آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 5593 - 2017 / 7 / 27 - 21:23
المحور:
الادب والفن
تأليف الكاتب السويدي هانس بيترسون
ترجمة: آرام كرابيت
ولدت في التاسع من ديسمبرمن العام 1594 في قلعة مدينة نيشوبينك, الواقع على نهرمدينة نيشوبينك.
كانت القلعة قديمة جدا, لكن والدي اعاد ترميمها وبنى اجزائها المتهالكة. كما بنى سوراً عريض كي لا يتمكن الاعداء من الدخول اليها أواحتلالها. كانت الاسوارحاجة ملحة لمواجهة الكثير من الاعداء.
عندما مات عمي الملك يوهان الثالث تولى ابنه سيسموند حكم السويد. تقرر ان يصبح عمي الملك لهذا لم يبق لي رأي أو قدرة على أن أكون ملك البلاد. لكن والدي قاد تمرداً ضد عمي سيسموند وأخذ مقاليد السلطة والحكم منه. في العام 1599 اختيروالدي ملكاً واصبحت أمير البلاد وولياً للعهد. كنت ووالدي نرغب ان نكون مع بعضنا. كان يضعني أمامه على السرج عندما كان يتجول على حصانه في الغابات او على مرتفعات الجبال. كنت احب كثيراً ألعاب المبارزة والحرب. عندما ولدت كانت السويد دولة صغيرة تقع في الشمال. لم يكن لدينا موقع لها في اوروبا, مما يدفع المرء التفكيرفي وضع السويد الصغيرة. لدينا العديد من المدن الصغيرة جداً والعديد من الناس يقطنون الارياف ويشتغلون في الارض والزراعة والغابات. في مدينة استوكهولم يقطن حوالي تسعة آلاف إنسان, ويقدر عدد السكان في السويد في وقتي بحدود المليون. العديد من الناس كانوا أغنياء ويملكون القوة والنفوذ في البلاد ولكن إلى جانب هؤلاء كان يرزح الكثير من السويديين تحت خط الفقر. كنت في السادسة من عمري عندما حضرت أول حرب. لقد أخذ والدي كل أفراد عائلته. ابحرنا عبر بحر البلطيق من أجل مواجهة بولونيا, وعمل جنودنا للدفاع عن المناطق العائدة للسويد. لكن الأمور سارت بشيء سيء للغاية وفقدنا الكثير من جنودنا. العودة إلى الوطن كانت محفوفة بالمخاطر, واضحى الطريق طويلا متعباً, تحت عباءة غضب الطبيعة وقسوتها, برد ومطروبرق ورعد. أبحرنا فوق سطح جليدي سميك وعائم باتجاه خليج فيلندا إلى أن وصلنا إلى هناك. العديد من السفن تلفت, تكسرت وتحطمت من خلال الضربات التي تلقتها من كتل الجليد القاسية مما أدى إلى غرقها وفقداننا لهم. لكننا نجحنا في الوصول إلى برالأمان. اقمنا احتفالات أعياد الميلاد وراس السنة في مدينة أوبو, في فيلندا قبل ان نتابع سيرنا فوق عربات الجليد عبر خليج بوتن فيكن الواقعة في المنطقة الشمالية من البلدين, السويد وفيلندا وهي النقطة الفاصلة بينهما. كانت فيلندا تابعة للسويد. ارسل والدي العديد من الفرسان بشكل مسبق إلى المزارع من اجل استقبالنا وتأمين سبل الراحة لنا. كما احضروا في طريق عودتهم إلينا الطعام والعلف لجيادنا. كنا في حدود الثلاثين فردا عندما حللنا كضيوف.
طفولتي كانت مثيرة جداً, وكنت احب اسرتي المؤلفة من أختين وأخ الذي يصغرني بالعمر ويسمى كارل فيليب, لأن اصول والدتي يعود إلى المانيا التي علمتني التكلم بلغتها الأم قبل أن اتكلم اللغة السويدية. طوال الوقت كنت اتحدث اللغة الالمانية مع والدتي, ومع العديد من اقربائي من الامراء والنبلاء القاطنون في الجزء الشمالي من اوربا. من الطبيعي ان تصبح اللغة الالمانية مفيدة لي في حياتي المقبلة. كان يوهان خيته اذكى الرجال في السويد. لقد درس في ارقى الجامعات الاوربية وهو الذي رتب وجهز لي ولإخوتي وأشقائي الوضع التدريسي لنا.
حتى لوكان الطقس حاراً في الصيف خارج اسوارالقصرإلا انه بارداً داخل قاعات الصف لهذا كنا نلبس الجوارب الصوفية والبناطيل والكنزات الدافئة المصنوعة يدوياً في البلاد.
درسنا في المدارس التأريخ, الدين, الجغرافيا, واللغات كاللاتينية والفرنسية. كما تعلمنا فن التحدث بشكل لبق.
طلب منا يوهان خيته أن نتحدث مع بعضنا بمختلف اللغات التي تعلمناها. لقد كانت طريقة سهلة وممتعة لتعلم اللغة. بالإضافة إلى اللغة اللاتينية والفرنسية تعلمت أيضاً الاسبانية والبولونية والانكليزية والالمانية. تقريباً في العاشرة من عمري جرى تسميتي من قبل مجلس الاوصياء والزوارمن مختلف البلدان.
أكثر اهتماماتي كانت منصبة على التأريخ وفنون الحرب. كلاهما, جدي كوستاف فوسا وأبي ارتكبا أخطاء كثيرة أثناء إدارتهما للبلاد وقيادتها, أما انا فلن ادير دفة البلاد بالطريقة التي ساروا عليها.
نظراً لأني ولياً للعهد كنت احس بمسؤوليات جسام ملقاة على عاتقي لأن يوماً ما سأتوج ملكاً على السويد. ولدي رغبة أن اقدم أفضل ما لدي لخدمة وطني السويد وشعبه.
عندما كنت في العاشرة من العمركنت مع والدي في اجتماع مع رجاله الموثوقين بهم والذين يقدمون المشورة والنصيحة الحسنة له. كنت ارغب ان اتعلم فنون القتال وطريقة إدارة الدولة والمجتمع. كنا نعيش في فترة زمنية صعبة يمكن للحرب ان تندلع في اية لحظة. في الثانية عشرة من عمري جلست إلى طاولة المفاوضات مع مبعوث من دولة أخرى. وقدت الجيوش في الحرب. عندما هاجمتنا الجيوش الدنماركية كنت في السابعة عشرة من عمري ودخلنا معهم في حرب طاحنة. حرقنا لهم الكثير من المدن وقتلنا منهم العديد من النساء والأطفال إلى أن تحولت شواطئ البحرإلى لون احمر من كثرة الدماء النازفة من القتلى والجرحى. كنت اعلم ان الحرب دموية لا رحمة فيها.
في هذه المرحلة كنت اسأم من الدراسة وتغيرت اهتماماتي بحيث اصبح لدي العديد من الصديقات ودخلت مع البعض منهن في علاقات حميمية وحالة عشق جارفة, قضيت لحظات لطيفة وممتعة معهن. كان صوتي جميلاً, وعازف موهوب على البيانو وعاشق نهم للرقص عندما يهل الليل.
لم يكن من السهل ان اختلي بنفسي لان مزاجي يصبح عندئذ عنيفاً, وخلال لحظات قصيرة تعود الضحكة على شفاهي مثل بقية الناس. كان مزاجي متقلباً ويسبب لي مشكلة مع نفسي والمحيطين بي. كنت أحب ان اشرب النبيد الطيب مع الطعام الشهي واللذيذ, وعندما بلغت الثامنة عشرة من العمركبرت بطني واستدارت من الوزن الزائد. كنت اركب أقوى الجياد عند خروجي من البيت ليستطيع حملي. استمريت في لقاء النساء في هذه الفترة أيضاً ولكن في النهاية احببت امرأة جميلة اسمها/ إيبا بروهيه/.
