أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الهلالي - السياسة الدينية في المغرب بين التدبير والإصلاح















المزيد.....


السياسة الدينية في المغرب بين التدبير والإصلاح


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 5166 - 2016 / 5 / 18 - 09:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



1

لا ينفصل الإصلاح الديني وتدبير الحقل الديني عن الصراعات الإيديولوجية من أجل اكتساب الشرعية الدينية ونزعها عن الخصم عبر ممارسة مضادة وتأويل مضاد للنص المؤسس.
إن الحديث عن الحقل الديني باعتماد فكرة "الحقل المتميز المنفصل والخاص والمنسجم"، حقل يمكن التفكير فيه وتدبيره وإصلاحه كمجال خاص يتم التدخل فيه من داخله، لا يستند إلا على رغبة أو تضليل.
ليس الدين المراد تدبيره وإصلاحه إلا آلة حرب طبقية احتدت نارها بفعل عوامل ظرفية جديدة، وبفعل أزمة إيديولوجيات المعارضة "العلمانية" أو انحسارها المؤقت. إن الإشكال الأساسي في الدين هو معرفة الأسباب التي جعلت فئات اجتماعية تحيّن الاستعمال الحربي للدين وتشحذ سيوفها على مِسَنّ القرآن والسنة.
يتخذ الصراع الديني صيغا وطرقا مختلفة حسب المطالب والخصوم. لكن ليس هناك صراع ديني خالص. ليس هناك صراع ديني من أجل الدين. هناك صراع بالدين وبواسطة الدين من أجل تحقيق غايات تتجاوز الدين نفسه.
إن الدولة التي احتمت بالدين واحتكرته، واستغلته واستعملته كأداة لمحاربة خصومها، وغضت الطرف عن تشكل "إجرام باسم الدين"، وشاهدت بأم عينيها قتل معارضين باسم الدين ومن طرف محسوبين على الدين... هي نفس الدولة التي تقوم اليوم بتدبير الشأن الديني للحد من خطورته عليها، وعلى المجتمع.
كانت الإيديولوجية الاشتراكية خطرا على الدولة المغربية وعلى مصالحها. وبما أنها دولة مفلسة إيديولوجيا، لأنها دولة تتبنى الليبرالية الاقتصادية بدون فكر ليبرالي، بدون ليبراليين، بدون قيم ليبرالية، فقد اضطرت في صراعها ضد الخصم الطبقي الإيديولوجي إلى الاحتماء بالدين وترسانته العتيقة التي تم إخراجها من غمدها للاستعمال المُبيّت والمخطط له. فهل يتعلق الأمر بتدبير تقني مرحلي ظرفي مصلحي للدين؟ أم بإصلاح ديني؟ وهل يتعلق الأمر بالإصلاح الديني أم بإصلاح "السنة"؟ (بالمعنى الذي نجده في كتاب السنة والإصلاح لعبد الله العروي) وكيف يمكن إصلاح "السنة" في الوقت الذي نقوم بإحيائها حين نود إصلاحها؟ لأن تجديد "السنة يعني بالضبط استحضارها بعد نسيان، استئنافها بعد تعثر، استجلاءها بعد خفاء"(1). كما أن الحديث عن الدين الذي تحول إلى "سنة"، يتطلب الحديث عن البدعة التي هي ذريعة تتخذها السنة لمقاومة كل تجديد، ومجاوزة الإصلاح، خاصة إذا كان السلطان "يرتدي منذ البدء لباس القداسة"(2) ، وذلك للعلاقة الوثيقة بين "تصور الحاكم المطلق" و"تصور الإله الواحد"، هناك تناظر بين السماء والأرض، بين المطلق في السياسة والمطلق في الدين(3). لا يمكن طرح مسألة الإصلاح الديني دون طرح مسألة التوحيد في الأرض والسماء، فالتوحيد "يؤدي ضرورة بالناس إلى تفويض إدارة شؤونهم إلى فرد مطلق التصرف شريطة أن يوازن إطلاق السلطة العدل والإنصاف"(4) ، فلا يمكن للبشر أن يتصوروا الله "إلا جالسا على عرشه يفصل في قضايا الكون، يحيط به أعوان وموال حسب ترتيب محكم ومراسيم دقيقة"(5). ألا يمكن القول أن هبّة الدولة لتدبير الشأن الديني وإصلاحه هي نفسها حركة "السنة" الحذرة المتأهبة التي "تخشى باستمرار إما هجمة الخارج وإما مروق الداخل فتتصرف كالسلحفاة، كلما استشعرت الخطر تقوقعت لتستمسك وتصمد"؟(6).

2

إن الأساس الديني والتاريخي والسياسي لإمارة المؤمنين هو مسألة الخلافة وشرعية الخليفة الدينية والدنيوية، بناء على الفكرة الشائعة التي تقول أن "أساس كل حكم في الإسلام هو الخلافة"(7) ، والخلافة هي "خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"(8) وخطورة وضع الخليفة هو أن له حق التصرف "في رقاب الناس وأموالهم وأبضاعهم"(9). ويمكن حصر مآل هذا الإشكال في الفكرتين التاليتين:
- يتضمن الدين الأساس الشرعي للخلافة، ويكون الخليفة بذلك ظلا لله وخليفة لرسوله.
- لا أساس شرعي للخلافة في الدين، ويستمد الخليفة شرعيته من الأمة (جماعة المسلمين) عن طريق الاختيار.
وإذا كان تنزيه الإسلام النبوي عن الممارسة السياسية، بمعناها البشري وبما تحتمله من صواب وخطأ، يهدف إلى رفع النبي إلى أعلى مرتبة تتطلبها النبوة حتى لا يختلط وضعه كنبي بوضع الحاكم أو الملك، وحتى لا تترتب عن هذا الوضع دولة نبوية تاريخية تمس الطابع الإلهي للوحي (الحق المطلق مقابل الرأي البشري للنبي وصحابته الذين شكلوا القيادة العليا للغزوات والحروب الداخلية) فإن تاريخية الحكم الإسلامي في العهد النبوي واقع عنيد (ولو عبر التأويلات والتأويلات المضادة) يطرح مسألة المكون السياسي في الإسلام منذ تشكله الأول وتحوله إلى مؤسسة (ولو بمظاهر التقشف والبساطة التي ميزت حياة القائد الأول).
فلجوء دولة النبي للجهاد واستعمال القوة والقهر والغلبة لم يكن ضرورة من ضرورات الدعوة إلى الدين الجديد، وإنما كانت ضرورة سياسية لحل مشاكل الجماعة وتناقضاتها.
تَرِثُ إمارة المؤمنين هذا الإشكال المتعلق بالشرعية الدينية. هذه الشرعية التي تتخذ الدين الإسلامي التاريخي كإرث جماعي مشترك كإيديولوجية تبريرية وتوحيدية. إلا أن قوة هذه الإيديولوجية تختلف حسب التصور المُتبنى: فهل شرعية أمير المؤمنين شرعية منصوص عليها إلهيا؟ أم أنها شرعية التاريخ والاختيار الجماعي، مع ضرورة القيام بحفظ الدين إلى جانب حفظ الدنيا؟ ذلك أنه "لا توجد بعد النبي زعامة دينية (...) وإذا كانت الزعامة لا دينية فهي ليست شيئا أقل ولا أكثر من الزعامة المدنية أو السياسية، زعامة الحكومة والسلطان لا زعامة الدين"(10). وهذا الاختلاف الجذري بن زعامة النبي وزعامة من يخلفه يؤسس لتصور سياسي يقيم شرعية الخلفاء على الاختيار وليس على النص الديني. إن "زعامة النبي عليه السلام كانت زعامة دينية، جاءت عن طريق الرسالة لا غير، وقد انتهت الرسالة بموته صلى الله عليه وسلم، فانتهت الزعامة أيضا، وما كان لأحد أن يخلفه في زعامته، كما أنه لم يكن لأحد أن يخلفه في رسالته"(11).

