أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - عُقدَةُ النّقص وَدوْرُها في مُواجَهَة صُعوبات الحَياة















المزيد.....

عُقدَةُ النّقص وَدوْرُها في مُواجَهَة صُعوبات الحَياة


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 5887 - 2018 / 5 / 29 - 14:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حظي مفهومُ العقدة النفسية (الذي أبدعه الطبيب تيودور زْيِهين) باهتمام كبير من طرف المختصين ومن طرف عامة الناس أيضا. ويكادُ يكونُ الاستعمالُ الشعبيّ للعقدة مُناقضا للاستعمال الأكاديمي. ويمكن القول أن تسمية عقدة نفسية معينة يُسَهلُ فهمَها ويكثف معناها في تسميتها. فعقدة أوديب عند فرويد تشيرُ للرغبة اللاواعية في التخلص من الأب المنافس بالنسبة للطفل الذكر ومن الأم المنافسة بالنسبة للطفلة، وعقدة قابيل تشير للمنافسة والتباري والتطفل، وتفسر غيرة الطفل من ولادة أخ أو أخت له ونتائج ذلك، وعقدة التفوق تشير إلى اعتقاد الفرد بتفوقه على الآخرين في جميع المجالات، وعقدة سانْدريُون تشير للمرأة التي تشعر بأنها لا تُقبلُ ولا يتمّ التعاملُ معها باعتبارها امرأة...
والعقدة النفسية هي بصفة عامة فكرة يكوّنها الفرد عن نفسه ويثق فيها رغم كونها لاعقلانية أو مُشوّهة، ويتصرف وفق ما تعنيه بالنسبة له، وهي عبارة عن قوة خفية يسجنُ الفردُ نفسَه فيها. فالفرد الذي يعاني من عقدة النقص يشعرُ أنه أصغر وأضعف وأقل نفعا وأقل قدرة وأقل شجاعة من الآخرين. وتشير العقدة في علم النفس إلى آلية نفسية تختلف اختلافا كبيرا عن الإحساس بالضيق أو الضجر، لأنها مؤلمة ومن الصعب تحمّلها. ويعرفها كارل يونغ بأنها مجموع التمثلات والمشاعر الناتجة عن التجارب الشخصية والمتأثرة "بالنماذج المنظمة للحياة الغريزية والروحية"، ويمكنُ للعقدة النفسية أن تتصرف أحيانا داخل شخصية الفرد كشخصية مستقلة عن الفرد وغريبة عنه. ويعرفها فرويد بأنها نواة أو شبكة من التمثلات اللاواعية. أما جاك لاكان فيتحدث عن العقد العائلية وهي ثلاثة عقد: عقدة الفطام، وعقدة التّطفّل (وجود غرباء في حياتنا لم نستدعهم ليوجدوا فيها)، وعقدة أوديب. فالطفل ينفصل عن أمه بتوقف الرضاعة (عقدة الفطام)، ويكتشف أنه ليس وحيدا وأن هناك آخرون في حياته (عقدة التطفل)، ويكتشف كذلك وجود شخص تفضله أمه عن الآخرين هو أبوه (عقدة أوديب).
ومن بين العقد النفسية الأكثر شهرة عُقدة النقص. ولقد أسّس ألفرد آدلر (1870-1937) نظريته النفسية (علم النفس الفردي) على مفهوم عقدة النقص. ويعرفها بأنها مجموعة مَواقف وتمثلات وتصرفات مُقنِعة إلى حدّ ما وتعبّرُ عن إحساس بالنقص أو عن ردود فعل عن الإحساس بالنقص. يرى ألفرد آدلر (في كتابه "معرفة الإنسان") أن الأطفال الذين يُعانون من نقص في الأعضاء يُصارعون الحياة وهو الأمر الذي يُشوه إحساسهم بالانتماء للجماعة. فيهتمون بأنفسهم فقط. إنهم يتأثرون بمحيطهم الخارجي الذي يشعرهم –في نظرهم- بنقصهم الجسدي، فيتولد عن ذلك عداءٌ تّجاه الوسط الذي يعيشون فيه. لكن الشعور بالنقص يتجاوز النقص البيولوجي ليتأسس على إحساس كل طفل بصغره ونقصه مقارنة بالراشدين. فكل طفل يعيش صراعا بين حجمه الصغير وحاجته للشعور بالانتماء للجماعة التي يوجد فيها. إنه يشعر بصعوبة التلاؤم مع الحياة. إن أساس كل حياة نفسية لدى الأطفال هو الإحساس بالنقص الذي هو دافع داخلي غريزي قوي. إنه الإحساس بعدم الشعور بالأمان، الإحساس بأن هناك شيء ما غير متوفر، لذلك يعمل الطفل منذ السنين الأولى على أن يكون