كانت أمي امرأة باردة وقاسية القلب وسببت لحبيبتي إيبا الكثير من المتاعب. كنت سأصبح ملكاً على السويد ولدى والدتي رغبة جارفة ان اتزوج امرأة من سلالة الملوك من البلاد الأخرى لهذا دخلنا أنا وأمي في شجار طويل امتد لعدة سنوات. وبسرعة كبيرة طرأ تغير كبير على حياتنا حيث تعرض والدي لذبحة قلبية أفقدته القدرة على النطق, ويتوجب علي ان اساعده في هذه المرحلة الصعبة في كل شيء خاصة عندما يلتقي بالقساوسة او النبلاء وشكاويهم من قضايا عامة تتعلق بالضرائب المرتفعة اوالأرض. تعودت من خلال مرافقتي لأبي المريض ان اشرح لهم قرارات والدي, متزامنة مع رغبتي الجارفة في لقاء محبوبتي الجميلة إيبا التي كانت تعني لي الكثير, كحبيبة. احببنا بعضنا بشغف عارم, كتبت لها العديد من الرسائل حتى أصبح حبنا قوياً ويزداد قوة يوماً بعد يوم. لم نكن نبالي بتصرفات والدتي ورغبتها في منع لقاءاتنا ولم يكن في وسعها معرفة أنني أحب صديقتي إيبا إلى درجة الجنون كما لم تفهم أن هذا الأمر يتعلق بحياتي الشخصية وكيف علي ان أعيشها. لم اتزوج حبيبتي إيبا بروها على الأطلاق لكننا لم ننسى بعضنا أبداً. في العام 1611 بلغت السابعة عشرة من عمري وهي السنة التي توفي فيها والدي كارل التاسع. كانت التقاليد تقتضي أن اتوج ملكاً عندما أصبح في الرابعة والعشرين من العمرلذلك لم يكن من السهل ان اتولى مقاليد الحكم وأنا في هذا العمر الصغير. خلال هذه الفترة يتوجب على احد اعمامي ان يحكم البلاد بالنيابة عني.
لم يقبل عمي سيكيسموند المقيم في بولونيا ان اصبح ملكاً واتولى قيادة البلاد لكرهه الشديد للحرب والقتال. لم يكن يدور في خاطرنا انا وأمي في تجاوز القانون والتقاليد المتعارف عليها. على الفوروقبل حلول عيد الميلاد المجيد رتبت والدتي اجتماعاً كبيراً ضم كبار رجال الدين من قساوسة وكباررجال الحكم النافذين في البلاد. التئم اللقاء في مدينة نيشوبينك وقرروا خلالها أن أبدأ عملياً في تولي دفة الحكم في السويد.
لكن الدنمارك والعديد من الدول الاوروبية الأخرى راوا انه لا يمكن على الاطلاق ان يسمحوا ان اكون ملكاً على بلادنا. لم أكن سوى ابن الملك كارل التاسع الذي قاد تمرداً ضد عمه سيكيسموند. لكن هذا الأمرلم يكن يعني لي شيئا ولم أهتم به.
مرات كثيرة كنت اتساءل في قرارة نفسي كيف يمكنني قيادة الدولة والمجتمع في السويد. العديد من المقاطعات والأراضي الزراعية كانت تعود ملكيتها لأخوتي وأقربائي, بينما المناجم ومصانع الحديد ملك لوالدتي وجميهم وضعوا ايديهم على المداخيل والضرائب, أما الأراضي المتبقة فقد كانت تابعة لاملاك الكنسية والعائلات النبيلة الذي وقفوا إلى جانب والدي وساندوه كي يصبح ملكاً.
لقد وقف النبلاء إلى جانبي وصوتوا لصالح أن اصبح ملكاً على السويد متوقعين أنهم بهذا القرارالذي أخذوه يمكن ان يقربهم مني ويصبح لهم يد نافذة في شؤون البلاد والحكم. في الحقيقة لم اكن اشعر انني ملكاً فيما إذا قررالأخرين ان يحكموا نيابة عني. عندما أحس الجميع بصعوبة الأوضاع التجأت إلى صديق حميم اسمه اكسيل اوكسنستيرنا. هذا الصديق قريب من عمري, لم يكن يتجاوز الثامنة عشرة من العمرولكنه من عائلة نبيلة رفيعة المستوى الاجتماعي. لقد احببنا بعضنا كثيراً وبدونه لم يكن في مقدوري ان انجح. كان يبقى هادئا, رزيناً متماسك الاعصاب عندما اكون في قمة التوتروالغضب وعاقلا وحكيماً عندما اتحمس لاتخاذ اي قرار. اكسيل كان ذلك النوع من الناس الذي كنت احتاجه لانني كنت احترمه واثق بأفكاره وعقله ورزانته.
ترك أبي وراءه عندما مات ثلاثة جبهات مفتوحة للقتال والحرب, حرب على الجبهة الروسية واخرى على الدنماركية والثالثة على الجبهة البولونية. القرار الأول الذي اتخذته هو أن احمي الجبهة القريبة من البلاد وهي الدنمارك لأنها كانت بلاد غنية وقوية ولديهم القدرة المالية على دفع تكاليف الحرب ودفع إجرة الجنود المرتزقة من البلدان الأخرى. هؤلاء المرتزقة لا يتورعون من القيام بأي شيء من نهب وسلب للكنائس والاديرة والمدن والقرى والمزارع والارياف.
عندما هل الشتاء تجمدت البحيرات والانهاروالجداول وأصبحت الأرض ملساء من الجليد. دخل الجنود الدنماركيون الجوالة الأراضي السويدية, لكن بدلاً من أن نوقف زحفهم باتجاه الأراضي السويدية هجمنا عليهم في منطقة سكونا التي كانت تابعة لهم, وتابعنا سيرنا, احتلينا منطقة هولند, بوهوس لين والنرويج كلها, التي كانت تابعة هي الأخرى للدنمارك إلى أن امتدت الحرب في الجنوب والغرب, تلك الحرب التي لم يكن لها نهاية.
كانت حرب ضروس, فيها كر وفر, فظة وقاسية وكريهة. لم يكن في مقدورنا أن نعرف عدد الرجال أوالنساء والأطفال الذين قتلوا او عدد المزارع والقرى والمدن التي احترقت. لكننا استطعنا أن ندفن والدي في مدينة سترينكنس في العام1612 قبل ان يبدأ الهجوم الدنماركي الجديد.
سرنا بخطوات وئيدة ولكن بثقة إلى مدينة يونشوبينك بجانب بحيرة فيتيرن, لكن بعد ذلك توجب علينا العودة من أجل تضميد الجرحى والحصول على الطعام.
كان لدى انكلترا وهولندا علاقات تجارية قوية وسفنهم تمخر العباب عبر بحر البلطيق, وفي عقول اصحاب الشأن أن يكون هذا البحرفي حالة أمن وسلام وخاصة في الشمال الأوروبي حتى لا تتعرض سفنهم التجارية للهجوم من قبل الأطراف المتقاتلة.
في فترة الهدنة بيننا وبين الدنماركيون في شهر كانون الثاني من العام 1613 كتبت, ان الدنماركيون اخذوا منا مقاطعة يمتلاند وهيردالين بينما اخذنا منهم مقاطعة كالماروجزيرة أولاند.
خلال فترة الهدنة ذاتها مع الدنماركيين استولوا على حصن كبيرفي مقاطعة ايلفسبوري التي تقع على نهركوتا الي يحط نهاية مجراه في البحر.
عل السويد أن تستعيد مقاطعة إيلفسبوري لأننا بحاجة إلى السلع من الدول المجاورة وتصدير سلعنا إلى الغرب. كان على سفننا ان تمرعبر نهر كوتا لكن احتلال الجنود الدنماركيون الحصن والمقاطعة جعلنا في حيرة من أمرنا. لهذا اجبرنا على دفع غرامة ضخمة من المال من أجل استعادة مقاطعة إيلفسبوري. كانت تسمى هذه الأموال في عصرنا باسم رسم التخليص.
كنت مجبراً على ان اقترض مبلغاً كبيراً من المال من هولندا واجمع الذهب والفضة من مختلف المقاطعات السويدية, قبل ان ندفع كامل رسوم التخليص. بعت طاولتي الفضية الخاصة بي, الصحون والكأسات. لكن خلال هذه الفترة القاسية من هذا العام انطلاقنا من مناجم النحاس. لقد بعنا معدن النحاس إلى المانيا والدول الأخرى, لقد رفع عائداتها من مدخولنا لعدة سنوات.
سافرمعلمي يوهان خيته إلى هولندا من أجل الحصول على قرض مالي وفي طريق عودته إلى البلاد جلب معه اغنى تاجرهناك اسمه لويس دي جيير.
دي جييرقدم مساعدات سريعة للسويد في تجارتها الخارجية ورتب بيع الحديد والنحاس من المناجم.
لقد حان الوقت للدخول في حرب مع روسيا, هذه الحرب التي كانت تعني الكثير لوالدي كارل من اجل أن نجعل من السويد دولة كبيرة جداً.
لويس دي جييروساعدنا في تدبير جنود مرتزقة لانني لم اكن ارغب ان اعرض شبابنا السويدي لمجازفة الحرب ومخاطرها عليهم.
ابحراسطولنا الحربي العملاق عبر بحر البلطيق محملاً بالجنود والضباط والاسلحة والخيول والطباخين من أجل تحضيرالطعام لي ولبقية المقاتلين.
كنت في التاسعة عشرة من العمرعندما وصلنا إلى مدينة نيروفا وقدت بنفسي الهجوم عليها. كانت حرب طويلة امتدت إلى ثلاثة اعوام تقريباً. خلال هذه الفترة كتبت رسائل إلى صديقي اكسيل لاعرف منه التطورات التي تحدث في البلاد. لقد قام هذا الصديق بالواجب ورد على رسائلي بافضل ما يكون من اهتمام ورعاية.
خلال هذه المدة الطويلة اشتقت لحبيبتي إيبا براهيه التي تدعوني أن اعود ادراجي إلى البلاد وهذا كان رغبة أمي ايضاً, أن أعود إلى مدينة استوكهولم لأنها لم تكن تثق بصديقي إكسيل.
الأن مضى علي مدة طويلة بعيداً عن السويد وعلي ان اقرربنفسي ماذا علي ان افعله. لم أكن شاباً مثل بقية الشباب, انا ملك احكم السويد كلها ولا اتمنى ان اعود خالي الوفاض قبل ان احقق انتصارا على روسيا. آلاف الشباب من الجنود والضباط سقطوا قتلى في ساحات القتال الموحلة, العديد منهم من الشباب السويدي والبقية من البلدان الأخرى, ومن بينهم احد الضباط من أصول هولندية. من سخريات القدر ان الحب ولد بيني وبين زوجته مارغريتا وبعد تسعة اشهرانجبت لي طفلاً. لقد وضعت طفلي بين أيدي إناس لطيفين وطيبي القلب ولكن بعد ذلك لم أرمارغريتا على الاطلاق.
دخلت عامي الثانية والعشرين, استطعت ان انهي القتال على الجبهة الروسية وانتزعت أجزاء عديدة من الأراضي الفلندية كما اغلقت الموانئ البحرية في وجه الاسطول الروسي في بحر البلطيق. في الثاني عشر من اكتوبرمن العام 1617 توجت أخيراً كملك على السويد. لقد حكمت السويد ستة أعوام قبل ان اضع التاج على راسي أما الان فقد حصلت على التاج والصولجان. لقد حصل التتويج في كاتدرائية مدينة أوبسالا وبعدها اتبعتها بالاحتفالات الضخمة في الشوارع والساحات والجادات والقلاع والقصور. الفرسان يستعرضون فروسيتهم والموسيقا تصدح والناس ترقص وتغني وتشرب. كل يوم البس افخر الثياب المصنوعة من الحريروالمخمل ومطرزة بالاحجارة الكريمة والثمينة والاسلاك الذهبية. كنت مسروراً وتركت العنان لنفسي ان تفرح وتمرح مع الناس الحلوين.
دفعنا رسوم التخليص لقلعة إيلفسبوري والتفت لبناء مدينة جديدة على امتداد نهركوتا بالقرب من القلعة. اصبحت اول واكبرمدينة بنيتها وستعرف مع الأيام باسم مدينة يوتوبوري. لكن المشكلة أن الأرض كانت سبخية تقع بين الجبال, وكي نبي بيتاً يتوجب علينا تجفيف الأقنية. لقد ارسلت في طلب الأذكياء من الناس من هولندا, الذين لديهم خبرة ومعرفة في هكذا نوع من الأرض والابنية. كما انهم بنوا اقنية رفيعة المستوى في مدنهم الكبيرة ويعرفون كيف يبنوا البيوت والمدن والقلاع على الأراضي الرطبة والسبخية. كما بنوا الاسواروالخنادق والحفر العميقة التي تحمي مدنهم من الأعداء.
لقد بنوا على الخنادق الجادات والساحات والبيوت الجميلة وسكن فيها الكثيرمن الانكليزوالاسكوتلنديين والالمان. كما ان هناك قسم من الهولنديين الذين يعملون في صناعة الادوية وتقطيرالمشروبات الروحية ومصانع القرميد وفي قطع غيار السفن. واول رئيس للبلدية كان هولندياً اسمه إبراهام كابيليوا.
لولا الأيدي الماهرة لهؤلاء المهاجرين لما حصلنا على مثل هذه المدينة الساحلية الجميلة.
بحلول السلام مع روسيا احتلت السويد الجزء الجنوبي من الخليج الفلندي. لهذا يتوجب على كل السفن التي تمرعبرالخليج ان تدفع الرسوم الجمركية لمرورها وهذا الوضع ادخل الكثير من العائدات المالية.
لقد حدثت تغيرات كبيرة في هذه الفترة للسويد والشعب السويدي, انخفت فيها امتيازات النبلاء وانخفض تأثيرهم في القرارات التي تتعلق بالدولة وشؤون الحكم. لقد تعمقت العلاقة بيني وبين صديقي إكسيل اوكسينسفيرنيرا واصبحنا ندير دفة حكم البلاد مع بعضنا وقد اوليته ثقتي وكنا نعمل معا دائماً. لقد تملكنا هاجس مشترك ان نجعل بلادنا في مصاف البلدان المتطورة. بعض الاحيان كنت ادعو النبلاء والقساوسة وكبار المزارعين إلى اجتماع كبير وموسع في البرلمان.
لقد وزعت المهام على البلاد, وجعلت الشكاوى ان تتم عبر البرلمان. مثلا, إذا كان هناك شكوى للفلاحين فعليهم يقدموها من خلال البرلمان. وعندما يشكو كبار النبلاء أوالمزارعين او يكونوا غير راضين عن وضع الضرائب او بعض الأشياء يمكنهم ان يتقدموا بطلب اجتماع موسع.
لقد كتبت للشعب الكثير من الرسائل وقرأت على منابر الكنائس عبر رجال الدين والقساوسة ليعرف الناس ما أفكر وما هي القرارات الجديدة التي اتخذتها, وأي من القوانين التي سنطبقها وأي مدينة جديدة ستبنى, ولماذا احتاج إلى جمع المزيد من المال.
عندما اصبحت في الخامسة والعشرين من عمري, زفت الساعة التي يجب علي ان اتزوج فيها. لقد تزوجت حبيبتي إيبا براهدا من رجل ثري. لقد رتبت أمي العرس ولديها بعض السلطة التي تجعلها ان تفعل ما تريد. لقد التقيت بالكثير من الفتيات واستمتعنا بأوقاتنا مع بعض, لكن من الصعوبة بمكان ان اختاراو اقررمن هي الفتاة التي يجب علي ان اختارها. كما هو معروف ان المرأة التي علي ان اختارها ستصبح ملكة البلاد وستنجب لي الاطفال ليكونوا ولاة العهد.
فكرت والدتي في الكثير من الفتيات المنحدرات من اصول ملكية في أوروبا. في النهاية اختارت ماريا اليانورا, ابنة عاهل براندنبورغ الالمانية. لقد فكرت امي في ابعاد هذا الزواج خاصة فيما إذا اندلع القتال على الجبهة البولونية القريبة من حدود الإمارة التي يحكمها والد ماريا. لم تكن أمي تهتم أو تبالي في مشاعري. كما لم يسبق لي ان التقيت بماريا اليانورا من قبل.
في شهرإبريل من العام 1620 سافرت لاقابل ماريا اليانورا. لقد تملكني الفضول في تلك الفتاة التي ستقاسمني حياتي.
صعدت مع بعض الاصدقاء على ظهرإحدى السفن وابحرنا في سرية تامة. لقد اطلقت على نفسي لقب كوستاف كارلسون, واعطيت مظهري شكل أحد الضابط العاديين.
كانت رحلتنا هادئة ولطيفة عندما عبرنا المناطق التابعة لالمانيا. كان الربيع في أوله واشجارالفواكه مزهرة. على مسافة بسيطة شاهدنا الأبقار ترعى في المروج الخضراء اليانعة والطيور تغرد على الاشجار في الغابات المترامية الاطراف. الحياة تنبض بالفرح والسرور, الازهار موردة والروائح العبقة تنتشرعلى طول الاماكن التي نتنقل بجانبها.
