أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشحماني - الثلوج هي بكاء الطبيعة بدموع بيضاء














المزيد.....

الثلوج هي بكاء الطبيعة بدموع بيضاء


أحمد الشحماني

الحوار المتمدن-العدد: 5738 - 2017 / 12 / 25 - 21:15
المحور: الادب والفن
    


اليوم . .
في الجزء الشمالي من بلاد الفايكنج «السويد» البلاد التي يسكنها الشتاء لأكثر من ستة شهور, تساقطت الثلوج الشتائية «دموع الطبيعة البيضاء» معلنةً بدء معركتها الشتائية . .

يا لها من معركة طويل امدها – الشتاء وحده من ينتصر في نهاية المطاف على بقية الفصول الثلاثة لأنه الأقوى ضراوة – الطبيعة تنحاز للأقواء دائما . .
قانون الطبيعة يبتلع الضعفاء . .
الثلوج تساقطت بكثافة حتى ان معطفي الأسود اصبح أبيضاً لكثافة الثلوج المتساقطة وتلاشى لونه الأسود أمام جيوش الثلوج المنتصرة حتى اني ماعدت اميز بين معطفي ورصيف الشارع الذي اصبح هو الآخر ابيضاً.

الثلوج هي بكاء الطبيعة بدموع بيضاء . .
النوارس تعشق الثلج المتساقط شتاءً لأنها تعتبره من فصيلة النوارس . .
الأوز الأبيض يضحك مستهزءاً بالنوارس ويقول انتم مخطئون – الثلج ينتمي لفصيلتنا لأننا من اقمنا للثلج حفلة عيد الميلاد في بداية الشتاء . .
الدببة البيضاء تكره النوارس والأوز الأبيض لا لشيء إلا غيرةً منهما لإدعائهما ان الثلوج تنتمي لفصيلتهما ولهذا فهي تطاردهما وتصطادهما حيثما يكونا انتقاماً منهما . .

ثمة سؤال بريء قفز الى رأسي – أليس الإنسان هو المخلوق الوحيد المتجبر الذي يمارس طقوس الغيرة والاشتهاء وحب التملك؟
أترى الحيوات والطيور تمارس هي الأخرى لعبة الغيرة وحب الأمتلاك وتدّعي ان الثلوج من فصيلتهما؟

وكل يدّعي وصلاً بليلى وليلى ترقص مع الغجر وحدها لتستلذ بنشوة رقصها وهزة خصرها النحيف الملفوف بقطعة قماش غجرية امام انظار الغجر وهم يغتالونها بشهوة عيونهم الراقصة طرباً . .

اليوم تساقطت الثلوج بغزارة كما الأمطار . .
أمتلئت الأرض رملاً ابيضاً كبياض شعري الذي اكتسحه خريف العمر وداهمته محطات الكبر المفاجيء بدون مقدمات او سابق انذار . . .
بياض شعري الذي اكتسحه الخريف يذّكرني بغزو الأعداء لبلدان آمنه ولهذا انا اكره الغزاة واكره احتلال الشعوب . . .
يا له من عمرٍ داسته جيوش الزمن المشاكسة واحالته الى رمادٍ ودخان . .

الثلوج تساقطت اليوم في هذا الجو الشتائي البارد . .
ها هي اغصان الأشجار تتنفس ثلجاً . .
القبب العالية . .
الشوارع . .
الأرصفة . .
باحات العربات والسيارات . .
الكل تنفس ثلجاً . .
فتاة شقراء تتجول مع صديقتها الأفريقية السمراء النحيفة الجسد, امتلئت خصال شعرهن وقبعاتهن ثلجاً . .
الفتاة السمراء تطلق ضحكتها بصوتٍ عالٍ يداعبه الانتعاش وتقول: إلهي زدنا ثلجاً بلا زخات مطر . .
صديقتها الشقراء تنفجر ضاحكةً وترد عليها بكلمات تفوح منها رائحة المزاح: ربما لأنك سمراء تحبين لون الثلج الأبيض أما انا فأحب لون شعرك الأسود لأنه يذّكرني بظلام الليل الحالك . .

