|
نقاش سياسي -- الجمهوريون --
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5714 - 2017 / 11 / 30 - 18:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مؤخرا حصل تطور جديد في الساحة السياسية الوطنية ، و هي ترديد كلمة الجمهورية في تغريديتين منفصلتين ومتقاربتين زمنيا . الأولى للضابط السابق مصطفى أديب ، والثانية للاّجئ السياسي بمملكة السويد عبدالرحيم المرنيسي . وللإشارة فان الاثنين هما أعضاء بارزون في " الائتلاف للتنديد بالدكتاتورية في المغرب " . ان مجرد ترديد كلمة الجمهورية ، هو استثناء لما سبق ، حيث ان الائتلاف كان يركز على الطابع الحقوقي أكثر من السياسي . كما يُعتبر تقدما نحو الوضوح ، والقطع مع الضبابية السياسوية التي جعلت كل تحركات الائتلاف تبقى رهينة التجريبية ، والإنتظارية في المجال السياسي . فما تم استنتاجه من خلال الكثير من تغريديات الأستاذ مصطفى أديب ، انّه كان يشخصن الصراع في شخص الملك مع بعض الضباط الكبار ، دون ان يصل الى انتقاد نظام الملك كنظام يجسد الاستمرارية ، من حيث الأصل والفروع لنظام الحسن الثاني . لكن مع مرور بعض الوقت ، وبسبب العديد من التفاعلات التي يكون الضابط السابق قد استوعبها ، سواء من خلال علاقته بالنهج الديمقراطي سابقا ، او احتكاكه باللاجئين السياسيين المغاربة ، وعلاقاته مع بعض التيارات السياسية الفرنسية ، سينتقل نشاطه ، من الاكتفاء فقط بالنضال الحقوقي والشخصاني ، الى النضال السياسي ، لكن بشيء من التحفظ والتردد دائما ، وذلك حين بدأ ومن خلال تغريديات يطالب بالديمقراطية ، دون أن يحدد الإطار النظام الذي ستمارس ضمنه الديمقراطية ، اي دون تحديد الراية والمظلة . فهو مثل صديقة عبدالرحيم المرنيسي نطق بكلمة الجمهورية ، ولم ينطق بالنظام الجمهوري الذي يمثل المشروع الإيديولوجي العام ، الذي سيتولى تنظيم كل كبيرة وصغيرة في الجمهورية المقبلة . كذلك حين تكلم عن الديمقراطية، فهو لم يحدد أي نظام ديمقراطي سيستوعب الدولة الديمقراطية القادمة ، اي هل ملكية برلمانية ام جمهورية برلمانية . فهل النطق بكلمة الجمهورية دون النظام الجمهوري ، والنطق بكلمة الديمقراطية دون تحديد نوع النظام الديمقراطي ، هي فلتات لسان ، أو هي الأنا الأعلى واللاّهُو يتفجر عفويا ، ومن تلقاء نفسه ، وبدون ضاغط خارجي ، ام هي رسالة موجهة إلى أكثر من جهة ، قد تكون تشتغل على المشروع الإيديولوجي الجمهوري ، والمشروع الديمقراطي لنوع النظام القادم . ولنا ان نتساءل ، هل أصبح " الائتلاف المغربي للتنديد بالديكتاتورية " تنظيم سياسي جمهوري ، ومن ثم يكون قد خطا خطوة إلى الأمام في الوضوح ، وفي القطع مع الضبابية السياسوية ، والتردد ، وانتظار حدوث ما لا يمكن حدوثه ، بدون تحديد الممارسات ، والميكانيزمات ، والتكتيك ، وعلاقته بالإستراتيجية . أسئلة تبقى مشروعة ومهمة لتحديد المسؤوليات ، و تُغْني في دراسة الأحزاب السياسية ، وجماعات الضغط المختلفة في المجتمع . كما تُغني وتفيد في معرفة نوع القوى السياسية الفاعلة ، وبرامجها وتخندقها ، اي الوضوح التنظيمي والأيدلوجي . لكن رغم ذلك ، فلكي يُسْتبعد فقط النطق بكلمة الجمهورية ، عن كونها فلتة لسان ، او إفرازات اللاّهُو والأنا الأعلى ، على الائتلاف ان يحدد وبوضوح ، تصوره للنظام الديمقراطي ، او للنظام الجمهوري المقبل . وهنا حين نتحدث عن النظام الديمقراطي ، فالهدف الرئيسي والمشترك ، يبقى في الأصل ، النظام الديمقراطي ، وتحت أية راية او مظلمة ، دون التشبث فقط بالقشور والضفاف ، من قبيل الجمهورية التي قد تكون غير ديمقراطية . فعلى الائتلاف ان يحدد ، نوع وشكل النظام الجمهوري الديمقراطي المقبل ، إنْ كان يشتغل على مشروع إيديولوجي ومجتمعي عام ، كما عليه أن يوضح نوع الميكانيزمات والوسائل اللازمة للوصول الى الهدف الأسمى ، كأن يكون التغيير من فوق بانقلاب عسكري ، وإن كان الأمر كذلك ، فهل خطاب الائتلاف موجه الى عيّنة دون غيرها من الجيش ام هو موجه الى كل الجيش ؟ ام انْ يكون التغيير من خلال ثورة طبقية ، وإنْ كان الأمر كذلك ، ما هي الطبقة السياسية التي قد يُعول عليها الائتلاف في الثورة المقبلة ؟ ام ان يكون التغيير بثورة شعبية ، كما حصل في إيران في سنة 1979 وفي ثورة 1917 ؟ وهنا قد نتساءل عن درجة تغلغل الائتلاف ، وسط شعب تغلب عليه العاطفة ، والماضوية ، والانغلاق ، والأمية ، والرتابة ، وغير مُدرك لحقوقه الطبيعية في نظام يجعل منه رعية ، ويرجع له فقط كلما كان الحاجة تسمح بذلك ؟ ثم كيف ستكون الانطلاقة ان كانت ستعتمد الميكانيزمات الثورية ، شعبية كانت ام طبقية . هل بالشروع في إعلان الإضراب العام ، ثم الانتقال إلى الإضراب العام التصاعدي ، الى الإضراب العام الشامل والمستمر دون انقطاع ؟ ام عن طريق استغلال ظرف سياسي دقيق ، وقضية لها إفراط في الحساسية الشعبية ، كذهاب الصحراء وهي ذاهبة ، لتنظيم المسيرات الشعبية في كل المدن الكبيرة والصغيرة ، واستغلال نقمة وغضب الجيش الذي يكون قد غادر الصحراء ، وليتفاعل الاثنان ( شعب وجيش ) في إحداث التغيير الذي ينتظره الائتلاف ويشتغل عليه ؟ ام استغلال خطورة الظرفية الاجتماعية والاقتصادية ، وتزاوج هذين الظّرفيتين بقضية الصحراء ، لإعلان اعتصامات شعبية عامة ، وشحنها ودفعها لتنقلب الى تناقض ومواجهة مع النظام ، لأحداث التغيير المنشود الذي قد يكون الائتلاف يشتغل عليه ؟ ام استغلال تأزم قضية الصحراء المهددة بالانفصال ، والإعلان عن عصيان مدني ، سيحظى بثقل الجيش الذي يكون قد اخذ الضوء الأخضر من صناع القرارات السياسية في العواصم الأوربية واشنطن ، باريس ، مدريد ولندن ، للالتفاف على الهبّة او الثورة ، إذا تبين أنها ستأتي بنظام متناقض مع القيم الغربية ؟ . فالنطق فقط بكلمة الجمهورية ، لا يعني ان صاحبها قد أصبح جمهوريا بين عشية وضحاها ، بل لابد له من ألإعلان الصريح بتشبثه بالنظام الجمهوري ، ونوع النظام المرتقب الذي سيعوض النظام الحالي . فهل هي جمهورية عربية إنْ كان يقف ورائها الجيش ، إنْ حاز على الضوء الأخضر من باريس وواشنطن ومدريد ؟ هل ستكون جمهورية على غرار جمهوريات أوربة الشرقية ؟ أم أنها ستكون جمهورية على غرار جمهوريات الاتحاد السوفيتي المنحل ؟ ام ستكون جمهورية على غرار جمهورية محمد أنوار خوجة ، ام جمهورية رابطة الشيوعيين اليوغسلاف ، ام جمهورية نيكولاي تشاوسيسكو ..... ام جمهورية على غرار جمهورية الصين الشعبية ، التي تحولت الى مفترس امبريالي يغزو العالم بدون رحمة ، ام ستكون جمهورية على غرار كوريا الشمالية ؟ ام ستكون جمهورية على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية ؟ . فتحديد شكل ونوع النظام الجمهوري القادم ، سيكون ضروريا لتصنيف الائتلاف ، وسيفيد دارسي علم السياسة والعلوم السياسية ، في تحديد عدد أنواع التنظيمات التي تشتغل على مشاريع إيديولوجية جمهورية . وبالرجوع الى سجل الحركات الجمهورية الحديثة ، أثارنا التحول الذي أصبحت عليه " حركة الجمهوريين المغاربة " التي مقرها الرئيسي بايطاليا ، وهو تحول بقدر ما أعطى صورة حقيقية عاكسة للحركة ، بقدر ما أزال اللبس عن أشياء كانت الى وقت قريب ، تسترعي باهتمام السياسيين ، من مشتغلين بالشأن العام ، الى طلاب جامعات ، الى أساتذة لمادة علم السياسية والعلوم السياسية ، ومادة القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، الى مواطنين مبْليين بحب الاستطلاع والمعرفة ، حيث كان الجميع يطرح السؤال الأساس : من هي " الحركة من اجل الجمهورية المغربية " ؟ بداية لا حظنا ان اهتمام الحركة ، لم يكن تنظيميا ولم يكن إيديولوجيا ، كما كان عليه الحال بالنسبة لجمهوريين الستينات والسبعينات . بل سنجد أنها تشتغل بالسياسة دون ان يكونوا سياسيين محترفين . فانتقاداتها وخرجاتها لم تكن سياسية خالصة ، لأنهم لم يسبق ان ناقشوا نظريات ، او عقدوا مؤتمرات ، كما لم تكن إيديولوجية و لم تكن تنظيمية . فهي كانت تركز على الأشخاص دون تركيزها على الأنظمة ، كما كانت تعتني ببعض الأحداث العابرة ، التي يتداولها الناس بشكل عادي ، ودون البحث عما إذا كان مصدر النبأ او الخبر كاذبا او صحيحا . فالركوب وبهذه الطريقة السهلة على الأحداث ، جعل من الحركة لا تختلف من حيث المضمون والشكل ، عمّا يروج له العامة لاستهلاك الوقت ، وملئ الفراغ في المقاهي . ولم يسبق كما كان حال جمهوريي الستينات والسبعينات ، انْ اعتمدت التحليل العلمي في شرح الإشكالات السياسية ، والإيديولوجية المطروحة في الساحة . فحين تتابع ما يتم ترديده عبر اليوتوب ، تكاد تجزم بأنك تستمع لحكواتي ، او لمواطن عادي يشتكي ويتشكى ، او انك أمام شخص يخبرك بما حصل ، وأنتما تتناولان فنجان قهوة بمقهى بالمدينة . ان هذه الحقيقة أكدتها التحولات غير المدركة بحقيقة الوضع الاجتماعي ، و زادت من يقينيتها ، انتقال الحركة في شخص السيد تاشفين بلقزيز ، من الممارسة السياسوية ، الى الحقل الديني الذي يتغذى منه الشعب المغربي . ان هذا التحول الغير المدروس ، بفعل انعدام التجربة والممارسة السياسية والتنظيمية ، بالتركيز على الدين ، وترك الثيوقراطية والاوتوقراطية أدى : 1 ) انه عرى على حقيقة الحركة بكونها لا تملك برنامجا سياسيا ، وإيديولوجيا ، وتنظيميا . 2 ) انها مجموعة من الأشخاص المتناثرة هنا وهناك ، تستخدم النت ومواقع التواصل الاجتماعي ، لمحاولة التأثير على المُتلقي كيفما كان ، رجل شارع عادي ، او مثقف مدرك بحقيقة الأمور ، وفاهم للعبة بمفاصلها المختلفة . 