أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - صخرة سيزيف















المزيد.....

صخرة سيزيف


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 5881 - 2018 / 5 / 23 - 05:56
المحور: الادب والفن
    


نجى ادم هارون المترجم السوداني الهارب من هولوكوست الجنجويد في دارفور, خريج آداب جامعة الخرطوم فلسفة ولغة المانية من الغرق بعد انقلاب القارب في عرض البحر قرب سواحل اوروبا وسبح الي الجزيرة ..اخرج هاتفه السيار الثريا الذى زوده به صديقه الالماني كان لا يزال يعمل وبطارية الشحن تضمحل باستمرار واتصل الاب القس البروتستانتي السابق و المهندس الالماني بيتر لوثر الذى كان يعمل معهم في شركة الكهرباء في درنة قبل زحف الجرذان علي ليبيا وغادرها مع الجالية الالمانية وتركهم في معسكر الشركة يتدبرو امرهم للعبور الي اوروبا عبر القوارب والروليت المميت ..
- الو الاب لوثر !!
-نعم من المتصل؟
- انا تلميذك برومثيوس خاطف النار
- ادم السوداني ؟؟
- نعم ..نعم
- حياك الله من اين تتصل ؟
- هل تذكر صخرة سيزيف التي اخبرتنا بها؟؟
في الادب والفلسفة اللاتينية ايام جلوسنا مع العائلة الكوكبية في الزمن الجميل ؟ ؟
- نعم ..ما الامر..اين انتم الان ؟
- انا اجلس على هذه الصخرة الان في جزيرة ارخبيل رودس اتمنى ان تحدد الموقع من الان البطارية تنفذ
- انا في طريقي من بون الي ميونخ الي الديار استقل القطار, ساعات واتواصل معك تخبرني ماذا حدث
اطفا التلفون وجلس يحدق في البحر الصاخب وصياح النوارس يصم الاذان..انحسر الموج ثم عاد وتقيأ عائلة اميد السوري ورصهم اله البحر بوسيدون* بعناية فائقة على الساحل اميد الكردي وزوجته الارمنية مريم وبنتاه زينة وايمان وثم هرول يبحث عن باقي الجثث..حدق فيهم في اسى وتتداعى شريط الذكريات " وجدهم المهندس لوثر في طرابلس هائمين بعد مسيرة خروج طويلة من سوريا عبر السودان الى ليبيا وجاء بهم الي درنة الى معسكر الشركة واميد اصلا مهندس صيانة وزوجته مريم مساعد طبيب الاسنان واسكنهم في بيوت المعسكر" كان اميد الكردي السوري يردد في اذن ادم دائما "لن اعبر الي اوروبا عبر بلاد الاتراك الاوغاد ابدا لذلك جئت الي هنا "
دارت الامواج وانجبت الهة البحر كالبسو ابنها جاكوب بانزا ..والقت به عاريا على رمال الساحل مكورا كالجنين في بطن امه ..نظر اليه في اسى ..جاكوب بانزا موطن من توغو في العقد الرابع من عمره جسد غريب يشبه الغوريلا قوى التركيب وقلب مفعم بالطيبة عثر عليه الاب لوثر في مدينة سبها يعاني الامرين من عنصرية العرب البليدة ويطارده الاطفال في الشوارع. آخذه مع الي الشركة في درنة ودربه على العمل في رصف الاعمدة ومد الاسلاك الكهربائية..نظر ادم الي ظهره المقوس واثار السياط والتعذيب التي عانى منها عقب الحادثة الشهيرة عندما اختطفه تجار البشر ومارسوا ضده اشكال التعذيب و كل النزعات السفلى في النفس البشرية حتى انقذه الاب لوثر بفدية كبيرة واثر بعدها ان يعمل في المعسكر في المغسلة الاتوماتيكية للملابس وجلب الخضروات واللحوم من الاسواق القريبة ..وظل صديقه اللدود اميد هو غريمه الوحيد في لعبة لي الذراع وكلاهما ذو بنية جسدية قوية وكنا نراهن عليهما بعد الغداء الجماعي في بيت العزاب في المعسكر .. الان يرقد في سلام متكورا كفقمة كبيرة لفظها البحر بقسوة وقد تحرر من حياة عانى منها الكثير واكيد ولدته كالبسو في عالم الاخر الان , مشبع بطفولة والسلام يبدو انه فقدهما طيلة حياته السابقة ..
استدارت الامواج وعاد الزبد الذى لا يذهب جفاء يحمل جثة اليفة لدى ادم انه لاعب الكرة في فرقة الشركة من مالي كيتا مامدو...كان منظره مؤلم قضمت اسماك القرش ساقه..وبقيت الساق الاخرى بحذائه الرياضي الثمين..جاء به الاب لوثر ايضا من طرابلس ليلعب في منتخب الشركة , كان عالم كيتا هو كرة القدم ويعلق صور اللاعبين العالميين في غرفته ويتابع المباريات على شاشة التلفاز ويجلس بين الكؤوس والميداليات التي حققها في دوري كرة القدم الليبي..ويحلم دائما ان يكون لاعب في الدوري الالماني البندس ليقا في فريق مدينة لوثر بايرن ميونخ والان اضح جثة بلا ساق يسحبه بوسيدون بقسوة الي الساحل ...