يا إلهي الثلوج المتساقطة تملأ الشوارع . .
لم اعد أرى المساحات الخضراء ولا الأشجار التي دجَّنها الخريف وقلَّم اوراقها وصبغ لونها اصفرا . .
الثلوج هزمتها من اول معركة . .
ما عدت أرى شاخصات الشوارع, ولا اللوحة البلاستيكية التي كُتب عليها انتبه الطريق مخصص للأطفال . .
كيف سيعرف الأطفال ان الثلوج المتساقطة كالأمطار هي من اخفت تلك اللوحة بدون قصد؟
هل سيعتذر الشتاء للأطفال؟
أم ان قانون الطبيعة المتمرد لا يعرف لغة الأعتذار؟

إلهي الآن عرفت لماذا لا يعتذر المتجبرّون والمهزومون والطغاة لشعوبهم – أنهم متأثرون بالطبيعة في تعنتها وجبروتها واحتقارها للأضعف منها ..

اليوم تساقطت الثلوج . .
أمرأة عجوز مع رفيق دربها لا اعرف ان كان زوجها او غريمها يتحدثان بصوت خافت وهما يجران بعضهما بخطى ثقيلة كأنهما يعاتبان الطبيعة او ربما يستئنسان بدموع الطبيعة وهي تبكي ثلجاً . .

الثلوج تتساقط بغزارة . .
صوتٌ من خلف الأشجار المتدلية بالثلوج بادلني بتحية ثلجية الطعم ومضى مسرعاً.
التفت الى الوراء لكني لم اتمكن من اصطياد ملامح وجهه, الوجوه تتشابه تحت زخات الأمطار والثلوج الكثيفة المتساقطة كالرمال.
أنها كما المدن الغارقة في الحروب والفيضانات, وكما وجوه عارضات الأزياء المتشابهات في اجسادهن وعروضهن الجمالية . . .

لم اعرف من هو الشخص الذي اطلق بالونة تحيته الثلجية الطعم في الهواء ومضى مسرعا كالريح, ولكني بالمقابل ارسلت له على اجنحة طائرات الريح تحيةً احسن منها – تحيةً شتائية الطعم مغلفة بمشاعر ساخنة من بقايا رماد الصيف . .

رحل الصوت القادم من خلف الأشجار المتدلية وتلاشى صداه بين المسافات كما يرحل ويتلاشى قطار العمر بين المدن البعيدة وضوضاء المحطات ..

تابعت طريقي بأنفاس صامتة كصمت العمرِ في خريق العمرِ أمشي بتأملٍ والثلوج تنهال عليّ كأنها ضوضاء الزمن المجرد من اللغوِ . .



#أحمد_الشحماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مارين لوبن وعاصفة الإستياء اليهودي . .!
- دونالد ترمب وبداية المشوار. . .!
- «باراك أوباما في دائرة الأتهام» . . .
- خالد العبيدي . . . «لقد كنت متأخرا في هجومك»
- كونوا نيلسون مانديلا . . .!
- تراتيل في معبد السياسة العراقية المضحكة . . . !
- السياسة في العراق ولعبة الحية والدرج . . .!
- ماذا تعني استقالة وزراء التيار الصدري . . ؟
- هل سيصلح العبادي ما افسدته العملية السياسية . . .؟!
- أيها المتظاهرون: الدموع لا تمسحها مناديل الكلمات . . !
- كامل سواري . . . وصلاة الفقراء. . .!
- جمهورية المنطقة الخضراء في العراق الفيدرالي الجديد. . . نقطة ...
- السياسة ليست كما الحب . . .!
- عبد الفتاح السيسي وسياسي العراق وغدر ابن ملجم . . .!
- أيباااااااه . . . -مفوضية الأنتخابات العليا ومشعان الجبوري و ...
- الفنان سعدي الحلي ونواب البرلمان العراقي . .!
- الدنيا بالمقلوب . . . تتشابه الحروف وتختلف المعاني والقيم . ...
- فقراء الوطن تبتلعهم افاعي الفقر . . (سهى عبد الأمير مثالاً)
- تأشيرة فيزا الوطن في عراق ما بعد 30 نيسان 2014
- الأنتخابات البرلمانية . . . من سيضحك على من . .؟!


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشحماني - الثلوج هي بكاء الطبيعة بدموع بيضاء