3 ) اعتبار التحول هذا اكبر ضربة للحركة ، سواء من حيث النظام الذي يكون قد كوّن عليها فكرة حقيقية ، ومن ثم فلن تخيفه في شيء ، ولن يهتم بها كخطر ، لأنها ليست لها جذور شعبية مثل الحركات الإيديولوجية ، والعقائدية ، والسياسية المتبنية لتنظيم من التنظيمات . 4 ) نفور ما تبقى من متتبعيها من المواطنين المبْليين بحب الاستطلاع بسبب موقفها من الدين ، وقد لمست هذا الجديد من خلال حوارات مع أناس عاديين ، مثل بوّابُو العمارات ، حين رددوا اسم ريشارد عزوز ، واسم تاشفين بلقزيز ، وبيتير شمراخ .... وانتقدوهم من جانب موقفهم من الدين المتغلغل في أعماق المغاربة منذ قرون الخ . ان الاقتصار على انتقاد الأشخاص ، والتمسك بالأحداث والوقائع الظرفية ، وفي غياب الأرضية التنظيمية ، والسياسية ، والإيديولوجية ، والعقائدية ، هي عوامل سلبية تُفقد الحركة ، أيُّ سند شعبي قد تتخيله كقنطرة لبناء جمهورية لا توجد إلا في مخيلة الحالمين بها . ان السؤال الذي يُطرح هنا ، هو ما هي الميكانيزمات ، والتكتيكات المعتمدة للوصول الى الإستراتيجية المغيبة عند الحركة ؟ فهل بعدد من الأفراد المتناثرين هنا وهناك ، واستعمال مواقع التواصل الاجتماعي ، للدعاية والترويج لجمهورية دون التوفر على شروط الوصول اليها ، هو عمل كافي لاختصار تجارب الجمهوريين الأولين ، جمهوريو الستينات والسبعينات ؟ ثم كيف تفكر الحركة في بناء جمهوريتها المُفترضة ، وهي الحركة الغائبة من التفكير الشعبي ، الذي تتحكم فيه ضوابط أخرى ، لا علاقة لها بالحِكِيِّ ، ولا بتناول الأحداث او الوقائع المتسرعة ؟
وبما ان الحركة تتبنى الجمهورية ، فمن هي القيادة المرشحة لتولي حكم الجمهورية عند نجاح ( الثورة او الانقلاب ) المرتقب ؟ إن الاهتمام والتركيز على الدين ، وبالضبط الدين الإسلامي ، والدعوة الى جمهورية الحادية وملحدة في مجتمع اسلاموي ، ومنغلق ، وتقليداني ، وخرافي ، وامي ، وأكثر من محافظ ، هو دليل على التخبط السياسوي للحركة ، ودليل على فقدانها للحس الشعبي الذي يحدد صورة المغرب الحقيقي ، لا مغرب المعاصرة التي ليست هي معاصرة ، ولا مغرب الأصالة التي ليست أصالة . فهل من المتوقع بناء نظام ملحد ، في مجتمع متدين من أوله إلى آخره ، وان كان تدينه يمكن اعتباره نفاقا في بعض الحالات والمظاهر ؟ وبالرجوع الى " الائتلاف للتنديد بالدكتاتورية في المغرب " ، سنجد وعبر تغريدة سابقة ان مصطفى أديب ، اعتبر نقد الدين مسألة مشروعة ، لكن بفطنته ، فهو لم يحدد ولم يركز على دين معين ، بل تكلم عن الدين بوجه عام ، سواء كان الإسلام ، او المسيحية ، او اليهودية ، او البوذية ، وان كان القصد ان حاولنا التوسع في البحث ،انه يقصد الإسلام ، دين الدولة المغربية والشعب المغربي . فتناول انتقاد الدين بشكل عام ، هو لتجنب انتقادات المتأسلمين ، والاسلامويين ، والمتعاطفين الحاليين والمفترضين مع الائتلاف . أما " الحركة من اجل الجمهورية " ، وبالضبط في شخص السيد بلقزيز تاشفين ، فهي تركز على الإسلام ، والإسلام وحده ، دون