أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خضر محجز - الفن ونظرية المُثُل














المزيد.....

الفن ونظرية المُثُل


خضر محجز

الحوار المتمدن-العدد: 5698 - 2017 / 11 / 14 - 00:09
المحور: الادب والفن
    


الفن ونظرية المُثُل

الأشياء عند أفلاطون لها أصل خالد، موجود في العالم الأصلي، العالم غير الحسي. فالإنسان كان هناك في أصله.. المقصود الإنسان المثالي، الإنسان الكامل، الإنسان الذي في السماء، الذي لم يتلوث بالأرض؛ ذلك أن للأرض ملوثاتها. ليس الإنسان فحسب، بل كل شيء هنا كان هناك أصله. لكن الإنسان وحده من بين الأشياء هو من يحن إلى أصله. فكيف ذلك؟

ثمة شيء في داخل الإنسان، شعور مبهم ـ ربما كان هو ما سيسميه علم النفس من بعدُ باللاشعور ــ شيء يتوق به نحو العودة إلى البيت الأول.. وإلى أن يعود، فهو يقارن كل شيء هنا بما كان عليه هناك. وهذا هو أصل نظرية الجمال لدى أفلاطون.

هل يمكن مقارنة هذا الكلام الأفلاطوني بما يقرب من توق الولي الممض للخروج من هنا والرجوع إلى الله؟ هل يمكن أن يكون قوله تعالى :"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك" إشارة إلى شيء قريب من هذا؟ من يعلم؟

إذن فالروح ـ عند أفلاطون ـ تنشد العودة إلى موطنها الأصلي، في السماء.

ورغم أنها الآن موجودة في هذا العالم الحسي، في الجسم البشري الأرضي، إلا أن فطرة هذا الجسم مغروز فيها ــ بطريقة ما ــ بقايا من صور ذلك العالم الجميل، هي الأصل والمرجع الذي يقارن به كل ما يراه في عالم الواقع. فكلما واجه في هذا العالم جمالاً، اعتبرته روحه صورة باهتة عن الأصل في عالم المثال.
من هنا فإن كل جميل في الطبيعة ـ في نظر أفلاطون ـ هو صورة باهتة عن الأصل في السماء. أما الفن فهو صورة أخرى عن صورة الطبيعة. إن ما ينتجه الإنسان من فنون هو ــ في نظر أفلاطون ــ محاكاة لما هو هنا. ثم إن ما هو هنا محاكاة لما هو هناك.

وعلى سبيل المثال، لو تناولنا تمثال إلٰهة الجمال أفروديت، الذي نحته الفنان بركستليز؛ فسنرى التسلسل يحدث بالصورة التالية:

لقد خُلقت، على الأرض في أثينا، فتاة في منتهى الجمال اسمها فريني (Phryne). وفريني هذه غانية كان جمالها حديث أثينا كلها، في القرن الرابع قبل الميلاد: وذلك لأنها لم تكن تظهر أمام الناس إلا وهي محجبة، من رأسها إلى قدمها، ولكنها في عيدي إلوزيا وبسدونيا تخلع ثيابها أمام الناس كلهم، وتسدل شعرها على جسمها، وتنزل البحر لتستحم. كأنها تجعل ذلك زكاة جمالها.

ومن دون الناس جميعاً عشقت فريني النحات بركستيليز، ووقفت أمامه لينحت على صورتها تماثيل أفروديت.

وحين اتهمها أحد الحاسدين بالإلحاد، ووقفت أمام المحكمة، وقف الخطيب الشهير هيـﭘريدس يدافع عنها، دون أن يستخدم بلاغته فحسب، بل جمالها كذلك، إذ شق ـ أمام المحكمة ـ جلبابها، فكشف عن صدرها، فنظر القضاة إلى جمالها، وبرأوها من تهمة الإلحاد في الدين.

إذن فقد خُلقت فريني هذه على مثال الجمال الأعلى في السماء. وإن مثال الجمال الأعلى في السماء هو أفروديت الإلٰهة الحقيقة في السماء. وإن لفريني هنا أصلاً هناك، هو الأجمل. ولكن بركستليز لا يراه، بل يرى فريني وحدها، إنه يرى فيها صورة أفروديت الأرضية.

الآن فريني على الأرض، يتمتع بجمالها سكان أثينا، وتقف عارية أمام معشوقها النحات بركستليز، كنموذج يتأمله ويستخلص منه صورة ينحتها من الحجر، لإلٰهة الجمال أفروديت، التي يعبدها اليونانيون.

