أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منار عبدالهادي ابراهيم - تراجيديا الرحيل وحلاوة العودة .. قصة قصيرة















المزيد.....

تراجيديا الرحيل وحلاوة العودة .. قصة قصيرة


منار عبدالهادي ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 5547 - 2017 / 6 / 10 - 03:56
المحور: الادب والفن
    


1
للكلمة تأثير عجيب ! بكل بساطة يستطيع المرء ان يحدث تاثير في مجريات الاحداث بشكل يفوق ما يتصوره بل ويفوق ادراكه حتى . ان تقول لشخص ما شيء , فأنت بذلك تخلق فوضى عارمة من التأملات والتساؤلات بداخله , تؤثر على سلوكه وتعامله مع الاخرين فيخلق بداخل هؤلاء كم اخر من الفوضى بسبب التفكير بالحيثية التي جعلت الاخر يغير سلوكه معهم . قد لا ندرك الاثر الذي يتركه حديثنا او لا مبالاتنا لكن عدم ادراكنا لا يعني ان لا يحدث شيء , فللكلمة تأثير كما للفعل من تأثير وعدم ادراكنا لذلك التأثير يدخلنا في فوضى قد تكون مشابهه لفوضى الاثر المتروك في المقابل .
وهذا ما كانت تعانيه سمر بعد لقاءها الاخير مع قيس !
لم تدرك ان يكون للامبالاتها كل ذلك التأثير . "قيس في اسطنبول وسيعبر البحر عما قريب مع المهاجرين الى اوربا .. ايعقل ان يكون كل ذلك بسبب عدم المبالاة الغبية تلك ! .. ربما ليس انا .. مستحيل"
التحول من الصداقة الى الحب ومن التفكير بوجهات نظر الاخر الى التفكير بالأخر نفسه يحتاج الى تفكير جاد مسبوق بمعرفة كاملة بالأخر , قبل ان يتخذ قرار من هذا النحو . كانت سمر قد تعرفت على قيس خلال احدى التجمعات الثقافية التي تقام كل يوم جمعة في شارع المتنبي وقد اعجبها مستواه المعرفي وطريقته في ابداء الرأي . العجيب انها كانت تتفق وتتشابه معه في الكثير من الاشياء : الليبرالية , محاولة الثورة على المجتمع وتحمل الاثار المترتبة من ذلك , حب القراءة , التواصل ومشاركة الافكار , المرح والتعصب لوجهات نظرهما المتحررة والتي غالبا ما تخلق لهم نوع من التوتر مع من يحاورون الامر الذي يدفعهم لترك النقاش والوقوف بمحاذاة نهر دجلة وتأمل جريانه .
في احد الايام كان الموضوع المطروح للنقاش هو موضوع الهجرة الى اوربا . كان احد الحاضرين قد ابدى فكرة بأن ما يحصل هو لأمر ايجابي فالشباب سيحصل هناك على فرص اكبر للعمل وتطوير الذات غير متوافرة في العراق كما ان كثرة المهاجرين سيعطي فرصة اكبر للرافضين للهجرة ان يحصلوا على فرص عمل وبذلك تتحقق الفائدة للطرفين المهاجرين والرافضين للهجرة . هنا ثار قيس من مكانه بلهجة شديدة بعض الشيء :
"كيف لرجل مثقف مثلك ان يتحدث بهكذا كلام .. ان غادر الشباب من سيبقى هنا ويغير الواقع , دورنا كمثقفين ان نمنع الهجرة وان نسعى الى استثمار تلك الطاقات في بناء بلدنا وتغيير والوجوه الفاسدة التي تحكم البلد وبناء نموذج راقي من الديموقراطية .. نحن نشكل عقبة امام الاسلام السياسي الذي يحاول اسلمة الدولة والقضاء على مظاهر الحرية فيها , وقوتنا في ذلك هي الشباب , والهجرة تعني فسح المجال للإسلاميين ان ينفذوا اجنداتهم"
"اغلب من يهاجر هم من الراغبين في استبدال واقعهم نحو الافضل والفاشلين الذين لم يستطيعوا تكييف اوضاعهم مع ما يحصل وهم لهم الدور في وصول الاسلام السياسي الى الحكم اما الناجحون الذي قرروا الهجرة فهم لم يجدوا من يقدر نجاحهم في هذا البلد ومن مصلحتهم ان يذهبوا الى حيث يجدون التقدير والاحترام . ذهاب الناجحين سيفسح المجال اكثر امام من لم يجد الفرصة للنجاح ليكون فراغهم دافعا للأخير لان يتنافس من اجل ان يكون له موقع بدلا من هؤلاء الذي ذهبوا وبالتالي سيكون لدينا افراد ناجحون جدد وذهاب الفاشلون سيخفف عنا تحمل اعباء حماقاتهم . انا اتكلم بوجهة نظر واقعية بعيدة عن الاحلام والأمنيات التي نسبة تحققها ضعيفة"
