أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - شوكت خزندار - القسم الثاني لتقييم بحث مكرم















المزيد.....



القسم الثاني لتقييم بحث مكرم


شوكت خزندار

الحوار المتمدن-العدد: 1497 - 2006 / 3 / 22 - 10:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


(الشعب الكردي بحاجة إلى حزب عمل وليس إلى حزب أمل ؟ فهد )
الجزء الثاني

ومرة أخرى ، أرى من المفيد الاشارة إلى :

حدثنا السكرتير العام السابق للحزب الشيوعي العراقي ، السيد عزيز محمد ، كما حدثني شخصياً عن الحوار الذي دار بينه وبين المرحوم مصطفى االبارزاني على أثر وصول حزب البعث الى دفة السلطة في 17/7/1968 قال :

( عند لقائي مع البارزاني ، طرحت أهمية وضرورة العمل الوطني المشترك وعن أهمية إنبثاق الجبهة الوطنية بيننا وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعدد آخر من القوى الوطنية على الساحة العراقية ... خلال ساعة كاملة وأنا أتحث مع المرحوم البارزاني ، وهو مستمع بانتباه شديد ، وبعد أن انتهيت من حديثي طلبت وأنا أنتظر بفارغ الصبر والرغبة أن أسمع رأي البارزاني . )

( المرحوم البارزاني ، لم يكن من المدخنين ، ولا يحمل " السبحة " كما هو سائد بين الأكراد ... والبارزاني يحتفظ دوماً بشدة من قصب الأشجار بطول خمسة عشر ( سنتم ) ، ويحمل سكينة صغيرة حادة تسمى باللغة الكردية " قلم بر " أي مبرد أقلام الرصاص ... خلال فترة حديثي معه كان يبرد تلك الأغصان ، ويحتفظ في كفه الايسر الغصن المبرد ( المكشطة ) ... ثم قرب كفه إلى الفم ونفخ على الخشب المبرد ... فانتشر مبرد الأغصان على أرضية الغرفة وسكت .. وأنا بانتظار الجواب على ما طرحته حول أهمية العمل الوطني والجبهة وبعد أن سكت البارزاني برهة من الزمن دون أن يصدر منه أي كلام ، طلبت منه جواب على ما طرحته لمدة ساعة وأنا أتحدث معه .

فإذا ببرزاني يقول : لقد أجبتك عندما نفخت على براد الغصن ... انك تتحدث عن الحزب والأحزاب ، أي حزب تتحدث عنه ، فجميع تلك الأحزاب التي تتحدث عنها سوف تطير بمجرد نفخة مني . ) طبعاً يقصد بضمنهم الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسته . ؟

هذا هو بالتمام والكمال ، وجهة نظر المرحوم مصطفى البارزاني حول العمل الحزبي والأحزاب ، بالمناسبة جميع القيادات الحزبية لحزب هيوا على معرفة تامة بوجهة نظر البارزاني حول العمل الحزبي ، ولم يكن توجهات البارزانيي خافية على تلك الشخصيات والقادة الحزبيين ، وإني أعتقد عندما كان المرحوم رفيق حلمي ، يحاول بشتى الطرق في نقل مقر حزبه إلى منطقة بارزان ، كان على دراية تامة بوجهة نظر البارزاني حول العمل الحزبي وقيادته ، رغم إنني متفق مع وجهة نظر الباحث مكرم حول يمينية المرحوم رفيق حلمي وتوجهاته ومحاولاته للاتفاق مع الحكومة الملكية والدوائر البريطانية المتنفذة في العراق ، للحصول على مكاسب شخصية وابراز نفسه كزعيم العظيم ـ كما قال مكرم عنه . فهذا الأمر شيئ ، والحديث عن قناعات البرازني حول الحياة الحزبية شيئ آخر ، هذا هو قناعاتي ووجهة نظري من خلال ما أكتسبته من تجربتي والحياة السياسية . فلقد سمعت الكثير وقرأت الكثير أيضاً عن شخصية المرحوم مصطفى البارزاني ، ولقد لخص السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي عزيزمحمد ، عندما سألته في احدى المرات أعطائي ملخص تصوره بشخصية البارزاني فأجاب :

( مصطفى البرزاني كتلة من المتناقضات ، فهو له خبرة مكدسة في مجال العمل العسكري والكفاح المسلح وهو قدير من هذه الناحية وهو أيضاً قدير في موازانات للعمل السياسي ، وهو شديد التمسك بالفردية والاستبداد عند قيادته للحركة والعمل السياسي ، ويحتفظ دائماً بالعناصر الموالية له من شتى الاتجاهات السياسية والفكرية وعدد غير قليل من المرتبطين بالدوائر الخارجية كانت بريطانية أم أمريكية أو غيرها ... فالتعامل مع البارزاني في غاية الصعوبة .الخ) كما تحدث عزيز محمد .

بالمناسبة ، كان المرحوم البارزاني يحترم جداً عزيزمحمد ويقدره ، وكان عزيزمحمد يحظى بمقابلة البارزاني في أي وقت شاء دون أية مواعيد مسبقة ، وعزيزمحمد كان من القلائل جداً وهو يسير مع البارزاني جنباً إلى جنب ، والسكرتير للحزب الشيوعي السابق كان يتصرف مع البارزاني كما يريد الأخير هذا هو جوهر العلاقات بين الأثنين .

العودة إلى بحث مكرم أقول :

صحيح إن الحركة القومية الكردية جوهرها وطابعها ، ذات طابع تحرري وديمقراطي ، لأنها حركة انبثقت من أجل التحرر القومي وتحقيق طموحها المشروع في حق تقرير المصير وصولاً إلى تكوين دولتها الوطنية المستقلة والقضاء التام على واقع تجزئة وتقسيم أرض كردستان وتشتيت الشعب الكردي بين عدد من الدول المحاطة أو المجاورة لكردستان بفعل الاستعمار والاستعماريين ، الاستعمار البريطاني والفرنسي من خلال اتفاقية سايكس ـ بيكو ، عام 1916 وتصفية التركة للامبراطورية العثمانية ، كما تم تمزيق خارطة الشعب العربي وتكوين كيانات قطرية متنافرة ومتعارضة فيما بينها والقضاء على وحدة الأمة العربية ، وذلك من خلال وضع الحاجز الكمركي بين الاقطار العربية كافة ، وكما هو واضح ان وضع الحاجز الكمركي بين أبناء الشعب الواحد ( العرب ) هو أهم عنصر وعقبة لوحدة الأمة ، أية أمة ، كما نراها اليوم كواقع الحال بين الاقطار العربية ، فالقطرية والمصالح المتضاربة بين الاقطار العربية، السياسية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية منها، هي أهم العوامل المعيقة لوحدة الأمة العربية . وهذا ما ابتغته القوى الاستعمارية المعادية لوحدة الشعوب وتحررها منذ اتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916 ، كما أشرت سالفاً .