ظل يحدق في الجثث المسجاة على الساحل في اسى كانه كابوس مستمر ودرات عجلة الروليت مرة اخرى وجلبت اخر العنقود في الاسرة الكوكبية التي كانت تقيم في معسكر شركة سيمنز في درنة ..فاطمة الإرتيرية الجميلة افروديت * وابنها يوهانس مكور في حضنها وطرحهما الموج الصاخب عن كثب...عندما عاد الاب لوثر من طرابلس يرفل في سعادة شديدة ومعه هذه المرأة الجميلة وابنها اشاع الحبور في الجميع ..وجدها تعمل في مطعم صديقه الليبي امام السفارة الالمانية تعمل نادلة وتعد ايضا الطعام الايطالي الجيد..اذهل لوثر طبق البيتزا الرائع الذى ذكره بزوجته الايطالية الراحلة منذ امد بعيد, ماتت في ريعان شبابها بالسرطان وترهب لوثر واغرق تقسه في العمل الانساني كمسيحي بروتستانتي ملتزم وهو الان في العقد السادس..جرت مفاوضات بينه وبين صاحب المطعم ودفع عنها مبلغ كبير وجاء بها الي المعسكر وعرف في الطريق رحلتها الشاقة من ارتريا مع ابنها وزوجها الذى مات في معسكر اللاجئين في مدينة كسلا السودانية عندما تفشى وباء الكوليرا هناك وبقيت وحدها تشق الطريق الي اوروبا عبر صحراء موحشة ووحوش البشر ايضا الذين انتهكوا جسدها مرارا حتى وصلت طرابلس وكان يراودها حلم ان تكون طباخة في فندق معتبر في ايطاليا او عارضة ازياء في باريس فهي تجيد تفصيل الملابس وان توفر لابنها يوهانس حياة كريمة بعيدا عن معسكرات السخرة في مدينة كرن والدكتاتور افورقي..الذي يعيش خارج العصر الليبرالي ..
سرح ادم في ذكريات طيبة والان تحولت الي كابوس بعد انفتح صندوق بأندورا* في كل ليبيا , كانت الشمس قد شارفت الغروب وكست الاجساد الممددة بحمرة قانية امام عينيه المجهدتين. رن الهاتف مرة اخرى جواره على الصخرة واختطفه في لهفة وهو يحدق في جثة فاطمة التي طالما احبها خفية ..
- نعم الاب لوثر!
- انا الان في البيت امام الكمبيوتر
- حسنا لقد مات الجميع للأسف ولفظهم البحر امامي تباعا ولازال يأتي بالمزيد منهم
- تبا لرب الارباب زيوس* يبدو انه لازال نائم وترك اله البحر بوسيدون يعبث بكم
ادرك ادم ان طبيعة لوثر المرحة لن تدعه في شانه ...اراد ان يزيل منه التوتر ويعيده الي ايام الثرثرة اللاتينية قبل ان يجتاح الجرذان ليببا في ربيع لا عطر فيه ولا زهر ..
فجاة لمح راس صغير يتحرك.. بين زراعي افروديت." انه يوهانس"..صعق من الدهشة عندما نهض الطفل المذعور من تهافت النوارس وصقور البحر حول جثمان امه. وطفق يذبهم بعيدا عنها ..هب ادم وانتزعه من بين اجنحة النوارس ومناقيرها الحادة وعاد يجلس وقد وضعه في حجره وبكاءه يصم الاذان مع صراخ النوارس وصخب الامواج ...والظلام الذى بدا يلف المكان بعباءته السوداء المرصعة بالنجوم
- ادعو ربك ورب المسيح يسوع ان ينزل لنا مائدة من السماء تسع شخصين
سمع ضحكة عميقة من الطرف الاخر
- ماذا ؟؟
- هناك ناجي ثاني ..يوهانس ..الطفل يوهانس !!
- فليبارككم الرب. فليبارككم الرب ..لقد حددت الموقع الان..
- مع السلامة نفذت البطارية ولم اعد اسمعك جيدا
- الي اللقاء يا ابني..الي اللقاء
تكور جوار الصخرة وارقد الطفل في حضنه بعد ان سقاه من قارورة الماء التي لازالت معه واعطاه ايضا قطعة شوكولاتة من جيبه المبلل ..واطلاقا للنوم العنان...قد اضحيا موطنين في أطلنطيا الجديدة * او بمعنى ادق جحيم ستان*.. الدولة الخيالية التي يسكنها اربعين مليون لاجئ عبر الكرة الارضية بسبب الجشع الإمبريالي الصهيوني الذى يمارسه شليوك* تاجر البندقية وشقيقاته العاهرت السبعة* في دول العالم الثالث ..
صنعاء 20 مايو 2018



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية عطا ود عشمانة
- الثورة السودانية واشكاليات التغيير
- مقالات سودانية (1) هم بشوفو لكن ما بسمعو !!
- السودان والحاجة الي العزلة المجيدة
- متلازمة مصر ام الدنيا والسودان
- الشعب السوداني بين تفاهة المعارضة ووضاعة النظام
- نظام -االكعوك- العالمي الجديد
- بالسوداني الفصيح: السودان وعودة الباش بذق
- السودان..التتار على الابواب..
- النخب العربية ومتلازمة ايران
- السودان وسنوات التيه
- الديالوكتيك الكوني وحضارة السودان
- ما الذى حدث في انتخابات 2010؟
- بين خليجي 20 وخليجي 23
- ازمة الوعي الحضاري في السودان
- الامارات العربية والسودان بين عصرين
- نظرية المعرفة في الفكرة الجمهورية السودانية
- في السودان... انتهى الدرس يا غبي
- مقالات سودانية:(1) في ذكرى الحسين عليه السلام..
- ما على النظام وما على المعارضة وما على الشعب


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - صخرة سيزيف