نوروز, عيد الكرد, عيد الربيع, نوروز عيد الجميع!

فاضل الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 1495 - 2006 / 3 / 20 - 08:33
المحور: المجتمع المدني
    

في المجتمعات المتمدنة يفتخر الناس ويحترم أبناء الأقليات القومية أو الدينية الذين يعيشون في تلك المجتمعات, ولا ينكروا حقوقهم أو يعملوا على طمس تراثهم ومحو انتمائهم,
وتضمن ذلك القوانين والأعراف الدولية!
إلاّ أنه في أكثر الدول العربية تكاد تكون استثناء في هذا المجال, وهذا تحريف للحقيقة وللتاريخ, وإضعاف للمجتمع والوطن بشكل عام.
إن تجاهل أسماء معروفة بالتاريخ ـ تجاهل أصلها القومي ـ هو محاولة تعريب كل سكان هذه البلاد قانونياً وثقافياً وحضارياً هو أمر بعيد عن الحقيقة وإضعاف للوطن الذي هو ملك كل سكانه!
إن تصوير أسماء, غير عربية الأصل في التاريخ على أنها عربية شيء مخجل وتزوير للحقيقة.
من لم يسمع أو يقرأ عمر الخيّام أو الرازي وهما فارسيي الأصل, والكثير يعتقد أنهما عرب!
ابن سينا والخوارزمي وهما من آسيا الوسطى,
صلاح الدين الأيوبي الكردي الأصل والانتماء ....
والعشرات بل المئات غيرهم الذين كانوا ينتمون إلى قوميات غير عربية ويدّرس تاريخهم وكأنهم من أعلام العرب!
وهؤلاء قدموا لأبناء البلدان التي عاشوا فيها خدمات تناقلها الأجيال وهم يمثلون جزء من التراث العالمي.
ونحن السوريون نفخر بمدينة تدمر السورية وملكتها زنوبيا وحضارتها رغم أنهم كانوا يتكلمون لغة خاصة بهم وليست عربية, كذلك البتراء في الأردن وغيرها, وغيرها....
حضارة الأندلس التي يفخر فيها العرب والمسلمين ليست كلها عربية إسلامية, بل هي نتيجة خليط متنوع من الثقافات والحضارات التي تفاعلت مع بعضها أخذاً وعطاءً, إضافة لبعدها عن مركز الدولة الإسلامية وسطوتها وفقهائها وفتاواها!
وحتى الآشوريين والسريان وغيرها من القوميات الغير عربية والتي قدمت للإنسانية حضارة قيمة ويحترمها ويقّدرها العالم أكثر من العرب!
ويحلو للكثير من الذين عماهم التعصب القومي العربي على تسمية هذه الشعوب على أنها عرب الشمال!!
صلاح الدين يسمونه بالقائد العربي الإسلامي!
ولا نفاجأ إن قال البعض عن الفراعنة أنهم عرب مصر!
وربما تفيض قريحة أحد المؤرخين القوميين على تسمية حضارة الهنود الحمر بأنها عربية!

ومع قدوم نوروز, العيد القومي للشعب الكردي يحضرني عشرات الأسماء التي حتى وقت قريب كنت أحسبها عربية, وهي كردية, ولم تخجل يوماً بانتمائها للأصل الكردي وللوطن المشترك!
إبراهيم هنانو أحد قادة الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي!
سليمان الحلبي والذي قام بقتل كليبر قائد الحملة الفرنسية العسكرية على مصر!
محمد كرد علي وهو مؤسس أول أكاديمية عربية للعلوم في العصر الحديث!
الشاعر أحمد شوقي أمير الشعراء!
يوسف العظمة وزير الحربية السورية إبان الاحتلال الفرنسي لسورية والذي واجه قوات المحتل الغازية واستشهد في موقعة ميسلون دفاعاً عن التراب السوري والوطن الذي يجب أن يتسع لكل السوريين!
لم يفكر يوسف العظمة يوماً أن مئات الآلاف من أبناء قوميته سيحرمون من جنسيتهم السورية ويبقون لأكثر من أربعة عقود من الزمن بدون أبسط حقوق الإنسانية, فهم أحياء ـ أموات, وربما يكونون الوحيدين في العالم الذين لا يملكون أية أوراق تثبت وجودهم على هذه البسيطة! وحتى الآن ما زالت سلطة النظام السوري تعتبرها مسألة بسيطة!
كما ذكر أسماء مثل إبن خلكان المؤرخ المشهور, وأبو الفدا والذي تسمى مدينة حماة السورية باسمه وغيرها من أعلام التاريخ والأدب والنضال الذين قدموا للوطن المشترك الكثير وبالمقابل ينكر الكثير الحقيقة عن هؤلاء العظام!

نحن في عصر نعجز فيه عن فهم العصر, وبالرغم أن التاريخ العربي مليء بعشرات ومئات الأسماء التي نفخر فيها, يزيد العرب فخراً وقوة الاعتراف بالجميل وهو أنه في هذه البلاد كان مواطنين خدموا الأرض والوطن المشترك والمصير المشترك وليس عاراً على العرب إن لم يكونوا هؤلاء عرباً!

لماذا نسمي شعراء وأدباء المهجر المنحدرين من أصل عربي على أنهم عرب ـ رغم أنه بينهم من ينتمي إلى قوميات غير عربية ـ
على كل حال هذا النهج العنصري لا يخدم العرب ولا الوطن "الأوطان" الذي هو ملك قاطنيه من العرب والكرد والسريان والأرمن والشركس وغيرهم من "الأقليات" العرقية الأخرى والذين يجب التعامل معهم ليس على أساس أقلية بل على أساس المواطنة! تعبير غير إنساني هذا التعبير "أقلية"!!!
وأقول لأكثر العرب: قبول الجديد سهل, ولكن التخلص من القديم صعب!
هذا ما قاله الفيلسوف "كانت", وأنا لا أتمنى أن يأتي زمن يقولون فيه هنا كانت تعيش العرب!!

فما أجمل الربيع لأنه مليء بشتى أنواع الزهور والألوان!
وما أعذب سيمفونية موسيقية تصدح فيها مختلف الألحان بتناغم وتنسيق فني ممتع ورائع!
فالغنى بالتنوع, والقوة بالتعددية!
تحية لكل أصدقائي الأكراد الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم!
نوروز عيد الأكراد القومي, عيد الربيع , عيد الجميع!!

بودابست, 20 / 3 / 2006. د. فاضل الخطيب

#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل