أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم سوزه - المشكلة الكردية في العراق















المزيد.....

المشكلة الكردية في العراق


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 5638 - 2017 / 9 / 13 - 12:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لازالت المشكلة الكردية تمثل تحدياً خطيراً يواجهه ساسة العراق عرباً وكرداً منذ نشأة الدولة العراقية وحتى اللحظة الراهنة. ما يزيد تعقيد هذه المشكلة الآن هي أنها لم تعد بعد صراعاً على الهويات بين قومية تشعر بالتهميش داخل بلدها العراق وبين طبقة سياسية حاكمة في العاصمة كما كان الأمر قبل عام 2003 ، وأنما هي اليوم مشكلة جيو-إقتصادية تُوظّف فيها كل أدوات التاريخ والجغرافيا لكسب شرعية قانونية على أراضٍ سميت بالمتنازع عليها.

تصاعدت وتيرة التصريحات والتلويحات بالحرب بين قادة المركز وقادة أقليم كردستان منذ اللحظة التي أعلن فيها رئيس الأقليم السيد مسعود برزاني رغبته بإقامة إستفتاء شامل لإستقلال المناطق الكردية ، والمناطق المتنازع عليها أيضاً ، من الدولة العراقية. نسمع اليوم خطابات التحريض والتجييش من الطرفين لمهمة مقدسة جديدة ، وهي بالنسبة للمركز ، مهمة تحرير أراضٍ وضع الكرد يدهم عليها في غفلة من الحرب على داعش وأهمها محافظة كركوك ، تلك المدينة الغنية بالنفط. في حين بالنسبة للكرد ، المهمة أكثر قدسية لأنها تسترجع "قدس كردستانهم" كركوك ومناطق أخرى "خطفها" العرب في السابق الى خريطة كردستان الكبرى.

محاولة فهم هذه المشكلة سيحل الكثير من التشويش ويجعل طرفي الأزمة ، العرب والكرد ، على مسافة قريبة من التفاهم وبالتالي التسوية الممكنة التي تجنّب العراقيين مزيداً من الدماء.

في النزاعات الثقافية التي غالباً ما تشكّل الهوية القومية وعوامل اللغة أهم مبرراتها يستثمر المتعصبون في سوق الأحقاد والكراهيات ليجيّشوا الجماهير نحو عدو ثقافي يتربص بلغتهم وثقافتهم وتقاليدهم ، عدو عنيف وهمجي يحاول سحقهم وناسهم من الخريطة ، وليس هناك وسيلة لمواجهته سوى مزيد من الإنغلاق على الذات وتقوية شعور الجماعة بالمظلومية كوصفة أساسية لأي حرب عرقية أو طائفية.

في مقابل هؤلاء ، ثمّة عقلاء يكسرون حواجز الجماعات من خلال التركيز على مقاربة المجتمع المدني وضرورة فتح قنوات إتصال بين الثقافات المختلفة على المستوى الشعبي لا الحكومي. وتلك ضرورة لابد منها كي تفهم كل جماعة ثقافة وخصوصيات الجماعات الأخرى. هم بهذا يحاولون إعادة توجيه تلك الهويات الثقافية المتنوعة نحو هدف أسمى وأعم ، هدف جماعي يخدم مصالح كل الجماعات على حدٍ سواء. أي أنها عملية توجيه للجماعة من ولائها الفرعي الى ما يسمى بالولاء الجماعي Collective Loyalty. هذا عمل نخبوي طويل الأمد يركز فيه نخبويو المجتمع المدني على القواعد وليس على القادة ، عمل من الأسفل الى الأعلى Bottom- Up. كلما إنفتحت الجماعات بعضها على بعض وتفهمت خصوصياتها وخصوصيات الآخرين زال خوفها وتأكدت أمامها حقيقة الصراع وأوهامه أنه صراع مفترض لا معنى له. لا داعي للصراع ما دامت لا تثير "حقيقتي الثقافية" مشكلة لدى الآخر.

