أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - اجتماعيات النعال في المجتمع العراقي














المزيد.....

اجتماعيات النعال في المجتمع العراقي


محمد لفته محل

الحوار المتمدن-العدد: 5612 - 2017 / 8 / 17 - 21:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قد يبدو الحديث عن النعال أمر غير لائق ومعيب ولا قيمة معرفية له، ولأننا تعودنا أن نلبسه يوميا ونقضي به حاجاتنا. لكن من جاء هذا العيب وقلة القيمة أصلا؟ ولماذا يعلق (نعال سيراميك ازرق) على السيارات وعلى البيوت بدون حرج؟ أليس مجرد أداة للمشي؟ وهذا السؤال بحد ذاته يستحق البحث. بالتالي فالنعال له مضامين اجتماعية سأحاول معرفتها.
نلبس النعال في البيت في أماكن محددة كالحمام و المطبخ و الحديقة و السطح فقط وغير مسموح لبسه في غرف النوم والإستقبال، وخارج البيت نلبسه بالشارع على أن لا يكون لبسنا له يتعدى الحي للاماكن العامة أو المؤسسات الحكومية لان لبسه معيب خارج الحي، إذ يمنع من يلبسه من الدخول للمؤسسات الحكومية والأماكن العائلية العامة (المولات والمتنزهات مثلاً) والمساجد، ويمنع من دخوله غرف الغرباء ويخصص مكان لنزعه في عتبات الأبواب، ومن يخرج حافيا بالشارع فهذا عيب يجلب الاحتقار من الآخرين. ونطق اسمه (النعال) يجب أن يسبقه تعويذة (تِكرم، مكرم السامع، أجلكم الله، تخسه عنك) وإذا نطقت يجب أن تلحقها تعويذة (حشه من اﮔول بوجه) لتقليل الحرج واحترام السامع، ومن الكلمة ذاتها صارت شتيمة (أنعل والديك) أي ضربهم بالنعال، وضرب الإنسان العراقي بالنعال اهانة كبيرة له. وفي السجن يُسمى ضرب الرأس بالنعال (تجحيش، جحّش) أي جعله حيوان (جحش). ولا يعطى النعال باليد للآخرين إلا الذين نحترمهم (الأب أو الضيف العزيز مثلا) أو يكون المعطي هو خادم، لان من يعطي النعال باليد هو أشبه بالخادم فيعتبر اهانة واستصغار له. وإذا وجد نعال مقلوب تجاه السماء يجب تعديله بحيث توجه القاعدة للأرض، ويعلق النعال (ذو الفردة الواحدة) على البيوت لإبعاد الحسد، ويعلق على السيارات مصنوع من السيراميك الأزرق لإبعاد العين كذلك. ويأخذ النعال رمزية طبقية فالحافي رمز الفقر، كقولنا (ﭼان حافي) أو (ﭼانو حفاي) فالحافي ليس بمنزلة من يلبس النعال، ويرمز النعال للسلطة والإذلال كقولنا (مايمشي/مايجي إلا بالنعال). وعليه فالنعال ليس أداة لبس فقط، إنما له محرمات تحظر استعماله في بعض غرف البيت وخارج البيت في حدود الحي فقط، وعدم لبسه خارج البيت يعتبر عيب، ونطق اسمه يجب أن يرافقه آداب التكريم للمستمع، واستعماله للشتيمة وطرد الحسد ورمز للفقر والإذلال.
فكيف اكتسب النعال هذه الحدود في الاستعمال؟ ولماذا لفظ اسمه يرافقه آداب لفضية خاصة به؟ من اين جاء العيب في عدم لبسه في أماكن محددة؟، وكيف صار استعماله كشتيمة ورقى لطرد الحسد ورمز للفقر والسلطة؟.
لا نستطيع أن نفهم هذه المعتقدات حول النعال مالم نربطها بثقافة المجتمع العراقي الذي يضع النعال ضمن نظامه الثقافي، فالنعال يدخل جزء من ثقافتنا ذات الجوهر الديني التي تقسيم الأشياء إلى مقدس ومدنس، طاهر ونجس، التي تنعكس على المكان، ذلك لان المكان غير متجانس في المجتمع العراقي. وعليه خصص النعال لدخول الأماكن النجسة كالمرحاض والشارع(1)، ولهذا صار نجس من القاعدة التي تلامس الأرض أما فوقه الذي يلامس أقدامنا فغير نجس، وإذا انقلبت قاعدته باتجاه السماء فيجب تعديله، وعليه فلا يجوز أن ندخل به الأماكن المقدسة اجتماعيا دينياً (المساجد، الأضرحة) وأخلاقيا (الدوائر، المتنزهات، المولات، غرف الآخرين) ولا ندخل به غرفة النوم والاستقبال ويبقى بالعتبة لأنها اماكن يجب ان تبقى طاهرة. أما العيب في عدم لبسه فهو لان هذه ارض هذه الأماكن نجسه (ارض الشارع والمرحاض) تنجس الماشي عليها حافياً. ولأنه نجس فاسمه يصبح كذلك نجس، لأن الاسم جزء من هوية الشيء، وعليه نستعمل تعويذة لطرد النجاسة من اسمهِ المنطوق حتى لا تنتقل النجاسة من اللفظ إلى السامع (مكرم، حاشا، اجلك...)، ولهذا صارت الكلمة شتيمة (انعل والديك) لأنها تنقل النجاسة، وصار الضرب به كذلك نقلا للنجاسة لجسد المضروب وإذلاله، وبسبب نجاسته يستعمل كتعويذه ضد الحسد بوضعه على واجهات البيوت الخارجية وتوجيه قاعدته صوب الوجوه، أو تعليقه على السيارات كما في ميداليات السيراميك الزرقاء، وهذا الشيء يغدوا مفهوماً إذا عرفنا أن منطق السحر فيه أن النجاسة تلغي النجاسة فمثلا البول على الأشياء المسحورة يلغي فعلها لان كلاهما نجس، كذلك الحديث بالأحلام السيئة بالمرحاض يبطل تحقيقها وهناك مثل معروف على نفس السياق (مال الحرام للحرام) لان كلاهما نجس. يقول (يوسف شلحت) (الإنسان الذي يميل بشكل فطري إلى انتعال حذاء ليحمي قدميه من عثرات الدرب، من البرد والقيظ، إنما يفعل ذلك أيضاً لوقاية نفسه من الانبعاثات المقدّسة للأرض. ولكن في الأصل، كان الملوك والقادة بنحو خاص هم الذين يمتازون بانتعال الأحذية، لأنهم كانوا يرون في أنفسهم قوىً خيّرة، متّصلة بالأرض، كان يمكنُ تغييرها، على حساب رعاياهم.) فالنعال من علامات الرفعة لأنه كان وقفاً على الملوك والأقوياء من العرب(2). وهو هدية ثمينة كانت توهب. ومن هنا جاءت رمزيته الطبقية، ولازلنا حين نستصغر شخص أو قوم نقول (ﭼان حافي) او (حافي ومتعافي) وعليه جائت صعوبة إعطاء النعال بيدينا للآخرين لأنه إقرار بسلطة أعلى منا نخدمها بالتالي صار رمز للسلطة. وحديثا زال بعض التأثير السحري للنعال وأصبح موديلات خاص بالبيت أو النزهة (شحاطه) وصار يكتب عليه علامات تجارية أو فرق كروية مع ذلك يمنع كتابة أسماء مقدسة عليه.
وعليه فالنعال أداة تحمينا من الأماكن النجسة ولطرد النجاسة (ضد الحسد مثلا) ونذل الآخرين بنجاسته بضربهم به، كان في البدء من علامات الرفعة لأنه كان متاحا للملوك والأغنياء فقط، فأصبحت رمزا للغنى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_الشارع قرين السوء ونستخدمه شتيمة لانه نجس كقولنا (ابن/بنت شارع، تربات شارع، كلام شارع).
2_يوسُف شُلحت، الأضاحي عند العَرَبِ، أبحَاثُ حَول تطوٌّرِ شعَائِر الأضَاحي، طَبيعتُها وَوَظيفَتها في غَربِ الجَزيِرةِ العَربيَّة، تَعريبُ وَتذييل: البروفسُور خليل أحمَد خليل، دَار الطليعةـ بَيروت، الطبعة الأولى حزيران (يونيو)2013، ص71.



