أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الهلالي - السلطة في حياتنا اليومية: من يحكمنا؟














المزيد.....

السلطة في حياتنا اليومية: من يحكمنا؟


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 5884 - 2018 / 5 / 26 - 02:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يعيش الفاعلُ السياسيُ الذي يحترفُ السياسة من أجل السياسة فقط، وإنما يعيشُ أيضا، حسب ماكس فيبر، منها وبفضلها. وهو يمارس السياسة خدمَة لمصالحه الخاصة لأنه يجد فيها مصدرا دائما لدخل مادي، ويمارسها أيضا كممثل لمجموعات لها مصالح. وحسب بورديو فإن "جزءا من أنشطة السياسيين لا وظيفة لها ما عدا إعادة إنتاج الجهاز السياسي وإعادة إنتاج الفاعلين السياسيين".
لا يمكن أن يُوجد الفاعل السياسِي إلا اعتمادا على السيطرة، وعلى اللامساواة، وعلى ممارسة الإكراه والعنف على أفراد وفئات معينة من أجل تحقيق هدف استراتيجي هو: فرض امتثال المواطنين لقرارات الحكومة. وهذا ما يفسره ماكس فيبر بالقول بأن "كل سياسة تستعمل القوة كوسيلة خاصة، هذه القوة التي تعلنُ عن وجود العنف مُختفيا خلفها".
لكن من يحكم فعليا وعمليا؟ هل هو الفاعلُ السياسي؟ أم المجتمع؟ أم بنيات اقتصادية وسياسية خفية؟ يتم تعيين موظفين وتغيير مسؤولين، وتُعيّنُ الحكومات تلوى الاخرى، وتؤسس مؤسسات سياسية وإدارية لكن لا نعرف بالتدقيق من يتخذ القرار، وكيف ينفذ أو كيف تتم محاربته رغم اتخاذه. يبدو أنه لا وجودَ لعلاقة الضرورة ما بين القصد الأولي للفاعل السياسي ونتيجة فعله السياسي. يقول ماكس فيبر في هذا الصدد: "من النادر أن تستجيب النتيجة النهائية للعمل السياسي لما توخاه القصد الأولي للفاعل السياسي". ويمكنُ إرجاعُ ذلك إلى أن الفاعل السياسي يُمارس فعله في صلب نسق من الوقائع. ويؤدي تفاعل هذه الوقائع إلى التأثير على مسار الفعل السياسي. يقول دوركايم في هذا الخصوص: "تتضامن كل واقعة مع الوقائع الأخرى، ولا يمكن تغيير الواقعة دون تغيير الوقائع الأخرى، ومن الصعب أن نحدد مسبقا النتيجة النهائية لهذه التأثيرات". كما أن عامل الزمن يتدخل بدوره للتأثير في العمل السياسي, وهكذا قد لا تظهر نتائج فعل سياسي إلا بعد سنين عديدة. فالحاكم لا يتحكم في قراراته بفعل هذا التعقيد وبفعل الزمن. يتدخل المجتمع ليؤثر بدوره على الفعل السياسي فوريا أو بعد مدة زمنية محددة على شكل احتجاج أو تمرد أو عصيان.
أما في حالة الأزمة فإن قدرات السلطة تتعرض للانهيار، فيغيبُ التحكم في القرارات السياسية، وتظهرُ للوجود "مناطق اللاشرعية"، أو "مناطق مستقلة استقلالا مؤقتا" يطلق عليها "المناطق الخارجة عن القانون". وفي هذه الحالة تُطرحُ للنقاش مسألة شرعية الدولة برمّتها، أي تُطرحُ مسألة من سيحكم ولمن ستكون الغلبة؟ وينبغي القول أن المجتمع يظل جزئيا خارج السيطرة، وخارج الحكم. وهذا ما يجعل السلطة تنشغل بشكل مهووس بهاجس التمرد والانقلاب والثورة.
إن حياة المجتمع بأسرها تتمحور حول السلطة بمعناها الدقيق والجزئي، السلطة التي لا تظهر للعيان (حسب ميشال فوكو). لا يتعلق الأمر بالسلطة المرئية التي هي سلطة الحاكم أو الدولة كأجهزة. وإنها يتعلق الأمر بسلطة مجهرية أو ميكروفيزيائية، تتجسد في علاقات بين القوى، لا يملكها أحدٌ، وإنما تتمُ ممارستها، ولا تكون حاضرة وفعالة إلى من خلال ممارستها، لا يتم تفويتها لأنها ليست إرثا، منتشرة في كل مكان، يشارك جميع أفراد المجتمع في ممارستها ومنحها الوجود، من الصعب التحكم فيها لأنها متعددة المكونات وغير منسجمة في تركيبتها، وتختفي بعيدا عن الحواس، وبالتالي فهي سلطة مجزأة منتشرة عبر علاقات بين القوى التي هي علاقات سلطة. ومن أبرز الأماكن التي يمكن أن تدرس فيها هذه السلطة المجهرية بشكل نموذجي: المدارس والمعامل والسجون والثكنات العسكرية والمصحات العقلية...