متفوقا. يجب تقدير هذه القوة الغريزية حق قدرها والتي تتطور بتأثير من الإحساس بالنقص، وتحث الطفل على التفوق، وهو ما يفسر سلوكيات التعويض وكذا طغيان البحث عن السيطرة والقوة في الثقافة الإنسانية. فما يحكم الحياة هو الصعود من الأسفل إلى الأعلى. يتأسسُ الإحساس بالنقص على الواقع الفعلي، فالذي يحسّ بالنقص يوجد فعلا في وضعية نقص عضوي أو نقص وظيفي. فالعُصابُ (وهو اضطرابٌ نفسي مثل الهستيريا والرّهاب والهوس، ناتج عن صراع نفسي مكبوت) وأمراض ذهنية عديدة وكذا تكوّنُ الشخصية تُفسّرُ بالتصرفات التي تعتبر ردودَ أفعال ضد النّقص الجسدي (الوظيفي والمورفولوجي والتكويني) مهما كان بسيطا. يرى ألفرد آدلر أنّ إحساسَ الطفل بالنقص يُعتبر طبيعيا في البداية، لكنه يُصبح مرضيا إذا لم يتم تجاوز مرحلته الطبيعية، فالأبَوان يكونان أحيانا هما السبب لكونهما طالبا الطفل بتحقيق أمور يصعب عليه تحقيقها، أو لكونهما لم يقدراه التقدير الذي يستحقه، وفي هذه الحالة يتجاهل الطفل مؤهلاته وينتابه شعور قوي بالنقص.
الإحساس بالنقص هو اقتناعُ الفرد بأنه يحتل مكانة أدنى بالمقارنة بالآخرين في عدة أمور منها الاستحقاق والقيمة الشخصية والقدرات الجسدية والقدرات الثقافية. وهناك اختلاف بين الإحساس بالنقص العادي والإحساس بالنقص المرضي: فالإحساس بالنقص العادي يتم تجاوزه بشكل عادي ويجلبُ ذلك التجاوز الرضا والمتعة، كما أن الفرد في هذه الحالة لا يفقد تقديره لنفسه أما الإحساس بالنقص المرضي فهو عميق ودائم، ويفقد فيه الشخص تقديره لنفسه.
يرى فرويد أن الإحساس بالنقص لا يرتبط بالضرورة بنقص عضوي، ولا يُعتبرُ هذا الأخير سببا في حدوثه. لذلك ينبغي فهم الإحساس بالنقص وتأويله كعَرَضٍ (مؤشر عن وجود مرض) فالإحساس بالنقص يترجم التوتر ما بين الأنا والأنا الأعلى الذي يُدينه، كما أن هناك ارتباطٌ ما بين الإحساس بالنقص والإحساس بالذنب.
أما بيير جانيه فيعبر عن الإحساس بالنقص بعبارة أخرى هي "الإحساسُ بعدم الاكتمال"، ويعرّف الإحساس بعدم الاكتمال بأنه إحساس الفرد بأنه ليس فردا مكتملا، وليس حيّا بالمعنى الكامل للكلمة، وليس واقعيا بكل ما تعنيه الواقعية من معنى.
أما ج.م. سوتر فيرى أنّ الإحساس بالنقص هو إحساسُ الفرد بأن مستواه أقل من المستوى العادي أو أقل من نموذج مثالي يرغب في أن يكون مثله. والإحساس بالنقص هو نوع من المازوشية (البحث عن اللذة من خلال الألم) تجعل الفرد يعترف بنقائصه الفعلية أو الخيالية بمرارة. فالفرد الذي يعاني من الإحساس بالنقص هو في الغالب ضحية ضغوطات تسبّبَ فيها هو لنفسه لكي يبلغ هدفا وضعه نُصب عينيه. فالأفرادُ الذين يعانون من عقدة النقص يشعرون في الحياة اليومية بأنهم أقل جمالا وذكاء وثقافة من الآخرين. فيسجنون أنفسهم في تصور سلبي عن أنفسهم. فتغيب الثقة في النفس والتحفيز الذاتي وأحيانا يهجرون الحياة الجماعية. إن انعدام ثقتهم في أنفسهم يعتبر مدخلا للمخاطرة في المجال المهني والعاطفي.
إن الحل الأسلم حسب ألفرد آدلر هو السيطرة على الإحساس بالنقص بدل تعويضه بتصرفات أو بممارسات معينة، ينبغي التحرر منه عوض البحث المُضني عن اعتراف الآخرين، وعوض توجيه الطموح نحو تحقيق التفوق الشخصي. يحتاج الذين يعانون من عقدة النقص إلى التغلب على المشاكل التي بداخلهم، وتحقيق أمان حقيقي في حياتهم.
قد يبدو هذا الحل صعبا ولا يتلاءم مع الوضعية المعقدة والمؤلمة لمن يعانون من هذا الإضراب النفسي، خصوص لمّا يقول فرويد أن الإحساس بالنقص هو جواب عن خسارة الحب وعن الخِصَاء. .