ما ان وصلنا قصر الملك حتى التقيت بماريا اليانورا مباشرة. لاول مرة تلتقي بالرجل الذي ستتزوجه. في الحقيقة كانت ماريا اليانورا امرأة جميلة جداً. بعد عدة أيام انفردنا اناوهي مع بعضنا وقبلتها أول قبلة وتحدثنا في العرس وقررنا ما سنفعله معاً.
لقد تزوجنا في مدينة كالمار السويدية في ال 25 نوفمبرمن العام 1620. بعد مراسم الزواج سافرنا إلى استوكهولم, لاتمام احتفالات الزواج مع كبار الضيوف الذين قدموا من بلدان عديدة. الذي قدمنا خلال هذا الاحتفال المهيب الكثير من الطعام الشهي والنبيذ المعتق والطيب. لقد رمينا النقود الذهبية في الهواء كي يلتقطها الناس من مختلف المشارب وعرضنا مشاهد قام بها الكثير من الممثلين. لقد فعلت كل ما في مقدرتي ان الفت انظار ضيوفي واتلقى من عيونهم نظرات الاعجاب لي ولزوجتي, متزامنة مع قلقي من الدول الكاثوليكية على الحدود الجنوبية لالمانيا, التي كانت في صراع مريرمع البروتستانت الكائنة على حدودها الشمالية, والتي من المتوقع ان تصبح اكبر حرب في الايام القريبة.
لقد تابعنا انا وصديقي إيكسيل في تحسين شؤون الناس في السويد. بنينا الجامعات من أجل ان يتابع شبابنا تحصيله العلمي العالي, وجهزنا المدارس الثانوية كي يدرسوا الرياضيات, الجغرافيا, العلوم الطبيعية والتأريخ. كما حضرنا مدارس للفتيات ومدارس مهنية للأطفال الفقراء. كنت اريد للشعب السويدي ان يتعلم القراءة والكتابة ويساعدوني في إدارة الدولة السويدية.
المشكلة الكبيرة كانت في الصراع مع بولونيا وملكها القوي سيكيسموند, ابن عمي.
كنت مدركاً ان الحرب قائمة لا محالة.
كما هو معروف ان المدينة البولونيا ريغا تقع على الشاطئ الجنوبي لبحر البلطيق ويمر بمحاذاتها الكثيرمن السفن الذي يدفعون الكثير من الرسوم كي يرسوا بسفنهم على شواطئها. هذه العائدات المالية كنت بحاجة إليها, لهذا علي ان انتزع هذه المدينة من البولونيين. فكرت بهذا الامر, الحرب بحاجة إلى الكثير من الجنود, ومن المؤسف والمريع ان المرتزقة بحاجة إلى الكثير من المال. لم يكن لدي القدرة المالية على دفع رواتبهم في حال استأجرتهم. لهذا قررت أن اطلب من جميع القساوسة ان يدونوا اسماء جميع الشباب في ابرشياتهم وكنائسهم حتى اعرف العدد الكامل في كل اطراف السويد, لانه لم يكن في مقدورنا ان نفعل أكثر مما فعلنا. هذا الذي لم تفعلوه اي جهة في اي بلد في العالم.
كل قرية, كل مدينة جمعوا الشباب معاً, وكل واحد من عشرة من الرجال أخذ إلى الجندية. الكثير منهم خاف وبعضهم هرب وأخفى نفسه في الغابات حتى يتجنبوا ارسالهم إلى الحرب وربما لن يتسنى لهم العودة إلى الديار مرة أخرى, بالرغم من أن هناك الكثيرمن الشباب ينظر إلى الحرب كشيء مثير. كما لدى البعض شغف في السفرحول العالم الواسع ثم العودة إلى الوطن من جديد.
حصلنا على بعض المدافع البسيطة والاسلحة الخفيفة للجنود. وجلبنا من هولندا بعض الناس المهرة الذين في مقدورهم صناعة السفن. في صيف عام 1621 بنى الهولنديون مئة سفينة تتسع حملتها ل 14000 جندي, مع الخيول والمدافع, بنادق وطعام.
بكت زوجتي ماريا إليانوركثيراً. كانت حامل بطفل وقلقة جداً علي, وخائفة من أن تجهض ونخسرابننا.
كان الطقس سيئاً والرياح عاصفة وشديدة الهبوب عندما غاردنا البلاد وسرنا في طريقنا عبر بحرالبلطيق باتجاه بولونيا. انكسرصاري إحدى السفن وسقط في البحروالحسرة الكبيرة وقعت في قلبي لفقداننا الكثير من الخيول, ومرض البعض منهم واصيب البعض الآخراصابات بليغة.
وصلنا إلى مشارف مدينة ريغا. كنت مع أخي كارل فيليب في مقدمة الفرسان المستعدين دوماً للهجوم. الكثير من المرات كنت من الاوائل الذين يكونون على مقربة من وابل الرصاص القادم من جهة الأعداء. مدينة ريغا, تلك المدينة الصغيرة التي حاولت الدفاع عن نفسها, لكن يوماً بعد يوم كنا نزداد قسوة, نطلق الكتل النارية من مدافعنا على سور المدينة. انتظرنا أربعة اسابيع خارج اسوار ريغا قبل ان نفتح ثغرة في جدار السور, قبل ان نتقدم وندخل المدينة. كل الكتب التي كانت موجودة في مكتبة المدينة أخذتها وارسلتها إلى جامعة أوبسالا القريبة من استوكهولم, وبعد ذلك تقدمنا إلى الأمام وفعلت الشيء نفسه مع المدن الأخرى. بهذه الطريقة حصلت جامعاتنا على الكثير من الكتب القيمة والثمينة.
مع بدأ الخريف وتغير الطقس, البرد والمطر والضباب, تعرض خلال هذه الفترة الكثير من الجنود للكثير من الأمراض كالاسهال والقيء والكثير منهم مات بسبب أمراض نجهلها. أخي كارل فيليب مرض هوالآخر. لقد طلبت من الطاقم الطبي ان يوضع تحت العناية المشددة لكنه مات وهو في العشرين من العمر. لقد فجعت به كثيراً.
اصبح الشتاء في مدينة ريغا اقسى يوماً بعد يوم مما أدى إلى موت نصف جنودنا من البرد والمرض حتى وصل عددنا بالكامل إلى خمسة آلاف من الجنود, لهذا رميت جانباً إمكانية الانتصارعلى ملك بولونيا سيكسموند. لكني كنت مسيطراً على طول الجزء الجنوبي من الساحل الجنوبي لبحر البلطيق., يمكنني من خلال هذه السيطرة أن احصل على الكثير من الرسوم على السفن التي ترسو في المكان. عندما هل الربيع ابحرت عائدا إلى مدينة استوكهولم., وكان بيني وبين صديقي إكسيل الكثير من الحديث الذي يتوجب علينا ان نقوله لبعضنا.
يجب علي ان اتابع الحرب واحرز الانتصارات على اعدائي لاكسر هذا الاحساس لدى الاوروبيين أن السويد بلد فقيرومعدم., يتملكني احساس أن السويد يمكنها أن تصبح كبيرة, غنية وقوية جداً يهابه الآخرون. بمساعدة جنودي ساسيطرعلى الشمال الأوروبي كله وابسط حكمي عليه.
لم تعد الدنمارك تشكل خطراً علينا, لأن ملكها كريستيان الثاني وضع في السجن نتيجة الانقلاب الذي اطيح به. الملك الجديد فريدريك الأول لم يكن لديه الا القليل من المال ليأخذ المبادرة في الهجوم علينا. وبدلاً من القيام بالحرب مضى في اتجاه آخر, حيث شيد مدينة كوبنهاغن ويولاند في نفس الفترة التي بنينا نحن أيضاً مدن جديدة على طول الساحل السويدي.
لم تكن الحرب هي السبب الوحيد للموت, وأنما الأمراض المعدية والفتاكة كالطاعون الذي ضرب مدينة استوكهولم.
الذين اصيبوا بالمرض الخطيرماتوا بعد بضعة أيام.
انتقلت إلى قصركريبس هولم على بحيرة ميلارين حتى اتجنب الوقوع في عدوى مرض الطاعون. في هذه الفترة رزقنا الله بمولودة جميلة, ولكنها لم تكمل عامها الأول لأن اغلب الاطفال الصغار يموتون في فترة الحضانة الأولى لحياتهم.