ان ما ينطبق على الشعب العربي ( الأمة العربية ) ، ينطبق على الشعب الكردية والأمة الكردية ، بصورة أشد وأقسى لما جرى للأمة العربية ... فتم تقسيم الكرد وكردستان بين دول لها أطماعها وأهدافها للأستحواز على الموارد والخيرات الطبيعية الموجودة في أرض كردستان الكبرى ، إضافة إلى الاختلاف الجوهري بين القومية الكردية وبين الشعوب التي استولت على أقسام من أرض كردستان والمعادية أصلاً للقومية الكردية ، كالفرس والاتراك العنصريين .

لذا إني نوهت سابقاً من خلال مقالات وكتابات عدة ، ان الحليف الطبيعي والاستراتيجي للأكراد والأمة الكردية ، هي الأمة العربية والشعوب العربية حيث ان المصالح المشتركة في التحرر القومي الناجز بين الأمتين العربية والكردية حاجة وضرورة أمام الأمتين العربية والكردية ، وهي متوفرة .

لقد مزقت خارطة كردستان ، شر تمزيق ، كما مزقت خارطة الشعب العربي أيضاً ... فكردستان الشرقية محتلة من قبل إيران ، وكردستان الشمالية محتلة من قبل الاتراك .

ونري أيضاً الأهواز العربية محتلة من قبل الفرس والإيرانيين، ولواء الأسكندرونة السورية محتلة من قبل الاتراك وتركيا العنصرية ، وأرض فلسطين محتلة من قبل الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية كما هي حال الجولان السورية ..

ناهيك عن احتلال الجزر الثلاث الإماراتية ، طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى في زمن شاه إيران المقبور ، وإستمرار وإصرار الجمهورية الاسلامية الايرانية على الاحتفاظ بالجزر الثلاث الاماراتية ، كما نوهت أعلاه .

وهكذا إني أرى ان العامل المشترك والتحالف الاستراتيجي بين العرب والاكراد ، يفرض نفسه بقوة رغم الانكسارات والتراجعات والمواقف المعادية لعدد غير قليل من الأنظمة العربية القطرية تجاه طموح وأهداف الشعب الكردي في التحرر والاستقلال والاعتراف بحق الاكراد في تقرير المصير وإقامة دولتهم الوطنية المستقلة ، فيجب وبالضرورة النظر إلى مواقف بعض الأنظمة العربية القطرية ، بانها وقتية وزائلة بمرور الزمن حيث تمثل هذه المواقف ، مصالح الفئات التي ارتبط مصير نظامها ومستقبله بالمصالح الامبريالية المتعارضة مع مصالح شعوبها في التحرر من التبعية والهيمنة ، مما يستوجب الاستمرار في النضال المشترك بين العرب والاكراد ، حتى القضاء التام على عوامل التجزئة والتأخر للشعبين الشقيقين ، العرب والاكراد ، وطرد المحتلين في عراقنا العزيز ، مع إقصاء اليمين المتطرف لكلا الشعبين العربي والكردي وإقصاء الرجعية العربية والكردية على حد سواء وفضح وتعرية العملاء والمتواطئين مع الامبريالية والصهيونية العالمية وفي المقدمة الامبراطورية الأمريكية والمتعاونين والملتصقين مع رموز وأقطاب اليمين المسيحي المتصهين في الإدارة الأمركية ، وهذا الهدف النبيل لن يتحقق إلا بالنضال المشترك بين العرب والاكراد والاعتراف المتبادل دون التشنج والتهرب من واقع الحياة ، فلا بد في نهاية المطاف الوصول إلى إقامة الدولة الكردية الوطنية المستقلة على أرض كردستان ومن أجل شعب كردستان ، عندما تتوفر الظروف المحلية والأقليمة والدولية لتحقيق هذا الهدف والطموح بالنسبة لشعبنا الكردي المناضل .

فهل ياترى ، القيادتين الكرديتين الحالية في كردستان المفروضة على رقاب شعبنا ، بقوة ودعم القوات الأمريكية والبريطانية المتصهينتين، مؤهلة لتحقيق هذا الهدف المنشود وطموح شعبنا الكردي المناضل ؟

ان هذين القيادتين الكردية ، لهي عاجزة عن تحقيق الحد الادنى في توفير أجواء الحرية والديمقراطية اللتين ينشدهما الاكراد في كردستان العراق ، تماماً كعجز الأنظمة العربية الرسمية في تحقيق طموح الشعب العربي في الحرية والدمقراطية ناهيك عن تحقيق الاستقلال الناجز .

ما أشبه اليوم بالبارحة .!

في هذا الظرف التاريخي الهام والحاسم ، بالنسبة لشعبنا العراقي عامة ولشعبنا الكردي خاصة . قدمت إلى القراء عرباً وأكراداً كتاب الدكتور مكرم لطالباني تحت عنوان ( حزب هيوا ) على شكل حلقات متسلسلة بلغت حلقاتها 18 حلقة. كان البحث القيم الذي قدمه مكرم الطالباني ودراسته التحليليه للحركة القومية الكردية ولتاريخها النضالي المرتبط بنضال شعبنا العراقي من اجل التحرر والانعتاق ومن أجل نيل شعبنا الكردي لحقوقه القومية ، أعطانا درساً بليغاً لتجارب حركتنا القومية الكردية المليئة بالمآسي والمعاناة والتراجعات والانكسارات ، والتي كان لليمين السياسي والعشائرية المتعصبة ، كان عاملاً حاسماً لضياع الحقوق القومية بمختلف منابعه داخل حركتنا القومية الكردية وامتداداته الاقطاعية المشروعة والتسبب بماسي شعبنا لعقود طويلة .

