أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالص عزمي - أدب القضاة 2















المزيد.....

أدب القضاة 2


خالص عزمي

الحوار المتمدن-العدد: 1494 - 2006 / 3 / 19 - 11:02
المحور: الادب والفن
    


صبيحة الشيخ داود
في صبيحة يوم من شباط عام 1922 فوجيءالشعب العراقي وهو في قمة دفاعه عن الحجاب ؛ بصبية في الثانية عشرة من عمرها تركب الجمل وتمثل الخنساء في مهرجان ( سوق عكاظ) تحت رعاية الملك فيصل الاول ؛ ولم تكن تلك الصغيرة الا صبيحة الشيخ احمد الداود ابنة احد شخصيات الدين الكبار الذي اصبح فيما بعد وزيرا للاوقاف . حينما وقفت صبيحة سافرة وهي تلقي شعر الخنساء ؛ لم تتهيب مقام الملك ؛ ولم يرتج عليها بسبب ذلك الحشد الكبير وصعوبة لغة القصيدة الفصيحة ؛ بل راحت تثير الاعجاب بحسن الاداء وقوة الحافظة والاندماج بتمثيل الشخصية . اذن هكذا كانت البداية الجريئة .

في عام 1936 ؛وبذات الجرأة ؛ التحقت صبيحة بكلية الحقوق فكانت الفتاة الاولى التي انتمت الى هذا الصرح العلمي ؛ لتجلس على مقاعد الدرس بين زملائها الرجال ؛وبحمايتهم ورعاية الاستاذ العميد منير القاضي ؛ وحينما تخرجت عام 1940عملت في نطاق وزارة المعارف ؛ كمفتشة تربوية ثم مدرسة في دار المعلمات حتى عام 1956؛ حيث عينت عضوا في محكمة الاحداث وبقيت في منصبها القضائي هذا مدة 14 عاما ؛ تجول بين قضايا اجتماعية ونفسية يتغلب على اكثرها عنصر العادات والتقاليد .

كانت وهي تنظر في قضيا المحالين من صغار السن ؛ تسترجع كل ما قرأته او مارسته تربويا ؛ فيخفق فؤادها بالرأفة والرعاية ؛ وتميل الى الانصاف والرحمة والاصلاح ؛ لا الى التشدد والقسوة والعقاب . لقد حدثني قضاة ومحامون كثر عن اسلوبها المتميز بدراسة القضايا بروح متأنية ورؤوفة ؛ فأشادوا بكفآءتها القانونية؛ وقدرتها على التحليل النفسي واستيعاب كل قضية من خلال ظروفها ووقائعها وارتباطها بالبيئة التي حدثت فيهااو أثرت في اسبابها ومجرياتها وطبقا لنصوص القانون ساري المفعول . .
كما ذكر لي الصحفي الكبير المرحوم صبيح الغافقي هذه الحادثة قائلا (عرضت مرة على الاستاذة صبيحة قضيتان متشابهتان في الوقائع لصبيين في ذات السن ؛ واحد من الوزيرية ؛ والآخر من محلة التسابيل قرب باب الشيخ ؛فلما دققت في الاوراق التحقيقية اتضح لها بان هناك فرقا بينا في بيئتي كل منهما ؛ من حيث الرعاية الاسرية والسلوك التربوي والعادات والتقاليد ؛ فأخذت ذلك بنظر الاعتبار عند تحديدها للتكييف القانوني من خلال أسباب ودوافع كل منهما لاقتراف الجريمة ) وهكذا يكون منظور العدالة عند الشخصية القانونية التي تتصدى للفعل الاجرامي وتدرسه من مختلف جوانبه طبقا للزمن الذي حدث فيه ؛ ولبيئة المكان الذي دارت وقائعه على مسرحه .