غيره من الديانات الأخرى ، من يهودية ومسيحية ، وكأنّ هذه الديانات أحسن حالا من الإسلام ، وأكثر منه تقدما . ونحن نعلم ونحق المآل المنتظر ، أنْ تنتقد ، بل تتهجم على الإسلام في أوربة ، وان تتهجم وتنتقد اليهودية والمسيحية ، فهما ليس على نفس الكفة والدرجة ، بل كل من ينتقد الإسلام كدين ، هو مُرحب به ماديا ومعنويا . والسؤال لماذا التهجم بالضبط على الإسلام ، ولماذا ليس نفس الهجوم على الديانات الأخرى ؟ وهل بناء الجمهورية لا يتم إلاّ بالهجوم على الدين ، مثل انّ معارضة النظام ، لا تتم إلاّ عن طريق تقسيم وحدة الوطن والشعب ؟ إذا كانت الحركات والمنظمات السياسية التي تعمل على مشروع إيديولوجي عام ، تعقد بصفة دورية مؤتمراتها ، وتنتخب قياداتها الوطنية والمحلية ، وتصادق على الشكل التركيبي والتنظيمي للتنظيم او للحزب مثل ، مكاتب سياسية او كتابة وطنية ، لجنة تنفيذية ، أقسام ، فروع ، خلايا ، انويه ..... وتصادق على التقريرين الأدبي السياسي والمالي ، فالمعروف ان " حركة الجمهوريين المغاربة " وعبر تاريخها ، لم تعقد مؤتمرا وطنيا بالمهجر ، ولا انتخبت قيادة وطنية ومحلية ، ولا صوتت على التقريرين المادي والسياسي الأدبي ، ولم تخلق تركيبات تنظيمية وهيكلية تميزها عن غيرها من التنظيمات المتشابهة والمتماثلة . بل ما لاحظناه ، ان كل الحركة تختزل في أفرادا متناثرين هنا وهناك ، ومنفصلين عبر أوربة ، وقد يُحسبون على رؤوس الأصابع . فهل بهذه النماذج سيتمكن هؤلاء من بناء الجمهورية الملحدة في مجتمع معروف بتدينه ولو نفاقا ، وبمحافظته ، وانغلاقه في الموروث الماضوي الذي يُجمِّد التجديد والجديد ؟ وللإشارة ف " الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية بالمغرب " ، ربما يكون قد استوعب ، وفطن لهذه الحقيقة ، التي على أساسها تم لقاء ( مؤتمر ) بين أعضاءه ، على إثرها تم انتخاب اطر في القيادة ، وتم توزيع المهام بين الأعضاء أينما وُجد الائتلاف . لكن المشكل أننا لم تقرأ تقريرا إيديولوجيا، ولا سياسيا ولا تنظيميا، وهو ما يُعد إعاقة لأساتذة ، وطلاب علم السياسة ، والعلوم السياسية ، ومادة القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، والمهتمين بالشأن العام . لقد عرف المغرب العديد من الحركات الجمهورية المختلفة ، وبعضها نجح لبعض الوقت في تكوين جمهوريته التي استغرقت ست سنوات ، وبعضها ظل لصيقا بالفكر الجمهوري وما بدّل عنه تبديلا . كانت أول حركة جمهورية نجحت في التأسيس للجمهورية كدولة ، هي جمهورية الريف التي كانت منفصلة عن المغرب . لقد كان لهذه الجمهورية مؤسساتها ، رايتها ، نشيدها ، عملتها ، دستورها ، جيشها ، شرطتها ... الخ ، اي كانت دولة مستقلة ومنفصلة عن المغرب ، ودامت ست سنوات ، قبل ان يتم القضاء عليها من قبل اسبانيا ، التي لم تتردد في استعمال الغازات السامة ضدها . كان كذلك جمهوريون آخرون تأثروا بالجمهورية الريفية ، وهم الجمهوريون الذين كانوا يتواجدون في المناطق المُسماة بمناطق السِّيبَة ، التي ثارت ضد الاحتلال الفرنسي والاسباني ، وضد الحكم المركزي في العاصمة فاس . فالجيلالي