3

"إن الحلول التي أتى بها النبي كانت مؤيدة بالسلطة الإلهية بكل تأكيد"(12)، وهي حلول جاء بها في العشر سنوات الأخيرة من حياته (وهي فترة قصيرة إذا قورنت بعقدين كاملين استغرقهما تأسيس الدعوة عقائديا)، ولا شيء "يدل على أنها كانت تحظى في ذهن النبي وصحابته بالقيمة المطلقة التي حظيت بها فيما بعد"(13).
لا أحد يدعي "امتلاك سلطة تشبه سلطة النبي"(14) ، فهل عالج المسلمون الأوائل هذا المأزق عبر الجهاد الذي يمكن اعتباره شأنا سياسيا وليس دينيا مادامت الدعوة للدين لا يمكن أن تتم مبدئيا بالقوة والغزو؟
لم يهتم القرآن "بمفهوم المجتمع السياسي ولا بمفهوم الدولة أو السلطة، كما أنه لم يعِد المسلمين بدولة أو ملكية، وإنما وعدهم بالجنة"(15). وإذا استحضرنا قول ابن تيمية: "إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة"(16) ، يتبين لنا التخبط في مسألة الحكم السياسي في الإسلام.
فكيف يمكن لتدبير الشأن الديني أو إصلاحه أن ينسجم مع النظام الديمقراطي الذي يتم باسمه هذا التدبير والإصلاح؟ هل الأمر رهين فقط بالديمقراطيين؟ وما شأن الإسلاميين الفاعلين في الحقل السياسي الذين يتراوح موقفهم بين تكفير الديمقراطية وبين التقية السياسية النفعية التي تستعمل الديمقراطية كوسيلة لتصفية الديمقراطية؟ فمنذ "جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، المصلحان الأساسيان للفكر الإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر، والمؤسسان للإسلام السياسي الحديث، وموقف الإسلام السياسي تجاه الثقافة والقيم الديمقراطية الغربية موقف جد غامض"(17)

4

هل يمكن حقا السكون لفكرة "الإسلام المغربي"، أي هذا الإسلام الذي يحده مجال ترابي؟(18) ألا تدل هذه النظرة على مغامرة أساسها إما خصوصية مرغوب فيها وإما استسهال غير مفكر فيه؟ فلا حدود للفكر الديني الإسلامي مبدئيا وتاريخيا. كما أنه من الصعب الارتكاز على الفقه المالكي الرسمي للقول بإسلام مغربي، لأن هذا يعني تجاهل كل أشكال الإسلام الأخرى التي تبناها وعمل بها المغاربة.
يُفترض أن سيادة الفقه المالكي رسميا سبب كاف لتوجيه التعامل مع النص القرآني والسنة النبوية، وتوجيه التأويل، ويفترض أيضا أن فئة الفقهاء "الرسميين" هي مقياس الإسلام المغربي السائد. يقال من الناحية الرسمية أن الإسلام المغربي يستند على العقيدة الأشعرية التي تؤمن بأزلية صفات الله وبكونها زائدة على ذاته، وبقدم القرآن باعتباره كلام الله، وبخلق جميع الأفعال البشرية، وبحقيقة رؤية الله بالأبصار يوم القيامة وبأن الكبيرة لا تُخرج من الإيمان وبأن الشفاعة والميزان والحوض والبرزخ حقائق دينية. ويستند أيضا على المذهب المالكي الذي يقوم على أصول عدة هي القرآن والسنة والإجماع وإجماع أهل المدينة والقياس وقول الصحابة والمصلحة المرسلة وسد الذرائع والاستصحاب والاستحسان. ويوصف المذهب المالكي بالوسطية والاعتدال، كما تضاف إليه التجربة التاريخية للأمازيغ الذين اعتنقوا الإسلام وأغنوه، لأنه مذهب الحفظ والاجتهاد. علما بأن "الفقهاء المالكيين فقهاء محافظون ويحبطون كل محاولات الإصلاح ويعادون كل ميل نحو التقدم"(19). كما يستند إضافة إلى ما سبق للتصوف على مذهب الجنيد البغدادي (أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز القواريري الذي توفي سنة 911م/297هـ).
وإذا أخذنا كل ما سلف بعين الاعتبار فما طبيعة إمارة المؤمنين المغربية؟
تَمّت البيعة بالمغرب، حين الانتقال من دولة لدولة أخرى، بكيفيتين على وجه العموم: البيعة عن طريق الغلبة والقهر والإرغام كما حدث مع المرابطين والموحدين والمرينيين. والبيعة عن طريق الاختيار كما حدث مع الأدارسة والسعديين والعلويين. أما داخل الدولة الواحدة فإن الخيار السائد كان هو ولاية العهد.
ومن الواضح أن التمييز منهجي فقط، وذلك بسبب التداخل بين الخيارين (القهر والاختيار)، خاصة وأن القهر لا يتم دائما من خلال الحرب والإرغام على الخضوع والتنكيل بالمخالفين والرافضين. وإذا كان منطلق البيعة هو "حفظ الدين والأرواح والأموال والأعراض"، فإن أساسها هو ممارسة السلطة من منظور الغالب.

