أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - التكريم - قصة قصيرة















المزيد.....

التكريم - قصة قصيرة


أحمد اسماعيل اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 1500 - 2006 / 3 / 25 - 04:32
المحور: الادب والفن
    


طرقات متتالية وقوية تنزل على باب دارنا، فينتفض لها جميع أفراد العائلة، تاركين فرشهم لينتصبوا في فناء الدار، وقد استولى عليهم الخوف والذهول، وكأني بهم في حضرة شيء غريب ومخيف.
-من عساهم أن يكونوا؟ وفي هذا الهزيع الأخير من الليل ماذا يريدون؟؟ كان هذا السؤال الأوحد الذي شغل بال الجميع، وإن لم تنبس به شفة.
ازدياد الطرق على الباب، وبإلحاح شديد، جعل كل النظرات التي غشاها الفزع تلجأ إليَّ –مستفهمة ومستغيثة- أنا رجل البيت وعماده، لكن الخوف الذي استيقظ لتوه في داخلي، خوفي أنا، كان قد شل حركتي تماماً، وعقد لساني بألف قيد، ويبدو أن أبي العجوز قد يئس من استيعابي للموقف فبادر هو واتجه صوب الباب ليفتحه، سأل بخوف:
-مـ…ـن؟
فأتاه أكثر من صوت مجيباً:
-نحن.. افتح بسرعة و..إلا.
وما إن مسَّ والدي مفتاح الباب وسحبه، حتى اندفع إلى الداخل ثلاثة من رجال الشرطة، وكأنهم وحوش كاسرة، وعلى الفور اتجهوا صوبي، وضعوا السلاسل في يدي ثم دفعوني بعنف، وفي الخارج حشرت في سيارة جيب عسكرية سرعان ما انطلقت بنا كالبرق.
توقفت السيارة أمام بناء لم أره في حياتي قط، قذف بي الرجال من داخل السيارة، ثم دفعوني إلى داخل البناء. أغلقوا الباب عليّ ورحلوا، فوجدت نفسي وأنا أسير وحيداً في ممر طويل وغريب، كانت جدره وأرضيته وسقفيته كلها من المرايا العاكسة، وكلما سرت فيه أكثر وأمضيت في التقدم، وحيث يممت وجهي، أجد صورتي وقد اتخذت أشكالاً مثيرة للفزع والقرف الشديدين.
انتهى بي السير في هذا الممر إلى باب عريض بعض الشيء؛ له شكل مهيب وجليل. طرقته بتردد وخوف. أتاني الجواب بأن أدخل، فدخلت. كانت الغرفة خالية تماماً من أي أثاث، بينما رجل يجلس خلف طاولة وقد غرز نظراته في سجل أسود ضخم، حييته، رفع إليّ وجهاً متجهماً حاد القسمات، لم يكن غريباً علي، ولكنني لم أتعرفه. أخذ يتفحصني بعينين تقدحان شرراً، وبعد صمت استطال لثقله، تبادلنا خلاله النظرات، راح يحاصرني بأسئلة، بل باتهامات كانت كالأنشوطة تلتف حول عنقي شيئاً فشيئاً، ووجهه خلال ذلك يتبدل ويتعدد ليتخذ صورة أناس أعرفهم ولا أعرفهم، وأنا مستلب تماماً، مأخوذ ومرعوب، وأخيراً قال لي وهو يصر على أسنانه:
-أنت دودة: دودة قذرة.. ويجب أن تسحق كدودة.
وبكل برود وإصرار قام من خلف طاولته، رماني أرضاً، ثم أخذ يطأني بقدمه. أطلقت صيحات النجدة والاستغاثة، وهو يمعن في سحقي بلا رحمة ولا شفقة، وأنا من شدة ألمي أستغيث وأصرخ، وقدمه كجبل هائل تجثم فوقي، تضغط وتسحق جسدي حتى.. حتى وجدتني أفتح عيني مرعوباً على صياح زوجتي تصرخ فيّ:
-نوري.. نوري.. قم يا رجل. أنت تحلم وبابك يكاد ينخلع من شدة الطرق عليه.
حقاً، كان توالي الطرق القوي على الباب لحوحاً ومزعجاً، فاتجهت بسرعة لأفتحه، وأنا مصمم –من شدة حنقي- أن أمسك بخناق هذا الطارق المجنون. فجأة، وقبل أن أمس قفل الباب، أحسست بقدمي وقد تسمرتا في مكانهما.. مالي يا رب؟! أهو الخوف يستيقظ في داخلي مرة أخرى.. أم ماذا؟؟.
تلفتّ حوالي مرعوباً ومستغيثاً، لعل والدي يبادر فيفتح الباب، أو فلتبادر أمي، أو زوجتي.. أو حتى طفلتي هناء.. لا يهم، المهم ألاّ أفتحه أنا، إلا أن ازدياد الطرق على الباب جعل والدي يصيح فيّ:
افتح يا ولدي.. ما بك! ألازلت نائماً؟
وما إن مسست قفل الباب وسحبته، حتى اندفع إلى داخل الدار ثلاثة رجال فبادرني أحدهم قائلاً:
-لماذا تأخرت يا سيد نوري؟ إنهم بانتظارك. هيا.
-بانتظاري؟! من؟
سألتهم كالمصعوق، فلم أتلق جواباً، ولست أدري سبباً لذلك. أهي حالة العجلة والإرباك التي هم فيها، فلم يصلهم صوتي، أم هو الخوف خنق صوتي، فلم تنبس شفتي بحرف.