وبما ان البحث كان يمتد بنظرته لعقود خلت ، فهو يستحضر ذهن ووعي القوميين والوطنيين من ابناء شعبنا بتجارب حركتنا القومية الكردية وعلاقتها التاريخية المغيبة حاليا بالحركة الوطنية العراقية عموما ، والدور الذي يقوم به ورثة القيادات العشائرية والاقطاعية في عراق ما بعد الاحتلال، باقامة كياناتهم الخاصة وقد نسوا بفعل نشوة ما يحققون انه لايمكن ان يستمر من يعضدهم الان ويستخدمهم لمصالحه ، بالاستمرار والوجود ، مع جملة المتغيرات الحاصلة والقادمة ، والتي سيدفع فيها شعبنا ثمنا باهظآ.

وهنا لابد أيضاً من الاشارة والعودة إلى الماضي القريب منذ عام 1992 وإلى اليوم فالقيادات الكردية الرسمية مطالبة بتقديم كشف الحساب أمام شعبنا الكردي المناضل وبالاحصائيات الرسمية :

1 ـ كم من المدارس ورياض الاطفال تم بناؤها في المدن الكردية : السليمانية وقصباتها وأطرافها ؟ أربيل وقصباتها وأطرافها ؟ دهوك وقصباتها وأطرفها ؟

2 ـ كم من الطرق والمواصلات والحد الأدنى من الضروريات الحياتية والمتعلقة بصحة الانسان الكردي كالمستشفيات والمستوصفات في أرجاء بلاد كرستان ؟ كم من الجامعات تم استحداثها ؟ أو توسيع الجامعات واتساع وزيادة كلياتها التي كانت موجودة قبل عام 1992؟

3 ـ ما هي الإصدارات فيما يتعلق بتاريخ الكرد وكردستان ؟ وما يتعلق بالإصدرات في الأدب والشعر والروايات والقصص وقصص الأطفال ؟

4 ـ كم من الصحف والمجلات السياسية والأدبية والاجتماعية حرة ومستقلة غير خاضعة وغير مسيرة من قبل الحكومتين في السليمانية وأربيل ؟

5 ـ ما هي الأرقام المتحققة في مجال محو الأمية ، خاصة ان نسبة الفلاحين في كردستان تصل إلى 80% والأكثرية الساحة هم من الأميين ؟

6 ـ ماذا حدث وبالأرقام فيما يتعلق بتوزيع أراضي كبار الأقطاعيات الكردية على الفلاحين الفقراء ومساعدتهم في توسيع الزراعة كالمكائن الزراعية ، الحاصدات والتراكتورات وما إلى ذلك ؟

7 ـ ما هي حصة وحجم المنح الدراسية لطلاب القصبات والأرياف الكردية لمواصلة داراساتهم في الجامعات المتواجدة في المحافظات الكردية ؟

8 ـ ما هي وبالأرقام الرسمية حجم المنح الدراسية للخريجين من الجامعات الكردية لأستكمال الدراسات العليا خارج كردستان العراق ، في الدول أوربا الغربية والشرقية وفي الولايات المتحدة الأمريكية ؟ أليست كل هذا الطلبات والمهام من مستلزمات بناء الدولة الكردية مستقبلاً ... والقيادات الكردية الرسمية تتحدث ليل نهار في حق تقرير المصير والدولة الكردية ؟

9 ـ ماذا تحقق في مجال حقوق الانسان والحريات العامة ؟ هل يكفي القول والتبجح بأن كردستان صاحة تجربة ديمقراطية ومركز اشعاع للعراق قاطبة ؟

10 ـ أين استقلالية القضاء والقضاة ؟ يتم إصار الحكم بثلاثين عاماً لمجرد ان الكاتب الفلاني قد كتب مقالة أو مقالتين في المواقع الألكترونية يطالب بحقوق الإنسان والحريات الديمقراطية ، وتعلن السلطات المسئولة في كردستان بان زيد من الناس قد حكم بحكم القانون وفي قضاء مستقل ؟ ولا حقاً وبأمر المسئول الأول يتم إلغاء الحكم ضارباً استقلالية القاضي عرض الحائط ، بعد أن قيل الكثير عن استقلالية القضاة ؟

عدد غير قليل من أساتذة جامعة صلاح الدين في أربيل يشيرون إلى ما جاء في النقاط أعلاه ، وأنا استوحيت الآراء والأفكار بصورة مركزة في النقاط السالفة ذكرها من أحدهم وهو الدكتور ( ... ) في جامعة صلاح الدين .

المرحوم الملا مصطفى البارزاني فارق الحياة وهو يقول : أتمنى قبل الموت أن أري أو أسمع في اروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، مجرد ذكر الأكراد وحقوقهم ؟ ومنذ سنوات والعالم انفتح أمام القيادات الكردية المتحكمة بمصير أبناء كردستان ماذا استفادت القيادات الكردية الحالية عن هذا الانفتاح بما يخدم الأكراد عامة ؟... إنني هنا لا أبغي تحريض الشعب الكردي ، ولكن أليس من حق أبنائنا التساؤل حول هذه الأمور الحيوية ؟

وبعد هذا الاستعراض الموجز ، لابد من العودة إلى الموضوع الأساس ، وهو تجربة حزب هيوا كما تناوله الدكتور مكرم الطالباني في بحثه القيم .

يقول الدكتور مكرم : ((أن الحركات القومية التي تهدف إلى التحرر الوطني هي ، في الجوهر، ديمقراطية ، وتكون في مقدمة أهدافها تصفية العلاقات البالية التي تعرقل تقدم البلاد ، أعني العلاقات الإقطاعية . واذا وضعنا نشوء ونشاط حزب هيوا في إطاره التأريخي كما قال الدكتور عبدالستار ، لوجب علينا القول، أن حزب هيوا ولد وفي رحمه تلك الخلافات الفكرية والسياسية التي أدت إلى انهياره )).

