أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خضر محجز - على الجميع أن ينتظر كلام غزة














المزيد.....

على الجميع أن ينتظر كلام غزة


خضر محجز

الحوار المتمدن-العدد: 4524 - 2014 / 7 / 26 - 21:34
المحور: القضية الفلسطينية
    


وماذا بعد؟
غزة صامته صمت الهول، لا تفكر إلا في حريتها، وما دامت حرتها لم تتحقق بعد، فهي تواصل الصمت، وعلى الجميع أن ينتظر كلامها.
في غزة، كثيرون يموتون، ولا أحد من أهلهم يسأل: ماذا بعد؟
في غزة، البيوت تتهدم ثم لا أحد يسأل: ماذا بعد؟
في غزة، لا أحد يسأل هذ السؤال، لأنهم لا يتنظرون هذا المابعد. إنهم لا ينتظرون سوى دحر العدوان.
عجيبةٌ غزة هذه، وغريبةٌ إلى حد الجنون!. مدينةٌ تقاتل أعتى جيش في المنطقة وحيدة، واثقة من الانتصار، كما لو كانت ذاهبةً إلى حرب صغيرة، مع حارة صغيرة. والغريب أنها، رغم كل هذا الموت، لا تزال مؤمنة بأن انتصارها مسألة وقت، يحتاج فقط إلى القليل من الصبر!
الباقون في غزة، من بعد القصف، مقتنعون بأنهم سينتصرون. هم فقط يخشون أن يموتوا قبل أن تحين اللحظة. لذا تراهم يكمنون بين الزواريب، وعيونهم تلمع شوقاً، كأنهم يخشون أن يهرب منهم نصرهم، كما هربت الشعوب العربية من مساندتهم.
النسوة، اللاتي أودعن أبناءهن في القبور قبل لحظات، يبتسمن ويشددن الأحزمة على سراويلهن الطويلة من تحت الجلباب، قبل أن يباركن باقي الأبناء، ويدفعنهم لمواصلة القتال..
الشيوخ، الذين نسيت الحروبُ السابقة أن تقتلهم، يشتمون الحظ الذي أبقاهم إلى الآن، ويطالبون بالبنادق، زاعمين بأنهم يستطيعون فعل شيء، ليتواصل القتال..
الشوارع الحجرية، الشوارع الترابية، الزواريب المنتنة، أعمدة الكهرباء المائلة، مصرات على مواصلة القتال.
البئر المردوم، الشجر المخلوع، الحجر المقلوع، السيارة المقصوفة، كل ذلك مصر على مواصلة القتال..
المجاري الطافحة، القمامة المنثورة، المستشفى المقصوفة، السوق الخاوية، كل ذلك يطفح بالإصرار على مواصلة القتال.
ليس لدينا في غزة اليوم من يقترح وقف القتال، سوى هؤلاء الأعداء، الذين يقفون منا مرأى العين وننتظرهم. هم وحدهم من يقترحون ذلك، لكن غزة لا تقبل بهذا الاقتراح.
ثمة هنا قتالٌ في كل مكان: في العيون، في الأنفاس، في صرخات الأطفال، في همهمة الليل، في تجمعات المهجرين، في عيون الفتيان والفتيات، في زواريب ما تبقى من الشوارع... في كل شيء هنا ترى الرغبة في القتال، رغم أنه اليوم السابع عشر للعدوان.
على أبواب المدينة المهدمة، يحدق العدو مذهولا، ثم لا يجرؤ على التقدم شبرا واحدا. المرات القليلة التي تقدم فيها جنوده أشباراً، تحركت فيها الحجارة من تحتهم، وخرج منها فتيان، أذابوهم كما يذوب الخل في الماء. ولأنهم عرفوا أن من دخل هنا لا يعود، فقد أطلق الجنود النار على أقدامهم، ليحملوهم إلى المستشفيات، فيحظون بعمر إضافي، بعيدا عن عين ملك الموت.
كلما اشتدت الحرب، سكرت غزة بنيرانها، وطالبت بالمزيد. كلما ازداد التدمير، ازداد غضب غزة أكثر، فأغلقت قنوات الحوار. الحوار الوحيد الذي تعرفه غزة اليوم هو القتال.
ورغم كل هذا الموت، فلا يزال في غزة، متسع للفرح: الأعلام ترفرف فوق الخرائب، أعلام جديدة زاهية، كأن غزة اليوم في عيد!.
الفتيان في غزة، يقترعون متسابقين إلى الحرب، كأنهم في لعبة تعودوها سابقا، ثم مُنعوا منها دهراً.. يخرجون ويبتسمون، يخرجون ويقاتلون، يخرجون والغريب أن أكثرهم يعودون، ليقبلوا أيادي أمهاتهم، مطالبين ببركات أكثر. والأمهات لا يبخلن بمنح البركات.
محمد حويلة كان واحدا من هؤلاء، فتى لا يتجاوز العشرين إلا قليلا، كان يأكل شرائح البطاطس ويضحك، حين وقعت عليه القرعة. ذهب محمد حويلة وترك شرائح البطاطس وراءه. كانت البطاطس في انتظاره. حين انتهى محمد حويلة من أداء المهمة، وراء خطوط العدو، وعاد. عند بوابة النفق، قبيل الدخول في طريق العودة، شعر محمد حويلة بالرغبة في قليل من الراحة، فاضطجع. وظلت رقائق البطاطس في الانتظار.
الفتى الذي لم أعرف اسمه، حدق بالأمس في الدبابة، عند محور التماس، قريبا من السلك، وقدر المسافة الفاصلة بين بطنها والأرض. حين قدر الفتى الذي لم أعرف اسمه، أن المسافة أضيق من اللازم، ضغط الحزام حول وسطه أكثر، ووزع المتبقي من المتفجرات حول صدره، ثم انسل بهدوء تحت الدبابة. حرفة تعلمها مبكرا، أيام التدريبات الشاقة.
في غزة، تدك الطائرات كل شيء، حتى تتصور أنه لم يعد هناك شيء. لكن الصواريخ تنطلق.
على حدود غزة، يقف أقوى الجيوش مذهولا، يغوص تحت قدميه من الخوف، ثم لا يحسن أن يتقدم شبرا واحدا. ورغم ذلك تنبت الأجساد من ورائه، مثل فطر تكاثر في ليلة رعد، فتطوقه وتقتله قبل أن تعود إلى غزة.
في الحسابات العادية، يمكن لك أن تتصور بأن سلاح غزة من الممكن له أن ينفد، اليوم أو غدا، على أكثر تقدير. لكن اليوم والغد يمضيان، والسلاح يزداد ظهوراً، كأن هناك مصانع شيطانية تنتجه تحت الأرض، فيما الصواريخ تواصل الانطلاق.
الحسابات في غزة، هي غير الحسابات في الكمبيوتر. والرجال في غزة، هم غير الرجال في مدن العروبة. الأسلحة هنا لا تكاد تصنع، حتى تعمل بكل طاقتها. لا جرم، فالمقاتلون في غزة، هم غير المقاتلين في الجيوش العربية التي صدأت أسلحتها.
الحسابات في غزة، لا يعرفها إلا من عاش في غزة، واستمع إلى كلامها.
العدو الآن يحاول أن يسمع كلام غزة، ولكن غزة الآن لا تتكلم، لسبب بسيط، هو أنها لا وقت لديها للكلام.
على الجميع أن ينتظر كلام غزة.



#خضر_محجز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هناك عندما في الأعالي -من وحي ساعة غزة-
- المصالحة الفلسطينية والرواتب
- حقيقة منصب الخلافة لمن يقولون بمنصب الخلافة
- الاتفاق الأخير والهتاف لسعادة لم تتحقق بعد
- التفكيكية
- زووووم مرة أخرى
- نظرية المحاكاة بين أفلاطون وأرسطو
- زيارة وفد المركزية والمصالحة المستحيلة
- حماس ورأس الذئب الطائرة في القاهرة
- عماء الأيديولوجيا
- تأملات في الطاغية والطغيان
- ياسر عرفات والبلدوزرات الصدئة للثقافة الفلسطينية
- أمل دنقل: لا تصالح: القصيدة والتحليل
- بعض ما يحدث في بلاد -واق الواق-
- الإسلام إسلامان
- بعد إعلان الحرب يبدأ القصف2
- بعد إعلان الحرب يبدأ القصف
- يوميات الحب والحرب
- تفاهمات القاهرة: قراءة في شروط الهدنة بين الطرفين
- الحج في بلاد الجبارين


المزيد.....




- قرية سويسرية تتأهب لكارثة محتملة في جبال الألب
- عامل توصيل وجبات يظهر أثناء بث مباشر لتلفزيون الكويت والوزار ...
- الجزائر تخصص مبلغ مليار دولار لدعم دول إفريقيا …ما الفوائد و ...
- نتنياهو يرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام، فهل يستحق ترامب بالفع ...
- معاذ بلحمرة… ما الذي دفع أستاذا مغربيا لإنهاء حياته؟
- ما الذي أصاب مصر جراء حريق سنترال رمسيس؟
- مأساة في قلب القاهرة: حريق ضخم في -سنترال رمسيس- يودي بحياة ...
- حقوق الملكية في العالم العربي ـ فضيحة مها الصغير مثالا
- سنترال رمسيس.. حريق يشل الاتصالات ويربك الحسابات في مصر
- محادثات ترامب -نتنياهو: اتفاق على التهدئة في غزة وزيادة الض ...


المزيد.....

- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خضر محجز - على الجميع أن ينتظر كلام غزة