تحدثت مع الشعب السويدي أن الملك البولوني سيكسيموند يهدد بالهجوم على السويد. مرة أخرى طلبت أن يجمعوا القطع المعدنية الذهبية من الكنائس والنبلاء. كان لديهم القدرة على الدفع مما حفزني على متابعة الحرب. لكن الصعوبة تكمن في تدبيرالجنود الاكفاء والقادرين على تحمل أعباء الحرب. طفت على طول البلاد وعرضها وتحدثت مع الناس وشرحت لهم رغبتي في الهجوم على بولونيا قبل ان يلم الملك سيكسموند قواته ويهجم على السويد ويحتلها ويصبح ملكاً عليها. أنه يرغب في جعل السويد بلداً كاثوليكي المذهب. لكن هذا الامر لم يجانب الحقيقة. بالتأكيد هو يرغب ان يكون ملك السويد ولكني كنت ارغب في احتلال كل المؤانى الواقعة على امتداد بحر البلطيق من أجل الحصول على الضرائب من السفن التي تحمل شحنتها او تفرغها. لقد وصلت صوتي للناس بسهولة وبسهولة ايضا اصبحت محبوباً لديهم ومن الطبيعي ان يؤمنوا بكل ما اقول.
لقد فعلت كل ما في وسعي من اجل الاستعداد للحرب وبسرعة كبيرة حصلنا على السفن و12000 جندي في كامل العدة والعتاد.
في ربيع العام 1627 ابحرنا عبر بحر البلطيق من اجل الهجوم على بولونيا ثانية وإزاحة سيكسموند من كرسي الحكم.
بدأت الحرب بشكل جيد وحققنا عدة انتصارات لكن العديد من جنودنا اصيبوا بالامراض. لقد اجبرت على الانتظار عدة شهورعلى الضفة الغربية من الحدود البولونية, حتى يتعافى جنودي من اجل متابعة الحرب والقتال. بينما كنت انتظرتطورات الاحداث جاءت حبيبتي وزوجتي ماريا إليانورللسلام علي والاطمئنان على صحتي وان نكون مع بعض في هذه الفترة والظروف. لقد جهزنا الحفلات للضباط والنبلاء والجنود. اصبح الانتظارممتعاً في هذه الفترة. مع بدأ الصيف اصبح في مقدورنا ان نبدأ الهجوم ثانية. اضيئت الغابات باللون الاحمر من وهج النار وكتل الرصاص. تألف الجيش البولوني من ثلاثة آلاف فارس ومثله العديد من الجنود, إلى جانب المدافع والاسلحة والبنادق. خيم البولونيون في مدينة صغيرة شتاء لكن عندما اقتربنا منهم وقفوا استعدادا للحرب والدفاع.
واخيراً دخلنا في المعركة ضد الملك سيكسموند. يجب علي ان انتصر, وهذا ما حصل. لقد خسر الملك البولوني 2000 رجل لكن لم يمت من جنودي اي رجل. كان هذا نجاحاً باهرا لي.
ففي الوقت الذي كنا نحارب على الجبهة البولونية كانت الحرب مشتعلة بعنف بين الامبرطورية الالمانيا والعديد من الدول الصغيرة في أوروبا الشمالية. استمرت الحرب عدة سنوات متواصلة. مرات كثيرة تهدأ الأموروتتوقف الحرب ثم يشتد اوارها, وتستمر سنة وراء سنة لهذا سميت بحرب الثلاثين سنة.
عندما انتهى الهجوم الأول الذي قمت فيه عدت إلى استوكهولم. زوجتي ماريا إليانور كانت بالانتظاروالشوق يطفح بها ونادرا ما كنت امكث في البيت مدة طويلة. كما التقيت بابنتي الصغيرة كريستينا التي دخلت عامها الرابع.
أنا وصديقي إكسيل عملنا بجد ومثابرة لاصدار بعض القوانين وبناء محاكم جديدة. الكثير من الشباب اتموا تحصيلهم العلمي واصبح في مقدورهم ان يساعدوننا,لأن هناك الكثير من المكاتب الحكومية الموجودة في استوكهولم وتحتاج ان ينتقل إليها هؤلاء الخريجين من أجل العمل فيها. قريباُ سيصبح عدد سكان المدينة اربعين الف وهي تكبريوماً بعد يوم. الفلاحين الصغار والمزارعين يقطنون في الأرياف والعديد منهم يملك مزارعهم الخاصة, هذا الشيء الغير عادي.
في جنوب اوروبا الوضع مختلف تماماً حيث يملك النبلاء الغابات والأراضي الشاسعة ويشتغل العمال لديهم كاجراء اوكعبيد ويعاملوهم مثل الحيوانات. كنت ارغب ان يصبح وضع الفلاحين السويديين على أحسن ما يكون وأن يحصلوا على حريتهم وكرامتهم. هذا الوضع سهل علي وساعدني في مسعاي في استمرار الحرب. يجب ان تصبح السويد دولة حرة حتى لو كلفنا المزيد من المال والبشر.
فكرت فيما إذا أصبحت السويد دولة قوية, علينا ان نهجم على الفرق العسكرية للامبرطورية الالمانية. في صيف العام 1630 ابحرنا بسففنا عبر بحر البلطيق وعلى ظهرها عشرة آلاف مقاتل.
في استوكهولم بدأ الرجال في تشييد السفينة الملك فوسا. كانت سفينة كبيرة جداً جعلتني انظرإليها بكثير من الفخر,لكن لم يكن لدي الكثير من الوقت لانتظر حتى ينتهوا من تشييدها. في وقت لاحق علمت أن السفينة العملاقة فوسا غرقت في المجرى المائي لمدينة استوكهولم تماماً كأنما مالت بجسدهاعلى رصيف الميناء.
في اوروبا التقيت بعدة آلاف من الجنود ومثلها من الخيول التي دبرها صديقي إكسيل من البلدان الأخرى. الأن لدي خمسة وثلاثون ألف جندي يأتمرون بأمري.
الضباط الكبار للامبرطورالالماني, تيلي, وويلستين كافحوا بقوة وصلابة أن يستعيدوا الأراضي في أعلى بحر البلطيق. رأيت المصلح مارتن لوثريوعظ ويعلم الناس على الأراضي التي استوليت عليها. الأن الناس بدأت تعتنق البروتستانتية في المانيا وتكن الكره للامبراطور. بينما الامبرطور يتمنى ويرغب ان تنتمي المانيا إلى الكنسية الكاثوليكية, بالرغم من أن هذا لم يكن السبب في الحرب. البعض انتصر في الحرب واستولوا على المزيد والمزيد من البلدان واصبحوا في موقع قوي في الحكم واكتسبوا شهرة واسعة من وراء ذلك. كما أنني انتصرت على الامبرطورالالماني واستوليت على كل الشمال الاوروبي التي ستجعل السويد في مصاف البلدان القوية والكبيرة. ساصبح مشهوراً من الحروب التي شنتها ولن يكون في مقدور اي إنسان أن يقول ان ابن عمي سيكسموند يمكنه ان يصبح ملك السويد في المستقبل. يتعلق سبب الحرب بالاستيلاء على الأراضي والبلدان الذين يمكنهم ان يدفعوا الضرائب لي وللكنيسة والنبلاء.
لقد حاولت مرات كثيرة في السنوات الماضية ان احصل على مساعدة ملوك فرنسا وانكلترا لكن ملوكهم لم يستطيعوا ان يصلوا الى قرارتنفيذ طلبي لأنهم كانوا خائفين ان تصبح السويد اقوى دولة واكبرها حجماً. اصبحت مدينة استوكهولم العاصمة غنية وواسعة النطاق يمتد مجالها الحيوي على طول الخط الجنوبي للسويد ليصل إلى المانيا.
العديد من الضباط والجنود, نقلوا معهم عائلاتهم وخدمهم. أنا أخذت معي الجزار والطباخ وفتيان الطبخ. كذلك الخياط, الحذاء, عازف الموسيقى والقسيس. خطوة خطوة سارت فرقنا الضخمة عبر منطقة جغرافية طبيعية سيراً على الأقدام. كل بضعة اميال يأخذ منا اسبوعاً. بعدها مكثنا في إحدى المدن مدة شهرحتى نحصل على تمويل طعامنا. إحدى المعارك يمكن ان تمتد إلى مدة عام. الحرب البطيئة تتوزع على عدة جبهات صغيرة. كتبت العديد من الرسائل للملوك وللقساوسة في شمال المانيا, أقول لهم أنني جئت كي احررالشعب الالماني من الامبرطور. لكن القساوسة والملوك ينحدرون من زمن طويل من منطقة فيينا النمساوية ذلك المكان الذي يكون فيه القصر الامبرطورالرائع.
هؤلاء لا يهتمون بما يفعل الامبرطور, ويفعلون ما يريدون ولا يرغبون في مساعدتي. ليس لان الامبرطور يعتقد انني مقدم على حرب كبيرة. لقد ارسل ضباطه ونصف جنوده إلى بيوتهم, مما زرع الغيض والقهر في نفسي وادخل موجة من الجنون في عقلي. كنت ماهراً في الحرب ومشهوراً وقوياً هذا ما اغاضني في تصرف الامبرطور.
مضى الصيف والخريف ونحن ننتظران تستمر الحرب. كان الوقت مناسباً ان اطلب من الجنود ان يتدربوا على القتال كي يصبحوا مهرة ويتحركوا بسرعة ويرموا بنادقهم نحو الاصابات الصحيحة وخاصة بعد اقتنائنا بنادق خفيفة وجديدة واصاباتها ادق.
لقد وافقت فرنسا على تقديم المساعدة لي وهو ارسال خمسة وثلاثون الف جندي وستة آلاف فارس. بدأنا نزحف مباشرة ونتغلغل في العمق الالماني وندخل في الكثير من الدول الالمانية, احتللنا العديد من المدن وبعد فترة قصيرة وصلنا إلى مشارف برلين. سمحت لجنودي ان تنهب المدن لكن أن يبقوا على حياة السكان ولا يمسوهم باي خطر. ولكن الجنود المرتزقة تصرفوا كالحيوانات ومضوا في افعالهم كما يحلوا لهم, ولم تمض الا فترة قصيرة حتى امتلأت الشوارع والساحات بالقتلى, بينما الجنود يعبثون بكل شيء وينتقلون من بيت إلى بيت وهم يشعلون فيها الحرائق والدمار.
امرت بشنق العديد من المرتزقة الذين قتلوا إناس أبرياء, لكن الجنود لم يطيعوا أوامري في شنق المزيد منهم.
فكرت ان اتابع سيري مع جنودي والناس الذين برفقتي باتجاه الجنوب لمقابلة جيش الامبرطور. هناك حدث ما لم يكن في الحسبان. جيش الامبرطوروفرقه العسكرية هاجمت المدينة الجميلة ماكديبوري. قررت في الحال ان اخذ طريقي واتجه نحو المدينة من أجل حمايتها, لكن العاهل الالماني لحق بجيشي واعاق تقدمي.
في العاشر من آيار1631 حرق جنود يوهان تسركيله, كونت تيلي نصف المدينة وأكثر من ثلاثمائة ألف من بيوتها وستة وثلاثون ألف من سكانها. كما نهب الجنود البيوت والكنائس, روبما مثل هذه الفضائع لم تحث على الاطلاق في المانيا. العديد رأى ان هذه المذبحة الكبيرة حدثت بسبب خطأي, لأن الامبرطورالالماني أراد ان يقطع الطريق علي ليصل قبلي. لكني لا أبالي بما يقوله الآخرين عني.
أقسمت ان انتقم.
أنا وجنودي خيمنا في الشتاء على الأرض العارية بالرغم من اعتدال الطقس الا ان الوضع كان صعباً في تدبير الطعام للجنود والحيوانات, ومن الصعب ان نتجول في المنطقة متزامنة مع الأمراض المدمرة التي ضربتنا كالطاعون وغيره.
كان الجنود مرهقون من الانتظاروالعديد منهم مات بسبب الأمراض. عندما حل الربيع تابعنا أنا وجيشي سيرنا إلى ان وصلنا إلى ضفاف نهرإيلب. هناك قابلنا جيش يوهان تسركيله, كونت تيلي الذي يقدر بعشرات الآلاف.
قررت الهجوم عليه مباشرة. بعد فترة قصيرة وبحركة مفاجئة وسريعة من القتال انتصرت عليه. لكن الجنرال تيلي هرب مع جنوده الباقين معه.
الجزء الشرقي والشمالي كله من المانيا اصبحت عائدة للسويد, واصبح بحر البلطيق كله سويدياً إلى حد كبيرمما حدا بي على فرض الضرائب على كل الموانئ والشواطئ, وجميع السكان القاطنين تحت حدود سيطرتي. ان رغبتي في جمع الضرائب لخزينة الدولة تترافق مع رغبتي وشغفي في مطاردة الجنرال تيلي وجنوده وضباطه. اتمنى ان اهجم عليهم واقتلهم من دون رحمة. من الطبيعي ان هناك العديد من النبلاء في تلك البلاد المفتوحة. لدي رغبة ان يستقبلوني كملك منتصر, الملقب بالملك كوستاف الثاني ادولف.
لقد اعجبوا بي وبجرأتي, في الحرب ضد الامبرطوروجيشه وضباطه المهرة. لقد اصبحت مشهوراُ وقوي الشوكة, يحسب له ألف حساب. المشكلة لم يكن لدي الوقت أن ارتب احتفالا مع هؤلاء الضيوف اواشرب النبيذ اوأمد سفرة الطعام وأكل معهم.
في أواخر الخريف دخلنا في حرب طاحنة مع الجنرال تيلي, في جيش يقدر عدده بثلاثين ألف جندي بينما جيشي عدده أربعين ألف جندي. رتب الجنرال تيلي فرقه العسكرية على نفس النسق الذي كان يحدث قبل مئة عام. جنوده وقفوا إلى جانب بعضهم في مجموعات متشابهة, أحدهم بجانب الآخرمما يصعب عليهم أن يأخذوا مبادرة الهجوم. كان تصرفه شجاعاً لكنه سيئا من ناحية العلوم العسكرية. الخيول يجرون المدافع الثقيلة, الاسلحة قديمة ووزنها ثقيلاً يصعب عليهم مهمة تنقلهم.
جمعت جنودي في قطعات صغيرة وموزعة بشكل يسهل عليهم التنقل واخذ المبادرة, يحملون اسلحة خفيفة وحديثة والخيول تجرمادافع خفيفة, ويمكن لجيشي ان يتنقل بسرعة من مكان إلى مكان, والدخول في الهجوم السريع من اكثر من جهة وطرف.
كانت معركة سريعة بكل المقاييس وحاسمة, فر الجنرال تيلي مرة أخرى, وعشرات الآلاف من جنوده قتلوا او جرحوا. اسلوبي الحديث في القتال جعلت جيشي ينتصرعلى جيش الامبرطور. هذا الانتصار الخاطف ادخل الرعب في قلوب الجميع, نبه الاوربيين لأخذ جانب الحذر. بالقرب من مدينة ماينز الالمانية القريبة من فرانكفورت أخذت استراحة لي ولجنودي وضباطي والعناية بالجرحى. لكن كنا نجد صعوبة كبيرة في الحصول على الطعام. كنا نقدر بعشرات الآلاف من الناس وعشرات الآلاف من الفرسان والذين يخدمون الخيول. هذا الشتاء كان دافئاً وجميلاً مما حفزني لمتابعة التوغل جنوباً. المقاطعات التي مررنا بها كانت جميلة جداً بأريافها الصغيرة وحقولها الذهبية. على المنحدرات مزارع الكرمة وعلى الاطراف أشجارالفواكه الطازجة.
نهبنا وسلبنا كل مكان وصلنا إليه. الاسطبلات وحظائرالابقارفارغة عندما اردنا ان نصل اليهم. أخذنا كل الخيول, الابقار, الخنازيروالدواجن التي وقعت بين أيدينا, وبعض المزارعين الذين لديهم قطعات نقدية ذهبية ليدفعوها لنا.
عندما كنت خارج الوطن وفي حالة الحرب, كتبت الكثير من الرسائل لصديقي إيكسل, وتعود رسائله لي خلال اربعة اسابيع من ارسالها وذلك لمهارة الفارس الذي يأخذها ويعود بها من استوكهولم.
