|
هل يمكن تغيير النظام في المغرب .... وان كان الامر ممكنا .. كيف ؟
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5648 - 2017 / 9 / 23 - 20:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ ستينات القرن الماضي يجري الحديث بين كل الفرقاء السياسيين المعارضين ، وبمختلف مشاربهم التنظيمية والإيديولوجية ، عن احتمالات تغيير النظام مرة ، وتغيير رأسه مرة ، وتغيير الدولة مرة ، وإصلاحه مرة أخرى ( الملكية البرلمانية ) . وكان الجميع يتساءل عن كيفية وميكانيزمات السقوط ، عندما تتوفر بعض الشروط ، وبعض الحالات التي تُسهّل في التعجيل بالعملية التغييرية ، رغم ان فرصا كثيرة توفّرت ، وكانت سانحة ، ومُسهّلة ، ولم تسبب في إسقاط النظام الذي ظل هو هو ، ولم يتغير قط . لكن السؤال ، وبعد مرور إحدى و ستين سنة على محاولات إسقاط النظام ، من طرف قوى سياسية مختلفة ، وبما فيها الجيش ، فان النظام لا زال مستمرا ، ولا يزال يتقوى يوما عن آخر أكثر مما كان عليه في السابق ، ورغم ان قوته الحقيقية لا يستمدها من المؤسسات ، بل يستمدها من موت السياسة ، وفراغ الساحة ، وخيانة النخبة التي باعت الوهم للمغرر بهم في وقت سابق . وإذا كانت الأزمات الاقتصادية ، والاجتماعية ، والتغييرات المناخية ، كلها تساهم في التعجيل بسقوط الأنظمة السياسية ، مثل الجفاف ، والقحط ، والمجاعة ، والأمراض ، والأوبئة .... الخ ، فان النظام المغربي عكس ما حصل ، لم يتأثر بمثل هذه الكوارث التي لم تزده إلاّ قوة ومتانة ، ورغم سنوات الجفاف الخطيرة التي عرفها المغرب ابتداء من النصف الثاني من السبعينات ، ورغم حرب الصحراء التي كانت جد مكلفة في الأرواح والأموال . لقد تساءلنا كمحللين مهتمين بالشأن العام ، عن السر في استمرارية وجود النظام ، حتى في عام المجاعة ، والبُونْ ، و گرْننْشْ ، والجفاف ، وأزمة الصحراء ... الخ . وإذا كان البعض من المحللين الفرنسيين قد ارجع السبب في الاستمرارية ، الى معاهدة الحماية لسنة 1912 ، التي كانت في الأصل حماية للنظام من ثورات القبائل الثائرة ، بسبب الجفاف ، والقحط ، والأوبئة ، وثقل الضرائب المخزنية ، والعبودية المجسدة في تقاليد اركاييكية ، وبسبب مقاومة الاستعمار ... الخ ، ففي نظرنا يرجع السبب في المواصلة واستمرارية النظام ، الى عامل بسيط لم يكن يزيغ عن تشبث العقلية الشعبية المكبلة بالارتباط بالعرش ، وعن القصور الفكري والثقافي السياسي ، لما يسمى بالحركة الوطنية التي اختزلت التناقض مع الاستعمار، في شخص الملك الذي ظهر فوق سطح القمر . كما أن الإثنين ، الرعايا وما يسمى بالحركة الوطنية ، وبعكس ما سار عليه الحال بالدول العربية ، فهما وظفا الإسلام كدين في مواجهة فرنسا ، واعتبرا ان ضامن الإسلام هو الملك كأحد السلالات المنحدرة من جهة النبي . فبخلاف التناقض مع الاستعمار الذي وظفت فيه شعوب الشرق بمختلف إثنياتها ، من تركمانية ، وكردية ، واشورية ، ويزيدية ، وعربية ، وكنعالية ..... القومية العربية الخ ، فان ما يسمى بالحركة الوطنية ، والمقاومة المدينية ، وجيش التحرير المغربي ، والشعب بمختلف إثنياته العروبية والبربرية مجتمعة ، وظفوا الإسلام في مواجهة المسيحية ، وخاصة بعد المحاولة الفاشلة لسلطات الاستعمار الفرنسي في اللعب على النعرة الإثنية ، والعرقية التي بلغت أوجها في الظهير البربري الذي كان يهدف الى تمْسيح البربر ، وإبعادهم عن الإسلام ، وبخلق تمايز واختلاف يؤكد هذه الخصوصية الإثنية من خلال العرف الأمازيغي ، والمحاكم الخاصة ، والإدارات .... فتمسيح الجبال ، والهضاب ، والسهول ، كان بهدف إضعاف المقاومة المدينية ، ودك ردة الفعل الشعبي إزاء المخططات الاستعمارية ، لإضعاف المغرب ، بغية تقسيم ترابه وشعبه ، وهي المؤامرة التي لا تزال مُسطّرة إلى الآن تهدد الجغرافية ، وتهدد وحدة الشعب . ان هذه المُسلّمة التي يجب اعتبارها قاعدة أساسية لأصول الحكم بالمغرب ، وربط النظام بالإسلام ، والانتساب الى النبي ، كانت من الدعائم الأساسية التي ضمنت استمرارية النظام ، رغم المحن المختلفة التي مر بها ومنها . فالمعروف عن المغربي عروبي و بربري ، هو تقديم الوقار والاحترام لأهل البيت ، إلى درجة اعتبارهم ، أنّ كل مساس بهم ، هو مساس بالنبي ، رغم ان هذا لم يخلف من بعده ولدا ، باستثناء زيد المُتبنّي ، زوج زينب التي ستصبح زوجة للنبي . في خضم التفاعل الوطني بعد الاستقلال ، وخاصة مع ورود أفكار لم تكن شائعة بفعل الاختلاط ، وبفعل الاتصالات ، وبفعل الدراسة في الشرق الأوسط بسورية ومصر ، وفي الغرب خاصة في فرنسا وبلجيكا ، وهي أفكار كان لها وقعها في إباّنها ، مثل أفكار حركة القوميين العرب ، التي قادها مسيحيون عرب كتناقض مع إسرائيل ، ومع الاستعمار الغربي ، والأفكار الاشتراكية والشيوعية الواردة من أوربة ، تكوّنت نخب سياسية ، حملت همّ التغيير بإشكاله المختلفة ، من ليبراليين ( محمد بن الحسن الوزاني ) ، وإصلاحيين ( عبدالرحيم بوعبيد حتى محطة 30 يوليوز 1972 ) ، ومحافظين مخزنيين ( علال الفاسي ) ، وبرجوازيين صغار تأثروا بنماذج الحكم في مصر ، والجزائر ، وسورية ( الفقيه محمد البصري ) ، ونقابيين ( عبدالله ابراهيم ) ، وبلانكيين آمنوا بالتغيير من فوق ( الاختيار الثوري ) ، الى ثوار سيسعون الى الثورة الوطنية الديمقراطية ( اليسار الجديد ) ، الى جماعات نادت بنظام الخلافة ( الشبيبة الإسلامية ) ، وأخرى دعت للجمهورية الإسلامية مرة ، ومرة تلوح بالخلافة ( العدل والإحسان ) ، إلى الجيش الذي انبثق عنه ضباط برجوازيون صغار ( العقيد اعبابو والعقيد العربي الشلواطي ) ...... الخ في هذا الخضم ستظهر محاولات كثيرة للتغيير ، وان توزعت بين الاقتصار على تغيير فقط رأس النظام مع بقاء النظام برأس آخر ، إلى تغيير كل النظام واستبداله بنظام أخر ضمن نفس الدولة ، الى تغيير الدولة نفسها ، من ملكية الى جمهورية . فكانت أول محاولة ، هي تلك التي قادها الجناح البرجوازي الصغير في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 16 يوليوز 1963 ، كما كانت محاولة اغتيال ولي العهد آنذاك الأمير الحسن من نفس الجناح