وهنا قررت سمر ان ترد عليه بدل قيس :
"هؤلاء الذين تتحدث عنهم هم نواة التغيير وقوته كون الذي سيبقى هم فقط المستفيدون من الاحداث والقوى الحاكمة . الفاشل سيكون ناجح لو تغيرت ظروفه والناجح سيجد التقدير الذي يستحقه ان تغيرت الظروف المحيطة به وتغيير الظروف يعتمد على قوة الشباب خصوصا الراغبين في تغيير الحال ورحيلهم يعني زوال تلك القوة وبقاء الحال على ما هو عليه"
وقبل ان يشتد النقاش ذهب الاثنان الى حافة النهر وتبادلا اطراف الحديث حول موضوع اخر غير ذي صلة بما سلف .
وكان ذلك اللقاء الاخير بينهما . لقد حاول قيس ان يعبر عن مدى تعلقه بسمر وكيف انه وصل به الحال الى الصعوبة بمكان ان يفارقها . كان سمر تعي ذلك جيدا فهي لديها نفس الشعور ايضا ولكن رغبتها في الصداقة اكبر من رغبتها في الدخول في علاقة حب . كانت لا تحب الارتباط بشيء وتحب ان تكون متحررة من كل قيد ممكن اين يجعلها اسيرة لشيء ما . لذلك هي اتخذت قرارها منذ زمن بعدم الدخول في علاقة حب ولن تتزوج إلا حينما يكون الوقت مناسبا ومن الشخص الذي يعطيها كامل حريتها . ولهذا السبب تظاهرت بعدم المبالاة بما يقوله قيس بل ولكي تقطع هذا الحديث الذي لا ترغب بسماعه قامت بالاستئذان منه بحجة لديها بعض الاعمال المنزلية وقامت بالانصراف . في الايام اللاحقة حاول قيس الاتصال بها وملاقاتها لكن دون جدوى فقد قررت ان تبتعد عليه حيننا كي تقطع رغبته بقيام علاقة عاطفية والاستمرار على صداقتهم . صداقة فقط , توافق في وجهات النظر , قضاء وقت ممتع في الحديث وتبادل الافكار اثناء طقوس تناول الشاي التي تجمعهم في مقاهي شارع المتنبي والاهم من ذلك كله عدم الارتباط معه في مواعيد محددة ولقاءات ملزمة . كانت لقاءاتهما دائما في ايام الجمع والمناسبات فيما باقي الايام يكون تواصلهما مقتصرا على الفيسبوك فقط .
من شدة تعلق قيس بسمر لم يستطع مقاومة الالم الذي اعتصر قلبه بسبب التغيير الذي طرأ على علاقتهما , فقرر الهروب بعيدا عن كل ما يذكره بها . كما انه قام بحظرها من حسابه الشخصي كي لا يرى كتابتها فيزيد ذلك من وطئ الالم الذي يعتريه كلما مر باسمها او بأي شيء يذكره بموقف سابق كان قد حصل بينهما . كما لم تكن سمر تتوقع من قيس ان يذهب الى تركيا مقررا الاقامة فيها مؤقتا قبل ان يهاجر منها الى اوربا . فأحست بفراغ رهيب بعد رحيله الذي علمت به من خلال ناصر احد اصدقاءه المقربين والذي قامت بمراسلته عبر تطبيق الماسنجر لسؤاله عن احوال قيس . لأول مره بعد موت والدها تشتاق الى شخص ما بهذا الكم من المشاعر والرغبة الجامحة في تقفي الذكريات الجميلة ومقارنتها مع الوضع البائس الذي هي فيه , ووصل بها الحال الى البكاء كلما ورد اسمه على بالها . وبقيت هكذا الى ان نفد صبرها وقررت ان تسافر الى اسطنبول لدفع قيس الى العودة وإعادة العلاقة بينهما . وعن طريق ناصر تمكنت من معرفة مكان اقامته في اسطنبول .
2
الصمت الذي خيم فجأة لم يكن هو نفسه قبل برهة من الزمن . الساعة تشير الى الخامسة مساءا بتوقيت اسطنبول . الحمامة التي كانت تروم الوقوف على احدى اغصان الشجرة القريبة من احدى المصاطب وقفت دون حراك وكأنها معلقة في الهواء . لقد توقف الوقت من على تلك المصطبة , والتي تطل على شاطئ البحر المتوسط . اذ كان يجلس قيس متأملا البحر قبل عبوره والوصول الى شواطئ اليونان , قبل ان تراه سمر مصادفتا وتجلس بجانبه بعد ان يئست وهي تحاول العثور عليه في مدينة كبيرة مثل اسطنبول . لقد توقف كل شيء لا اصوات الطيور ولا حركة السفن ولا والصيادين والبحارة المنتشرين على طول الشاطئ . كأن العالم عبارة عن لعبة فيديو وتم اغلاقها للتو ولم يبقى منها سوى ضجيج اللاعبين .