يتوهم الفرد أنه حر في أفعاله، والواقع أنه عبارة عن "مجموع تدابير وإجراءات" تتكرر وتمنحه هويات محددة، ويتم ذلك عبر خطابات، فالفرد ينطق بخطابات، وينصت لخطابات، ويفكر في خطابات. فهو يختار خطابات، ويرفض أخرى، وينتج بعضها، ويكررها بعضها الآخر: وهذه الخطابات تبرّرُ الأفعال وتقدم معلومات عن الفرد مما يجعله قابلا للمعرفة والتأثير عليه.
ليست السلطة حسب هذا المنظور شيئا يملكه الحاكمُ، وإنما هي إستراتيجية تستعمل ترتيبات وتاكتيكات ومناورات وتقنيات وكيفيات في التأثير وبلوغ الأهداف عبر شبكة من العلاقات. إنها لا تمارس من أعلى الدولة نحو أسفل المجتمع، وإنما تمارس في مواقع مثلما تُمارسُ الحرب.
تستهدف هذه السلطة محاربة أي فوضى في المجتمع، ووضع أجساد المواطنين في سياج محكم، وتوزيعهم عبر مساحة المجال الترابي، والحرص على أن يظل كل فرد في مكانه حسب مرتبته ووظيفته وقواه. إنها تراقب نشاط الأفراد في كل مكان، وتعمل على بلوغ باطن الأفراد وحياتهم الروحية والحميمية. إنها تستهدف فرض الانضباط والتطبيع على الأجساد، واللجوء لعقوبات دقيقة أو خفيفة جدا (فوكو) ضد المتمردين غير الخاضعين لردعهم حتى لا يتمردوا من جديد. ولا يجب الخلط بين هذه العقوبات الدقيقة وبين الآليات القضائية الكبرى التي تلجأ لها السلطة السياسية أو سلطة الدولة.
وهناك تفاعل ما بين السلطة السياسية والسلطة الميكروفيزيائية، فلما تكون السلطة السياسية قمعية، تستهدف إسكات المواطنين باحتكارها الحق في الكلام، وفرض الجهل على الناس، وقمع اللذات والرغبات، وممارسة التهديد بالعنف والقتل، فإن السلطات الميكروفيزيائية بالمقابل تقوم بإنتاج خطابات مختلفة وتحث المواطنين على الاعتراف بما ارتكبوه من أفعال مفترضة.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاطعة الاقتصادية: السلاح الجديد في الصراع الطبقي
- صدور العدد 3 من مجلة الحرية (المغرب)
- التحليل النفسي والعلاج النفسي: الموضوع والمنهج والنتائج
- علاقة الفلسفة بالصحافة: الفلسفة صحافة راديكالية
- لِمَاذا اسْتولى الأشخاصُ الرّديؤون عَلى السّلطة؟ حوارٌ مع ال ...
- المدرسة اليابانية في عصر العولمة ريوكو تسونيوشي ترجم النص إل ...
- هل ينبغي تدريس الفلسفة لتلاميذ البكالوريا المهنية؟
- كيف صار الشاب ماركس ثوريا؟ -الفلسفة والثورة من كانط إلى مارك ...
- راني زعفان - من ستيفان هيسيل إلى أنيس تينا
- جيل دولوز يجيب عن سلسلة من الأسئلة حاوره آرنو فيللاني(1) Arn ...
- من هم الطلبة القاعديون المغاربة(1)؟
- اليَسارُ العَالمِيُ بيْنَ فشَل الأمَمِياتِ والبَحْثِ عنِ الم ...
- مَارْكس وَصِراعَاتُ الْورَثةِ
- السياسة الدينية في المغرب بين التدبير والإصلاح
- ذنوب الحب
- المناهج في الفلسفة
- حَنَّ آنُ التَّولُهِ
- صلي من أجلي
- عزف على أوتارك
- هل هناك لغة فلسفية؟


المزيد.....




- أفيخاي أدرعي في قرى درزية بجبل الشيخ، فإلى أي مدى اقترب من ا ...
- جدل كبار السن والتيك توك في المغرب ومشروع قرار مرتقب
- قانون أوروبا الأخضر في مهبّ الغاز القطري
- بوتين: نريد سلاماً دائماً ومستقراً في أوكرانيا
- الغارديان: إسرائيل تدير الجوع في غزة عبر -حسابات بسيطة-
- العلماء يحلون لغزًا عمره ملايين السنين... هل يعود أصل البطاط ...
- -خمس ساعات في غزة-.. تفاصيل زيارة ستيف ويتكوف إلى القطاع
- رغم تحذيرات.. إسرائيل تؤكد مواصلة عمل سفارتها وقنصليتها في ا ...
- الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان يصف الحرب في غزة بـ-الإبادة ...
- -يأكلون مما نأكل-.. القسام تبث مشاهد أسير إسرائيلي بجسد هزيل ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الهلالي - السلطة في حياتنا اليومية: من يحكمنا؟