البلانكي ، ومحاولة 3 مارس 1973 التي جاءت انتقاما على فشل انقلاب 1971 و 1972 ، وترحيل الضباط ، وضباط الصف ، والجنود إلى سجن تزمامارت الرهيب ، ثم محاولة الجنرال محمد المدبوح ومن معه بقلب الدولة ، وليس النظام في سنة 1971 ، تلتها مباشرة محاولة انقلاب الطائرة ، التي قادها الجنرال محمد افقير ، بالتنسيق مع الفقيه محمد البصري زعيم الاتجاه البلانكي ، الذي كان شغوفا بقلب الدولة من فوق . ومما يجب الانتباه له ان الانقلابيْن ، خاصة انقلاب الصخيرات في سنة 1971 ، كان سيؤسس لجمهورية امازيغية قحة . ان الضباط الأساسيون في الانقلاب ، يتوزعون بين قبائل زيان ، وقبائل غزران بالأطلس المتوسط ، وقبائل الريف . أما الضابط العروبي الوحيد الذي كان مشاركا في الانقلاب ، فهو الكلونيل الفنيري من قبائل زعير التي تعرّبت بالكامل بقرية حدْ لغْوالمْ ، كما كان يوجد ضابط واحد سوسي من قبائل سوس في انقلاب 1971 ، هو الملازم احمد رامي اللاجئ في السويد . بعد قرارات 30 يوليوز 1972 ، الناجمة عن الأزمة بين الجناح النقابي ، والجناح السياسي في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وبفعل المخلفات السياسية السلبية التي ألقتْ بظلالها المؤلمة حركة 3 مارس 1973 ، سيعرف المغرب انعقاد المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، بعد الانفصال عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية . وللتذكير فان الملك الحسن الثاني ، هو من تفضل باقتراح الاسم الجديد ، على عبدالرحيم بوعبيد الذي قبله بكل تلقائية ورحابة صدر ، كما ان الحسن الثاني هو من اقترح على عبدالرحيم بوعبيد ، تعيين كل من عبدالواحد الراضي وفتح الله ولعلو أعضاء في المكتب السياسي في المؤتمر الخامس ، وقد قبل بوعبيد هذا الاقتراح كلك بصدر رحب . المؤتمر الاستثنائي هذا ، سيغير بالتّمام من إستراتيجية العنف الثوري في الوصول الى الحكم ، وسيقطع بالكامل مع ماضي الاتحاد الراديكالي الذي جسده المؤتمر التأسيسي الأول ، والمؤتمر الثاني ، وجسدته الانتفاضة المسلحة في 16 يوليوز 1963 ، والانتفاضة المسلحة في 3 مارس 1973 ، كما جسدته تصريحات زعماء الحزب ، في الخطابات السياسية الجماهيرية ، وبالبرلمان ، وعلى رأسهم المهدي بن بركة ، والفقيه محمد البصري ، وجسده انقلاب الطائرة التي تورط فيها الفقيه البصري مع افقير . فانقلب بذلك الحزب على تاريخيه ، وأصبح يؤمن بالتحول التدريجي للحكم سلميا ، ومن داخل الحكم لا من خارجه ، أي ما أطلقوا عليه ، إصلاح النظام من الداخل ، وهو التدبير الذي تلوكه اليوم أحزاب الفدرالية لتتقمص دورا ضمن الأدوار المرعية من قبل النظام . ومن خلال التحليل السياسي الدقيق ، فان الذي افرغ الآخر من الداخل ، ليس الاتحاد الذي افرغ النظام ، بل إنّ هذا الأخير هو من افرغ الحزب ، ليحوله اليوم الى صدفة فارغة لا بِتْهشْ ولا بتْنشْ في ظل إدريس لشكر والحبيب المالكي ... الخ . ومقابل هذا المشروع البرجوازي الصغير ، بخطيه السياسي الإصلاحي ضمن ثوابت النظام ، والعسكري الذي فشل فشلا ذريعا ، جاء على أنقاضه مشروع برجوازي صغير آخر ، تأثر بالتجارب ( الاشتراكية ) العالمية ، ( الاتحاد السوفيتي والصين ) ، كما تأثر بحركة التحرر الوطني ، في إفريقيا ، واسيا ، وأمريكا اللاتينية ، وبالشرق الأوسط . وقد كان عماد هذا المشروع الأساتذة ، والمعلمين ، والمهندسين ، والتلاميذ والطلبة كطليعة تكتيكية ، وسيعرف هذا المشروع الذي ظهر رسميا في سنة 1970 ( مارس ) ( غشت ) باليسار الماركسي اللينيني . وهنا لنا أنْ نتساءل عن المآل ، والنهاية التي انتهت إليها كل هذه المشاريع ، وهو مآل معروف بشكل واضح . انه الإفلاس بالنسبة للبعض ، والفشل بالنسبة للبعض الآخر ، بحيث تحول الجناح البلانكي والجناح السياسي في حزب الاتحاد ، الى أحزاب نيو – مخزن ، بمخلفاتها في أشكال مختلفة ، بلغت قمتها في أحزاب الفدرالية ، في حين سنجد أن الأكثرية من مناضلي اليسار الجديد الماركسي ، بعد ان تخلت عن مطلب الجمهورية ومعارضة النظام جذريا ، ارتمت في أحضانه ، وشرعت تدافع عنه ، بعد ان ناصبته العداء ، وبعد ان باعت سابقا أوهاما وشعارات ، تسببت في مآسي اجتماعية وإنسانية ، لا تزال تلقي بظلالها على الوضع الحقوقي الداخلي ، و لم تفلح محاولات الدولة في إجبار الضرر بأموال الشعب التي يدفعها في شكل ضرائب مختلفة ، رغم ان المسئولين عنها مجرمون معروفون . لكن رغم الفشل ورغم الإفلاس ، فان المطالب بتغيير النظام ، تضاعفت عمّا كان عليه الحال في الستينات ، والسبعينات ، وحتى النصف الأول من الثمانينات . وقد ساعدت الشبكة العنكبوتية ، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ، على هذا التطور الجديد الذي لم يكن منتظرا في السابق ، وقد اتخذ أشكالا نضالية مختلفة ، تعتمد على ثورة المعلومات التي قربت الاتصالات والعلاقات ، بين كل المهتمين بالشأن العام ، في داخل الوطن كما في خارجه . هكذا وبعد ان تخندقت كل القوى السياسية وراء النظام ، تُسبّح بحمده وتشكر نعمته ، وبما فيها أحزاب الفدرالية ( الاشتراكي الموحد والطليعة ) ، وحزب النهج الديمقراطي الإصلاحي الذي قطع مع ارث منظمة إلى الإمام ، والمُجمّعُ الحقوقي وعلى رأسه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، وكل النقابات ..... الخ ، سنجد ان قوى جديدة غير منظمة في تنظيمات ، وغير مُؤطّرة إيديولوجيا ، أضحت تتصدر مطالب إسقاط النظام . وهنا تجدر بنا الإشارة ان نُذكّر بحركة الجمهوريين المغاربة التي مركزها الرئيسي ايطاليا ، وهي تدعو الى نظام جمهوري دون تحديدها لطرق ووسائل الوصول الى هذا النظام ، لأنه في غياب التنظيم الثوري ، وفي غياب التنظيمات الثورية ، وغياب الكتلة التاريخية الثورية الجماهيرية ، فان ملامح جمهورية حركة الجمهوريين المغاربة ، لا تعدو ان تكون ، مجرد دعوة للفوضى غير المضبوطة ، التي ستبتلع الحركة قبل ابتلاع المغرب . لكن ان ما يسجل للحركة ، هو وقوفها مع الوحدة الترابية والبشرية للمغرب ، ولم تنزلق لخدمة مخططات أعداء المغرب ، وعلى رأسهم الجزائر ، بعسكرها ومخابراتها ، الذين فشلوا في إيجاد