أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منار عبدالهادي ابراهيم - الشك .. قصة قصيرة















المزيد.....

الشك .. قصة قصيرة


منار عبدالهادي ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 5744 - 2018 / 1 / 1 - 00:44
المحور: الادب والفن
    


في الساعة الحادية عشرة من مساء الاثنين وبعد ان عاد من حفل اقيم في ساحة الاحتفالات في بغداد بمناسبة انتهاء حرب الثمان السنوات , لم يجد محمد سعيد زوجته وابنه في الشقة التي استأجرها في شارع حيفا , فينتفض البدوي الذي بداخله وتتعالى اصوات الغيرة لديه . لم تكن تلك المرة الاولى التي يتفاجئ بها محمد بخلو الشقة من زوجته لكنها المرة الاولى التي يشعر فيها بقلق حيال ذلك , خصوصا ان هذه هي المرة الاولى التي تخرج فيها نوال في هذه الساعة المتأخرة دون ان يعلم بخروجها , كما لم تخبره بذلك حينما كان يروم الخروج من الشقة بعد ان تناول وجبة الغداء مع عائلته المكونة من زوجته وابنه الوحيد عماد , بل وفوق ذلك اخبرته حين عرض عليها الخروج للتنزه بأنها متعبة ولا ترغب بالخروج ابدا . يشعر محمد بتوتر شديد ينهي كل ما تبقى من لحظات الرقص والشراب التي عاش نشوتها لتوه مع بعض الرفاق , يدور في الشقة وهو يضرب راحة يده بقبضة يده الاخرى مغمغما ببعض الكلمات الغير مفهومة , يتصاعد الأدرينالين ليطغى على تأثير الجعة التي تلافى الاكثار منها كي لا يصل الى حد الثمالة الا ان تأثيرها كان باديا عليه بوضوح . ينظر الى الباب لعلها تدخل عليه فجأة , يبحث في الصالة عسى ان يجد شيء يبين له ما حصل لكن دون جدوى . يفكر بالاتصال بالشرطة من خلال الهاتف العمومي , لكنه يقرر التريث الى الصباح فان لم تعد فلا مناص من اخبار الشرطة , لم يسأل الجيران , فقد يكونوا لا يعرفون شيئا حول الامر , ثم ان الساعة المتأخرة ولم تكن لديه رغبه بإعلام الجيران , فهو لا يريد ان يضع نفسه في صورة الرجل الذي لا يعلم بخروج زوجته , خصوصا ان هذا الامر وان حصل فستترتب عليه سمعة سيئة لا يحبذها , ستكثر الاقاويل وتتألف القصص لتؤخذ الامور بشكل خاطئ . يرد على باله ان زوجته قد خانته , لكن سرعان ما يفند تلك الفكرة بعد ان يتذكر بأن ابنه غائب ايضا , وقد يكون معها في اقرب الاحتمالات كونه لم يعتد هو الاخر ان يبقى خارج الشقة الى تلك الساعة . يزداد توتره كلما تأخر الوقت اكثر , يجلس على كرسي امام نافذة مطلة على الشارع لعله يلمح شيء ما فيه . كان يدخن بشراهة فقد اكمل علبة سجائر خلال ساعتين . لم يكن يرغب بالخروج والبحث عن عائلته لانه كان متعبا الى درجة بالغة , ثم انه لا يعرف الى اين يذهب ليبحث عنهم . وهو على كرسيه يغلبه النعاس ويغفو .
في الساعة الواحدة والنصف وبينما هو يغط في نومه , تسقط سيجارته من بين اصابع يده فتحرق جذوتها المتقدة بنطاله الذي اشتراه مؤخرا ولم يرتديه قط . لم يشعر بالذكوة التي خبت على قدمه وسقطت جراء هبوب نسمة هواء باردة بالمقارنة مع طقس اغسطس اللاهب , الا ان ضجة احدثها دخول شخصا ما وهو يدلف باب الشقة جعلته ينتفض كالعصفورٍ بللّهُ القطْر . كانت زوجته نوال ومعها عماد ابنه . نظر اليهما بشزر وصاح بصوت اجش :
- اين كنتما ؟
اجابت نوال وهي تكاد تسقط على الارض من شدة التعب بأنها اخذت عماد لتعمل له غسيل معدة في مستشفى الكرخ بعد تسممه بطبق باقلاء مسلوقة اعدتها على العشاء . هدأ محمد قليلا ثم جلس على كرسيه من جديد ؛ قال بصوت هادئ وبوضع اكثر اتزان :
- وكيف حالته الان ؟
- انه بصحة افضل . لقد نصحني بعض الاطباء المقيمين هناك بأن علي ان ابقى في المستشفى الى صباح الغد كي يرتاح اكثر لكني لم استطع ذلك فأنت لا تعلم شيئا بالأمر .
- اه يا نوال , لو تدرين اين ذهب تفكيري .
قالها ساخرا .
- اعرف . انت لا تتجرد من وساس الشك الذي يسيطر عليك . هل نسيت بأنك كدت تقتلنا في ذلك اليوم حين اعتقدت بأن رجل غريب ينام الى جنبي !