5

الحقل الديني هو نفسه حقل سياسي وإيديولوجي، إنه ساحة معارك سياسية وإيديولوجية، تُخاض بداخله صراعات الحكم والتملك، بالغلبة أو بالدعوة. وتؤرخ المعارك التي خبرها لتطوراته وتغيراته وانتكاساته أيضا.
إن عودة الدولة إلى الحقل الديني بقوة ووفق إستراتيجية للهيمنة والاحتكار تعود للسبعينيات (أو بداية الثمانينيات عبر تحديد وظيفة العلماء وتأطير استعمال المساجد وتكوين القيمين الدينيين)(20) حيث تفاعلت أحداث هامة هددت الهيمنة الإيديولوجية للحكم ومن بينها:
- الانتشار الكيفي والكمي للأفكار الماركسية في أوساط الشبيبة المغربية وخاصة في الجامعات والثانويات.
- ظهور نموذج للحكم الديني المنافس للإيديولوجية الليبرالية الغربية وللإيديولوجية الاشتراكية، هو النموذج الشيعي الإيراني
- انبثاق حركات سياسية باسم الدين تُنافس الدولة في المطالبة بحقها في الشرعية الدينية (وهي حركات يمينية شعبوية لا تختلف مع النظام في الخيارات الإستراتيجية، بل إنها تعبر عن إفلاس النظام الإيديولوجي والاقتصادي)
يعتبر الدين إيديولوجية المجتمعات التقليدية والمجتمعات التي لازال التقليد هو بنيتها الفوقية الأساسية. ولقد عرف المغرب الصراع حول احتكار الدين منذ القرن الثامن عشر، وتمثل ذلك في الصراع ما بين الزوايا والسلطة المخزنية. وبما أن الصراع الديني هو مظهر للصراع السياسي فلقد لجا السلطان مولاي سليمان (1792-1822) للوهابية (الإسلام المشرقي المحافظ المستلهم للمذهب الحنبلي) لمحاربة خصومه. ولقد نشر رسالة عرفت بـ"رسالة ضد المواسم والبدع". وسيستمر الصراع في القرنين المواليين حول احتكار الدين وتوظيفه. وسيوظف الاستعمار الفرنسي الإسلام عبر الزوايا، كما ستلجأ الحركة الوطنية للدين كرمز للمقاومة. وبهذه الصفة لا يمكن لأية دولة أن تهاجمه أو تحاربه، وهذا ليس لأنه دين، ولكن لأنه دين قام بدور تاريخي ومبدئي، وبالتالي فهو ذاكرة مقاومة، ذاكرة شعب، بالرغم من أن السلطة الدينية التقليدية تحالفت مع المستعمر أو اختارت الحياد.(21).
وستلجأ دولة ما بعد الاستقلال للدين بحثا عن الشرعية وتصديا للمعارضة اليسارية. وإذا كان من المبالغ فيه القول إن عودة الدين الرسمي والإيديولوجية الدينية الرسمية إلى الواجهة السياسية بقوة هدفت بالأساس لمحاربة اليساريين، لأن هذا يدل على إهمال أزمة شرعية النظام في أعين مجموعة من الفئات (الطلبة، الجيش، الفئة المثقفة، النقابات، المعارضون الإسلاميون...) فإن ذلك القول له جانب من المصداقية نظرا للأهمية التي كانت تحظى بها الإيديولوجية اليسارية آنذاك في مناخ سياسي محلي ودولي مساعد.

