أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - في البرية














المزيد.....

في البرية


نبيل محمود

الحوار المتمدن-العدد: 5768 - 2018 / 1 / 25 - 02:14
المحور: الادب والفن
    


(2)
في البَرِيّـة
********
.
(كل ذلك الجمال يؤلم.
دموع الشمس سقطت على الأرض وصنعت طيناً.
وذلك الطين صار بشراً.)
ادواردو غاليانو, مرايا، ت. صالح علماني.

(إن لم تكن هي الطفولة، فماذا كان قديماً هناك،
ولم يعد له وجود؟)
سان جون بيرس، للاحتفال بالطفولة، ت. عبد الغفار مكاوي.
.
.
من يزعم أنه يعرف حقاً
أن الفراشة بإصرارها على تكرار حماقة الانبهار بالنار
ترتشف الضوء أو تشرب الهلاك؟
.
.
من يعرف فعلاً
أن النحلة في تنقّلها من وردةٍ إلى أخرى
تمارس الحب أو تعتنق الحياة؟
.
.
يتسلّل إلى الخارج
تاركاً في داخل البيت ألعابه المملّة الصغيرة
ينسى نفسه
وتستدرجه اللعبة الكبيرة..
- هل سأحظى بوقتٍ كافٍ للعب؟
سنبدأ بلعبة الاختباء إذاً
ويكسب من يمسك بالآخر أولاً
ولكن.. كيف سأمسكك؟
إنك شاسع جداً أيها العالم!
.
.
الطفل
تحت النخلة العالية
يمضغ رطباً
وبأسنان دهشته الأولى
يعضّ جمّار الفسيلة
ويعابث الظلال
طينُ السواقي يروغ تحت قدميه
يعود دائماً متّسخاً إلى البيت
يعود ولم يتلوّثْ بعْدْ!
.
.
بعدما سرقا علبة الكبريت من المطبخ
أخبره أخوه
- إنّ الدخان دموع النار
فالنار التي لا تشتعل جيداً
ويخذلها اللهب تجهش بالبكاء
ألا ترى كيف أنّ الدخان يُدمع عيوننا؟
لكنه خالفه لأنه على يقين
بأن دموع أمه عندما تبكي
تنحدر نازلةً على خدّيها
وتسقط دائماً إلى الأسفل
وتبلّل الأرض..
- لا..
الدموع لا تطير!
والدخان ليس دموع النار
كلا..
إنّ الدموع لا تصعد إلى السماء؟!
.
.
شمسٌ تضحك وأغصانٌ تتمايل وسواقٍ تكركر
والصبْية يقذفون قفير النحل بالحجار
ثم يتراكضون..
بعد اجتماع الملكة بالجنرالات وإعلان الحرب
تتحرك أسراب النحل لملاحقة المتمردين الصغار
سيتذكرون دائماً طعم اللسع اللاذع
مع كل لعقةٍ من العسل.
.
.
أجتازُ شجرةً
فأجدني متحيّراً بين شجرتين
أعبرهما مسرعاً
فيرعبني البقاء وحيداً بين الكثير من الأشجار
أستدير وأعدو هارباً باتّجاه البيت
لكنني أتيه في غابة!
.
.
شارداً في غرفة درسٍ ممل
يتابع نظرته الممتدّة إلى البعيد
مهماز خياله يُطلق خيوله غير المروّضة
فوق عشب البراري الشاسعة
يعبّ كؤوس الخضرة النديّة
مأخوذاً بالخرير ومرايا الماء..
نقرات طبشور الأستاذ على السبورة
تُسقطه من ظهر جواده البري
ينغرز الوتد الأول في سياج الحظيرة
ضحِك التلاميذ يُجفل الأرنب الأبيض
الذي رسمه في دفتر الحساب
ويفرّ هارباً من بين السطور.
.
.
في غفلةٍ من تهديد الآباء وتحذير الأمهات
تسلّقنا جبل اللعب في الصيف
وعند القمّة الزرقاء
قرصنا خاصرة السماء
وعضضْنا وركها الأملس
فراحت تفركه حتى الاحمرار
ثم تلفّتت نحونا متوعدةً
فأسرعنا بالانزلاق من سفح الشفق
كم ضحكنا يومذاك من لدونة لحم السماء..
حين بلغنا الوادي
كان الضباب كثيفاً في غابة الشتاء
انحنت نحونا شجرة التوت
وخاطبتنا بصوتٍ متغضّنٍ من وراء لحائها الثخين
- ليقتطعْ كل واحدٍ منكم غصناً
سيفزعكم نباحٌ مسعور
وتعترض دروبكم أشباحٌ دميمة
ستصادفون الكثير من الأوقات العصيبة
رجعنا وفي يد كل منا عصاه.
.
.
تحت الضوء السائل
الليّن والطري والناعم
يسري في عروق خضراء
أتأسّى بالبراعم
أستعجل الخروج من قشرتي الهشة
أتعثّر
بكِسْرةٍ من آجر
أنهض وأمضي
عظاميَ ملحٌ وظمأٌ شفتاي
ولسانيَ متسلّقٌٌ لاهث
يتشبّث بسفوح الغواية
أتطاول لألامس عذوبة القمم العذراء.
.
.
تيارٌ لطيفٌ يجرف قشّتي الأخيرة
ويذيب الخجل الغضّ
يا لوخزها المثيرٌ
لباطن قدميّ
أفواه هذه الأسماك الصغيرة..
للأصوات رنينٌ آخر
واهتزازات شهية
للنظرات لونٌ آخر
وإيماءات فاضحة
أية جنيات ترقص حولي
وأية شياطين تعبث بي؟
ليفيض الماء بهذه القوة ويدغدغني التيار!
أبعد قليلاً من البيت
أقرب كثيراً إلى العالم
تستدرجني الأمواج فأبتعد مبتهجاً
ليس سيئاً دائماً إحساسنا ببعض الدُّوار.
.
.
أغوانا حليبُه
فقطفنا قبل النضج التينَ الأخضر
وقبل النضج
تحت شجرة التين
تمادت أصابعنا في التطفّل
على منابت الزغب الغافي.
.
.
يوماً ما
سنكون أقلّ مرحاً
لكننا سنغدو أكثر فطنةً وفهماً
وسندرك الفرق بين الناضج والفج
عندما يتلذّذ اللسان
بتذوّق الحلاوة السائلة
من التينة المتفطّرة من فَرْط النضج.
______________________________________
* (في البرية) هو القسم الثاني من قصيدة (إنسان الجمال)



#نبيل_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأجنّة
- إنسان الجمال
- يوميات هيروشيما
- ذبول
- حديقة
- رمزية الحدث
- الغابة في المدينة
- قصيدة حلوى الليل
- أصوات
- عطرها
- إلى سركون بولص
- حلم صيفي..
- ليل الليلك
- زخات
- قالت أمي
- كأنها جريمة.. !
- الأسئلة
- كائنات الحبر
- مواء
- القفزة الحرة


المزيد.....




- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - في البرية