إن صورة الحجر التي صورها بركستليز، من خلال تأمله في جسم فريني العاري، هي نسخة عن النسخة، وليست نسخة عن الأصل.

هكذا يرى أفلاطون الفن وفق نظريته في عالم المثل.

لكننا يمكن أن نكتشف، لدى تلميذه أرسطو، نظرية أرقى عن الجمال والفن، تخالف نظرية أستاذه:

فإذا كان الفن لدى أفلاطون نسخة عن النسخة، فإنه لدى أرسطو نسخة عن الأصل. وإن المحاكاة الفظة تنتفي عن نظرية أرسطو حين نتأملها جيداً.

صحيح أن الفن عند أرسطو ـ كما هو عند أفلاطون ـ محاكاة، لكنه محاكاة للأصل الذي في السماء.

ربما كان أرسطو لا يؤمن بنظرية المُثُل لدى أستاذه، لكنه يؤمن بالفعل بأن ثمة شيئاً كامناً في الطبيعة والموجودات، هو روحها الداخلي، الذي يسميه الهيولىٰ. ولأنني لن أتكلم عن الهيولىٰ هنا، لصعوبته على القراء، فسوف أقول: الروح الداخلية للشيء.

إذن فالفن عند أرسطو محاكاة، لكنه محاكاة للأصل، للروح الداخلي للأشياء، وليس لصورتها الخارجية. ولئن شئنا مقارنة نظرية أرسطو بنظرية أستاذه، لقلنا: إن الفن عند أرسطو محاكاة لما هو هناك. الفن يقوم بصناعة نسخة عن الأصل، لا عن الطبيعة، كما يرى أفلاطون.

إن ما يقصده أرسطو هو أن الفنان لا يحاكي الموضوع الحسي، بل يحاكي المثال.

وهكذا فإن الفن ليس نسخةً ثالثة لنسخةٍ ثانية منسوخة عن المثال الأفلاطوني الأول، بل إن الفن لدى أرسطو هو نسخة عن الأصل. إن موضوع الفن ـ لدى أرسطو ـ ليس هو هذا الشيء الجزئي أو ذاك، بل هو الشكل الذي يظهر نفسه في الجزئي.

إن المثال موجود داخل الشكل الأرضي. يمكن تشبيه المثال بروح خفي عميق تشكله الصورة الخارجية للعين، في الفن.

والفن ـ كمحاكاة ـ عند أرسطو، يضفي على الطبيعة طابعاً مثالياً، أي أنه يرى المثال فيها. وهكذا فإن النحات لا يصور الإنسان الفرد، بل نمط الإنسان، كمال هذا النوع، المثال الكامل في السماء.

لقد رأى بركستليز المثال السماوي في جسد فريني، فصوره. ويبدو أن قضاة أثينا أنفسهم رأوا هذا السماوي في الأرضي، حين شق المحامي ثوبها عن صدرها، فحكموا ببراءتها من تهمة الإلحاد. إذ لا يمكن اتهام الإلٰهة أفروديت بالإلحاد.
يمكن تصورهم ـ بدينهم الشعبي ـ وهم يحدقون في صدر فريني، ولسان حالهم يقول: تلكم هي أفروديت السماوية.



#خضر_محجز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في وثيقة حماس الجديدة
- مقدمة في أغنية (حاول تفتكرني):
- براعة في الكذب أم مجرد حمارية لا غير!
- كلام في الثقافة
- رواية مصائر لربعي المدهون : ثرثرة مملة لكن لا تطبيع ولا ما ي ...
- اللهم إني خائف
- في الثقافة والدنيوية
- قصة كاذبة عن تطور المخلوق الطبيعي إلى شيء آخر
- خطاب الرئيس مرحلة أخرى
- حول الشعر والنسوية والوطن: هذيان متدين أحمق
- خطاب الرئيس محمود عباس: قراءة واستنتاج
- زوووم8
- داعش ومصر وحماس: قراءة في نقض الحكم
- أحد عشر كوكباً
- الإصلاح والمبادئ
- العرب وفلسطين: ثم ماذا؟
- عن داعش والداعشيين الحقيقيين
- المستحيل يحدث أحياناً: قراءة في الاتفاق الأخير بين حركتي فتح ...
- جعلتك قبلتي في كل حين
- على الجميع أن ينتظر كلام غزة


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خضر محجز - الفن ونظرية المُثُل