وإني أتفق هنا على النتيجة التي توصل اليها الدكتور عبدالستارطاهر شريف ، بعد أن اطلعت وقرأت بإمعان ما أورده الباحث مكرم من تفاصيل دقيقة بمجريات الأمور الذي رافقت نضال حزب هيوا ومن التناقضات الحادة بين قيادة حزب هيوا اليمينية ، وبين المثقفين اليساريين المتأثرين بمآثر وانجازات ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى
ولقد أشرت إلى هذه النتيجة سالفاً .

وأرى أيضاً ، ان الطلاب من المثقفين واليساريين والثوريين أصحاب تأسيس جمعية ( داركه ر ـ الحطاب ) ، ومن ثم بعد عام واحد تحويل الجمعية في أول مؤتمر لها ، إلى كيان حزبي ، وهو حزب هيوا ، تلك القيادات الأوائل من الجمعية إلى حزب هيوا ، لم تكن مؤهلة لتحقيق الطموحات والمشاريع الكبيرة ، وقيادة الشعب الكردي في تلك المرحلة الحساسة والدقيقة لإحداث ثورة شعبية عارمة وصولاً إلى تحرير الكرد وكردستان ... وإني أجد هنا المثل التالي والذي ينطبق على قيادة حزب هيوا : إذا أجبرت رجلاً وقدرته هو رفع 50 كيلواغراماً من الحديد ، وحملته 150 كيلو غراماً ؟ من المؤكد يؤدي إلى كسر عموده الفقري ويصاب بشلل تام ثم الموت المحقق. وهذا ما تحقق لثورة حزب هيوا. !

فالأهداف الكبيرة التي حّملها حزب هيوا وفي تلك المرحلة التاريخية الصعبة ووجود القوات البريطانية في العراق وتنصيب حكومة ملكية رجعية عملية في العراق ، لا وظيفة لها سوى خدمة التاج البريطاني ومصالح بريطانيا الإستعمارية ، ومن أجل ذلك استوردت الحكومة البريطانية ملكاً من خارج العراق ونصبت حكومة عميلة لها فمارست حكومة نوري السعيد وتوابعها أبشع أساليب القمع تجاه شعب العراق عامة بما فيه الشعب الكردي بقوة الحديد والنار وأقلياته القومية المتآخية في وطن واحد ... وحزب هيوا وأقطابه فرضوا على أنفسهم، العزلة التامة ، وصنعوا سوراً صينياً بينهم وبين الحركات والاحزاب الوطنية العراقية ، صاحبة المصلحة الحقيقية المشتركة بين العرب والاكراد لتحرير العراق وتحقيق الاستقلال الناجز وانجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية بما في ذلك تحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي بدل القيام بحركة قومية معزولة عن الجماهير .

فقد كتب الدكتور مكرم قائلاً :

.. (( ففي الوقت الذي كانت أرصفة الشوارع تعج بالكتب الماركسية والقومية ، كانت القيادة اليمينية في حزب هيوا تعتبر وجود كتاب ماركسي لدى أحد الأعضاء سبباً كافياً لوضعه تحت الرقابة الحزبية والنظر اليه بعين الشك والريبة ، ومن ثم إيجاد الحجج لابعاده عن الحزب . )) .

وكتب الباحث مكرم أيضاً وقال :

(( ففي تلك الفترة ( 1937 ـ 1945 ) حدثت أحداث هامة في العالم وفي المنطقة . فقد نشبت حرب ضروس بين الفاشية والديمقراطية شملت العالم ( 1940 ـ 1945 ) أدت إلى انتصار الديمقراطية على الفاشية وهزيمة النازية فكرياً وسياسياً وعسكرياً ... الخ ))

لابد من الاشارة هنا الى الحرب العالمية الثانية لم تكن بين الفاشية والديمقراطية ، بل كانت حرب الاقطاب الراسمالية لاعادة ترتيب التقسيم العالمي للنفوذ الاقتصادي والسياسي ، وما الفاشية الالمانية الا عامل حاسم في اشعال هذه الحرب ، التي استغلتها قوى عديدة واطراف عالمية للتحشيد تحت شعارات زائفة ، افتضح امرها بمجرد ان وضعت الحرب اوزارها ، وكان للدور الدفاعي والهجومي فيما بعد، للاتحاد السوفيتي بالذود عن ارضه اضفى الصبغة التحررية لحربه ضد النازية وحلفائهم وكذلك بالنسبة للشعوب الاخرى ، وخاصة الشعوب المستعمرة والتي انخدع الكثير من طلائعها بوعود الدول الاستعمارية ، ومن هذه الشعوب ، الشعب الكردي وحزب هيوا.

وهنا لابد من التساءل : ألم يكن من الأجدر أن ينضم حزب هيوا وجماهيره الغفيرة ويلتحم بالقوى الديمقراطي على الساحة العراقية للمطالبة " بالحريات الديمقراطية " كما كتب الدكتور مكرم ؟ بدل خلق حركة قومية كردية مسلحة في الجبال والوديان ، دون أي سند حقيقي محلياً كانت أوأقليماً ودولياً ، فالكل كان متربصاً ومتآمراً للقضاء على الحركة القومية الكردية المسلحة ، ووجد الكثير من الاعداء في صفوف الشعب الكردي نفسه ، من اليمينيين والأقطاعيين ورؤساء العشائر الكردية صاحبة المصلحة الحقيقية لتلك الأوضاع السائدة حينذاك ، من كبار ملاك الأراضي من الذين كانوا يملكون عشرات الالأف من الدونمات للأراضي الزراعية عدى إمتلاكهم القرى والبساتين وعيون المياه العذبة ، مع حرمان 80% من الفلاحين الحالمين في الحصول على قطعة أرض صغيرة ليعيش الفلاح الفقير وعائلته في استغلال قطعة أرضه في الزراعة ليسد لقمة عيشه هو وعائلته . !

لم نجد ، أو لم يخبرنا الباحث مكرم ، عن امتلاك حزب هيوا برنامجاً نضالياً موثقاً في وثيقة رسمية صادرة عن قيادة حزب هيوا ، لكسب جمهور الفلاحين وذلك في المطالبة في توزيع الأراضي لكبار الأقطاعيات الكردية لصالح الفلاحين الفقراء ، بهدف تشديد النضال بين صفوف الفلاحين ضد الاقطاع ... أولم تكن تلك احدى الأدوات النضالية من جانب حزب هيوا للوصول إلى الأهداف المرجوة ؟

كيف يمكن لحزب القيام بثورة كردية وكردستان محاط بدول إقليمية معادية لأبسط الحقوق القومية وتحكم أجزاء من كردستان المقسمة ، كإيران وتركيا ، ناهيك عن أن حزب هيوا لم يستطع كسب جمهور الفلاحين إلى جانبه وهم يشكلون الأكثرية الساحقة من المجتمع الكردي وعكس ذلك كان الاعتماد على كبار الأقطاعيين ورؤساء العشائر الكردية ، صاحبة الثورة المضادة لثورة حزب هيوا ؟

في الوقت الذي انتبه حكومة نوري السعيد إلى هذه القضية الحيوية وذلك في مطالبته في توزيع بعض أراضي الاقطاعيين على الفلاحين بهدف كسب الفلاح إلى جانب حكومة نوري السعيد ، كما يخبرنا الباحث الفاضل مكرم الطالباني .

فكيف يمكن القول كما كتب الباحث :

((ان ملاك الأراضي ورؤساء العشائر قد خانوا الثورة ورفعوا السلاح ضد الحركة القومية الكردية المسلحة ، وانضموا إلى الأعداء . )) ؟

ان حزب هيوا كان حزباً برجوازياً صغيراً في المفاهيم والأفكار ، فالحركة القومية ، في أي زمان ومكان ، هي حركة قومية برجوازية تنشد التحرر القومي والاستقلال الناجز ، أي الثورة البرجوازية المناهضة في الأساس للأقطاع وبالضد من المجتمع الأقطاعي والاقطاعية ، فالقومية هي حركة برجوازية تفجر وتقوم بالثورة من أجل مصالحها الاقتصاية والسياسية والاجتماعية ، لتنفرد بالمجتمع لتقييم نظاماً برجوازياً ، هكذا رائنا عند كل الثورات القومية البرجوازية في التاريخ قديماً وحديثاً ... وهل كان حزب هيوا ينشد القيام بثورة اشتراكية لمجرد وجود عدد من الضباط الثوريين وعناصر يسارية متأثرا بأفكار وانجازات ثورة أكتوبر الاشتراكية والقفز على مرحلة تاريخية في مجتمع يعاني من التخلف والتجزئة ؟ مجتمع لا يملك سوى بعض الحرفيين الصغار موزعين على دكاكين منفردة لا ورش ولا معامل صغيرة أي بعبارة أدق عدم وجود طبقة عاملة ولا حزب شيوعي صاحب المصلحة الحقيقية للثورة الاشتراكية، وأكثر من ذلك كان حزب هيوا ينهج نهجاً مضاداً لفكر ومفاهيم الطبقة العاملة العراقية وحزبها الشيوعي والعزلة التامة عن الحركة الوطنية الديمقراطية . في مجمل القول كانت الحركة ، هي حركة قومية برجوازية صغيرة معزولة عن الأكثرية الساحقة عن الشعب الكردي .

فحزب هيوا ، وفي إطاره العام وفي تفكيره وتوجهاته كان يراهن على نتائج الحرب العالمية الثانية بالضد من تواجد بعض من الضباط الثوريين وعدد من الطلبة والمثقفين من الذين كانوا ميالين إلى مفاهيم ماركس والثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي ... فكان قراءة هؤلاء الثوريون قراءة غير دقيقة ولم ينتبهوا إلى مصالح الدول المتحاربة فيما بينها ، ألم تكن أساس الحرب العالمية الثانية قائمة على تقاسم المصالح الاقتصادية وتوزيع الأسواق العالمية ؟ فجاءت النتائج المؤلمة لثورتهم ، وبمجرد انتهاء الحرب وانسحاب القوات السوفيتية من آذربيجان الإيرانية تم القضاء على جمهورية قاضي محمد الديمقراطية بصورة دموية ؟ وكيف يمكن تسمية الأقطاعيين ورؤساء العشائر وكبار ملاك الأرض ، بالخيانة ضد الحركة القومية الكردية البرجوازية ؟ ولو وقفوا مع " ثورتهم" ثورة حزب هيوا ، وتركوا مصالحهم الطبقية ، مصالح ( الاقطاعيين الأكراد) ، لكانت هي بعينها الخيانة العظمى؟ ثم أو ألم تكن الغيبية في الأفكار والسياسة راسخة في عقول قادة حزب هيوا ( الثوريون والماركسيون كما يخبرنا الدكتور مكرم ) وحركتهم القومية المسلحة و " ثورتهم " .؟

لقد كان حزب هيوا وحركتهم القومية البرجوازية ، تبني قصوراً فوق الرمال المتحركة ، وان النصر لم يكن متوفراً لثورتهم حتى في حدود الدنيا ، إلا داخل مخيلتهم وأحلامهم . ! فالأحلام والطموح والخيال الخصب والاخلاص للقومية ، شيئ ، وتحقيق النصر في إطار تلك التركيبة التنظيمية الغريبة ، التي تجمع بين صفوفها المثقف الثوري اليساري ، واليمين المرتهن والاقطاع وكبار ملاك الاراضي شيئ آخر تماماً .

الفلاحين الفقراء انظموا إلى الحركة المسلحة حسب أوامر وإرادة الاقطاع ورؤساء العشائر ، وعند انسحاب الاقطاعيين ورؤساء العشائر من الحركة المسلحة أنسحب معهم جمهور الفلاحين، فما كان من لجنة الحرية ورئيسها المرحوم مصطفى البارزاني ومعه بضعة مئات من المقاتلين عبور الحدود العراقية وانضمامهم إلى حركة أو تجمعات الشهيد قاضي محمد وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انسحبت قوات " ثورتهم" مع عوائلهم وأطفالهم ودخلوا أراضي السوفيت .

ولنرى مأساة قادة الثوار ومقاتليهم وعوائلهم وكان عددهم ( 500 ) كما جاء في خطاب المرحوم مصطفى البارزاني في كانون الثاني عام 1948 في مدينة باكو الآذربايجانية قال البرزاني :

(( بمناسبة اجتماعنا اليوم هنا بأسم الشعب الكردي ونفتتح جلستنا الثالثة ، قبل كل شيء أبارككم وشعبنا المناضل .
لقد عبر لنا الشعب الكردي عن شعوره وأحاسيسه وأخلاصه الكامنة بوضوح في حرب العصابات التي خضناها في إيران والعراق وتركيا حينما كنا نستقبل ونودع من قبل القرى والرؤساء الوطنيين الاكراد بروح مفعمة بالاخلاص والأخوة الصميميتين ، مثلما كانت تظهر اخلاص وصحبة الاكراد لنا بوضوح أكثر من خلال دموع النساء والاطفال الاكراد اثناء مسيرتنا .

في كل تلك الطرق الوعرة وصعوبة الجبال التي سرنا فيها جلب لنا آلاف القرويين والرؤساء والوجهاء الوطنيين بأنفسهم وعائلاتهم وأطفالهم من الشعب الكردي ما أمكنهم من الارزاق والخبز والملابس دون ان يبدو أهمية لخوف وظلم وجناية العدو .
وعلى أطراف الطرق الوعرة التي كنا نجتازها كانوا يستقبلوننا وبعدما كانوا يبلغوننا تحيات الشعب الكردي ويسلموننا الخبز والارزاق والملابس كانوا يهتفون بصوت عال : اذهبوا بسلام ! نستودعكم بالله ، نطلب اليكم التوفيق ، ننتظر عودتكم في وقت قريب جداً لتحريرنا ... ))
( صحيفة خه بات = النضال / العددان 560 ـ 561 لشهري شباط وآذار / 1986 ) .

تلكم كانت نتائج الحركة القومية الكردية المسلحة في 1943 ـ 1945 من القرن الماضي . وخطاب مصطفى البارزاني يعكس مأساة الثوار و " ثورتهم " ! ولو لا ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958م لما عاد المرحوم البارزاني ومقاتليه ومرافقيه إلى الوطن . وتلك كان الاخطاء القاتلة في احداث الثورة الكردية والتي فجرها حزب هيوا دون الحسبان للظروف المحلية والأقليمة والدولية .

ولم تتعض القيادة الكردية بتلك التجربة المريرة فحملوا السلاح مرة أخرى في أيلول عام 1961 معتمدين مجدداً على الانكليز بعد أن أستلم مصطفى البارزاني رسالة الحكومة البريطانية من خلال السفير البريطاني في بغداد أوائل أيلول 1961، وأدعوا بأنهم سوف يحولون التمرد الاقطاعي الرجعي المرتبط مع دوائر حلف السنتو إلى الثورة الكردية ... واستمرت الحركة القومية الكردية المسلحة المدعومة من إيران الشاه وبريطانيا والولايات المتحدة الأمركية ، حتى اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه إيران ، برعاية وزير الخارجية الجزائرية بوتفليقة وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وكان مهندس اتفاقية الجزائر ، هو كيسنجر .

وبعد تلك الاتفاقية المشؤمة وخلال 24 ساعة انهارت الحركة الكردية بالكامل ونقل الأمريكان مصطفى البارزاني وأولاده وأفراد عائلته على متن طائرة أمريكية من طهران إلى الولايات المتحدة الأمريكي وبقى البارزاني حتى توفي هناك عام 1979.

أواخر كانون الأول لعام 1994 وفي بيت الدكتور ( وميض جمال عمر نظمي ) التقيت مع المرحوم عبدالله سلوم السامرائي ، حدثني وبحضور الدكتور وميض ، أكد السامرائي وقال :
( أعرف صدام حسين كما أعرف نفسي تماماً وفي اجتماع لمجلس قيادة الثورة أكد صدام وقال : لم تكن المشكلة الكردية أمامه عائقاً وصدام يقول نحن دولة ونستطيع أن نقدم كل شيئ من أجل الوصول إلى حل المسألة الكردية ، محلياً وأقليمياً ودولياً . ) ؟

وهكذا قدم صدام حسين أرضاً ومياه شط العرب إلى شاه إيران بثمن بخس كما يقال ، من أجل انهاء الحركة القومية الكردية المسلحة برعاية واتفاق الادارة الأمريكية ، ولم تكن تلك التنازلات المشينة التي قدمها صدام حسين ، هي الأولى .

فقبل استلام البعث السلطة السياسية في 17 / 7 / 1968 بأشهر زار المبعوث الأمريكي ( راونتري ) العراق أكثر من مرة والتقى مع المرحوم أحمد حسن البكر دون أن يكون للبكر أي صفة رسمية أو مبرر لتلك اللقاءات ... وتم التنسيق والتفاهم مع كل من ، عبدالرحمن الداوود و عبدالرزاق النايف ، وهم عناصر مشبوهة ومرتبطة بالدوائر البريطانية ـ الأمريكية ، ولم يكن بامكان البعث الوصول إلى دفة السلطة إلا من خلال روانتري والإدارة الأمريكية ... وأستمرت علاقات وتعاون صدام حسين مع الولايات المتحدة الأمريكية حتى حرب الخليج الثاني عام 1991 ، عندما قررت الإدارة الأمريكية التخلص من نظام صدام ، منذ اللحظة التي أطلق صدام صواريخ حسين والعباس إلى الكيان الصهيوني ، فتلك كانت جريمة لا تغتفر بالنسبة لأمريكا واسرائيل .؟ ولا ننسى بهذا الصدد عندما أكد بوش الأب حين قال جواباً على أسئلة الصحفيين الامريكان حين قيل له لماذا هذا الإصرار في شن الحرب على نظام العراق قال : " لأنه مرتد " ؟! فعلى ماذا أرتد صدام حسين ، هل أرتد عن العروبة والقومية العربية أم ارتد عن الاسلام والاسلاميين ؟

ماذا نفهم من قول بوش الأب : " صدام مرتد " ؟ ألم يكن إرتداده عن الوعود الذي قطعها صدام على نفسه وذلك في الحفاظ على المصالح الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ومساعدة أمريكا لوصول البعث وصدام إلى السلطة السياسية في العراق ؟!

