ما سر التعتيم على تبديد موارد مصر؟

طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5899 - 2018 / 6 / 10 - 23:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

من بين عجائب الإعلام المصرى (والمتعلمين المحسوبين على الثقافة السائدة) أعجوبة: (لوقال الرئيس نقول ولوسكت نسكت) وكان آخرمثال حديث الرئيس السيسى عن أنّ مصرباعتْ 15طنــًـا من رصيد الذهب عام1964. وبمجرد أنْ سمع المُـتعلمون حديث الرئيس، إذا بالقيود التى كمّـمتْ أفواههم طوال عدة عقود تنكسر، وإذا بألسنتهم تتحرّرمن عاهة الخرس، فحطـّـموا الأقفاص (المربعات والأعمدة اليومية) وانطلقوا يكتبون عن تلك المعلومة التى ظلــّـتْ (مُـعتقلة) لمدة54سنة. فهل كانوا فى غيبوبة Coma طوال هذه المدة؟ وإذا كان صغارالمتعلمين يجهلون (بسبب حجب المعلومات) فهل هذا السبب ينطبق على الكبارخاصة الذين نالوا (شرف أهل الثقة) المُـقرّبين من عبدالناصر؟ وبصفة أخص من حازلقب (كاتم أسراره) وأنه الوحيد المسموح له بالاطلاع على كافة وثائق الدولة، بما فيها العسكرية، وهو(الشرف) الذى انفرد به الأستاذ محمد حسنين هيكل.
من بين المقالات العديدة التى تناول أصحابها موضوع (بيع ذهب مصر) مقال الكاتب عبده مباشربعنوان (السيسى والذهب ويونيو67) فكتب ((كان المصريون فى حاجة إلى رئيس مصرى قوى وشجاع وأمين...لكى يزيح لهم الستارعن سرٍظلّ محجوبـًـا طوال الفترة من1962- 2018. وعلى امتداد هذه السنوات تـمّ إطلاق مئات التصريحات التى تستهدف إبقاء هذه المعلومة فى الظلام، إلى أنْ أعلن الرئيس السيسى حقيقة الأمرفى حواره مع ساندرا نشأت..إلخ (أهرام6/4/2018)
ومن بين النماذج مقاليْن للأستاذ محسن عبدالعزيزالذى أضاف أنّ معلومة بيع15طنــًـا من ذهب مصركشفها محافظ البنك المركزى الأسبق (على نجم) وأنّ المستندات موجودة فى البنك المركزى. وذكرالرئيس السيسى أنّ مصرحتى عام1962كان الاقتصاد المصرى فى حالة جيدة، لكنه بعد ذلك عانى كثيرًا بسبب إنفاق الذهب فى حرب اليمن..إلخ (أهرام 23، 30مارس2018)
وأكتفى بهذيْن النموذجيْن لأنّ باقى المقالات ردّد أصحابها نفس التعبيرات. وكانت ملاحظتى أنّ أحدًا لم يسأل السؤال المُتوقع- كما هوفى الصحافة الجادة التى تحترم قارئها- ماذا لوأنّ على نجم لم يكشف عن معلومة بيع ذهب مصر؟ وهل كان هذا السرسيظل فى معتقل التعتيم إلى الأبد؟ والسؤال الثانى الذى تجنبه كل من كتبوا: وما الموقف لوأنّ الرئيس السيسى لم يفتح الموضوع مع سانردا نشأت؟ والسؤال الثالث: هل تبديد موارد مصرتمثــّـل فى بيع الذهب (فقط) أم شمل الكثيرمن أشكال التبديد؟
وإذا كان صمت المتعلمين المُـزرى ساد فترة عبدالناصر، فلماذا استمرفترة خليفته السادات وخليفة السادات مبارك؟ خاصة وأنّ بعض الكتب الصادرة بعد وفاة عبدالناصرفيها (مادة) تؤكد على هذا التبديد. وسوف أستبعد كافة الكتب التى قرأتها لأركــّـزعلى كتاب (عبدالناصروتحريرالمشرق العربى- تأليف فتحى الديب- مركزالأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- عام2000) وسبب اختيارى لهذا الكتاب أنّ مؤلفه لايمكن الطعن على شهاته لأنه: 1- ناصرى/عروبى 2- تولى مسئولية بناء جهازالمخابرات العامة من سنة1953حتى سنة1960 3- فى كل صفحات الكتاب (702صفحة من القطع الكبير) دفاع عن عبدالناصروعن العروبة وتبريركل التصرفات التى شملتْ تبديد موارد مصر4- باب الملاحق حيث وثائق اجتماعات عبدالناصرمع القادة العرب وتصريحاته.