لعبت الراحلة صبيحة الشيخ داود دورا رياديا اجتماعيا في النهضة النسوية العراقية ؛ فقد شاركت في مختلف الجمعيات الخيرية كالهلال الاحمر والام والطفل والاتحاد النسائي ؛ وساهمت في كثير من المؤتمرات النسوية والانسانية داخل العراق وخارجه ؛ فكانت صوتا امينا دلل على رفعة المرأة وتقدمها وصدق كفاحها من اجل المساواة ا في الحقوق والواجبات . ولقد نشرت عشرات المقالات والبحوث والقت كثيرا من المحاضرات ؛ ثم اصدرت كتابين رآئدين هما ؛( اول الطريق) وهو عن تجربتهاالحياتية والنسوية ؛ والثاني ( تجربتي في قضاء الاحداث ) ؛ وهو عن عملها المؤصل في تلك المحكمة القضائية الاجتماعية ومن يطلع على هذين المؤلفين ؛ ينبهر بالافكار الحديثة التي طرحتها ؛ وباللغة العربية الفصيحة المشرقة التي استعملتها دونما تكلف او تصنع .اضافة الىتطعيم كل ذلك بالامثال والحكم التي ارتكزت عليها في توضيح آرائها التي جاءت بها في صفحاتها المشرقة التي اعتمدت على نصوع البيان الادبي وسلاسة البلاغة المنتقاة الصافية .
.
لقد حضرت كثيرا من مجالسها الادبية في صالونها الانيق من بيتها العامر في ابي نؤاس المطل على نهر دجلة الخالد ؛ فكان ذلك المجلس حافلا بالشخصيات البارزة في القانون والادب والدبلوماسية والفن ؛ تصدح في جوانبه قصائد الشعر ؛ وحكايات الذكريات والموسيقى العذبة والطرائف التراثية التي كان يسوقها اسبوعيا جهابذة الادب والتاريخ كمصطفى جواد وجعفر الخليلي والشيخ جلال الحنفي وفؤاد عباس وحافظ جميل وكوركيس عواد وابراهيم الوائلي ويوسف يعقوب مسكوني وعبد الهادي التازي ... الخ . وكانت صبيحة الشيخ داود تضفي من شخصيتها المتعفـفــــة الكريمـــة المتواضعة على الحاضرين رقة في الحديث ودماثة في الخلق . وعليه؛ لم يكن غريبا ان يذكراستاذها العميد القاضي في مقدمتة لكتابها( اول الطرق )حينما اورد العبارة الصادقة التالية :( وقد دفعني الى كتابة هذه المقدمة قيام الصلة الوثيقة بيننا ؛ صلة استاذ مخلص مع تلميذة نجيبة وفية ؛ فقد قضيت في تدريسها مع زملائها أربع سنوات في كلية الحقوق ؛ وهي الفتاة الوحيدة بين نحو الف طالب يحترمونها وتحترمهم ويقدرون نشاطها وسعيها ؛ وتقدر ادبهم وحسن سيرهم معها على وجه المساواة والحرمة المتبادلة ..)

توفيق الفكيكي

كان كتاب ( دفاع عن الشاعر ابي العتاهية ) اول كتاب اقرأه للفكيكي فأعجبت بطريقته القانونية في التصدي للخصومة ؛ ولم تتح لي الفرصة في لقائه الا عام 1956حينما حل في بغداد الشاعر اللبناني امين نخلة ؛ حيث أقيمت له حفلات تكريم من بينها ؛ تلك المأدبة المعتبرة التي أدبها الشاعر العملاق الجواهري في بيته في الاعظمية ودعا اليها عددا من الشعراء والادباء ورجال القانون كان لي شرف المشاركة معهم .
كنت اجلس وعبد الوهاب البياتي وحارث طه الراوي على اريكة تقابل باب غرفة الاستقبال ؛ حينما دخل رجل قصير القامة أنيس الطلعة ؛ بشوش الوجه ؛ يضع نظارة سميكة على عينيه النفاذتين ؛ وبعد التعارف المعتاد عاد ادراجه و فضل الجلوس قربنا ؛ ليشاركنا حديثنا عن الادب الحديث ؛ وأساليب الصياغة الجديدة المبتدعة للتعبير عنه .؛ وقد لاحظت من خلال مجريات الحوار كم كان الفكيكي متتبعا لما ينشر في الصحافة الادبية من نتاج شباب تلك الحقبة ؛ حيث لم يفته التنويه بعدد منهم كالبياتي والسياب ولميعة عمارة وعبد الملك نوري وحسين مردان ... الخ ؛ كان ذلك الحديث الشيق قد شدني الى ثقافته التراثية والمعاصرة وزادني تتبعا واعجابا بما رفد به المكتبة العربية بنتاج يستحق الاكبار والتقدير .