نجحت هذه المقاربة في حل الكثير من النزاعات الداخلية داخل البلدان المنقسمة على هوياتها ، لكنها لم تنجح في دولٍ أخرى كان فيها الصراع أكثر من صراع ثقافي هوياتي ، صراع يشبه الصراع العربي الكردي في العراق ، ذلك الصراع الذي ، ببساطة شديدة ، لم يعد صراعاً ثقافياً بقدر ما هو صراع جيو-إقتصادي ظاهره هوياتي وباطنه يتعلق بجغرافيا النفط وحقوله ومصادره.

المشكلة الكردية ليست مشكلة ثقافية هوياتية اليوم لأن الكرد إستطاعوا نزع إعتراف الدولة العراقية بهويتهم الثقافية ولغتهم وتاريخهم ، ناهيك عن حصولهم على حقوق سياسية جيدة في دولة لم تأخذ المكونات الأخرى حقوقها كاملةً. فللكرد اليوم أقليم فيدرالي بسلطات أعلى من الكونفدرالية وممثليات في دول أخرى. إضافة الى أن لغتهم أصبحت بعد عام 2003 اللغة الأساسية الثانية في البلد تعترف بها عملة البلد ومؤسساته وكتبه الرسمية. هم قوة سياسية وإجتماعية تفرض هيمنتها على مجريات البلد برمته وليس بمقدور الحكومة المركزية اليوم تجاوز تلك القوة عند الحديث عن الأطر العامة لإدارة الدولة.

المشكلة الكردية ، كما هي واضحة ، مشكلة جغرافية إقتصادية متداخلة لم يعد بإستطاعة الدستور الحالي إستيعابها أو تأجيلها مثلما يحصل منذ عام 2003. الحديث عن الذهاب الى المؤسسات الدستورية حديث عبث لا معنى له طالما لا يثق الجميع بتلك المؤسسات ولا بدستورها ولا بمحاكمها ، وتلك مشكلة صنعتها ذات النخبة السياسية الحاكمة اليوم ، فكم هي المرات التي تجاوزت فيها الأطراف المهيمنة دستورها أو سيّست مضامينه بطرق ملتوية لتخدم كتلة معينة قبالة كتلة أخرى.
النزاع العربي الكردي حول كركوك والمناطق المتنازع عليها نزاع جيو-إقتصادي أكبر من كل كلمات الدستور وأسطره اليوم ، وإن لم يُحَكّم العقل في مثل هكذا نزاعات تفقد جميع الأطراف قدرتها على ضبط الأوضاع وتوجيهها.

إن الإستدلال بالتاريخ على شهادة ميلاد الجغرافيا ، كما هو حاصل اليوم ، إشكالية مضحكة ، اذ لا حاكمية للتاريخ على الجغرافيا ولا يمكن إثبات عائدية مدينةٍ ما بإستحضار وثائق التاريخ طالما هويات المدن سائلة تتغير بتغيّر الديمغرافيا وطبيعة السكان عبر الأزمان. وسواء حصل هذا التغيير الديمغرافي بالقوة ام بالهجرة ، المدن إبنة حاضرها ومَن يسكنها في الوقت الحالي وليست إبنة تاريخها وإطلالها.

الجدل في تاريخ المدن جدل معقد ومفتوح على الأزمات لأنه يقودنا الى تسابق محموم نحو عمق التاريخ.
كلما وصلنا تاريخاً معيناً للقول أن كركوك ،على سبيل المثال ، كانت كردية في هذا التاريخ وينبغي لها اليوم أن ترجع لأمها كردستان ، سيصل غيرنا الى تاريخٍ أبعد ويقول أنها كانت تركمانية ، ولربما يظهرها تاريخ أعمق أنها آشورية كما هو تاريخ أربيل ونصف محافظة السليمانية مثلما يعرف كل الباحثين المنصفين والمحايدين. فكيف يمكن الإستدلال على عائدية مدينة ما بالتاريخ ما دام أن كل الأطراف لديها تاريخٌ محدد تحتكم إليه!
الإنتقائية في إستحضار التاريخ ممارسة إيديولوجية لا يمكن الركون الى نتائجها في تحديد عائدية المناطق ، وإلّا لطلب الأتراك الأسكندرونة السورية اليوم ولحارب العراقيون على الكويت أو الأحواز الإيرانية ، ناهيك عن آلاف الأمثلة المناطقية التي لم يعد العالم يحتج بالتاريخ على عائديتها.