ترافق نوال ولدها الكليل الى فراشه وتخبره بانه لا يجب عليه الذهاب الى المدرسة في اليوم التالي وان عليه البقاء في فراشه لفترة كافية للراحة . تتجه الى مخدعها وتستبدل ملابسها متثاقلة بملابس النوم . كانت منهكة خائرة القوى , فهي لم تنم منذ الساعة الخامسة من صباح الاثنين ناهيك عن الاحداث التي رافقت ذلك اليوم . تقوم بتشغيل جهاز التكييف وتتجه نحو السرير . تدلق كوبا من الماء من تأمورة موضوعه على منضدة بجوار السرير لم تستبدل ماءها منذ اليوم الفائت , تتناول حبة اسبرين للحد من الصداع الرهيب الذي اغشى بصرها والآلام في ساقيها . تنسدح على سريرها , وتضع رأسها على وسادة الريش , وتستسلم لمورفيوس .
يحدق محمد الى الشارع المقفر وهو ينفث دخان سيجارته من على كرسي كان قد سحبه اكثر باتجاه النافذة , مستعيدا ذكريات ذلك الحادث الذي حدث في منتصف كانون الثاني الماضي . في تلك الليلة شديدة البرودة يدخل محمد سعيد الشقة , قادما من مجلس عزاء والد احد اصدقاءه من ايام الجامعة اقيم في مدينة الرمادي , لم يكن محمد في حالة يحسد عليها وهو يشاهد ذلك المنظر الذي رآه وهو داخل لغرفة نومه , تفاجئ بشخص غريب ينام مع زوجته على سريره الخشبي , يقف مصدوما برهة من الوقت , واخذ يغلي كبركان هائج ما ان وصلت الحمم الى فوهته حتى ثار بسرعة دون ان يأبه لجسده المنهك , لم يصدر اي صوت حين قام باخراج مسدسه الكولت الذي ورثه عن ابيه بعد موته بالسكتة القلبية , كان في الخزانة المجاورة لباب غرفة النوم . يقترب من السرير اكثر , يسحب رصاصة بيده المرتعشة ثم يوجه مسدسه نحو زوجته الخائنة ورفيقها الوضيع الذي يضطجع جنبها , الله وحده يعلم ما الذي كان يحصل اثناء فترة غيابه حينما يخرج من الشقة , لقد كان مخدوع كل تلك الايام وربما السنين , اين كان غائبا عنها , ومنذ متى بدأت تلك الخائنة الوضيعة بخيانته , يجب ان يضع الان حدا لهذا الهراء , يجب ان تُعاقب زوجته القذرة وتموت في فراش العار , يجب ان يغسل هذا العار الذي لحق به , كانت ترد في ذهنه افكار مشوشة وظنون مسمومة , جعلته لا يتمالك نفسه في تلك اللحظة , كان شرر حارق يتطاير من عينيه وقد اطلق النار لولا انه يقرر ان يزيح الدثار السميك عن النائمين ليرى وجوههم المسودة بهذا العمل القبيح , المفاجئة لم يكن هناك اي خيانة ولم ذلك الذي ينام جنب زوجته غير ابنه عماد الذي كان يحضر لامتحان الرياضيات والذي سيخوضه في اليوم التالي , وكانت والدته تساعده في فهم المادة , وقد اخذته غفوة بدون قصد منه بعد ان نامت هي الاخرى مستسلمة لقطار الاحلام . بجنب عماد كانت هناك وسادة ساعدت على اظهاره من تحت الدثار بهيئة ضخمة خدعت ابيه , وجعلته يتصور ان زوجته خائنة وعليها ان تدفع ثمن خيانتها هذه . يجلس محمد على سريره والعرق يتصبب من جبينه , عانق زوجته التي ايقضها ثقل جسده الذي رماه الى جانب السرير بحرارة وطبع قبلة في جبين ولده الذي ما زال مرتميا في احضان النوم . يرمى مسدسه على الارض وسط دهشة واستغراب من نوال التي كانت لتوها على حافة الموت .
في الساعة السادسة والنصف توقظ نوال زوجها ليذهب الى عمله بعد ان اخذه النوم وهو يستذكر تلك الحادثة على ذلك الكرسي الذي انهكه حتى الصباح ...



#منار_عبدالهادي_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سراب .. قصة قصيرة
- حفلة تخرج .. قصة قصيرة
- نيران .. قصة قصيرة
- تراجيديا الرحيل وحلاوة العودة .. قصة قصيرة
- هيستيريا سادي .. قصة قصيرة
- كرم .. شانغري-لا مورفيوس .. قصة قصيرة
- رحيل .. قصة قصيرة
- كن شجاعا .. قصة قصيرة
- قصة قصيرة بعنوان (استعادة)
- قصة قصيرة بعنوان (اشواك)
- اردوغان ... الغاية تبرر الوسيلة
- صدام حسين والمظاهرات الحالية
- داعش والمطالبين بالأنظمة الدينية سواء
- نزهه في معسكر مدني


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منار عبدالهادي ابراهيم - الشك .. قصة قصيرة