6

إن مراقبة الحقل الديني تعني ضبطه ومراقبته من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات لتوظيفه في الصراع لاحتكار المشروعية الدينية التي هي أساسٌ من أُسُس المشروعية السياسية في المغرب. وتتجلى عمليات التدبير التي تتوخى الضبط في الإجراءات التالية:
- التحكم في المساجد التي ظلت خارج السيطرة وذلك عبر التحكم في منح التراخيص لبناء أماكن العبادة وذلك منذ 1984.
- التحكم في مضامين خطب الجمعة، وإقصاء الخطباء "غير المنضبطين" باستعمال الترغيب والترهيب والتوقيف والطرد. وتحويلها إلى مجال للتعلم والحفظ والترتيل ومحو الأمية.
- إعادة السيادة للمذهب المالكي كمذهب وحيد في البلاد.
- إعادة هيكلة المجالس العلمية المحلية لتقوم بمجموعة من الوظائف في مجال التأطير الإداري وتأطير عمليات محو الأمية بالمساجد والإشراف على تكوين الأئمة والخطباء والوعاظ...
- تمكين المجلس العلمي الأعلى من سلطات هامة في ما يتعلق بالفتاوى. (تقديم آراء استشارية بهذا الشأن)
- جعل الإفتاء شأنا ملكيا. ووضع حد للفوضى في هذا المجال
- تأسيس الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء التابعة للمجلس العلمي الأعلى المختصة بإصدار الفتاوى.
- تفعيل دار الحديث الحسنية التي أدخلت تخصصات جديدة مثل مقارنة الأديان واللغات والعلوم الاجتماعية والاقتصادية.
- هيكلة الرابطة المحمدية لعلماء المغرب، وتفعيل علاقتها بالمجالس العلمية.
- إعادة النظر في تدبير شؤون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتبني خيار جديد مخالف للخيار السابق.
- إحداث المجلس العلمي للجالية المغربية بأوروبا.
- بناء مساجد جديدة وترميم مساجد قديمة.
- إشراك المرأة في تدبير الشأن الديني (القيمات الدينيات، العالمات بالمجالس العلمية)
- ميثاق العلماء لتأهيل العلماء لكي يواجهوا التطرف ويدافعوا عن الوسطية والتسامح.
- معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية.
- مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف
- مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين (الأئمة والمؤذنون والخطباء والوعاظ والمرشدون والمنظفون والحراس والمراقبون).
- إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم
- قناة السادسة للقرآن الكريم.