أتمنى من السيد برزاني ، وهو الذاهب نحو خيار التصادم غير آبه بتحذيرات الأمريكان والأوربيين ولا بوساطات العرب أو تهديدات المركز والدول الأقليمية ، أن يعي أن في كركوك اليوم كتلة بشرية عربية وتركمانية عاشت فيها من عقود طويلة لا يمكن القفز على إرادتهم بالقوة. القوة هي ذاتها متغيرة تبعاً لتغيّر الظروف المحلية والأقليمية والعالمية. أتمنى أن يسمع لخطاب العقل ويجد وسيلة يذبح فيها إستفتاءه على مذبح الحكمة ويجلس مع جميع الفرقاء لتحديد شكل إدارة محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها بما يخدم الكرد المقيمين فيها قبل أن يخدم الآخرين.
بالمقابل ، أتمنى على عقلاء بغداد ألّا يسمعوا لخطب الساسة المتعصبين وأن يضعوا حقيقة أنهم حكومة لكل العراقيين وليس لقومية او طائفة واحدة.

لا تحل المشكلة الجغرافية الإقتصادية في قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها بالحروب وأنما بإيجاد صيغة تسوية عقلانية تضمن لكل الأطراف حدوداً معقولة من المصالح المشتركة ، كأن يعاد النظر ، مثلاً ، في شكل العلاقة بين المركز والأقليم وأن يصبح الحديث أكثر صراحة عن نوايا كردستان وطبيعة النظام الذي يريده الكرد ، كونفدرالية ام إستقلال. ليس هذا الحديث بمشكلة كبيرة لكنه يتطلب إظهار قدر من المرونة والتفهم لدى الطرف العربي والكردي حول طبيعة المشكلة الحساسة الموجودة في كركوك اليوم ، وألَّا يُلغى سياقها لصالح أحاديث التاريخ وحاكميته على هوية المدينة.



#سليم_سوزه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 5 .. إشكالية الدين والمجتمع
- أنثروبولوجيا الشعائر الحسينية
- ظاهرة التيار الصدري
- السيستاني والدولة العراقية .. جدل الشرعيّة والمشروعيّة
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 4 .. التفسير ، التأويل ، الإعجاز ال ...
- في نقد الخطاب الإسلامي ح 3 .. القرآن ليس كلام الله
- في نقد الخطاب الإسلامي ح ٢-;-
- في نقد الخطاب الإسلامي - ح ١-;-
- مجلس محافظة بغداد وتقنيات السرقة الذكية
- عن معركة الموصل وتشابك اللُحى وأحلام الهاشميين
- عملية دادي
- إمكانية عالية ومحتوى بائس
- عن شارل ايبدو وإساءاتها
- حوار كاثوليكي
- اللعب مع الأفعى
- موقف عابر للطائفية Trans-Sectarian Action
- فرصة العبادي الكبيرة
- وثيقة السيستاني المهمّة
- لستَ إبراهام لنكن يا حاج
- عودة الكعبي .. حكّاء السخرية السومري


المزيد.....




- ماذا نعرف عن الصاروخ -فتاح- الذي أعلنت إيران إطلاقه على إسرا ...
- ما هو الرقم الذي قد يُحدد نتيجة الصراع الإيراني الإسرائيلي؟ ...
- أوكرانيا.. مقتل وإصابة 58 شخصاً في هجوم روسي على كييف
- لوس أنجلس تستعيد هدوءها وسط مواجهة قضائية بين كاليفورنيا وتر ...
- المستشار الألماني: إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنا في إي ...
- تصعيد عسكري متواصل بين إسرائيل وإيران وترامب يطالب طهران بـ- ...
- الولايات المتحدة ترفض بيانا قويا لمجموعة السبع حول أوكرانيا ...
- ترامب يمنح -تيك توك- مهلة جديدة 90 يوما لتجنب الحظر في الولا ...
- قصف متبادل بين إيران وإسرائيل وتحذير لسكان منطقتين بطهران وت ...
- ترامب: الولايات المتحدة يجب أن تتحمل مسؤوليتها من أجل تخليص ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم سوزه - المشكلة الكردية في العراق