أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - لاعب الشطرنج














المزيد.....

لاعب الشطرنج


جمانة القروي

الحوار المتمدن-العدد: 5896 - 2018 / 6 / 7 - 06:40
المحور: الادب والفن
    


شق دوي انطلاق رصاصةٍ واحدةٍ من مكان ليس ببعيد، الضحيج واللغط والاصوات المرتفعة والضحكات والتعليقات، اطبق السكون وساد وبشكل غريزي اتجهت العيون ثم الارجل الى مصدر الصوت.
في تلك الغرفة الدامسة العتمة، الخانقة بفساد الرطوبة، اختار ان يضع نهاية لاحزانه ولهفته وحبه. بعد ان فقد من كان مصدراً لاستمرار حياته وتحمل مشاقها وايامها الرتيبة. نظر الينا بعينين فارغتين مذهولتين وهو يرتعش،ارتخت شفتاه، ربما اراد قول شيئاً ما، لكن صوته خذله فأكتفى بهمهمةٍ مبهمة، كان جسده يختض وقد تدفق من مسامات جبينه سيل من العرق، قبل ان يتوقف قلبه عن النبض الى الابد!
توالت الصور والاحداث على ذاكرتي سريعة مزدحمة كالامطار حين عاصفة هوجاء. نظرته الصارمة واحداقه التي تكاد تقفز من محاجرها،عبوس وجهـــه الدائم،صوته الاجش، انطواؤه على نفسه،الغموض الذي يلتف بعباءته السوداء، ندرة كلامه او ابتسامه،حركات جسده التي تظهر ضيقه بروحه اللائبة، اصابعه وهي تنقل بيادق الشطرنج على تلك الرقعة المتهرئة.
زحف الغروب على ذلك الوادي الضيق، حيث تناثرت على احد سفوحه بعض الغرف الطينية، عندما ابتعدت الشمس جارة خلفها بعضاً من وهجها الارجواني في ذلك المدى القصي،احتضن جسده التراب البارد وضمه دون جنازة او تراتيل.
ازحتُ ستارة القاعة التي تعط منها رائحة العفونة والرطوبة مخلوطة بنتانة دخان السكائر والنفط والجواريب، هناك في الزاوية المقابلة للباب وتحت الفانوس الذاوي،كان يقضي لياليه، غائراً في نفسه المضطربة بهواجسها وامنياتها، جالساً على فراشه يدخن بنهم وبوجه متجهم،شعره الابيض الذي قلما يلامسه المشط، عيناه لا تتوقفان عن الدوارن كانهما تحصيان الانفاس وحركات النيام، لتشاركهم احلامهم. حينما ينعكس ضوء الفانوس على وجهه الطويل، يبدوا شاحباً بلحيته البيضاء غير المشذبة، يتوثب كلما سمع حركة خلف الستار،ليس للعفوية حيزاً في سلوكه وكلامه، مرتاب ممن حوله، شكاك في كل ما يسمع.
بعد الارق المضني، يحمل في الصباح رقعته البيضاء والسوداء باحثاً عمن ينازله، لايهمه ان يلعب تحت ظلال الاشجار في الصيف القائظ،او دفء شمس الشتاء، في الغرفة او الكهف،اوعلى سطح القاعة، في اي وقت من اليوم،كان يلعب الشطرنج بحرفية كبيرة و نادرا ما فاز عليه احدهم. خطته غالباً مُحكمة مبيتة، له خبرة في كشف ما يدور من افكار في ذهن منازله،واثقاً من ان قلاعه منيعة وخيوله قوية، يتقدم بجنوده كما يرسم ويصمم لهم، يركز نظراته عليهم، يحمي ملكه بكل بسالة، خوفاً عليه من كلمة " كش ملك"!
في كل مرة يلعب الشطرنج، يبدو كما لو انه مقدم على امتحان اواختبارصعب لابد من خوضه، غالباً ما يتحلق حول اللاعبين اثناء المنازلة من يهوى هذه اللعبة، قد يعطي احد المتفرجين الحق لنفسه بأبداء ملاحظة ما، حينذاك يكفهر وجهه ممتعضاً من كلام من احاط بهما، يهز راسه مستاءً وهويصوب له نظرة صارمة من عينيه السوداوتين الحادتين،حتى توشك حدقتهما على الخروج من قوقعتهما، يبدو كما لو انه سينقض على ذلك الذي بَيّنَ رأيه، ثم يزفرُ هواءً محبوساً في داخله، كاظماً غيظه دون ان يتفوه بكلمة،ورغم كل ما يبذله من تفكير وجهد من اجل الفوز إلا انه ما فرح يوماً به، مرات قليلة يصطنع الضحكة او الابتسامة .
كان يجلس بعيداً عن الاخرين وحيداً، لم يرفع لثام الغموض الذي يقنع به وجه ولم يغادر تقاطيعه الوجوم الموسوم عليها ابداً، مستغرقاً في تاملاته وشوقه الذي يقتل بهما الوقت البطيء الذي يعبث به .
استحالت الليالي التي يغيب فيها القمرالى وبالٍ عليه، فالعشو الليلي مصيبته التي لا يعلم بها إلا بعضهم، فهو ما افصح عنها لاحد. طال انتظاره وثقل على امل ان يكون القادم افضل، لكنه لم يكن سوى سراب، ليس سواه من يعرف سر المرارة التي كانت تؤرقه.
سعى قسم ممن حوله الى التقرب منه، الا انهم لم يجدو سوى ابواب روحه الموصدة ونظراته الحيادية الباردة والشرسة احياناً، ثم يرسم على وجهه ابتسامة غامضة ولا ابالية، دون ان ينبس ببنت شفة.
كما مرت الايام يذوي ويشحب ويزداد عزلة وانطواءً وانكماشاً على نفسه، غارقاً في دهمة روحه،طوراً يحدث نفسه بكلام لا يفهمه سواه،وطوراً يتخبط في ذاته وافكاره،قسمات وجهه تشي بالفوران في داخله، حركاته تدل على الارتباك والقلق، عاقر الكوابيس التي راحت ترافقه منادياً على اشباحه، يتطلع بنظرات مبهمة تدل على الريبة، يداه تُطوحان في الفراغ، كانهما تطردان اناساً امامه،بانت علامات الجنون واضحة عليه، حتى قادته خطواته نحو نقطة اللا رجوع فهناك لحظات يصبح معها الموت صبابة وهوى.



#جمانة_القروي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل صامت
- الصرخة
- ضمأ
- ابريق الشاي
- اكفان خضراء
- الفقدان
- الخباز
- قصة قصيرة بعنوان الكنز
- قصة قصيرة عناقيد العنب
- قمقم الذكريات
- الاقحوان الحزين
- شبح الغربة
- الضرس
- الغول الاحمق
- من لايعرف ماذا يريد ( رؤيا نقدية حول رواية سميرة المانع الاخ ...
- قصة قصيرة بعنوان الزنابق البيضاء
- قصة قصيرة - القرار..
- مبدعون عراقيون في المنافي ( 5 ) [ الدكتور رشيد الخيون ]
- الفنانة ناهدة الرماح - حب الناس هو النور لعيونها .. وبذاك تل ...
- السمفونية الأخيرة


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمانة القروي - لاعب الشطرنج