بالطبع كنت راض عن نفسي, انتصرت في العديد من المعارك والحروب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه علي, لماذا علي ان أكون راضٍ؟ كل المقاطعات الالمانية يمكنها ان تصبح سويدية. لم يكن هناك مقاومة تذكر في كل المدن التي فتحتها, إلا مدينة الملك قاومت, لان قلعته مبنية في أعلى الجبل. لقد انتظرنا عدة أيام وفي النهاية دخلنا مكان إقامة الملك. في قلعة الملك عثرنا على العديد من اللوحات الجميلة والثمينة ولوحة المذبح للسيد المسيح المصنوعة من الذهب. كالعادة ارسلت كل شيء إلى القصر الملكي في السويد. بهذه الطريقة حصل العديد من القصور في السويد على اللوحات الفنية الرائعة بالالوان والمصنوعة من الانسجة ولكن العديد منها مصنوعة من الانسجة الذهبية.
لم يخطر في بال أي إنسان ان يتهمني أنني حرامي أو لص, لأنني أخذتها بالحرب. كما أن الناس سمعت عن السلب والنهب في اجواء الحرب, كالقصور والكنائس, المكتبات وبيوت الأغنياء. انها الحرب التي انتصرت فيها, ولهذا فان جميع الاشياء تعود ملكيتها لي.
تجولت بصحبة رجالي طويلاً بالقرب من نهرماينزوتدريجيا بدأنا نقترب من مدينة فرانكفورت. حللت على المدينة كملك ولم يكن لدي اي شعوربالخجل. في ذلك اليوم لبست معطفي الجلدي الثمين المصنوع من الانسجة الذهبية ذي اللون البني, وعلى الاكتاف صدرية مطرزة من الفضة والذهب, وعلى جانبي سيف من الاحجار الثمينة المتلألئة, وتحت سرج حصاني الأسود يوجد بطانية من الحرير والخيطان المذهبة واللؤلؤ التي تصل إلى الأرض.
أصبحت نصف المانيا تحت سيطرتي, استوليت على أكثر من مئة مدينة حتى لوكان قسم منها صغيراً. إنه احساس رائع بالفوز.
عندما ولدت رأى الكثيرليس من الصواب ان اصبح ملكاً على السويد. الأن أنا ملك السويد وأقوى رجل في كل أوروبا. لدي هاجس واحد ان انتصر على الفرق الأمبرطورية في الجولة الأخيرة. بعدها استطيع ان ازحف باتجاه مدينة فيينا في النمسا لاخرج الامبرطور من قصره وقتها يمكنني ان ابسط سيطرتي على كل المانيا واحكمها.
العديد من الدول الصغيرة التي تقع على ساحل بحر البلطيق كالنرويج والدنمارك وفلندا تدخل ضمن حدود المملكة السويدية.
مع الاسف لم يرزقي الله بطفل ذكريمكنه ان يرث هذه الدولة الكبيرة. ابنتي كريستينا لم تكن تتجاوز الخامسة من العمر, كما لم يكن متعارفاً عليه ان تصبح المرأة ملكاً.
كريستينا كانت فتاة ذكية وعاقلة وشاطرة ومجتهدة. لقد تعلمت الكتابة في عمر الرابعة. كتبت لي رسالة تقول فيه, أنها مشتاقة لي, ان تلتقي بي, بأبيها.
نص الرسالة
أبي الحبيب والرؤوف
ارجوك أن تتذكرني وأن تعود ادراجك إلى البيت, سأكون مجتهدة ولطيفة
ابنتك المطيعة كريستينا.
كانت ترغب ان تهجي اسمها, لكن بعد جهد طويل, قالت كريستينا. اشتقت لها كثيراً, بعد ان قابلتها وتحدثت معها, وذلك بعد عندما وضعت الحرب أوزارها.
طوال الوقت كان هناك بعض الناس الذين يرغبون في قتلي او يسببوا الأذى لي اويرموني بإصابة ما. لكن رجالي قبضوا على الجناة واجبروهم على الاعتراف من هو وراء لقتلي وما هو الدافع. لكني لم اكن احب سماع صوت السجناء, عندما كانوا يرغمون على الجلد والتعذيب.
في ربيع العام 1632 كان لدي جيش قوامه مئة ألف جندي تحت السلاح جاؤوا من عدة بلدان من اجل ان يصبحوا جنودا عندي. يطالبون برواتب عالية وحقوق النهب للمدن والقلاع التي نهاجمها.
الملك البولوني سيكيسموند مرض ومات. تنفست الصعداء لهذا الخبر الذي اثلج صدري. طوال حياته كان حسوداً ولديه رغبة كبيرة في استعادة التاج السويدي. بعد موته فرحت كثيروقررت احتلال بولونيا. لكن المشكلة ان ملوك البلدان الاوروبية الأخرى بدأوا يتذمرون من توسع نفوذي وقوة جيشي الذي راح يبسط سيطرته ووجوده على مساحات شاسعة من القارة الأوروبية. لم يكن يرغبوا الاعتراف بي كامبرطور, اوقيصر. كما لا يريدون أن اصبح قوياً أكثر من اللازم حتى لا اهدد وجودهم واشن الهجوم على بلدانهم.
لم يكن يعنيني قلقهم او خوفهم, في داخلي حافز واحد ان اتابع الحرب واحتل كل اراضي بلاد الامبرطور.
قررت استمرار الحرب التي تزامنت مع استعداد الجنرال تيلي والفرق العسكرية للامبرطوربالاقتراب من نهر الدانوب العظيم.
كنا في فصل الربيع, الثلوج ذابت والانهار تسيل وتتدفق بالراحة. فكرت في الهجوم, لكننا نحتاج إلى وسائل وطرق عملية تنقلنا من ضفة إلى أخرى. جمعت فرقي العسكرية على الشاطئ بالقرب من جزيرة صغيرة تقع على النهر. حطم جنودي زرائب الابقار والبيوت وأخذوا العوارض الخشبية وبنوا جسراً عندما هل الليل ورمى لونه الأسود على الدنيا حتى لا يعرف الجنرال تيلي ماذا عازمون نحن عليه. اشعلنا النيران من التبن المبلل حتى نرى بعضنا ونتجمع. الدخان الكثيف الناتج من احتراق التبن المبلل حمانا تماماً. في اليوم الثاني عبرنا النهرووصلنا إلى الضفة الأخرى وبدأنا الهجوم مباشرة على جيش تيلي, مما جعله يهرب مع جنوده للمرة الثالثة بعد ان ترك المعركة مهزوماً. زحفت بجيشي جنوب شرق باتجاه النمسا واقتربنا من مدينة فيينا. هذه المدينة الجميلة التي يقطنها الامبرطور. في البدء علينا ان ننتظر بضعة اسابيع في مقاطعة بافاريا الالمانية. كان جنودي قساة القلب وفظين مع السكان, عندما راحوا يتدبرون الطعام للناس الذين معي. حاولت ان امنعهم من القيام باي تصرف لا تحمد عقباه لكنهم خرقوا الاوامروحرقوا بعض القرى والمدن. لقد جلبوا كميات كبيرة من الخبز, لحم, سمك, خنازير ونبيذ لجنودي ولبقية قطعات الجيش, وتبن وشوفان للخيول. بعد فترة قصيرة لم يعد لدينا المزيد من الطعام نأكله. تابعنا زحفنا إلى ان وصلنا إلى مدينة اوغسبوري. في هذه المدينة استقبلونا السكان بالترحيب, لان مواطني هذه المدينة لا يرغبون أن تدمر مدينتهم. ليلة وصولنا اقام اكبر تاجرفي المدينة, فوكير, احتفالا كبيرا لنا. قدموا لنا العديد من اطباق الطعام الشهية, من مختلف الالوان, وما لذ وطاب, مع النبيذ والفواكه.
الجميع ارتدى الثياب الجميلة. رقصت ساعات طويلة لحبي وشغفي بالرقص, حتى في ظروفي جسدي السمين وبطني البارزة. كانت فترة ممتعة ان ابعد عن عقلي الحرب ووجوه الموتى والقتلى والجرحى.
الان مدينة اوغسبوري تحت سيطرتي واقررشؤونها. هذه المدينة التي كانت تقاد من قبل الكاثوليك تستسلم لي.
رجل سويدي قديريرعى شؤونها بالنيابة عني.