عن استئجار(قاعدة العضم) لصالح بريطانيا بولاية برقة و(قاعدة الملاحة) بطرابلس لصالح أمريكا. وكانت ليبيا تمربأزمة مالية، لذلك قرّرعبدالناصردعم ميزانية ليبيا (ص109) استقبال العرب الهاربين من أنظمتهم وتحمل مصرنفقات إقامتهم (ص116) ولوأد فكرة (محوربغداد- القاهرة) أعلن عبدالناصرعن استعداد مصربمد العراق بكافة احتياجاته (ص142) تحملتْ مصرالعبء الأكبرمن نفقات دعم الطائفة الختمية السودانية، لمواجهة دعم الغرب للإمام المهدى، الأمرالذى كلف مصرأموالاكثيرة (ص161) وفى إطار(مشروع التحررالعربى) فإنّ مصرأقامتْ المعسكرات لتدريب (المناضلين) عسكريـًـا وفنيـًـا فى إطارمن السرية (ص189)
وذكرأنّ مصرفى عام1954وجدتْ الشعب العمانى يعيش فى عزلة وكثيرين يهربون إلى أوروبا، ولكن (سياسة عبدالناصرالحكيمة) شجعتهم على الإقامة والتعليم على نفقة مصر(ص203) كما تم مد عمان بالسلاح الذى طلبته (ص225)
وبالرغم من هزيمة مصرعام1956فإنّ ضابط المخابرات المصرى يتفاخربأنّ مصرالتزمتْ بإمداد ((كل حركات التحررالعربى بإحتياجاتها من الأسلحة والذخيرة وتدريبهم فى مصر(ص240) وفى شهرمايو1957أرسلتْ مصرالأسلحة والذخيرة والمعدات إلى عمان، كما تم تدريب الشباب العمانى عسكريـًـا (ص243)
وبعد ثورة14يوليو1958العراقية ((وبهدف تأمين الثورة فإنّ مصرأبدتْ استعدادها لإرسال قوات عسكرية مصرية، كما أرسلت للثوارالأسلحة والذخيرة التى طلبوها (ص301) وأنّ عبدالناصربهدف تثبيت وترسيخ الوضع الجديد استجاب لطلب عبدالسلام عارف وأرسل قوات مصرية إلى بغداد (ص352) وعندما قطعتْ بريطانيا المعونة عن الأردن، فإنّ ((مصرهبــّـت لتشارك السعودية بالمبلغ وقدره 5ر12مليون جنيه استرلينى سنويـًـا)) (ص412) وأنّ عبدالناصر((ترجم تأييده للكفاح المسلح الفلسطينى بدعم فصائل المقاومة بالسلاح، وفتح المعسكرات المصرية لتدريب الفلسطينيين (ص426) وذكرأنّ عبدالناصرقال ((إحنا كنا بنعطى سوريا3مليون جنيه إعانة للجيش السورى)) وتدورالأيام ((ونلاقى السوريين بيشتمونا ويقولوالإستعمارالمصرى لسوريا)) (ص500، 629) وقال: إحنا بعتنا قوات لليمن وللجزائروللعراق..إلخ (ص680)
وذكرأنّ تدخل مصرفى اليمن بهدف (خروجه من عزلته) وبعد توريط مصرفى (وحل اليمن) ذكرزكريا محيى الدين ظروف اتفاقية جدة، فقال ((لدينا شعوربتسويف السعودية وأنّ أهداف الرجعية العربية والإنجليزكشفتْ إصرارهم على بقاء القوات المصرية باليمن)) (ص358)
وإذا كان على نجم قال إنّ بيع15طنــًـا من ذهب مصركان بسبب نفقات حرب اليمن، فإنّ عبدالناصر(فى اجتماع القيادة السياسية الموحدة بين مصروالعراق يوم 19مايو1965) قال: إحنا كنا بنصرف فى اليمن 30مليون جنيه (سنويـًـا نقدًا) دا غيرالمعدات يعنى الاجمالى 45مليون جنيه..يعنى استهلاكنا فى البنزين والسلاح. دا غيرإنْ القبائل العربية بتاخد مننا فلوس..وكمان بياخدومن السعودية فلوس. وعندنا معلومات أكيدة عشان يحاربونا..وإحنا موجودين فى اليمن وفيه مشاكل..وإذا انسحبنا ما حدش يعرف ح يحصل إيه..واللى اتظاهروإنهم مع الثورة خدوفلوس مننا ومن السعودية وراحوا للإنجليز(من ص520- 522)
الخلاصة أنّ تبديد موارد مصرلم يشمل الذهب (فقط) وإنما نفقات عسكرية ونفقات على العرب الهاربين من أنظمتهم وإقامتهم فى مصر، وإنشاء محطات إذاعية موجهة لبعض الأنظمة، ودعم وتمويل الصحف والمجلات المؤيدة لضباط يوليو1952فى أكثرمن دولة عربية.
***

#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات