|
الغرفة المزدوجة
مروة التجاني
الحوار المتمدن-العدد: 5627 - 2017 / 9 / 1 - 04:54
المحور:
الادب والفن
غرفة تشبه حلم يقظة ، غرفة روحية حقاً ، حيث الهواء الراكد مخضب قليلاً بالوردي والأزرق .
فيها تأخذ الروح حمام كسل ، معطراً بالندم والرغبة - إنه شئ ما من غسق ، من زرقة و وردية ، حلم بالشهوة خلال الكسوف .
للأثاث أشكال ممطوطة ، واهنة ، واهية . للأثاث سيماء الحالم ، يقال إنها توهب حياة خلال النوم ، مثل ماهو نباتي ومعدني . الأقمشة تتكلم لغة صامتة ، مثل الزهور ، والسماوات ، والشموس الغاربة .
بشاعات فنية على الجدران . بالمقارنة مع الحلم الصافي ، مع الأنطباع بلا تحليل ، فالفن المحدد ، أو الفن العقلاني هو سبه . هنا لكل شئ وضوح التناغم الكافي وغموضه الشهي .
يطفو أريج بالغ الخفوت لأرهف نوع ، تمتزج به نداوة طفيفة للغاية ، في هذا الهواء ، حيث العقل الغافي تهدهده أحاسيس دفيئة .
يهطل حرير الموسلين بغزارة أمام النوافذ والسرير ، يندفق في شلالات ثلجية . على هذا السرير تنام المعبودة ، سيدة الأحلام . لكن كيف جاءت ؟ من جاء بها ؟ أية قدرة سحرية بثتها في عرش الشهوة وحلم اليقظة هذا ؟ ماذا يهم ؟ ها هي ذي ! وقد تعرفت عليها .
ها هما بالتأكيد العينان اللتان يخترق لهيبهما الغسق ، هاتان المقلتان النافذتان الرهيبتان ، اللتان تعرفت عليهما بمكرهما المخيف ! تجتذبان ، وتخضعان ، وتلتهمان نظرة الغافل التي تحدق فيهما . فكثيراً ما تمعنت فيهما ، هاتين النجمتين السوداوين اللتين تفرضان الفضول والأعجاب .
فإلى أي شيطان رحيم أدين أذن بما يلفني من غموض ، وصمت ، وسلام ، وعطور ؟ أي نعيم ! فما نسميه عموماً بالحياة - حتى في أكثر لحظاتها سعادة - لا تقارن بهذه الحياة الأسمى التي أعرفها الآن ، والتي أتلذذ بها دقيقة دقيقة ، ولحظة لحظة ! .
كلا ! لم تعد هناك دقائق ، لم تعد هناك لحظات ! الزمن تلاشى ، إنها الأبدية تسود ، أبدية الملذات !
لكن طرقة مفزعة ، ثقيلة ، دوت في الباب ، وكما في الأحلام الجهنمية ، بدا لي أني تلقيت ضربة معول في بطني .
بعدها دخل شبح . إنه حاجب يجئ لتعذيبي بأسم القانون ، أو محظية دنيئة تجئ لتبكي بؤسها وتضيف تفاهات حياتها إلى أوجاع حياتي ، أو ربما هو ساع لمدير جريدة يطالب ببقية المخطوطة .
الغرفة الفردوسية ، والمعبودة ، سيدة الأحلام ، أنثى السلف ، كما كان يقول رونيه الكبير ، كل هذا السحر تلاشى مع الطرقة الوحشية التي سددها الشبح .
إي رعب ! أتذكر ! أتذكر ! نعم ! هذا الكوخ ، مثوى الملل الأبدي هذا ، هو مثواي حقاً . ها هو الأثاث الأبله ، المترب ، المهشم ، المدفأة بلا نار ولا جمر ، ملطخة بالبصاق ، النوافذ الكئيبة حيث خط المطر آثاره في الغبار ، المخطوطات ، المشطوبة أو غير المكتملة ، التقويم السنوي حيث حدد القلم التواريخ المشؤمة !
وذلك العطر المنتمي لعالم آخر ، الذي كان يسكرني بحساسية مرهفة ، وا أسفاه ! حلت محله رائحة منفرة لدخان طباق ممزوجة بما لا أدري من عفونة مقززة . وهنا أستنشق الآن زنخ الكآبة .
في هذا العالم المحصور ، بل الملئ بالنفور ، هناك شئ وحيد معروف يبتسم لي : قارورة صبغ الأفيون ، صديقة قديمة رهيبة ، وشأن جميع الصديقات ، وا أسفاه ! خصبة بالمداعبات والخيانات .
آه ! نعم ! عاد الزمن ، يهيمن الزمن الآن في عظمة ، ومع العجوز القبيح عادت حاشيته الشيطانية من الذكريات ، والندامات ، والتشنجات ، والمخاوف ، والكروب ، والكوابيس ، والغيظ ، والعصاب .
اؤكد لكم أن اللحظات الآن مؤكدة بقوة وأبهة ، وكل منها تقول ، وهي تطفر من البندول " أنا الحياة ، الحياة العصية ، التي لا تحتمل ! " .
لا وجود في الحياة الأنسانية إلا للحظة تكمن مهمتها في أن تزف البشري ، البشري التي تبث في كل شخص رعباً بلا تفسير .
حقاً ! الزمن يهيمن ، يستعيد استبداده الوحشي . ويسوقني ، كما لو كنت ثوراً ، بمنخاسه المزدوج - " هيا ، إذن ! أيها الأحمق ! فلتنضح العرق إذن ، أيها العبد ! ولتعش إذن ملعوناً " .
- الأعمال الشعرية الكاملة لسيدي وإلهي شارل بودلير / ترجمة رفعت سلام .
#مروة_التجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع باستر كيتون - 1922
-
الصور الجميلة
-
تأملات ماركوس أوريليوس
-
هواجس جسد فتاة مثلية جنسياً - 2
-
هواجس جسد فتاة مثلية - 1
-
في حبي
-
الفصيلة المعدنية
-
الله عارياً
-
أحبه بكل ألواني
-
لنبحر مع باستر كيتون
-
من الأعماق صرخت
-
الكلب المحظوظ
-
شكراً هاردي ولوريل .. ما الحرية ؟
-
أنا مثلية جنسياً . وأفتخر
-
إلى أين تأخذني ؟
-
المطالبة بجسد فراشة غريبة
-
في مدلول شفقة نيتشة
-
أنا الخليفة لا حاشية لي - مجتزأ
-
إذهب غرباً
-
شمال القلوب أو غربها
المزيد.....
-
شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا
...
-
تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O
...
-
مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم
...
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
-
أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب
...
-
-يونيسكو-ضيفة شرف المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|