عمل الفكيكي قاضيا في مدن شتى ( سامراء ؛ خانقين ؛ النجف ؛ كربلاء ؛ الكاظمية ؛ الاعظمية ) فكان مضرب المثل في الاناة و العمق والصدق والعدالة ؛ و لقد كان يزاوج مابين اسلوبه التربوي الذي تلقاه اثناء فترة مزاولته التعليم ؛ وبين حصافته كمحام يدافع عن حقوق موكليه . و لعل لتجواله في مدن عدة اثره في تحصيله الاجتماعي والثقافي والفقهي الواسع ؛ وبخاصة ما افاد منه من خلال امتداد صداقاته ومعارفه حيث شمل شخصيات متنوعة في طباعها ومراكزها وانتماءاتها الحضرية و الريفية و القبلية وفي ثقافاتها الدينية او الاكاديمية ؛وكلها منحته خزينا اضافيا واسعا من المعرفة الواقعية .

لم يشعرنا الفكيكي ابدا؛ نحن شباب المحاماة آنذاك ؛ بفارق السن والمكانة ؛ بل كان يمنحنا الاعتبار اللائق بزملاء مهنة واحدة نغرف جميعا من معين قانوني واحد ؛ وكان يؤكدبهذا الجانب على ان ( كل الفرق يكمن في طول المراس وتراكم الخبرة والتجربة ) وبقوله هذا كان يشد من عزيمتنا ويقوي من أزرنا .

كان اسلوب الفكيكي الادبي في غاية التدفق البلاغي العامر بالجملة الناصعة والعبارة المتماسكة ؛ وهو يقربه الى اساليب كتاب ذلك العصر من امثال ابراهيم حلمي العمر وابراهيم صالح شكر وفهمي المدرس واحمد عزت الاعظمي وعبد الرزاق محي الدين ... الخ وما كتبه التي طبعها في حينه الا صيغة متناسقة ما بين الفقه والادب ؛ ما بين الاحداث الاجتماعية الواقعية و اطارها من الاسلوب الشعري الساحر ؛بل ما بين اسلوب البلاغة الرقيقة ؛ وحرفية النصوص القانونية ... وويمكنك التثبت من وجهة النظر هذه بمراجعة كتبه المطبوعة : ( الراعي والرعية ؛ الحجاب والسفور ؛ سكينة بنت الحسين ؛ عبقرية الشبيبي ؛ النخيل ؛ رسالة في فقه الوقف المقارن ؛أدب الفتوة ؛ دفاع عن الشاعر ابي العتاهية .... الخ)

كان منزل الفكيكي يجاور دار الصحفي الكبير خالد الدرة ( صاحب مجلة الوادي ) وهو يقابل آنذاك ثانوية الاعظمية للبنين ؛ وكان ذلك البيت العامر مجمعا لشمل الادباء ؛ و كان اللقاء يتم على مائدة عامرة بما لذ وطاب ؛ ا نحضى خلالها باحاديث شتى تتناول في مجملها الونا من نفحات الادب والصحافة والفن والقانون ؛ وكان لحضور الفكيكي اثره المباشر على تنوع الحوار وطرافته وحسن تنقله من قصيدة رائقة ؛ الى ادب شعبي ؛ الى قضايا ساخنة ما زالت تنظر امام المحاكم ..

لقد عرف الفكيكي بالكرم الحاتمي والاغداق على المحتاجين ؛ ماديا ومعنويا ؛ ولهذا جاء رثاء صديقه الحميم الشاعر المعروف حافظ جميل عند رحيله من ادق ما لامس حقيقة صفاة ذلك القاضي الاديب ؛ والانسان العطوف ؛حيث قال فيه :
ابكي الجواد الاريحي خلا من الند الضريب
شهم يجوع ولا يرد سؤال محتاج حريب
يعطي ويخشى ان يرى غير المروءة من رقيب



#خالص_عزمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدب القضاة ا
- مشاركة المرأة
- من يحقق الوحدة الوطنية ؟
- المقدمات 1
- صور من التعذيب تحت ظل الاحتلال
- مسرح الكاريكتور الدنيماركي
- حقا ... انها مستقلة
- في عيد ميلاد اماديوس موزارت
- يحكى أن 3
- الفنان اسماعيل الشيخلي في ذكراه الرابعة
- حل الجيش العراقي
- عند الامتحان -المشهد الثاني
- عند الامتحان
- الثلوج والوطن
- الطابو ولعبة الكراسي
- 2 الانسحاب
- قوافل الانسحاب 1
- صف لي لبنان
- كان ... واختها لجنة ميليس
- لكل سؤال جواب


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالص عزمي - أدب القضاة 2