلم يتشكل في هذا الفضاء سوى القوى الصانعة للسوق وفرصها السعيدة المربحة. اختلط وهج الضياء الذي زحف سراً من زوايا أحد الدكاكين ليشع من مرآة قرب بابه، عاكساً شعاع الشمس المائلة من أحد سقوف السوق. فتوقفت أتطلع الى اللون الجديد الذي جاءت به السماء من خارج ألوان طيف سوق البزازين، وأنا ما زلت أمسك بطرف العباءة السوداء، لأكتشف بعدها ان ذيل العباءة السوداء التي أمسك بها هي ليست عباءة أمي! إذ التفتت تلك المرأة العنيفة بعد أن تقيض وجهها حنقاً وتجهماً قائلة لي: ابحث أيها الصبي عن أمك!.. وما كان عليً إلا أن أرميها بصرخة مكتشفاً ان عباءتها السوداء، هي من جنس آخر وانها ليست البوصلة التي اهتدي بها سبيلي، انها عباءة سوداء أخرى ليست عباءة أمي! ولا تحمل مشاعر الامومة نفسها ولا هي العباءة التي التف بها التي تقيني الحر اللافح والبرد القارس انها عباءة مختلفة مختلفة حقاً!!. تزحزحت الى الوراء وأنا في خيبة الضياع وتزاحم العباءات السوداء الداكنة، وأنا أبحث عن حل لذلك اللغز الضائع على قطعة الشطرنج السوداء ذات المربع الواحد. ولم أستطع وأنا في متناول الهم والخوف أن أميز حينها بين الليل والنهار بعد أن اختفت الالوان كلها وغاب طيفها في تلك العتمة المتحركة من النسوة... وفجأة امسكت امي بيدي وهي تتنهد في خيبة عميقة ورمقتني بريبة قائلة: ستبقى الى جانبي يا بني دوماً واياك وان تفقد بوصلتك مرة أخرى وتمسك بعباءة امرأة أخرى غير امك! اجبتها بخوف: كلا! لن أمسك بغيرك وانا أواصل السير معها بخطوات ثقيلة.. ولم تفلح يومها زفرات الخريف الرطبة في تلطيف ذلك الجو المشحون بالخوف والاسى، وأمسيت حينها كالممزق الذي يقتله الأقوياء اويهزأ به الضعفاء. ختاماً، وإن اختلفت العباءت باختلاف النسوة، لكن ظلت جميعهن بلون واحد ومذاق واحد. فالعباءة هي واحدة.. وامهات بلادي هن أم واحدة..!!



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفساد في آطار علم الاقتصاد السلوكي (3)
- المرابي الجديد...!
- النظرية الاقتصادية المفسرة للفساد...الى أين هي؟
- الفساد في آطار علم الاقتصاد السلوكي (2)
- الفساد في إطار علم الاقتصاد السلوكي. (1)
- عصر السينما وعبق الذرة
- الاقتصاد السياسي للتلوث
- اوكسجين الفكر
- الخيار العقلاني المستدام
- مفارقة صولو..!
- نخيل العصر الرقمي
- الأدراج الحرة
- بيت لكل أسرة
- جاين أوستن..هدوء العاطفة!
- المال لا ينام....!
- أرصفة الحكمة
- ماسح الأحذية..!
- الدواء المغترب ...!
- غذاء الآلهة !
- لعبة الجبناء...!


المزيد.....




- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - العباءة السوداء