أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - مقطع من روايتي «في قبضة الحليف»














المزيد.....

مقطع من روايتي «في قبضة الحليف»


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 5789 - 2018 / 2 / 16 - 00:55
المحور: الادب والفن
    


لما كان المهجع ضيقاً لهذا العدد، فقد اتفقنا أن ننام متعاكسي الاتجاه (عقب ورأس)؛ فعلى جانب، يكون الرأس محاطاً بزوجين من الأرجل وعلى الجانب الآخر، تكون الرجلان محاطتين برأسين. وذلك بغية الاستفادة القصوى من المكان.
فقد جرّبنا جميع الوضعيات ولم نجد أفضل من هذه الطريقة.
نادراً ما يصدف أن يرقد الجميع في وقت واحد، بسبب الضيق الشديد في المكان. إذ يتعذر استيعاب كل هذا العدد، لذلك كان النوم يتم على دفعات وبأوقات مختلفة من اليوم حسب الشاغر. ومع ذلك فقد يصدف أحياناً أن يهجع الجميع في وقت واحد، عندها يكون المشهد قد وصل إلى ذروة المأساة بأشكاله السُريالية المحزنة والمخيفة معاً.
كانت الساعة الخامسة صباحاً عندما استيقظتُ بسبب حاجتي الماسّة للتبوّل! ولما كان المهجع يفتقر إلى مرحاض، وموعد فتح الباب للخروج إلى دورة المياه ليس قبل السابعة، فإنه من الصعوبة الانتظار حتى ذلك الوقت. ولا بدّ من استثمار تنكة البول المتموضعة في زاوية المهجع قرب الباب. والوصول إلى التنكة التي تبعد عني مسافة ثلاثة عشر جسداً نائماً، يتطلب مجهوداً كبيراً وحذراً فائقاً، بسبب تلاصق هذه الأجساد وقلة المساحات الأرضية الظاهرة لوضع القدم لدى التنقل..
نهضتُ واقفاً أستطلع الفراغات الضيقة بين الأجساد.. إلا أن مشهداً لفت نظري وجعلني أتسمّر في مكاني.. تمنيت خلالها أن أكون فناناً تشكيلياً لأتمكن من تجسيد هذا المشهد بلوحة توضح حجم المعاناة التي نحياها.
بدا لي المهجع كمستودع لتخزين البضائع، وقد فرشت أرضيته بتلك الأجساد الملفوفة بالبطانيات العسكرية، وقد اتخذت وضعيات تشبه وإلى حد كبير مشهد ما بعد المجزرة! قلت في نفسي: "هذه صبرا وشاتيلا جديدة.. ولكن هذه المرة اقترفتها أيدي الحلفاء!"
اجتاحتني قشعريرة سرت في جميع أوصالي، وغمرتني تساؤلات حزينة عن ذنب هؤلاء والثمن الباهظ الذي يدفعونه طلباً ونشداناً للديمقراطية.. شعرت برغبة فضولية بمراقبة هذه (الجثث) وتأملها!
كل ما هو حولي يضجّ بالكآبة والقهر؛ فهذا يشخر بحشرجة المحتضر جرّاء ارتياح رجل جاره على رقبته! وهذا ألقى يده على بطن جاره، ورجله على فخذ جاره الآخر! وذاك محني الرأس إلى الوراء وقد فتح فمه والزبد عالق على شفتيه! وآخر مطمور الرأس بقطعة ثياب قذرة إمعاناً بمزيد من الدفء! والبعض منهم غطى عينيه بمحرمة أو بكمّ قميص اتقاءً لنور اللمبة دائمة الاشتعال! فتبدو وجوههم الشاحبة (المعصوبة) كمن نُفّذ فيهم حكم الإعدام! وبين فينة وأخرى تنتفض إحدى هذه (الجثث) إيذاناً بانتهاء كابوس. وتصدر أخرى أنيناً موجعاً كعجوز وحيدة فقدت رفيق عمرها معلنةً خضوعها لكابوس جديد.
لن أشرح طريقة الوصول إلى تنكة البول، لأنني بذلك سأذكر ضحايا الدعس البريء على العديد من تلك الجثث.. وتأفف البعض، واستيقاظ البعض مذعوراً..! وعدم انتباه البعض الآخر بسبب نومهم الثقيل، أو بسبب ضعف حركة الدعس المزعج..



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنّنا نُخْصِي العجول!
- النقد اختصاص وليس إدارة!
- «اغتصاب» مُحَبَّب!
- بِلا أُذُنَين!
- دردشة مع شوفير!
- طلال حيدر و«الغجر»
- لماذا حصل ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت؟
- الدالوم
- الخَرُوف
- مناجاة الروح والجسد
- مذكّرات نقابية
- الحبُّ في زمن القهر
- وجهة نظر في بناء سورية الجديدة؟
- فلاشات من هنا وهناك (6)
- فلاشات من هنا وهناك (5)
- التأمينات الاجتماعية وعمّال القطاع الخاص في سورية
- أوّل لقاء..
- قراءة في مشروع تعديل القانون الأساسي للعاملين في الدولة
- وثيقة عهد
- فلاشات من هنا وهناك (4)


المزيد.....




- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - مقطع من روايتي «في قبضة الحليف»