الرُّوگي المكنى ب ( بوحمارة ) لم يكن فتانا ، بل كان ثوريا جمهوريا ، ضد فرنسا واسبانيا وضد الحكم المركزي . وفي الخمسينات والستينات عرف المغرب جمهوريين آخرين تأثروا بنماذج الحكم في الشرق الأوسط ، من ناصريين ، و بعثيين ، كما تأثروا بحكم الدولة الجزائرية البرجوازية الصغيرة ، خاصة في الرئيس بن بلة . وقد بلغت هذه الحركة الجمهورية أوجهاً في 16 يوليو 1963 ، وفي 3 مارس 1973 . وفي السبعينات عرف المغرب حركات جمهورية جديدة . وبخلاف الجمهورية البرلمانية التي كان يطمح لها الجناح الراديكالي في " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، فان جمهوريي السبعينات ، كانوا يطمحون لتأسيس جمهورية ديمقراطية شعبية ، يكون عمودها الفقري ، دكتاتورية الطبقة العاملة ، وبالتحالف مع الفلاحين الفقراء . والى جانب الجمهوريين اللاّئيكيين في سبعينات القرن الماضي ، فقد عرفت كذلك نفس الحقبة دعاةً لتغيير النظام من ملكي إلى ، إماّ نظام جمهوري اسلاموي ، او نظام على نمط الخلافة . وهنا لا ننسى جمهورية الجيش الذي قاد انقلابات عسكرية في سنة 1971 و 1972 . فالانقلاب الأول كان سيؤسس لأول جمهورية أمازيغية بربرية بعد 1956 . والانقلاب الثاني ، كان سيؤسس لجمهورية برجوازية صغيرة ، حيث تحالف الجيش ( الجنرال محمد أفقير ) مع الفقيه محمد البصري ، احد صقور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، لإقامة دولة جمهورية برجوازية صغيرة . وهو نفس العرض قدمه الجنرال احمد الدليمي إلى الفقيه محمد البصري ، الذي بعد تفكير عميق رفض العرض ، ليس بسبب معارضته للأنظمة العسكرية ، بل لخوفه من انْ يكون مصيره ، مصير سابقه المهدي بن بركة . ان حركة 3 مارس 1973 التي تنكر لها مؤسسها الفقيه محمد البصري ، كانت كرد فعل على فشل انقلاب الصخيرات في سنة 1971 ، وفشل انقلاب الطائرة في سنة 1972 ، وكانت كرد فعل على اختطاف الضباط ، وضباط الصف ، والجنود ، من السجن المركزي بالقنيطرة ، وترحيلهم الى سجن تزمامارت الرهيب . ان الساحة السياسية الوطنية لا تزال تحمل حركات يسارية صغيرة ، لا تزال تحلم بالجمهورية ، وبدكتاتورية الطبقة العاملة . ورغم ان هؤلاء يشتغلون بالقلم والورق ، وليس بالمطرقة والمنجل . ورغم أنهم يعرفون أنهم ومن موقعهم الطبقي البرجوازي الصغير ، هم اكبر عدو للطبقة العاملة وللفلاحين الفقراء ، رغم عدم وجود هاتين الطبقتين بالمفهوم الماركسي ، فلا يزالون يواصلون نفس الدرب وما بدلوا تبديلا . بل عشقهم الأفلاطوني للنظام الجمهوري ذهب بهم الى استنساخ جمهورية طلابية أطلقوا عليها اسم " جمهورية ظْهرْ المهرازْ " . لقد نجحت ثورة 1917 ، لوجود تربة وأرضية تعج بالثقافة والمثقفين ، وكانوا إيديولوجيين وسياسيين محنكين . ونجحت ثورة 1949 ، لوجود قاعدة ثقافية حاضنة لكل كتابات ذاك الزمن وفي كل المجالات الأدبية والفنية والسياسية والعلمية . ونجحت الثورة الإيرانية في سنة 1979 ، لوجود قاعدة ثقافية عقائدية راسخة في ذهن الشعب الإيراني ، سهلت في إسقاط نظام بهلوي . والسؤال لدعاة الجمهورية المغربية ، وبمختلف أشكال تنظيماتهم وحركاتهم . هل هناك قاعدة ثقافية حاضنة بالمغرب ، وشعب مثقف واعي كل الوعي ، سيتجاوب سريعا مع الجمهوريات المفترضة ؟ ان التلويح بالجمهورية في نظام مجتمع جد منغلق ، ومحافظ ، وقبلي ، وتنخره الأمية حتى الأذنين ، وعنيف ، ومصلحي ، وأناني ، ومنافق ...الخ يعني التدمير والخراب . فعوض الدعوة الى الجمهورية التي ستكون مستبدة ، وطاغية نظرا للعقلية العروبية المتزمتة ، يجب الدعوة الى النظام الديمقراطي الحقيقي ، تحت أية مظلة او راية كانت . ان الحل لي في الشكل ، بل في المضمون . أليس في أوربة ملكيات وجمهوريات ، لا احد يشكك في مصداقية ديمقراطيتهما ، رغم أنهم نظم برجوازية متوسطة ، و ما فوق المتوسطة ، تحتكر الحكم لصالحها ، وليس لصالح الشعب الذي يستعمل ككمبراس ، ينتهي دوره بمجرد وضع ورقة الانتخاب في صناديق الانتخابات . في كل شيء يجب اعتماد النسبية ، أما الإطلاقية ، فتؤسس للاستبداد وللدكتاتورية ، ولحكم الفرد الواحد ، والحزب الواحد . وحتى نكون ديمقراطيين حقيقيين ، تصبحون على وطن ديمقراطي ، لا وطن استبدادي وطاغي .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستعترف اوربة بالجمهورية الصحراوية ، إنْ حضرت اللقاء المنت
...
-
إيجابات رفيق في زمن الخيانة ، في زمن الردع العربي
-
إغتراب البطولة في رواية - وليمة لأعشاب البحر -
-
خطاب الملك و مآل الصحراء
-
ويستمر الظلم -- إخبار لاحرار وشرفاء الشعب المغربي
-
رد على الجيش الالكتروني الجزائري الذي يديره الجيش والدرك وال
...
-
خبث الجزائر ومكر البوليساريو
-
السؤال الذي على المغرب طرحه على الاتحاد الاوربي
-
لعبة الامم واشكالية صياغة القرارات الاممية -- الصحراء المغرب
...
-
حدود تحرك البوليساريو كجبهة وكجمهورية
-
اللقاء بين الاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي في مهب الريح
-
الملك ضد الملك
-
فشل إنفصال كتالونية
-
آية الغضب المحْموم
-
الحركات الانفصالية : الريف ، كتالونيا ، كردستان
-
كردستان العراق ، كتالونية ، الصحراء : من الحكم الذاتي الى ال
...
-
لا تلُم ْالكافر عن كفره ، فالفقر والجوع أب الكفار
-
رسالة الى الاستاذ عبدالرحيم المرنيسي -- مملكة السويد الديمقر
...
-
هل يمكن تغيير النظام في المغرب .... وان كان الامر ممكنا .. ك
...
-
هل فشل حراك الريف ؟
المزيد.....
-
عملية -مطرقة منتصف الليل-.. كيف اتخذ ترامب -القرار التاريخي-
...
-
تحليل لـCNN: هجوم ترامب على إيران يعد انتصارا لنتنياهو لكن ا
...
-
واشنطن تصدر -تحذيرا عالميا- على خلفية الصراع بالشرق الأوسط و
...
-
أولمرت: الضربة الأميركية لإيران منحت نتنياهو فرصة لن يفلح با
...
-
مصادر: إسرائيل تقبل إنهاء الحرب إذا أوقف خامنئي إطلاق النار
...
-
علماء يكتشفون فئة دم فريدة من نوعها في العالم
-
كم عدد الطائرات التي شاركت في قصف منشآت إيران النووية؟
-
غروسي يعلّق على وضع مواقع إيران النووية بعد القصف الأميركي
-
إسرائيل تنفذ ضربات على أهداف في إيران
-
-أكسيوس-: ترامب لا يريد مواصلة ضرب إيران إلا في هذه الحالة
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|