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما مكانة مكيافيللي في سياسة الدولة المغربية؟
- السلطة في حياتنا اليومية: من يحكمنا؟
- المقاطعة الاقتصادية: السلاح الجديد في الصراع الطبقي
- صدور العدد 3 من مجلة الحرية (المغرب)
- التحليل النفسي والعلاج النفسي: الموضوع والمنهج والنتائج
- علاقة الفلسفة بالصحافة: الفلسفة صحافة راديكالية
- لِمَاذا اسْتولى الأشخاصُ الرّديؤون عَلى السّلطة؟ حوارٌ مع ال ...
- المدرسة اليابانية في عصر العولمة ريوكو تسونيوشي ترجم النص إل ...
- هل ينبغي تدريس الفلسفة لتلاميذ البكالوريا المهنية؟
- كيف صار الشاب ماركس ثوريا؟ -الفلسفة والثورة من كانط إلى مارك ...
- راني زعفان - من ستيفان هيسيل إلى أنيس تينا
- جيل دولوز يجيب عن سلسلة من الأسئلة حاوره آرنو فيللاني(1) Arn ...
- من هم الطلبة القاعديون المغاربة(1)؟
- اليَسارُ العَالمِيُ بيْنَ فشَل الأمَمِياتِ والبَحْثِ عنِ الم ...
- مَارْكس وَصِراعَاتُ الْورَثةِ
- السياسة الدينية في المغرب بين التدبير والإصلاح
- ذنوب الحب
- المناهج في الفلسفة
- حَنَّ آنُ التَّولُهِ
- صلي من أجلي


المزيد.....




- دبي بأحدث صور للفيضانات مع استمرار الجهود لليوم الرابع بعد ا ...
- الكويت.. فيديو مداهمة مزرعة ماريغوانا بعملية أمنية لمكافحة ا ...
- عفو عام في عيد استقلال زيمبابوي بإطلاق سراح آلاف السجناء بين ...
- -هآرتس-: الجيش الإسرائيلي يبني موقعين استيطانيين عند ممر نتس ...
- الدفاع الصينية تؤكد أهمية الدعم المعلوماتي للجيش لتحقيق الان ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /20.04.2024/ ...
- ??مباشر: إيران تتوعد بالرد على -أقصى مستوى- إذا تصرفت إسرائي ...
- صحيفة: سياسيو حماس يفكرون في الخروج من قطر
- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - عُقدَةُ النّقص وَدوْرُها في مُواجَهَة صُعوبات الحَياة