مغربي خائن ، نموذج ونسخة لميخائيل غوربانتشوف الذي دمر الاتحاد السوفيتي من الداخل . الى جانب حركة الجمهوريين المغاربة التي تشتغل وتعتمد على الشبكة العنكبوتية والفضاءات الاجتماعية المختلفة ، هناك تنظيمات جمهورية مختلفة أخرى عقائدية وإيديولوجية ، وهي تتكون من بقايا اليسار الماركسي اللينيني السبعيني التي تنشط كثيرا في الجامعة ، مع سقوطها في الحلقية والدغمائية التي تتجاوز طاقاتها التي لا تتعدى شعارات هنا وأخرى هناك . فتجربة جمهورية ظهر المهراز بفاس ، وتجربة الكُرّاسيون بالشمال ، وتجربة النهج الديمقراطي الماوي في مكناس والقنيطرة .... الخ لم تخرج عن نطاق الحلقية ، ولم تستطيع التخلص من الدغماتيكية ، ولم تتجاوز القطاع الطلابي المُعرّض للتغيير كل سنة بفعل الأفواج الجديدة التي تتقاطر عليه كل سنة . هناك جمهوريون آخرون من تنظيمات الإسلام السياسي ، يتوزعون بين الجماعات التكفيرية المختلفة ، والعدل والإحسان التي تتراوح مطالبها ، مرة مع الجمهورية الإسلامية على الطريقة الإيرانية ، ومرة الدعوى الى الخلافة على منهاج الحقبة الراشدة ، وهو ما يوجب على الجماعة توضيح موقفها بشكل واضح ، من مستقبل النظام السياسي الذي تخدم على أساسه ، وهو النظام الذي قد يكون مرفوضا من قبل قوى سياسية أخرى ، قد تكون إيديولوجية وقد تكون عقائدية . بانتقال الضابط مصطفى أديب الى فرنسا ، وبعد كل ما تعرض له في المغرب ، من ظلم بالسجن ، والاضطهاد ، وحگرة ، لكونه فقط ندد بالفساد ، حتى بادر مع مجموعة من المنفيين ، واللاجئين السياسيين ، إلى تأسيس إطار خاص يخلط بين السياسي وبين الحقوقي " الائتلاف المغربي للتنديد بالدكتاتورية في المغرب " . ومثل حركة الجمهوريين المغاربة التي تعتمد على النت ، فكذلك الائتلاف المغربي هذا ، يعتمد النت في نضاله . لكن الفرق بين الإطارين ، وبخلاف حركة الجمهوريين ، فالائتلاف هو مع تقرير المصير في الصحراء ، وتقرير المصير في الريف ، أي لا يضيره شيئا ان انفصلت الصحراء عن المغرب ، وأضحت تابعة للجزائر التي تحتضن جبهة البوليساريو وتنفخ فيها ، كما لا يضيره في شيء ان ينفصل الريف عن المغرب ، وتأسيس جمهورية ريفية . والشيء غير المفهوم ، ان الائتلاف عندما يتحجج بالوقوف امام قصر الملك ببيتز ، تنديدا بالفساد ، فانه يتجاوز المطالب المعلنة ( الاحتجاج والتنديد بالفساد ) الى مطالب الانفصال برفع راية الجمهورية الصحراوية ، وراية الجمهورية الريفية ، وراية تمزغا التي يطالب رافعوها بتحرير المغرب من الاستعمار العربي الذي دام 1200 سنة . واعتقد ان من أسباب محدودية الائتلاف هو الموقف من وحدة المغرب أرضا ترابا وشعبا . وبخلاف حركة الجمهوريين المغاربة التي تدعو الى الجمهورية ، فان الائتلاف المغربي للتنديد بالدكتاتورية في المغرب ، ومن خلال تصريحات متعددة للضابط مصطفى اديب لم يحدد موقفا خاصا من النظام كنظام ، بل ان مشاكل مصطفى أديب هي مع الملك شخصيا ، اي شخصنة الصراع بين شخصين ، عوض ان يكون الصراع بين مجموعة وبين نظام . وهنا فان الائتلاف ، ودائما من خلال تصريحات الضابط مصطفى أديب ، لا يضيره شيء ، استمرار النظام الحالي ، لكن بشرط تغيير رأس النظام ، وهذا يعني ان الضابط مصطفى أديب هو ضد النظام الجمهوري ، وفي نفس الوقت قد يكون كذلك ضد الملكية البرلمانية ، طالما انه يستشيط غضبا من شخص الملك لا من نظامه . ولنا ان نتساءل : هل الملك ، وخاصة محمد السادس يحكم لوحده ولذاته ، ام انه ذائب ضمن نظام له قواعده المرعية وأصوله الخاصة في الحكم ، ومن ثم فانه في تصرفه الذي قد يشمل اكثر من حقل ، لا يستطيع الخروج عن خارطة الطريق المرسومة له بعناية ، تحت طائلة إمكانية تعرضه لمؤامرات بسبب تضارب المصالح والامتيازات وتشعب النفوذ ؟ ان السؤال الأساسي هو كيف يمكن إزاحة ملك عن الحكم ، دون إزاحة نظامه الذي يحتضنه ويرعاه ؟ وهل تكفي إزاحة ملك او رئيس حتى يحصل التغيير المنشود في ظل استمرارية النظام الذي أنتج الشخص الملك او الرئيس ؟ وإذا كان القرن الماضي قد علمنا ميكانيزمات وشروط تغيير الأنظمة السياسية ، فهل تغيير شخص الملك كشخص دون النظام ، يستوجب انقلابا عسكريا ، او انقلابا بلانكيا ، او عصيانا مدنيا ، او ثورة شعبية ، او حربا أهلية ، او حرب الشعب الطويلة الأمد ، او يستوجب ثورة وطنية ديمقراطية .... ؟ فهل كل هذه الحالات تصلح لإسقاط أنظمة ، ام تصلح لإسقاط شخص ؟ عندما حل ما يسمى بالربيع العربي الذي كان تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الكبير اوالصغير ، حيث تم تدمير الدول ، وتدمير العمران ، لجر البلاد الى التقسيم والتفتيت الذي يطبق اليوم بخطة صهيو – امبريالية جد محكمة ، فان تغيير رأس النظام مبارك ، صالح ، بنعلي ، القدافي وبشار ربما في الطريق ... الخ ، لم يغير أصل النظام الذي أنتج نفس الشخص ، وظل متمسكا بقواعد إنتاج وآليات إنتاج شخص من نفس الطينة . بل سنجد ان من أهم نتائج ما يسمى بالربيع العربي ، كان الحفاظ على نفس النظام ، ونفس القواعد المتحكمة في الشأن العام ، وان إبعاد شخص الحاكم لدر الرماد في أعين المنتفضين ، لم يكن إلاّ لعبة للقضاء على الربيع الذي نجح في التخريب والتدمير ، ونجح أكثر في ربط دول الربيع ، الى علاقات العبودية والخضوع لواشنطن ولندن وتل أبيب . فهل التغيير هو فصل شخص الحاكم عن نظامه ، إي الاقتصار على إبعاد الشخص ، والاحتفاظ بالنظام الذي أنتج الشخص ؟ نعم لقد تحولت صدارة المطالبة بإسقاط النظام من التنظيمات العقائدية والأيدلوجية ، الى جماعات ، ولا أقول تنظيمات ، تتحرك دون الارتكاز على عقيدة لاهوتية او إيديولوجية مادية . هكذا فبقدر ما خمد صوت المجموعة الأولى التي تصدرت النضالات في الستينات والسبعينات ، وحتى النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي ، بقدر ما زاد وتضاعف نشاط المجموعة الثانية التي استطاعت بفضل النت ، ان تتواصل مع فئة مهمة من الشباب في أوربة ، وحتى داخل المغرب . لكن في غياب التنظيم الأداة الثورية ، وفي غياب التأطير الإيديولوجي ، تبقى العلاقة بين هؤلاء ، ثوار الشبكة العنكبوتية والعالم الافتراضي وبين الشباب ، إعلامية تواصلية ، وفضولية للاستكشاف ( أخبار ، دردشة على مستوى النت ، مستجدات ، تعريف .... الخ ) ، أكثر منها ارتباطا تنظيميا ، لمناضلين بتنظيم ( مناضلون ، أعضاء ، كوادر ، قيادة ، هيكلة ، مكتب سياسي ، كتابة وطنية ، لجنة تنفيذية ، لجان ، مليشيات ، أقسام ، لجان ، خلايا ... الخ ) لكن من جانبنا ، وفي هذا الخضم من التطور ، نطرح السؤال التالي : بما ان البعض يستهدف رأس النظام مع بقاء النظام برأس آخر ، والبعض يستهدف النظام بتحويله إلى نظام آخر ( من ملكية تنفيذية الى ملكية برلمانية ) ، والبعض يستهدف الدولة بعينها حين يعمل على نظام الجمهورية .... الخ . كيف يمكن تصور أشكال إسقاط النظام في المغرب ؟ --- هل بثورة شعبية تقودها ثورة وطنية ديمقراطية ؟ --- هل بانتفاضة سلمية ؟ --- هل بانقلاب حركي بلانكي --- هل بالعصيان المدني ؟ --- هل بانقلاب عسكري ؟ --- هل بثورة شعبية تقودها جبهة او كتلة تاريخية ثورية جماهيرية ؟ --- هل باغتيال الرأس لإرباك العجلة ، وخلق الفوضى العارمة للدخول الى مرحلة إعلان ثورة شعبية ، رغم عدم توافر شروط اندلاعها ؟ --- هل بإصلاح النظام بالانتقال من ملكية تنفيذية مطلقة ، إلى ملكية برلمانية ؟ سنحاول الايجابية بشيء من الإيجاز عن هذه التساؤلات التي تدور في أكثر من رأس ، لنرى مدى حجيتها الشعبية من جهة ، ولنستطلع قوة التنظيم ، او الجماعة ، او المجموعة التي تروج لحل من هذه الحلول ، وحتى نستكشف حجم التغلغل في الوسط الشعبي ان كان هناك من تغلغل فعلا ، ولنصل إلى السؤال الرئيسي : هل يمكن تغيير النظام في المغرب ، وأي المخارج اعل انسب وتلاءم التغيير ؟ أم ان كل هذه الحالات ، لا تعدو ان تكون بالنسبة للبعض ، غير أضغاث أحلام ، وبالنسبة للبعض الأخر ، تنظيرات تصب في واد ، والواقع الذي ينطق بما فيه يصب في آخر ، وهو ما يعني استحالة إسقاط النظام ، بأي حل من هذه الحلول الجاهزة في مخيلة أصحابها ، رغم أنهم يتصرفون باسم الشعب المغيب في جميع هذه الحلول ، بفرضهم أسلوب الاستبدالية والوصاية عليه . كما اننا سنعالج كل حالة غير متشابهة على حدا ، مع إدماج معالجة المخارج المتشابهة والمتداخلة مع بعضها . 1 ) الثورة الشعبية التي تقودها ثورة وطنية ديمقراطية : بداية ينبغي الإشارة إلى ان هذا النوع من الثورات المرحلية ، هو من ابتكار المنظمات الماركسية قبل وصولها المرحلة التنظيمية الشيوعية . لقد نظرت لهذه الثورة " الثورة الوطنية الديمقراطية " ، ولا تزال الحركة الماركسية المغربية ، كما نادت الى نفس الثورة ، حركة الاختيار الثوري ، خاصة بعد انفصالها عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، بعد الارتداد والتراجع عن ماضي الاتحاد الراديكالي ، في مؤتمر التصفية للحسابات ، بين الإصلاحيين البرجوازيين ، وبين الثوريين البلانكيين الذين تحالفوا حتى مع الجيش في انقلاب 1972 ، في المؤتمر الاستثنائي في يناير 1975 . وإذا كانت الحركة قد حلت نفسها ، وعادت لتنخرط كأعضاء في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، الذي كان مناضلوه ضمن الأعضاء الرئيسيين الذين ساهموا في بلورة التقرير الإيديولوجي ، والبيان السياسي للمؤتمر الاستثنائي لسنة 1975 ، بل ان الحزب بمشاركته في الاستحقاقات السياسية من انتخابات تشريعية ، يكون قد قطع مع إستراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية ، فان مناضلي اليسار الماركسي اللينيني ، رغم أنهم لم ينجحوا في تأسيس الحزب الماركسي اللينيني ، كخطوة أولى في بناء الحزب الشيوعي الثوري ، ولا يزالون ينشطون كحلقات صغيرة ضمن الطلاب والتلاميذ ، وضمن مُجيْمعاتْ محكومة بالانغلاق على نفسها ، وهو ما يجعل مهمتها في بناء الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني ، تصاب بالتكلس بسبب فقدان القاعدة الأساسية التي تتغنى بها هذه المُجيْمعاتْ ، التي هي العمال والفلاحين الذين يعيشون ضمن التقاليد المرعية ، مع فقدانهم الحس بوجودهم كطبقة ، وليس كمنتجين يخضعون لقانون العرض والطلب في تحديد علاقتهم السوسيو – اقتصادية ، مع الكمبرادور بالمدينة ، والإقطاع الاوليغارشي بالبادية . فان الثورة الوطنية الديمقراطية المتجاوزة والمستحيلة التحقيق ، لا تزال هي الإستراتيجية الأساسية في تنظيرات اليساريين ، والاختلاف طبعا هو في التكتيك المعتمد من قبل هذه المُجيْمعاتْ في الوصول الى الإستراتيجية . لكن لنا ان نتساءل هنا ، عن النسبة المئوية لنجاح مثل هذه الثورة ، التي فقدت طعمها وإشعاعها الإعلامي والإيديولوجي ، مع سقوط الاتحاد السوفيتي ، وسقوط جدار برلين ، وانهيار جمهوريات أوربة الشرقية ، والانتقال الجذري للصين من نظام شيوعي ، الى نظام امبريالي شرس ، ومفترس يغزو العالم . أولا ، حين نتكلم عن الثورة الوطنية الديمقراطية ، يجب ان نفكر مليا في البلد المعني بهذه الثورة . وحين نربط بين الثورة والبلد ، فالمقصود سكانه لا أحجاره . والسؤال ؛ هل يوجد هناك شعب ثوري ، سينخرط تلقائيا في الثورة ، دون تكوين إيديولوجي وتنظيمي ، ودون ثقافة سياسية ثورية ؟ ان الجواب المعروف ، سيجعلنا ندرك و بكل سهولة ، عوامل الفشل الذي أصاب كل المحاولات التي كانت تهدف كل النظام ، وليس فقط جزءا من مفاصله . كما تشرح وبالملموس ، فشل كل المحاولات التي اتخذت باسم الشعب المغيب في المشاريع الثورية ، التي كانت تهدف رأس النظام، رغم انها كانت تجري باسمه . ثانيا ، بالنسبة لؤلئك الذين يتحدثون عن الثورة الوطنية الديمقراطية في المجتمعات الخاصة التقليدية ، عليهم ان يستفيقوا من السبات ، وينفضوا عليهم بُوغطّاط ، وان يحاولوا تحليل الواقع من المعاش اليومي للمواطن ، لا من النظريات التي تشرح واقع لا علاقة له بالواقع المغربي . وعليهم ان يطرحوا السؤال : هل هناك الأداة الثورية القادرة على انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ، خاصة وان كل الحلقات لا تزال تُنظّر لبناء الحزب الذي عجزوا في بناءه منذ ستة والربعين سنة خلت . وهل هذه الأداة متغلغلة في الساحة السياسية ، ووسط الجماهير، او الشعب الجاهل الغائب الذي من المفروض ان تجري الثورة باسمه ؟ وهل نجح حزب النهج الديمقراطي في بناء الحزب الماركسي اللينيني الثوري ، كخطوة في بناء الحزب الشيوعي الذي نظرت له منظمة الى الأمام غداة تأسيسها بصفة رسمية في 30 غشت 1970 ؟ فهل كان على منظمة الى الأمام الثورية التي رفعت وفي أحلك الظروف التي مرت منها شعار " لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو " ، ان تتقدم مثلما فعل النهج الديمقراطي بملفه ، الى وزارة الداخلية طالبا الترخيص له بالنشاط السياسي ضمن مقتضيات قانون الحريات العامة التي شروطا محددة ومعروفة ، بحيث ان كل حزب يريد الترخيص له بالنشاط السياسي عليه الاعتراف الصريح بشعار المملكة المقدس " الله الوطن الملك " . وهنا لنا ان نتساءل : هل حقا يعتبر حزب النهج الديمقراطي امتدادا تنظيميا وإيديولوجيا إلى منظمة إلى الأمام كما يدعي أعضاءه ؟ ثالثا ، كيف الحديث عن الثورة الوطنية الديمقراطية ، باسم العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين ، ووضع هؤلاء لا علاقة له بالمغزى الأساسي لهذه الثورة . ان من يسمونهم عمالا وفلاحين بالمغرب ، وبالمجتمعات المتخلفة ، يتعارض وضعهم السوسيو – ثقافي – اقتصادي ، مع التفسير الماركسي لعمال العالم ضمن مقولته الشهيرة " يا عمال العالم اتحدوا " . فإذا كان العامل بالمفهوم الماركسي بالمغرب يجهل وضعه كطبقة مستغلة ومُستلبة ، ويعتبر نفسه كدور من الأدوار المُكملة لسلسلة وحلقات الإنتاج ، وغارق حتى الرأس في اعتناق الموروث الغيبي ، وامتداداته السياسية ( التصويت لصالح تجار الدين مثل البيجيدي ) ...الخ ، فماذا سيُجدي مثلا ، تفْهيم وإقناع عامل غارق في التقاليد المرعية ومُتدين ولو نفاقا ، بان صاحب المعمل الباطرون ، يستأثر بقسم من عمله وأتعابه ، وخاصة اذا كان هذا العامل يؤمن بان الاستغلال هو قضاء الله وقدره ، او امتحان في الحياة الدنيا ، او جزاءا لما إجْترمه واقترفه من جرائم وآثام في الأجيال السابقة من حياته وغيرها ؟ ثم من هي التنظيمات الثورية التي تروج لإستراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية ؟ هل حزب التقدم والاشتراكية ، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، اليسار الاشتراكي الموحد ، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، النهج الديمقراطي ، جبهة القوى الديمقراطية ... الخ ، وهذه أحزاب تهيكلة وراء النظام ، وأضحت جزءا منه لا خارجه ، وتتصرف على ساس أجنداته ، من خلال تقمصها ادوارا مملاة من فوق ، بغية تزْليج الواجهة لضمان استمرار منحة الدول المانحة . ثم وفي غياب الإطارات الثورية الحقيقية المتغلغلة في الساحة ، والنافذة الى مختلف الشرائح الاجتماعية ، وأمام الجهل والأمية التي تسيطر على الأغلبية المُسماة شعبية ، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وجدار برلين ، وانهيار الجمهوريات الشيوعية لأوربة الشرقية الى دول رأسمالية ..... الخ ، فهل لا يزال مطلب الثورة الوطنية الديمقراطية يُحض ببصيص من مصداقيته المفقودة أصلا ؟ كذلك وأمام تغلغل الاستلام السياسي وسط العوام ، وتشكيله الأكثرية العددية ، فهل هناك من بصيص أمل لا يزال يراود مُجيْمعاتْ التطرف اليساري ، والانتهازية اليمينية للوصول الى الثورة الوطنية الديمقراطية لإنشاء دولة العمال والفلاحين ، رغم ان المشتغلين بهذه الثورة ، لا علاقة لهم بالعمال ولا بالفلاحين ، كما أنهم ومن خلال التحليل الماركسي ، يعتبرون اشد أعداء البروليتارية ، لأنهم يشتغلون بالقلم والورق ، ولا يشتغلون بالمطرقة والمنجل ؟ بما ان الثورة الوطنية لم تنجح في عز شبابها منذ بداية سبعينات القرن الماضي ، فإننا نجزم ان هذه الثورة أضحت مستحيلة في الوقت الحالي بسبب ما شرحناه أعلاه . 2 ) الاغتيال والانقلاب البلانكي من فوق : أولا إن ما يجب التنبيه له ، هو ان الاغتيال ، والدعوة الى الاغتيال ، هي مطالب مرفوضة أصلا وُمدانة . كما ان الانقلاب الحركي من فوق ، هو حل وعمل مرفوض ، لأن ليس له من تفسير ، غير سرقة الحكم باسم الشعب المغيب والغائب ، لصالح البلانكيين المتعطشين الى السلطة . بالرجوع الى التاريخ المغربي القريب ، سنجد ان عدة محاولات للانقضاض على الحكم من فوق قد حصلت وفشلت ، ويشترك هنا في التغيير من فوق ، الجيش من خلال الانقلابات العسكرية ، والمدنيين من خلال تنظيمات ثورية . كما حصلت محاولة اغتيال الملك في مؤامرة يوليوز 1963 . وهي بدورها فشلت بسبب الإبلاغ عنها من قبل الدكتور الخطيب وآخرون . وبالرجوع الى التاريخ القريب كذلك ، سنجد ان البوليس في فبراير 1962 ، قد توصل الى الكشف عن مؤامرة ، كانت تستهدف قلب نظام الحكم بقوة السلاح ، والاعتداء على حياة الملك باغتياله ، وقبل الوصول الى هذا المخطط سبق للبلانكيين ، ان قاموا بهجوم على القاعدة الأمريكية بالقنيطرة ، للاستيلاء على الأسلحة ، لكن الهجوم فشل ، وثم ألقاء القبض على مومن الديوري ، الذي مكن البوليس من تفاصيل الانقلاب البلانكي ، حيث كانت هناك عدة خلايا مسلحة بناحية أغادير ، والصخيرات ، ومستودعات أسلحة . التحقيق سيكشف عن وجود منظمتين ثوريتين ، كل واحدة منهما تعمل بشكل مستقل ، دون ان تكون إحداها على معرفة بوجود الأخرى . ا )المنظمة الأولى ، وأسسها الفقيه محمد البصري ، ونالت مباركة عبدالسلام الجبلي ، والمهدي بن بركة ، وعبدالرحمان اليوسفي ، وعبدالفتاح سباطة ، وبنسعيد .... الخ . لقد خططت هذه المنظمة للاستيلاء على الحكم من فوق ، كما خططت لاغتيال الملك لإرباك الوضع العام ، ودفع الناس للخروج للتظاهر ضد النظام ، وتأييدا للنظام الجمهوري على الطريقة العربية . وفي هذا الصدد ولتدعيم المشروع ، اتصل الفقيه محمد البصري ببعض المسئولين الكبار لإشراكهم في المخطط ، كقائد الحرس الملكي الكومندار الذي أصبح جنرالا المذبوح ، ومصطفى العلوي مدير الشؤون السياسية ، كما اتصل بالقبطانين العايدي والصقلي ... الخ ، والذين لم يترددوا في إخبار الملك بالانقلاب وبمحاولة اغتياله . وفي هذا الصدد ، تم توجيه الدعوة لحضور المؤتمر الثاني للحزب ، الى احد المهندسين البعتيين السوريين ، ويسمى قنوط ، كتغطية عن الهدف الرئيسي الذي تم التخطيط له ، حيث بفضل الفقيه محمد البصري ، والمهدي بن بركة ، وعبدالرحمان اليوسفي ، سيتمكن هذا السوري من دخول القصر الملكي بطنجة والرباط ، لوضح تصميمات دقيقة لإنجاح الانقلاب . ومن اجل التحكم في قطاع الاتصالات ، اتصل الفقيه البصري بعمر بنجلون الإطار السامي بوزارة البريد ، فطلب منه ان يمده بتصميمات شبكات الهاتف الخاصة بالقصر الملكي ، والقيادة العليا للجيش ، ثم تصميمات الإذاعة في جميع أنحاء المملكة ، فمكنه من جميع مطالبه . آما الحسين الخضار ، فقد ترأس عدة خلايا بالرباط ، مهمتها التحضير لاغتيال الخصوم السياسيين ، والموظفين السامين ، والهجوم على القصر لاغتيال الملك والاستيلاء على مصالح الدولة الإستراتيجية . ب ) المنظمة الثانية وأسسها بالتوازي مع المنظمة الأولى كل من احمد اگوليز المدعو شيخ العرب ، ومومن الديوري . ان أول شيء قامت به المنظمة ، هو الهجوم الفاشل على القاعدة العسكرية الأمريكية بالقنيطرة ، للحصول على الأسلحة . كما أسسوا عدة خلايا مسلحة بالعديد من المدن المغربية ، كوجدة ، وفاس ،وتازة ، وبني ملال ، والرباط .... الخ . ولإعطاء دعم مادي للمنظمة الثانية ، فاتح مومن مومن الديوري في أمرها ، المهدي بن بركة الذي أصبح على رأسهما ، ويتولى التنسيق بينهما ، في أفق السيطرة على الحكم . ومثل المنظمة الأولى منظمة الفقيه محمد البصري ، فان منظمة شيخ العرب مومن الديوري ، هي بدورها ، وبأمر من المهدي بن بركة ، أعدت قوائم لاغتيال شخصيات بارزة ، كصديق الملك ووزير الداخلية احمد رضا اگديرة ، والجنرال محمد افقير ، والكمندار المدبوح ، والمحجوبي احرضان ، وعبدالكيم الخطيب ، والمحجوب بن الصديق ، وإبراهيم بن بوعزة ..... الخ . المحاولة الثانية للانقضاض على الحكم من فوق ، والتي كانت ترمي الى اغتيال الحسن الثاني ، كانت حادثة الطائرة الملكية التي تعرضت لهجوم طائرات عسكرية في سنة 1972 ، بتوجيه وإشراف من الجنرال محمد أفقير ، وبمشاركة الجناح الراديكالي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية الفقيه محمد البصري ، ومثل فشل مؤامرة يوليوز 1963 ، فشل كذلك الانقلاب العسكري الذي كان ينوي الاستيلاء على السلطة من فوق . وقبل هذا الانقلاب ، كان هناك انقلاب أول للجيش حصل سنة 1971 ، وهو انقلاب ، وان كان ضد الفساد المستشري بالدولة ، فانه كان سيؤسس لجمهورية امازيغية خالصة ، من خلال الانتساب الإثني للضباط الذين تولوا أمر الانقلاب . الى جانب هذه المحاولات التي فشلت ، كانت هناك محاولة أخرى للانقضاض على الحكم من فوق ، وهي المعروفة بحركة 3 مارس 1973 ، التي اشرف عليها الفقيه محمد البصري ، لكن حينما حصلت ، تنكر لها ، ونفى أية علاقة له بها ، واعتبر ان الأمر يخص مناضلين لاجئين بالجزائر ضاق بهم الحال ، فقرروا الدخول الى المغرب للموت فيه ، وكأن بالفقيه محمد البصري يريد ان يقول ان ثوار 3 ماس 1973 قرروا الانتحار عن طيب خاطر . وكما فشلت كل المحاولات السابقة التي كانت تهدف الانقضاض على الحكم من فوق و في غيبة الجماهير ، وكانت تهدف اغتيال الملك ، فشلت كذلك حركة 3 مارس ، وكان من نتائجها الأليمة انعقاد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي الذي قطع مع البلانكية ، وقطع مع كل تنسيق مع الجيش ، وارتمى من خلال شعاراته الإصلاحية في حضن النظام ، الى ان صار منذ المؤتمر الخامس والى اليوم ، لا يختلف في شيء عن غيره من الأحزاب المسماة إدارية او ملكية . ولنا ان نتساءل اليوم ، هل لا زال هناك من يؤمن بالانقلاب من فوق ، او حتى بالاغتيال في إطار الحرب الدائرة رحاها بين النظام وبين خصومه من مختلف الاتجاهات الإيديولوجية والسياسية ؟ إذا كانت المطالب بتغيير رأس النظام مع بقاء النظام الذي أنتج الشخص ، فهل إبعاد شخص الشخص ، يحتاج الى انقلاب عسكري تتحرك بمقتضاه الوحدات مع المعدات العسكرية اللازمة ؟ وهل إبعاد شخص الشخص كذلك مع بقاء النظام الذي أنتج الشخص ، يحتاج الى ثورة وطنية ديمقراطية ، أوالى عصيان مدني ، أوالى بلانكيين يستولون على الحكم من فوق ؟ وإذا كان العقل السليم لا يقبل ، ولا يتقبّل مثل هكذا تصورات ، فما هي الوسيلة الوحيدة المُتبقية لإبعاد شخص واحد ، وليس إسقاط نظام ؟ وهنا وفي نفس الإطار فان ما كتبه الضابط احمد رامي اللاجئ السياسي بالسويد ، يلتقي في الصميم والمضمون مع مطالب إبعاد شخص الشخص دون إبعاد النظام المحتضن للشخص . فحين يكتب الضابط في خزانته " عندما تسود الخيانة ، ويعم الفساد ، ثم تُكمُّ الأفواه ، لا يبقى إلاّ ما فعله خالد الاسلامبولي ورفاقه " . فهل هي دعوة مثل الدعوة لإزالة شخص الشخص دون نظامه ، موجهة الى بعض رجالات الجيش ، أوالى بعض الكارلوسيين ( نسبة الى كارلوس الثائر الموجود بالسجون الفرنسية ) ، والى بعض الظلاميين ليقوموا بما قام به الاسلامبولي في حق السادات ؟ وهنا الكل يعلم ان اغتيال السادات ، نجم عنه سقوط مصر لمدة ثلاثين سنة تحت نظام صهيوني دكتاتوري ، وتحت نظام الأحكام العرفية ، وقانون الطوارئ ، ولم يتم وضع حد ، ولو مؤقت لنظام مبارك ، إلاّ بفضل الحراك الشعبي الذي أُفرغ من كل شعاراته على يد مُتصهين جديد ، هو الجنرال السيسي . 3 ) الانتفاضة السلمية والعصيان المدني : بداية المغرب عرف العديد من الانتفاضات الشعبية ، لكنها لم تصل الى حد الثورة . ولنا ان نتذكر انتفاضة 23 مارس و يونيو 1981 بالدارالبيضاء ، وانتفاضة الريف والشمال ومراكش في يناير 1984 ، وانتفاضة فاس في 1990 . كما عرف المغرب هبّات جماهيرية ، كان أبرزها حركة 20 فبراير الإصلاحية ، وحراك الريف الأخير . لكن بالرجوع الى التاريخ ، سنجد ان المغرب عرف كذلك ، ثورات شعبية ضد الحكم المركزي ، مثل ثورة القبائل ضد السلطان عبدالحفيظ ، وثورة عدي اوبيهي ضد حزب الاستقلال ، وثورة الجيلالي بوحمارة ( الروگي ) ضد النظام بفاس ، وكانت هناك ثورة الريفيين في عشرينات القرن الماضي ، وفي أواسط الخمسينيات من نفس القرن ، ثم ثورة قبائل الرحامنة ضد الحكم العلوي . فهل مغرب اليوم معرض لانتفاضة سلمية ولعصيان مدني ؟ الانتفاضة ، وأي انتفاضة يمكن ان تحصل في كل وقت وحين عند توافر بعض الشروط ، منها الاجتماعي ، ومنها الاقتصادي ، وقد يكون منها الخطأ المادي الجسيم للنظام او للحاكمين . لكن أنْ تصل الانتفاضة العادية مثل حركة 20 فبراير الى العصيان المدني ، فهذا يبقى من ضروب المستحيل ، لان شروط العصيان المدني ، ليست هي بالضرورة شروط الانتفاضة السلمية . الإعلان عن العصيان المدني لا يكون ، إلاّ إذا كان الشعب قد بلغ من الثقافة السياسية ، والنضج العقائدي ، او الإيديولوجي ، والتنظيمي ، ما يجعله هو في واد ، والحكام في واد آخر . والعصيان وبخلاف الانتفاضة السلمية ، هو المرحلة الأخيرة لما قبل السقوط . لذا فالعصيان سيكون مرتبطا اشد الارتباط ، بقضايا إستراتيجية ، مثل قضية الوحدة الترابية والشعبية للدولة . وبما ان العصيان المدني يشكل في عمقه تهديدا لوجود النظام ، فان اليقين الحتمي ، هو انه ستتخلله إراقة للدماء ، لان النظام لن يقبل السقوط بكل سهولة . واذا كان المغرب قد عرف انتفاضات مختلفة ، فانه لم يعرف أبدا العصيان المدني . ولنا ان نتساءل : هل الظروف التي يمر منها وبها المغرب ، ستتسبب في عصيان مدني ؟ انه بالنظر لنوع الثقافة الشعبية السائدة ، ونظرا للتقاليد المرعية المغلفة بحجاب ديني ، ونظرا لتصدر الملك للحقل الديني ، وقطع الطريق في هذا الباب عن منظمات الإسلام السياسي ، فان مظاهر العصيان المدني تبقى مستحيلة ، وليس فقط بعيدة . 4 ) الانقلاب العسكري : أولا يجب الإقرار بان الفترة الحالية ، وبخلاف فترة الستينات ، والسبعينات ، والثمانينات من القرن الماضي ، ليست بفترة انقلابات . فبعد أفول الاتحاد ألسفيتي ، وسقوط جدار برلين ، أضحت الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، تدين وتعارض الانقلابات العسكرية ، أيا كان سببها والهدف منها . بل ان الرؤساء في الاتحاد الإفريقي ، ومن اجل تحصين كراسيهم الرئاسية ، سنوا قانونا بمقتضاه ، يتم طرد آية دولة من الاتحاد يحصل فيها انقلاب عسكري . واذا كان المغرب قد عرف انقلابات عسكرية في في سبعينات القرن الماضي ، وكانت بموافقة واشنطن ، فان الوضع الراهن أصبح متحصنا من أي محاولة انقلاب عسكري ، اللهم اذا حصلت ثورة ، وهذه تبقى مستبعدة في الظروف الحالية ، وكان النظام المرتقب ، مهددا للمصالح الغربية إيديولوجيا واقتصاديا . هنا ولقطع الطريق على المشروع التصادمي ، يمكن للعواصم الغربية ان تصدر إشارة خاصة لتحرك الجيش . وبما ان هذا السيناريو ، سيناريو الثورة يبقى مستبعدا ، فان سيناريو الانقلاب ، يبقى بدوره صورة من الخيال لمن يفكر فيه من المعارضين جذريين او بلانكيين . 5 ) الكتلة التاريخية والثورة الشعبية : هناك من يتكلم عن الكتلة ، وهناك من يتكلم عن الجبهة لبناء نظام حكم ( الشعب ) أحزاب الجبهة او الكتلة . بالرجوع الى الخارطة الوطنية ، نكاد نجزم استحالة بناء نظام الجبهة او الكتلة لأسباب منها : 1 ) من هي الأحزاب التي ستنخرط في الجبهة او الكتلة ؟ هل الاتحاد الاشتراكي ، التقدم والاشتراكية ، حزب الاستقلال ، المؤتمر الاتحادي ، الطليعة ، الاشتراكي الموحد ، النهج الديمقراطي ، الأصالة والمعاصرة .....الخ ؟ هل سيقبل هؤلاء ضمن الكتلة او الجبهة ، جماعة العدل والإحسان ، البديل الحضاري ، حزب الأمة ، والتنظيمات الشيعية ، و العدالة والتنمية ؟ هل سيقبل الجميع بكتلة او جبهة ، تضم حركة الجمهوريين المغاربة ، الائتلاف المغربي للتنديد بالدكتاتورية بالمغرب ، ومعارضة الخارج ثوار الشبكة العنكبوتية الذين يعتمدون على النت للتواصل؟ 2 ) أين ستتمركز الجماعات اليسارية الجذرية مثل ، البديل الجذري ، الأماميون الثوريون ، النهج الديمقراطي القاعدي ، النهج الديمقراطي الماوي ، تيار المناضل (ة ) ، منظمة العمل الشيوعي ، النهج الديمقراطي التقدمي .....الخ فمن خلال هذه الصورة نستطيع القول ، ان نظام الكتلة او الجبهة ، هو الأمر المستحيل التطبيق في المغرب . 6 ) إصلاح النظام : بين الملكية المطلقة والملكية البرلمانية : في سنة 1999 وسنة 2000 تم طرح سؤال آني لبعض المشتغلين بالشأن العام ، وهو سؤال له ما له ، وعليه ما عليه : السؤال . أي ملكية نريد ؟ ومن خلال النشيطين الواقفين وراء السؤال ، يمكن ان نبلور أصل السؤال : هل ملكية مطلقة ام ملكية برلمانية ؟ النقاش هنا كان منصبا على الملكية البرلمانية كنموذج ديمقراطي في الحكم . لكن الفرق هو في كيفية الوصول الى هذه الملكية . في هذا الخصوص سنجد ان النقاش عم مجموعتين متناقضتين في فهمهما وطرحهما للملكية البرلمانية . --- المجموعة الأولى ، وتضم حزب الطليعة ، والاشتراكي الموحد . ان هذين الحزبين يدعوان الى ملكية برلمانية بالتوافق مع القصر . وللإشارة فان الحزبين شاركا في جميع الانتخابات التي نظمتها الدولة رغم مقاطعتهما للتعديل الذي عرفه الدستور في سنة 2011 . اي دون ان يتحقق لهما ادني شرط من الشروط ، التي دأبا يتحججان بها لمقاطعة الانتخابات السابقة منذ الستينات . فالمشاركة الأخيرة كانت بمثابة شيك عن بياض مقدم للنظام في المرحلة الأولى ، وبعد المرحلة الثانية ، ومن خلال المواقف المختلفة المتخذة ، والتصريحات المُدلى بها ، اضح الحزبان جزءا من النظام لا من خارجه . ولنا ان نتساءل : هل النظام الذي يعرف ضعف الحزبين البين والواضح ، سيقبل الإنصات لهما ، فأحرى مفاوضتهما حتى يتنازل لهما عن شيء من سلطاته التي يعطيها له الدستور ، وليس سلطات عقد البيعة المستعصية عن الحل ؟ شيء لا يمكن لعق سليم قبوله . --- المجموعة الثانية وتتكون من أولئك الذين يطالبون بملكية برلمانية بالتوافق مع الشعب لا مع القصر . وهنا قد ندرج حزب النهج الديمقراطية ، وبعض الدائرين في فلك الأمير هشام بن عبدالله العلوي . ان المطالب بتحويل النظام في المغرب ، من ملكية مطلقة الى ملكية برلمانية على الطريقة الأوربية ، لا ولن تمر بسهولة . ان القصر سيعتبر الأمر انقلابا ابيضا ان أمكن ، على السلطات التي يتمتع بها الملك بمقتضى الدستور ، وبمقتضى عقد البيعة . وبما ان الوصول الى هذا النوع من الملكية ، يتطلب نزولا للشعب الى الشارع ، وربما الإعلان عن العصيان المدني ، فان الدعوة للتوافق مع الشعب هنا قد يتخللها إراقة الدماء بالشوارع . فهل الوصول الى الملكية البرلمانية ، نظام العائلات يستحق إسالة الدماء في الشوارع . والسؤال وفي ظل استحالة الوصول الى التوافق مع الشعب ، المغيب والغائب في جميع هذه العمليات ، فكيف سيكون سيناريو الوصول الى الملكية البرلمانية مع شعب غائب ومغيب ؟ هل بالرجوع مثل المجموعة الأولى الى التوافق مع القصر الذي سيرفض أصلا تقبل ولا أقول هنا ، نقاش سلطات واختصاصات مع أقلية لا تمثل إلاّ نفسها ؟ لقد سبق لأبراهام السرفاتي مؤسس منظمة الى الأمام ، بعد رجوعه من المنفى ألقسري ، ان حمد الله على وجود الفصل 19 من الدستور ، الذي كان يشكل دستورا داخل الدستور ، فقط لمواجهة الإسلاميين ، خاصة جماعة العدل والإحسان . كما سبق للعديد من المتياسرين القدامى ، ان جدد بيعة الملك الدينية ، حين اعترف للملك بصفة أمير المؤمنين . وهنا وبخلاف الأمس ، هل سيمر مثلا النهج الديمقراطي في مطالبته بالدولة الديمقراطية ، من أنبوب جماعة العدل والإحسان التي نسق معها في 20 فبراير ، وخذلته حين انسحبت فجأة ، ودون ان تخبره بقرار الخروج الذي فضحته الأستاذة نادية ياسين بمقبرة الشهداء بالرباط ؟ أمام هذا الإشكال المستعصي عن أي حل ، فان حتى مطلب الملكية البرلمانية ، يبقى بعيد المنال ، بسبب غياب الأداة ، وبسبب ألامية المستشرية وسط الشعب ، وبسبب استعمال المصطلح للتسويق والمتاجرة والابتزاز . الم يدع مصطفى الرميد ، وعبدالاله بنكيران ، وادريس لشكر ، ونبيل بنعبدالله ..... الى الملكية البرلمانية ، وهم المتمسكون حتى النخاع بالملكية المطلقة الاختصاصات ؟ ولنكون صريحين وليس بديماغوجيين ، فان العنوان المستخلص الآن ، هو الفشل الدريع ، لكل المشاريع التي تم تجريبها ولم تصل الى نهايتها . لقد فشل مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية / وفشل مشروع البلانكي ومشروع الاغتيالات ، وفشل مشروع الانقلابات العسكرية ، وفشل مشروع الجبهة او الكتلة ، وفشلت الانتفاضات والهبات والحراك ، كما فشل مشروع الملكية البرلمانية ، و فشل المشروع الإسلامي في بناء نظام الجمهورية او الخلافة . لكن لنتساءل : الم ينجح مشروع الدولة الذي كلما مر بأزمة طبيعية او مصطنعة ، إلاّ وزاد قوة ومثانة ؟ ولنا ان نتساءل عن السبب ، وعن مصدر الخلل ، ومن المسئول عن كل هذا الإفلاس الذي أصاب جميع المشاريع التي مرت ؟ أليس السبب ذاتيا ، وتنظيميا ، وإيديولوجيا ، وعقائديا ؟ الم ينهزم حراك الريف حين عزل نفسه عن الشعب ؟ وحين تمايز وتخندق ؟ الم تفشل انتفاضة 1965 و 1981 حين غابت القيادة الثورية ، وحين تحركت الجموع ، استجابة لشعارات رفعها من لا نظرية نظريته والتجريبية ممارساته ، بحيث سيطرت الجموع على الشارع ، وأصبحت القوى البرجوازية الداعية الى الإضراب العام متجاوزة شعبيا ؟ الم تفشل انتفاضة 1984 مثل انتفاضة الرفيين اليوم ، حين تم رفع شعارات إسلامية شيعية ، وحين تم عزل الحراك عن امتداداته الفضائية ؟ ومرة أخرى من السبب عن الإفلاس ، ومن المسئول عن الخلل ؟ فبدون تجاوز العنعنة ( عن فلان عن فلان .. ) إيديولوجية او عقائدية ، وبدون تطور وتطوير في الفكر والممارسة ، والوضوح الاستراتيجي وعلاقته بالتكتيكي ، وتمام استمرار سيادة مرض الوصاية ، والتعالي ، والتحقير ، والتخاطب مع المتخاطبين بلغة غير لغتهم البسيطة العادية .... الخ ، سيكون قدر المغرب الراهن والمستقبلي هو الملكية المطلقة . ان دماء المخزن تسري في دماء الأغلبية الشعبية التي تمخزنت أكثر من المخزن ، ويكفي الرجوع الى العادات ، والتقاليد ، والمناسبات المختلفة ، من أفراح وما شابه ، حتى تجدون غير المخزن . بل حتى عندما يتولى المخزن قمع مخزنييه بالضرب والهراوات لسبب من الأسباب ، مثل الإفراغ ، او فض اعتصام ، فان الرعية من شدة الألم ، بسبب الإفراط في الضرب ، ترفع شعار عاش الملك عاش الملك ، بل تزداد هستيريا البكاء والنواح بين المتمخزنين ، ليس بسبب آلام الضرب ، بل لان القوة العمومية في تدخلها ضد المعتصمين ، اسقط صورة سيدنا ، هكذا يقولون هكذا يبكون و هكذا ينوحون . فمن انتصر ، ومن أفلس وانهزم ؟ ومن المسئول ؟
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل فشل حراك الريف ؟
-
شهر نوفمبر سيكون عصيبا على المغرب ، ومصداقية ما يسمى بأصداقه
...
-
بخصوص ما جرى بعاصمة الموزنبيق موبوتو
-
من يعارض مغربية الصحراء ؟
-
جبهة البوليساريو ترحب وتطبل لتعيين رئيس ألمانيا السابق ممثلا
...
-
رحلت فابتعدت ..... أنت .. أنت ..... وحدك . من أغبالة آيت شخم
...
-
تباً لهذا الزمن المُتعفن . تباً لهذا الزمن الموبوء
-
هل تستطيع العصابة المجرمة التي أجرمت في حقي ، منعي من مغادرة
...
-
عنوان الخطاب الملكي - الملك ينتصر لصديقه فؤاد الهمة -
-
الملك يعفي مجموعة من الوزراء
-
بخصوص الدعوة الى مسيرة 30 يوليو
-
إستمراء كل الشقاوات والعذابات في انتظار اليوم الموعود
-
واخيرا تأكد ما توقعناه باعتقال وسجن المدون حسام تيمور -- بين
...
-
بين تصريحات سعيد شعو للقضاء الهولندي وجريمة سحل وتشويه الزفز
...
-
إسْحلْ اتشويه ابناء الشعب -- في المغرب الجميل
-
ملك المغرب محمد السادس جد قلق وجد منزعج
-
الوضع بالصحراء اضحى اكثر من خطير
-
النقد والنقد الذاتي : لماذا ترفضهما نخبنا ؟
-
سيادة قطر في الميزان
-
حدود العلاقة بين السياسي والمثقف
المزيد.....
-
ترامب: لن أحصل على جائزة نوبل للسلام مهما فعلت
-
حرب إسرائيل وإيران في يومها التاسع.. هجمات متبادلة وتل أبيب
...
-
إسرائيل تحذّر من مخاطر كاميرات المراقبة المنزلية وسط تصاعد ا
...
-
نعي كاتب وشاعر كبير..
-
إسرائيل تقصف موقعا لحزب الله وتحذره من القتال مع إيران
-
إسرائيليون عالقون تحت الأنقاض إثر هجوم إيراني واسع بالمسيّرا
...
-
هل حسم ترامب قراره بشأن ضرب إيران؟
-
قرار بإخلاء منزلين مطلين على الأقصى لصالح مستوطنين
-
قاضية أميركية تعلق حظر ترامب التحاق الطلاب الأجانب بهارفارد
...
-
محللون إسرائيليون: الحرب على إيران لم تحقق أهدافها
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|