7

تدخل جميع تلك الإجراءات في خانة تدبير الحقل الديني ولا ترقى لمستوى الإصلاح. كما تغيب الكيفية التي يمكن الانتقال عبرها من التدبير المتمركز حول الضبط إلى الإصلاح الذي ينبني على سياسية دينية ذات أساس مدني. فالإصلاح الديني لا يعني بالضرورة العلمانية، لأن المجتمع غير مؤهل لاستيعاب وتبني ودعم العلمانية باعتبارها فصلا بين السلطات السياسية والسلطات الدينية، ولعدم وجود أدلة تدل على أن العلمانية ستحل وحدها المشكل الديني في المغرب المتمثل في هيمنة الدين على الشأن السياسي وعلى الحياة الخاصة والعامة، وكونه أساس شرعيات الطبقة الحاكمة وبعض الفئات المعارضة.
يقتضي الإصلاح النظر في البداية إلى هذا الصراع بين منظورين للمجتمع تختلط فيهما المرجعيات وتجتمع فيهما المتناقضات، ويتم الاحتماء فيهما بنفس المرجع ألا وهما: منظور الدولة التي تقوم بتدبير الشأن الديني، ومنظور جماعات الإسلام السياسي. فالمجتمع هو كبش الفداء الذي سيُضحّى به بدءا بطليعته التنويرية عند احتدام الأزمة حفاظا على مصالح الجميع. فليس هناك تناقض جوهري بين التطرف الديني والاعتدال الديني، هناك فرق في تقييم الوسائل والإمكانيات، هناك صراع بين الإيمان الذي يأمر بالتطبيق المباشر وإيمان التقية. هناك اختلاف في تقدير التّمكين وظروفه. فالاعتدال الديني يحتوي بذور التطرف ويقود إليه عبر تغيير في التوجه أو عبر انشقاقات.
يقتضي الإصلاح الديني التمحور حول جعل الدين شأنا خاصا تحميه الدولة انطلاقا من مجموع التدابير الملائمة وبناء على احتكار إيجابي رمزي وفعلي للشأن الديني في إطار إمارة المؤمنين، احتكار إيجابي لصد كل احتكار سلبي، احتكار يخدم الأمن الروحي للمؤمن لصد كل احتكار يجعل الدين وسيلة للوصول للسلطة، احتكار إيجابي لتثقيف المؤمن روحيا ودينيا ضد احتكار ينبني على التجهيل واستغلال الجهل بالدين نصا وتأويلا وتاريخا وتعددا في المذاهب.
ويقتضي أيضا العمل على أن تكون مراقبة الحقل الدين مراقبة كيفية. فهي مطلب سياسي راهن من أجل الحد من انتشار الخطاب المتطرف باسم الدين، لكنها ليست كافية لتحقيق الهدف النهائي الذي هو التخلص من التطرف الجماعي السياسي الديني. فعلى هذه المراقبة أن تدعم التصور الروحي للدين ضدا على التصور السياسي، وعدم تحويل عمليات الضبط إلى وسائل دعائية لمشروعية الدولة دينيا.
ينبغي أن تقود مراقبة الحقل الديني إلى ترسيخ الوظيفة الأخلاقية والروحية للمؤسسة الدينية، وجعل العلماء ينخرطون في إنتاج معرفة جديرة بالاحترام في إطار احترام التعدد والاختلاف، لذلك ليس من المقبول أن تكون مراقبة الحقل الديني هاجسا أمنيا.
ولكي يتحقق ذلك ينبغي:
- تجفيف المنابع الفكرية والتعليمية للتطرف الديني، وإعادة النظر في جميع المقررات والمضامين والتخصصات والمسالك التي تعتبر ملجأ وحضنا لنشر وصقل هذه النوعية من الأفكار
- إعادة النظر في مناهج ومضامين تدريس الدين الإسلامي بالعمل على ملاءمة وصلاحية المضمون للسن وللأهداف التربوية المنشودة، والانتقال من الحفظ إلى النقد والمقارنة وإدخال البعد التاريخي في تكوّن الدين والمذهب حسب ما يقتضيه السن، وعدم تكرار المضامين المشاعة في العائلة ووسائل الإعلام
- إلحاق كل ما يتعلق بالتربية الدينية الإسلامية بدار الحديث الحسنية وجعلها مسؤولة عن مضامينها وأهدافها ومناهجها
- إعادة النظر في الإعلام العمومي الديني وفي البرامج الدينية.
- تفعيل الدور الاجتماعي والخيري لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بحيث تصل إلى استقطاب معظم الأعمال الخيرية باسم الدين بما فيها أموال الزكاة واستعمالها في إطار استراتيجيات هادفة للتنمية (وخاصة في مجال هش جدا الذي هو مجال المتشردين والمتسولين وإجرام الشباب والمنحرفين والأطفال منهم على وجه الخصوص...
- تطوير مؤسسة العلماء وما يرتبط بها في حد ذاتها وجعلها تقوم بمهامها في استقلال عن الحقل السياسي وتأمينها من خطر التطرف الديني.