#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اجتماعيات المهنة العراقية
- اجتماعيات (الحشد الشعبي) بالعراق
- انطباعات اجتماعية عن جريمة (الدارسين)
- التاريخ الاجتماعي لما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق وبعده
- انطباعات عن زقورة أور
- العراقي والسلطة الإدارية
- الدوافع الاجتماعية للملحدين بالعراق
- العراقي والدين
- محطات اجتماعية في الطائفية العراقية
- أسئلة ونقد لمصطلح (الإسلام الحقيقي)
- العراقي والعمالة
- انطباعات اجتماعية عن التيار الصدري
- انطباعات اجتماعية عن حملة قتل (الأيمو) بالعراق
- العراقي والداروينية
- صورة صدام بين الأمس واليوم
- العراقي والزواج
- قراءة في كتاب (سوسيولوجيا النزوح)
- من منشورات الفيس بوك
- العراقي والله
- انطباعات عن تفجير الكرادة


المزيد.....




- خطة ماكرون الجديدة في أفريقيا
- نائب رئيس الحكومة اللبنانية للجزيرة: علينا تجنب التخوين والت ...
- هل تغير موقف ترامب بعد قمة ألاسكا؟
- انفجار عبوة ناسفة في سيارة قديمة بدمشق دون إصابات
- ليست حربا للانتقام بل للإبادة
- محللون: عملية احتلال غزة هدفها تهجير الفلسطينيين وترسيخ نكبة ...
- الكويت.. الداخلية تعلن ضبط شبكة لتصنيع وترويج -الميثانول الس ...
- ميلانيا ترامب تكتب رسالة إلى بوتين.. ماذا جاء فيها؟
- تصويت في الغرب وصمت في الشرق .. انتخابات ليبيا تكشف الانقسام ...
- السوبر الألماني - بايرن يهزم شتوتغارت ويفوز بكأس فرانز بيكنب ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد لفته محل - اجتماعيات النعال في المجتمع العراقي