كانت سمر تريد ان تقول شيئا له لكنها نسيته ! ولم تعد تتذكر منه غير انها كانت تريد ان تقوله . فأغمضت عينيها وحاولت ان تتذكر ما ارادت ان تقول . لكنها بدلا من التذكر غاصت في بحر من الاحلام . شاهدت نفسها وحيدة على قارب في عرض البحر , صارعت الرياح الامواج بكل ما اوتيت من قوة طلبا للبقاء على قيد الحياة , وفي لحظة يأس اقتحمت خلجها , لاحت في الافق جزيرة خضراء تحلق فوقها طيور النورس . انها تتذكر تلك الطيور جيدا . حيث تشعرها الاخيرة بالدفئ المفقود والحنين الى الماضي القريب , عندما كانت ترمي لها فتات الخبز من على جسر الشهداء الذي يربط ضفتي دجلة ببعضهما البعض . انها بعيدة الان عن ذلك المكان . لكن ما الذي جعلها تتذكره ! لا بد ان تلك الطيور تناديها لترمي لها فتات الخبز من جديد . فقد مر عدد من ايام الجمع لم تذهب فيها الى شارع المتنبي كي لا تشاهد قيس عن طريق الصدفة هناك . حينما وصلت الى الساحل شاهدت نفس ذلك الشاب الذي كان يعبر معها ذلك الجسر . ويقومان كما في كل مرة يعبرانه فيها بإطعام النوارس . لكنه وحيد هذه المرة . وبعيد هو الاخر عن ذلك المكان حيث كانا يقفان معا . لم تتعرف عليها النوراس كما جرت العادة . بل حلقت عاليا ما ان اقتربت هي من ذلك الشاب . حدق اليها الاخير مندهشا بعينيه السوداويتين وانفه المستدق وشعره المجعد . اقترب منها رافعا حاجبيه وقال :
- ما الذي اتى بك الى هنا يا سمر ؟
امال ببصره نحو البحر وأضاف :
- انه طريق الا عودة .
- بل هو طريق الاختبار والتأمل ومراجعة الذات يا عزيزي قيس .. هل تتذكر كيف كنت تشتاط غضبا حينما ترى من يدافع على ما اقدمت عليه .
- لقد اتخذت قراري وانتهى الامر . عودي من حيث جئتِ فلا محيص من عبور البحر .
- قرارك يرسمه القدر .. والأخير هو من اتى بي اليك لأقول لك كفى .
- لكنك تركتيني وحيدا هناك .. لقد خسرت الوطن الذي كان يحتوي حماقاتي , وها انا ذاهب الى المجهول لعلى اعثر على وطن اخر يعوضني على ما فات .
- القدر الذي اغفلني عن صديقي ودفعني الى اللامبالاة هو ما جمعني به الان .. سيبقى وطنك لك ولن تحتاج ان تبحث عن غيره .
- دائما تكررين كلمة صداقة , لقد مللت منها , تعبت! لماذا لا تريدين ان تعرفين ! (قال بصوت مرتجف) .
- اعرف ماذا ؟ (اجابت مندهشة) .
قال والدموع تملئ عينيه :
- احبك . انا احبك يا سمر .
حل صمت اخر لتختفي معه النوارس تماما وتعود سمر الى يقظتها . نظرت الى ساعتها لا تزال في الخامسة . ارادت ان تقول شيء فقالت وبدون وعي منها :
- وانا احبك ايضا يا قيس .
حطت الحمامة على الغصن وعادت ساعة سمر الى الحركة وعاد العالم المحيط بهما الى حركته المعهودة . التفت نحوها , مسك يدها وقال :
- سأعود معك اذن .



#منار_عبدالهادي_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هيستيريا سادي .. قصة قصيرة
- كرم .. شانغري-لا مورفيوس .. قصة قصيرة
- رحيل .. قصة قصيرة
- كن شجاعا .. قصة قصيرة
- قصة قصيرة بعنوان (استعادة)
- قصة قصيرة بعنوان (اشواك)
- اردوغان ... الغاية تبرر الوسيلة
- صدام حسين والمظاهرات الحالية
- داعش والمطالبين بالأنظمة الدينية سواء
- نزهه في معسكر مدني


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منار عبدالهادي ابراهيم - تراجيديا الرحيل وحلاوة العودة .. قصة قصيرة