وكانت الإدارة الأمريكية صمام الأمان لبقاء سلطة صدام طيلة سنوات حكمه .
وقول صدام نحن دولة ونستطيع أن نقدم كل شيئ من أجل الوصول إلى حل المسألة الكردية ، محلياً وأقليمياً ودولياً ، وقد ترجم مقولته تلك على حساب العراق أرضاً وشعباً . ؟

نقل لي الدكتور مكرم الطالباني حديثه في إحدى لقاءاته مع صدام حسين قائلاً : قلت للرئيس صدام ، لماذا هذا الإصرار على بقاء وتحويل الجيش ، إلى جيش عقائديً ؟ لماذا لا يكون الجيش ، جيشاً وطنياً ؟
أجاب صدام : جيشنا جيشاً عقائدياً ومع ذلك كل ثلاثة أشهر نكتشف محاولة إنقلابية ! ماذا كان يحدث لنا لو كان جيشنا ليس جيشاً عقائدياً ؟! إن صدام فرط حتى بمصير حزبه لكي يحافظ على كرسي الرئاسة وليكن بعده طوفان .

والأحداث الجارية في عراق اليوم واحتلال العراق وتغلغل اسرائيل في العراق شمالاً وجنوباً خير دليل على ذلك والولايات المتحدة الأمريكية كانت تراهن كل هذه السنين على أخطاء النظام السابق والسكوت على كل ما كان يجري في العراق من حروب أقليمية ( حرب إيران واجتياح دولة الكويت ) والمذابح والجرائم الذي أرتكبها النظام ، لتهيأ ارضية التبريرات الضرورية لاجتياحها العراق ومنذ 9 / نيسان عام 2003 ، والعمل جاري على قدم الوساق لتحقيق شعار اسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل ... وإني أوكد ، كما قلت مراراً، إن المراهنة على الولايات المتحدة الأمريكية كما فعل صدام ، أوكما فعلت القيادات الكردية الحالية لن يجلب لقادة الأكراد سوى مصير صدام حسين .. أما الحديث وجعجعة الكلام حول العلاقات الكردية الاسرائلية ، فإني أعتبرها مجرد تسلية وتفريغ ما في النفوس ، فالللاعب الرئيسي كان وما يزال هي الولايات المتحدة الأمريكية .

ثم يقول الدكتور مكرم في بحثه :

(( وتمخضت هاتان الفكرتان عن ظهور مركزين قيادين متباينين في الحزب وفي الثورة ، مركز قيادي يميني في الحزب بزعامة رئيس الحزب السيد رفيق حلمي الذي حاول حصر أهداف الثورة في إطار بعض المطاليب المتواضعة ، يمكن تحقيقها من دون المساس بكيان النظام القائم في العراق أو المصالح البريطانية فيه . والقيادة اليسارية التي تمثلت في لجنة الحرية " ليزنه ي ئازادي " التي وثقت
علاقاتها بالحركة الديمقراطية في كردستان إيران واقامت لها علاقات وثيقة بالاتحاد السوفيتي وكانت تطمح في تحقيق أهداف أبعد من مطاليب القيادة اليمينية التي دخلت في مساومات مع رجال الدولة حتى تلك المطالب التي قدمتها عام 1942 ، وقد عزمت لجنة الحرية التي قادت الثورة عام 1945 الإقتداء بالحركات التحررية التي عمت المستعمرات والبلدان التابعة أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية والتي تمخضت عن ولادة عشرات من الدول القومية في آسيا وأفريقيا وانهيار النظام الإستعماري العالمي . ))

إني أرى ، إن هذه القراءة ومقارنة أوضاع الشعب الكردي ،بالحركات التحررية والتي تمخضت عن ولادة عشرات من الدول القومية في آسيا وأفريقيا وانهيار النظام الإستعماري العالمي ، كما أخبرنا الباحث الفاضل مكرم ، قراءة خاطئة ولا تنطبق على واقع الشعب الكردي .
وهنا لابد من العودة إلى كتاب ( كردستان مستعمرة دولية ) كتب بيشيكجي قائلاً :

(( شهد تاريخ الكولونيالية نشوء نوعين رئيسيين من المستعمرات:
المستعمرات وأشباه المستعمرات . فالمستعمرات مجتمعات لم تكن قد بلغت بعد مرحلة تأسيس دولة مستقلة . وفي هذه الحالة تربط الدولة الرأسمالية التي بلغت مرحلة التوسع واتخذت طابعاً إمبريالياً اقتصاد هذا المجتمع التقليدي التي استطاعت فرض هيمنتها عليه باقتصادها بحيث تجعله اقتصاداً تابعاً ولكي تسهل سياسياً عملية استغلاله ، تفرض نمط تنظيمها السياسي على البلد الذي استعمرته . ولاشك أن هذا التنظيم السياسي المفروض برمته من نتاج الدولة الإمبريالية ، أي الدولة المستعمرة . وهكذا تصبح المستعمرة خاضعة للبلد الإمبريالي سياسياً وإدارياً وثقافياً وسياسياً . ومن خلال هذا النمط من التنظيم تفرض على المستعمرة أجهزة الدولة المستعمرة وإدارتها . ويطلق على مسؤولي هذا الإدارات ألقاب الحاكم العام والكوميسير والوصي والحاكم العسكري وغير ذلك . غير ان هذا التنظيم يمارس سلطته في بلد ذي حدود مثبتة من ذي قبل . ( خط التشديد من عندي) وبهذا المعنى يمكننا نعت هذا التنظيم بالدولة المستعمرة . ومن الأمثلة التي تنطبق عليها هذه الحالة علاقة إنجلترا ببلدان مثل الهند وسيلان وماليزيا وبورما ، وعلاقاتها مع عدد من البلدان الأفريقية مثل كينيا وأوغندا والصومال والسودان وتنزانيا ، ومع بلد مثل هندوراس في أمريكا الجنوبية ونيوزيلندا في أوسيانيا . وعلى نسق ذلك تنسحب علاقات فرنسا مع المغرب والجزائر وتونس والسنغال وغانا وموريتانيا وفولتا العليا وداهومي ، وعلاقات بلجيكا مع زائير وعلاقات البرتغال وموزامبيق وغينيا بيساو وأخيراً علاقات هولندا مع اندونيسيا . ))

فيضيف بيشيكجي ويقول :