8

إذا تم حشد جميع "قوى المجتمع الحية" للتصدي للتطرف الديني فلن يؤدي ذلك إلا إلى خلق إشكال وهمي يحجب الإشكال الحقيقي الذي هو فشل الدولة في تدبير الشأن السياسي والاقتصادي. علما أن المتطرفين الدينيين أقلية، ومن ثمة فالمشكل الذي يفرض نفسه هو لماذا يحظون بالتأييد الشعبي، سواء بالصمت أو الموالاة أو التستر أو المساعدة المالية والتقنية والدعائية؟ والجواب يكمن في الداء الأصلي الذي هو فشل سياسة الدولة. إن التطرف الديني الذي تقوده أقلية ويجد صداه لدى أغلبية هو الشكل الممكن للاحتجاج الشعبي ضد وضع يتردى اقتصاديا ويفقد مصداقيته سياسيا. إن المنتفعين من سياسية الدولة الحالية يساهمون في تأزم الوضع وذلك بخلق حلول وهمية يتضح في الأمد القصير فشلها واستمرارية الوضع كما كان.


---------------------------------------------
الهوامش:

*) كاتب ومترجم، آخر ما صدر له عن دار توبقال للنشر: "التفكير في تنوع العالم"، ترجمة، فيليب ديريبارن، 2011، "الحق والعدالة"، ترجمة نصوص فلسفية، بالاشتراك، 2014.

1) عبد الله العروي، السنة والإصلاح، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2008، ص: 170
2)عبد الله العروي، نفس المرجع، ص: 166
3) عبد الله العروي، نفس المرجع، ص: 165
4) عبد الله العروي، نفس المرجع، ص: 166
5) عبد الله العروي، نفس المرجع، ص: 165
6) عبد الله العروي، نفس المرجع، ص: 169
7) علي عبد الرازق، الإسلام وأصول الحكم، دار المعارف للطباعة والنشر، سوسة، تونس، الطبعة الثالثة، 2001، ص: 5
8) ابن خلدون، المقدمة، ذكره علي الرازق، مرجع مذكور، ص 10.
9) طوالع الأنوار، 47، ذكره علي عبد لرازق، ص: 10.
10) علي عبد الرازق، نفس المرجع، ص: 107
11) علي عبد الرازق، نفس المرجع، ص: 107
12) عبد المجيد الشرفي، Pouvoir politique et pouvoir religieux dans l’histoire de l’islam، المرجع: (www.etudes-musulmanes.com)
13) عبد المجيد الشرفي، نفس المرجع
14) عبد المجيد الشرفي، نفس المرجع
15) صادوق بلعيد ذكره: Noomane Raboudi, L’islam a-t-il besoin de la démocratie?, Cahiers de recherche sociologique , n° 46, 2008, p. 30.
16) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 63/28
17) نعمان رابودي، نفس المرجع
18) محمد طوزي:
L’évolution du champ religieux marocain au défi de la mondialisation, Revue 1internationale de politique comparée, 2009/1 (Vol. 16).
19) محمد طوزي، نفس المرجع
20) محمد طوزي، نفس المرجع.
21) عبد المجيد الشرفي، نفس المرجع.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذنوب الحب
- المناهج في الفلسفة
- حَنَّ آنُ التَّولُهِ
- صلي من أجلي
- عزف على أوتارك
- هل هناك لغة فلسفية؟
- هل توجد نساء فيلسوفات؟ (عناصر أولية)
- -الثورة الديمقراطية- أو كتابة تاريخ الوعي المغربي المعاصر
- التمثيل اليساري الديمقراطي الثوري للشعب
- الكائن الإخواني - الجزء الثالث والأخير
- الكائن الإخواني - الجزء الثاني
- الكائن الإخواني الجزء الأول
- الكائن الإخواني
- إصلاح التعليم أو الجحيم (المؤسسة التعليمية خط أحمر)
- نشيد المناضلين
- الشيخ إمام: إمام المثقفين
- سميح القاسم أسرار الشاعر وأشعاره
- المفهوم الفلسفي
- النظرية العلمية
- من الربيع العربي إلى الثورة


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الهلالي - السياسة الدينية في المغرب بين التدبير والإصلاح