|
نجم والي في -صورة يوسف- سؤال بحجم كابوس .. وكابوس بروعة حكاية!
جلال نعيم
الحوار المتمدن-العدد: 1481 - 2006 / 3 / 6 - 11:18
المحور:
الادب والفن
نجم والي في : " صورة يوسف " سؤال بحجم كابوس .. وكابوس بروعة حكاية !
هل بامكان "رواية" لملمة أذيال الكابوس ، الذي عاشه العراق ، طوال الخمسة وثلاثين عاماً الماضية ؟ سؤال فغر فاه ، بحجم شمس صباح يوم بغدادي ، وقد وشم عليه تاريخ 9 نيسان 2003 ، وكان بمثابة نهاية حقبة ، التهمت الكثير ، وظلت عصيّة على التعبير بما يتناسب ومستواها ، عمقها ، وقائعها وهذياناتها . هل بامكان "رواية" ، "ملحمة" أم "حكاية" – كما يقترح نجم والي في "صورة يوسف" ان يطلق عليها – ان تلمّ بذاك الكابوس الذي مازال يحاصر الذاكرة العراقيّة ؟ وأن تفسّر لنا ولو شيئاً مما يحدث هناك ، بعد ثلاثة أعوام من إنهياره ؟ ليست مفارقة ، إذن ، أن يبدأ "نجم والي" ، بكتابة روايته "صورة يوسف" (دار المركز الثقافي العربي – بيروت – الدار البيضاء)) ، في لحظة الفصل تلك ، (نيسان 2003) ، ليس لأنها لحظة التذكر او المراجعة فقط ، انما هي لحظة "الحساب" أيضاً .. "الحساب" الذي يتطلّب نوعاً من الفرز ، على اقل تقدير ..
"صورة يوسف" : حكايات حانة المدينة :
320 صفحة ، مقسّمة الى :(نهاية الحكاية – آلة التسجيل : وهو متن الرواية ، عبر ثمانية فصول مرقمة وملحقة بعنوان ثانوي طويل ، كما في ألف ليلة وليلة والحكايات التراثية – ثم بداية الحكاية ، وهو الفصل الأخير !) ويلاحظ محاولة الروائي التهرّب من تصنيف الغلاف (رواية) ليضع بدلها (حكاية) .. وربما ، جاء ذلك للخلاص من حدة التسمية : فاذا ما كان يفترض بالرواية "صلابة" البناء ، فان الحكاية تتنفس هواءها في عراء المخيلة ، بشكل أكبر ، حيث لا تحدها سقوف ، ولا تقفل عليها جدران .. وفيها فضاء أوسع للكابوس الذي يريد روايته .
الكل في واحد : الراوي / البطل / نحن :
ولعلّ من ميزات "الحكاية" انها تمنحه "فيزا" مفتوحة لاستخدام مختلف انواع الحيل والأقنعة والتضليل .. ولأنه في "الحكاية" يتوقف العالم كله عند حدود فم الراوي ، وأن لا عالم هناك إلا ما يخرج من فمه ، و"راوي" نجم والي لا يرحم ، يروي الحكاية لينسفها بعد قليل ، ثم ليؤسس أخرى على أنقاضها ، ويوصلها مع سابقتها لينسفهما معاً ، بعد أن تعلق في ذاكرة القارئ وكأنه عاشها ، صادفها او حلم بها ، وبشكل خاص اذا ما كان القارئ : احد مجرميها او ضحاياها .. او على الأقل سجّلَ في لائحة شهودها ، وهو اضعف ايمانها !
القيامة الآن :
تولد "الحكاية" بجملة علقت في فضاء غير مرئي ، بعد أيام من تهاوي "الصنم" في 9 نيسان من عام لا ينمحي : 2003 : " حان وقت قيام الساعة ، وعلى القاتل تسديد ديونه " أهو نداء تهديد ووعيد .. أم معول ضمير آن له ان يستيقظ ؟
ضمير مفخّخ بملايين الكوابيس :
تفترض "صورة يوسف" أكثر من "رواية" لكل حدث فيها ، وأكثر من إسم تعلّم فيه كل شخصيّة من شخوصها . هكذا تقرأها وقد تجرّدت من كل يقين ، وراحت تراوح أمامك ما بين واقع وتزييف ، خيال وكابوس ، ففي بلد (المسحوقين والمنتصرين) تضيع كل حقيقة ، وتداس بالاقدام كل ارادة للوصول اليها .. هكذا يفقد البطل صورته وهويته ، ويلقى به في مستشفى الامراض العقلية ، يهرب منها عدة مرّات ، ويعيدونه اليها ، باسم آخر ووجه آخر ، ربما كان هو الوجه الذي انتزعه منه أخوه ، ليبيّض به تاريخه المضرج بالدماء والقتل والتعذيب ، وقد تسيّد بذلك في العهد السابق ، ثم واصل لعبته ليجد له مكانا ومكانة ، في العهد الذي أقعى على الخراب الذي خلّفه .. وما دامت الحقيقة قد ذهبت ضحيّة السابق واللاحق ، فلم يبق له غير الخيال ، الخيال الذي يساعده على التعايش مع كابوسه ، كابوس الملايين التي انتزعت منها هويتها الحقيقية ، وراحت تتلوّن كي تحافظ على جلودها ، فراحت ارواحها هباء وصارت اقنعتها هي الحقيقة :( عندما غادر البيت ، وأصبح في الشارع من جديد ، راح يتأمل وجوه الناس بدقة ، وتساءل مع نفسه هل يحمل كل واحد ، منهم ، مثله قناعه في جيبه ؟ ) ثم ( من الجائز جداً ، انهم سيكتشفون يوماً ، ان وجوههم قد نمت بحيث صارت توأم قناعها )(ص147) . وتتمحور الرواية على مجموعة من الحكايات ، يتلاعب الكاتب في سرد احداثها ، بشكل مغاير، عشرات المرات ، بتمكن واضح وقدرة هائلة على التلوين ، وبتشويق بوليسي ، ومنها حكاية "سراب" : البنت الصغيرة ذات العينين الخضراوين والفانلة الزرقاء .. التي تحتل محور الصراع بين "يونس" و"يوسف" ، كما تحتل قصة "قابيل وهابيل" فصلاً مهما من فصول الذاكرة الحية ، سوى ان لا أحد منهما يسقط ضحية ذلك الصراع ، وانما سراب التي تكون الضحية ، لتكون شوكة في ضمير البطل / الراوي ، ثم ليراها في مرآة الخيال لتلعب دور الزوجة ، ومريم – زوجة أخيه- التي ينجب منها "سراب" أخرى ، وكأن عالمه (سراب في سراب) . أما "هو" فضائع ، ما بين "يونس" و"يوسف" ، وفي دوّامات حكاياته التي لا تندمل : من سجن الاحداث ، الى خدمته في المديرية العسكرية للعناية بالموتى ، الى سجن الاستخبارات العسكرية ، الى مستشفى الامراض العقلية (الشماعية) ، عبر موشور يتأرجح مابين الذاكرة والخيال ، الوهم واستبطان اللاوعي الذي يتبدى على هيئة "قصص" متتالية ، مترابطة ومتنافرة ، متداخلة ، يراها ، يشمها ، يسمعها ، يلمسها ويحاكيها ، ليرويها لنا ، كما في مشهد السينما حيث يشاهد حكايات فيها خلاصة واستبطان عميق لما ترسب في لا وعي شعب بأكمله . كل ذلك يتأتى عبر رحلة زمنها الواقعي يوماً واحداً ، بينما توغل تداعياتها ، وتخييلاتها لما يتجاوز الخمسة وثلاثين عاماً ، والتي ما زالت تمتد ، عبر نفقها المظلم ، لتشكل جزءاً مما نحياه في عمق الحاضر ، وتجيب على بعض أسئلته . ولوكان يصح تبادل النهايات الروائية ، لكانت النهاية التي اختارتها غادة السمان لروايتها "بيروت 75" ، والتي تنبأت فيها بالحرب الأهلية اللبنانية ، مناسبة هي الأخرى ل"صورة يوسف" ، حين تقوم بطلة تلك الرواية بحمل "يافطة" كبيرة ، لتضعها في مدخل بيروت ، وقد كتب عليها "مستشفى الأمراض العقلية" !
اينشتين : نعم .. "الخيال أسمى من الحقيقة " – كما ابلغنا أينشتين مرة – وهو أكثر عمقاً ، وجمالاً ، وسموّاً .. كما يخبرنا بذلك "نجم والي" في كل سطر من "صورة يوسف" . "صورة يوسف" التي شكلها في روايته مرّة ، لتتشكل في رؤوسنا مرات ومرّات ، خاصة وان نسيج وجعها مازال ينبض في رؤوسنا ونحن ننتقل من كابوس ، لندخل في متاهة !
#جلال_نعيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فحل ! قصة قصيرة للشاعر الأمريكي تشارلز بوكوفسكي
-
إنتصارات مزدوجة !!!
-
ترقّب صاخب
-
قطارات
-
خطيئة ..!- قصة قصيرة جدا
-
-انتحالات عائلة - لعبدالهادي سعدون واسطورة الكائن العراقي ال
...
-
قراءة أمريكية لرواية عراقيّة
-
ألقفص ألزجاجي
-
نداء الصباحات المُميتة
-
زمن الخنادق
-
طيف البنفسج
-
هدوء ألقمر
-
نافذة إلى عالم آخر
-
أحلام سينمائيّة
-
لهاث ..
-
ألدنيا ألخضراء
-
نص ونقد : (ألعاصور) أو شارلي ألعراقي مُتمرّداً على آلهة أزمن
...
-
إنوثة...!
-
فيفا كولومبيا ..! - قصّة
-
سياط .. - قصّة
المزيد.....
-
بعد جنازة دون جثمان.. فيديو القسام عن قائد لواء الجنوب بفرقة
...
-
عن فيلم يناقش الإعاقة العقلية.. أرجنتيني يفوز بجائزة أسبوع ا
...
-
الفلسفة والاستقلال الأكاديمي.. في محاولة التفكير بالجامعة ال
...
-
الأكاديمي اللبناني نديم منصوري: الصورة البراقة للنموذج الغرب
...
-
بالصور..كيف كانت ستبدو فنانات السينما المصرية لو عشن بفترة ا
...
-
تابع الان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 161 مترجمة على تردد قناة
...
-
مصر.. الحكم بحبس الفنانة منة شلبي لمدة عام
-
مخرج بولندي يتحدث عن محاولة -جواسيس روس- التدخل بـ-فيلم بوتي
...
-
أبطال فيلم -نورة- على السجادة الحمراء بمهرجان -كان-.. لحظات
...
-
مصر.. ظهور غريب للفنان أحمد الفيشاوي والجمهور ينتقده (فيديو)
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|