(( أما أشباه المستعمرات فهي مجتمعات ذات دول ، تأسست وفقاً لنظامها الاجتماعي ولها تاريخ طويل . فالصين والهند والإمبراطورية العثمانية تمثل أشباه مستعمرات . وإزاء التأثير والضغط المتزايد للبلدان الإمبريالية خلال القرن التاسع عشر ، شعرت هذه البلدان بالحاجة إلى إعادة تكوين أطرها من كبار الموظفين ، وإعادة تنظيم مؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعسكرية.
لكن أي من هذه المعطيات لا ينطبق على الوضع في كردستان . فالأكراد لم يقبلوا في أي مكان بصفتهم أكراداً . فهم أتراك في تركيا ، وإيرانيون في إيران وعرب في سورية . وهم بطبيعة الحال في هذه الحالة أتراك وإيرانيون وعرب من الدرجة الثانية . ولهذا السبب تمارس ضد الأكراد سياسة مكثفة للتتريك والتفريس والتعريب . ويجري بإصرار إنكار هوية الكرد وكوردستان . ))

وإني أرى إن وصف الأستاذ بيشيكجي ، ينطبق تماماً على الأجزاء الأربعة المقسمة لكردستان الكبرى ، العراق ، إيران ، تركيا ، سوريا والجزء الصغير من كردستان الملحق داخل حدود ارمينيا والاتحاد السوفيتي .

ويضيف بيشيكجي أيضاً فيقول :

(( ولهذا السبب لم يعد بالامكان الحديث عن حدود واضحة المعالم لكردستان . ومن خلال جهودها لتتريك الأكراد وتعريبهم وتفريسهم استطاعت الدول التي تقتسم كردستان باعتبارها مستعمرة مشتركة تحقيق تحول عميق في الهيكل السكاني . كما استطاعت بإتباع هذه الوسائل نفسها إحداث تغييرات ملموسة في الحدود الطبيعية لكردستان . ))

هكذا يتبين بوضوح تام ، ان ولادة عشرات الدول القومية في آسيا وأفريقيا لا يمكن مقارنتها مع الأوضاع السائدة في كردستان المقسمة. كما تحدث الباحث مكرم الطالباني .

إني أتساءل هنا ، ألم يكن الأجدر بقادة حزب هيوا ولجنة الحرية أن يأخذوا بنظر الاعتبار هذا التاريخ السحيق للكرد وكردستان على يد الإمبريالية ، وكيف يكون موقف تركيا أو إيران أو العراق المحتل من قبل بريطانيا تجاه " ثورتهم " ، ثورة حزب هيوا والبرزان . ؟

فثورة حزب هيوا وبارزان الحالمة ، جلبت لأبناء شعبنا الكردي عدة مئات من القتلى والضحايا ، ناهيك عن عدد من الشهداء من الضباط الثوريين من الذين تم إعدامهم على أيدي الأنكليز والحكومة الملكية العراقية العميلة .

هكذا وبحق ، كتب القائد الفذ للحزب الشيوعي العراقي " فهـد " عندما قال :
" الشعب الكردي بحاجة إلى حزب عمل وليس حزب أمل " .

أما حول لجنة الحرية الذي ترأسها المرحوم مصطفى البارزاني ، فإني أتساءل مرة أخرى : هل كانت قيادة حزب هيوا المتمثلة بالضباط الثوريين ، عندما وضعوا المرحوم مصطفى البارزاني على رأس لجنة الحرية ، كان إجراءاً موفقاً وصائباً . لقد دلت التجربة المريرة ، مدى الخطأ القاتل لما ارتكبتها القيادة الثورية لحزب هيوا المتمثلة بالضباط اليساريين الثوريين . فكيف يمكن وضع قائد عسكري ( مصطفى البارزاني ) على رأس لجنة حزبية ثورية ، وهو لا يؤمن بالحزب والحياة الحزبية ، كما أشرت فيما سبق بالنسبة للمرحوم مصطفى البارزاني .

لذلك فأن دوزنة الحقوق القومية للشعب الكردي مع الحقوق الوطنية لعموم الشعب العراقي ، خاصة وان البلد يرزح تحت احتلال سلبه كل مقومات السيادة وممارسة الدولة الوطنية ، يكتسب اهمية استثنائية في توفير القناعة الوطنية بالحقوق الواجبة لشعبنا الكردي ، بعيدا عن فرض الامر الواقع وبمساعدة مستندة الى المحتل نفسه الذي يسلب الشعب العراقي بعربه واكراده واقلياته سيادته وحريته ويعمل مع المتعاونين معه من العرب والكرد لتقسيم البلد بين كيانات هزيلة يسهل ابتلاعها سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

فلازال شعبنا الكردي بأمس الحاجة لانبثاق حزب وطني كردي بعيد عن التأثيرات الخارجية ، حزب يرفع راية النضال لتحقيق الوحدة الوطنية في المجتمع الكردي ، حزب يعتمد على سواد الشعب الأعظم،
وهم العمال وفقراء الفلاحون ، حزب يناضل ضد الاقطاع ورؤساء العشائر القاعدة الأساسية للأحزاب الرئيسية الحالية ، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ... حزب عمل وليس حزب أمل . ؟ كما قال فهد وأكد ذلك !

( انتهى )




#شوكت_خزندار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقييم عام لبحث مكرم الطالباني عن حزب هيوا
- الحرية لصاحب الكلمة الحرة عبده جميل اللهبي
- تلبية حقوق المرأة والمساواة هي مرآة تقدم الحضارة للمجتمعات ا ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني- الحلقة 1 ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- Jyllands Postenحول كاريكاتيرلصحيفة
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني الحلقة 13
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - ما أشبه ...
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني
- بحث عن حزب - هيوا - الباحث الدكتور مكرم الطالباني-4
- بحث عن حزب - هيوا - الباحث الدكتور مكرم الطالباني-3
- بحث عن حزب - هيوا - الباحث الدكتور مكرم الطالباني
- بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني
- جلال الطالباني يفكر بالرئاسة مجدداً
- ! هل للعصفور لبن شجب وإستنكار لقرار حكومة ( المشيخة الاقطاعي ...


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - شوكت خزندار - القسم الثاني لتقييم بحث مكرم