صعدت إلى السيارة بعد أن ارتديت ثيابي على عجل، وأنا نهب لجيوش من الأسئلة والهواجس المقلقة: (من هم بانتظاري يا ترى.. أيعقل أنهم كشفوني.. أبهذه السرعة؟!). تمنيت لو أستطيع أن أسألهم عمّن ينتظرني.. ولماذا؟ ولكن إحساسي بالخوف وبالخجل منعني فصمت، لكن هواجسي لم تصمت بل ظلت تصرخ وتنبح في داخلي:
(أيعقل أن قسم المراقبة والتفتيش قد قدم من العاصمة، ممكن.. يجوز.. ولم لا إن صح ذلك يا نوري يا أبو العز وجاءت اللجنة. فإنها والله نهايتك، ويا لها من نهاية، ستخرج وحدك -بعد التدقيق- من المعمل إلى السجن مباشرة، وربما إلى حبل المشنقة، لأنك ستكون المزور والحرامي الوحيد في هذا المعمل كل المصائب ستقع على رأسك، أما أولئك الذين صار لهم سنوات وسنوات وهم ينهشون و(يهبشون)، يزورون في الحسابات،يدخلون بضاعات وهمية، يخصمون من ساعات عمل العمال، و.. و.. فلن تطولهم يد طبعاً. بل ستحمل وزرهم أنت، أنت وحدك.
ومديرك المحترم سيخرج هو أيضاً- بعد أن ورطك- مغبوناً وطيباً جداً، فهو ابن حرام مصفى، يلعب على مائة حبل ولا يقع، ولن يبقى وقتها في الميدان غيرك يا(حديدان).. آه يا رب، ما هذه الورطة، كيف الخلاص الآن..))
-أبا النور.. يا سيد.. ألا زلت نائماً -تفضل.
هزني أحدهم من كتفي وهو يدعوني للنزول من السيارة والتي توقفت أمام باب المعمل.
ما إن ترجلت وسرت بضع خطوات باتجاه مكتب المدير، حتى هالني منظر هذا الجمع أمامه، أحسست بخدر وثقل في قدمي، كان الخوف قد تملكني تماماً، الخوف: هذا الوحش الذي أحال حياتي إلى جحيم لا يطاق، وذلك بعد أن أعطيت ضميري إجازة أبدية- كما نصحني السيد المدير، ورحت أسايره وأنفذ كل ما يطلبه مني، مثلي مثل آخرين غيري.
-الأخ نوري.. أهلاً. تعال .. تفضل إلى هنا.
تلفت ناحية الصوت فإذا بمديرنا يدعوني إلى صعود المنصة، وقد تربع عليها هو وهيئته الإدارية، وابتسامة متزلفة من تلك الابتسامات التي يصطنعها المسؤولون في المناسبات قد رسمت بإتقان على شفتيه. وما إن صعدت إلى المنصة وتكورت على كرسي، حائراً مضطرباً، حتى وجدت السيد المدير يتقدم من (الميكرفون) وهو يستل من جيبه ورقة، وبعد نحنحات وحمحمات قصيرة، فض ورقته ثم راح يخطب في جموع العمال المتجمهرة أمام المكتب. بداية، هنأ العمال بيوم عيدهم، الواحد من أيار، والمصادف اليوم، ثم حثهم على المزيد من التفاني في الإنتاج من أجل رفاهية المواطن وتقدم الوطن، كما تحدث عن الأهمية الوطنية لعملنا في هذا المعمل، والذي يقدم خدمة جليلة للشعب، ولم ينس أن يهاجم الإمبريالية العالمية شارحاً لهم دورها القذر في إفقارهم ونهب الأوطان و.. و الخ، ثم قال:
-يا عمالنا الأعزاء، أيها الأبطال، وكما اعتدنا أن نكرم في هذا اليوم المبارك من كل عام أحد المبرزين من عمالنا، أحد الذين وهبوا أنفسهم لخدمة الإنتاج وتطويره، أحد الذين عرفنا فيهم الإخلاص والتفاني، فإننا كإدارة، وبترشيح من وحدتكم النقابية، وباسمكم جميعاً، وجدنا أن نكرم، هذا العام، السيد نوري أبو العز.
ولم أدر ماذا حصل بعد ذلك، ولا كيف انتهى الاحتفال في ذلك اليوم. لكن ما إن قلدني السيد المدير الوسام، حتى تحلق حولي جمع من الحضور مهنئاً ومباركاً، وأنا وسطهم مذهول وموزع بين التصديق والتكذيب لما يجري، ويدي ترتفع آلياً ليشد عليها المهنئون والمباركون.



#أحمد_اسماعيل_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أقصوصة - حصالة سالار
- أقاصيص
- الشخصية في مسرح الطفل
- الكردي في المسرح السوري
- الطائرات وأحلام سلو - قصة قصيرة
- أوْرَبة تركيا ..أم توركة أوربا ؟
- التلقي المسرحي لدى الطفل
- الإرهاب في الدراما التلفزيونية
- قصص قصيرة جداً
- الكرد في سوريا - تجنيس الأفراد ..دون الشعب
- قصة- الاعتراف
- الديمقراطية السوداء - ماركة عربية مسجلة
- علي بابا والأميرة شمس النهار- وجبة مسرحية نموذجية
- ثمار الدكتاتورية المرة
- في المدينة الموبؤة الأستبداد وباء لا يستثني أحداً


المزيد.....




- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد اسماعيل اسماعيل - التكريم - قصة قصيرة