على بعد خمسة عشرة كيلومترمن اوغسبوري توجد قلعة كبيرة قوية يتحصن فيها الجنرال تيلي. يجب علي في البدء ان استولي عليها قبل ان اتابع زحفي للاستيلاء على فيينا. لكني كنت على وشك ان أذهب في اتجاه خاطئ. عندما اقتربنا من القلعة تلقى حصاني رصاصة مدفع, دمه سال وتناثرعلى جسدي من كل الاطراف. بعد ذلك فحصت نفسي فيما إذا اصبت ام لا. بعد ذلك تيقنت انني معافى, لكن الضباط اعتقدوا انني اصبت واندفعوا ناحيتي يريدون مساعدتي. في داخل القلعة مات الجنرال تيلي, تعرض لجرح عميق عندما كانت الفرق تطلق النار على بعضها من الجانبين. لقد هجمنا على القلعة عدة مرات لكن الفرق العسكرية للامبرطورقاومت بشدة. لقد ارغمت على مغادرة القلعة دون ان اتمكن من الاستيلاء عليها. انها المرة الاولى التي لم انتصر فيها, هذا ما جعلني غاضباً وقلقاً. لأول مرة اصيب بسوء الحظ خلال فترة القتال والحروب.
لم ابالي لانني لم افتح القلعة او الحصن, وبدلاً من ذلك رحت اسير مع جيشي الذي قوامه ثلاثون ألف رجل باتجاه مدينة ميونيخ. اصبح جنودي قساة في البحث عن الطعام والذهب. نهبوا وحرقوا كل القرى التي وقعت في طريقنا, لكن في الغالب لم يصادفوا شيئا. قبضنا على الكثير من اعدائنا وعذبناهم إلى درجة الموت. حتى يرتاح جنودي اجبرت على قبول الانتقام. حرقتْ مئات القرى ومات الكثير من الرجال والنساء والاطفال.
الناس في مدينة ميونيخ دفعوا لي مئة ألف قطعة نقدية ذهبية حتى لا استبيح المدينة واوانهبها اواسلبها. أغنياء المدينة غادروها وهربوا, لكني أخذت الأشياء الثمينة التي بقيت في بيوتهم كاللوحات الفنية والكتب وأشياء أخرى. وكالعادة ارسلت هذه الأشياء إلى السويد.
بشكل غير متوقع جاءتني رسالة ادخلت الاضطراب والقلق إلى قلبي. الجنرال ألبرشت فون فالنشتا يقترب بجيش قوامه أربعين ألف جندي. وبدلاً من ان اتوغل عمقاً باتجاه فيينا, فأنني غيرت مساري وسرت باتجاه الشمال للقتال ضد جيش الامبرطور.
لقد تجمع جيشي في النهاية في مدينة نورنبيرغ التابعة لولاية بافاريا الالمانية. حاصرت المدينة الواقعة ضمن اسوراها, ألبرشت فون فالنشتاين وفرقه العسكرية ضرب طوقاً حول جيشنا. نحن الأن محاصرون ما بين سور المدينة وجيش ألبرشت فون فالنشتاين. لم يعد في وسعنا التزود بالطعام او الحصول على العلف لخيولنا.
كافحت فرقنا العسكرية طوال الوقت ضد قوات العدو, العديد من الجنود مات والكثير جروحهم بليغة.
مات الناس داخل اسوار المدينة من الجوع ووضعنا لم يكن أقل سوء منهم. لم يكن في مقدورنا ان ننتقل من مكاننا.
لقد بقينا محاصرين مدة شهرين مما حذ بالعديد من جنودي ان يلووا الفرارهرباً عندما يحل الليل. أما ان يذهبوا إلى بيوتهم أو يلتحقوا بجيش فالنشتاين ويدخلوا في عداد جيشه.
لقد تعب جيش فالنشتاين وجيشي من الجوع, من خوض الحرب المفاجئة والخاطفة.
لقد خسرت عشرات الآلاف من الرجال وعلي ان اترك مثلهم من الجرحى في ساحة الوغى عندما يحالفني الحظ في الانسحاب من الحصار.
لقد قلقت كثيراً من الوضع الذي انا عليه. لقد خسرت محاولات كثيرة لهزيمة الجيش الامبرطوري وقريباً سيحل الخريف وعلي ان اجد مكاناً ألجأ إليه يمكننا ان ننتظرإلى حين ان يهل الشتاء. كنت ارغب في السيرإلى النمسا, لان هناك لا توجد حرب, كما يمكننا ان نجد الطعام للجنود.
لكن في الشمال الالماني هاجم فالنشتاين العديد من المدن مثلما فعلت سابقا عندما حررتها بعد صراع طويل وقتال مرير. تلك المدن تنتمي للسويد الان, ويجب علي ان ادافع عنها. لهذا تابعت سيري مع جنودي , مع الخيول والمدافع باتجاه الشمال. سرنا ببطئ شديد. أوراق الأشجار راحت تصفر وتذبل والرياح اصبحت باردة. الأمطارتهطل يوماً بعد يوم, الدروب اصبحت موحلة. كان من الصعوبة بمكان ان تجر الخيول العربات المغروزة في الأرض الموحلة او تتقدم.
كالعادة جاءت زوجتي ماريا إليانورا, حبيبتي كي تسلم علي. ركبت إلى جانبي في العربة, واصبح في مقدورنا ان نتحدث مع بعضنا. لقد كنت مشتاقا لها ولوطني ولستوكهولم. لاشك كنت في الحرب ولدي رغبة في اتولى رعاية بلدي السويد.
مضى شهرآيلول وجاء تشرين الأول ببرده ومطره وثلجه. بعد ان انتهى هذا الشهرارتفعت درجات الحرارة, لكن بدلاً من ذلك حل الضباب. احسست انني قلق وفي اعلى درجات الغضب والهيجان. دخلت عامي الثامنة والثلاثين ويجب علي ان افكر بالمستقبل. لقد انتصرت في العديد من المعارك وكنت على وشكل ان اصبح امبرطورا, لكن لم يبق لي الوقت لمتابعة الحروب.
مكثت زوجتي ماريا إليانورا في مدينة إرفورت الصغيرة في وسط غابة ضخمة.
خرجت مع جنودي وانتظرت خارج مدينة نومبورغ. لم اكن اعلم اين يتواجد فالنشتاين اوفرقه العسكرية الضخمة, واين تمكث. الخطأ الاكبر يكمن خلال الحرب ان تحصل على معلومات موثقة بشكل مغايرعن جيش الاعداء.
يجب علي ان اوقف تقدم جيش فالنشتاين, والا فان الحروب التي خضتها سابقا ستذهب هباء منثورة.
على جناح السرعة علمت ان فالنشتاين في طريقه باتجاه مدينة لوتزن. لو كان بمقدوري ان افاجئه في المعركة لكنت حققت انتصارا ساحقاً عليه. مضى النهاركله نحث الخطا نحو مدينة لوتزن. لكن ما ان حل الليل حتى توقفنا. العديد من الجنود افترشوا الارض العارية, بينما الضباط ناموا في العربات. بعد يومين وصلنا إلى نهر صغير الذي قف عائقا أمام تقدمنا. احد جنود فالنشتاين اكتشف موقع جيشي مما حدا به ان يبدأ الهجوم علينا. لقد خسرت عنصر المفاجئة ولم يكن في مقدوري ان اخذ المبادرة بالهجوم. وبدلاً من ذلك علينا ان نقابله في حقل مفتوح ملفوف بالضباب الكثيف.
القساوسة ركعوا على الأرض, صلوا وتعبدوا ورتلوا ترنيمة, يارب ساعدنا على ان ننتصر, نفتح القلعة.
جوادي الجديد قادني إلى الأمام. كنت سميناً وارتدي ثيابا من جلد الأيل كي يحميني.
تابعنا سيرنا إلى الأمام ببطئ تحت ثقل الضباب. كانت النيران تشتعل في مدينة لوتزن, وعند مخارجها, تنتظرالفرق العسكرية لفالنشتاين. تحركنا ببطئ, الضباب كثيفاً أكثر من اللأزم, لا يمكنا من الهجوم. بعد وقت طويل من الفترة الصباحية خف الضباب قليلاً.
واخيراً يمكننا بدء القتال.
يا يسوع.. يا يسوع, صرخت بصوت عالي:
سميت هذه الحرب باسمك.
ثم نزعت سيفي من غمده وصرخت:
ـ هجوم!
طبول الحرب قرعت وبعض الرجل نفخوا في الأبواق.
عندها بدأت اصوات المدافع لجيشي وجيش فالنشتاين بالهدير, ثم اشتبك الجنود والخيول من الجانبين, العديد من الجرحى والقتلى سقطوا في ساحات الوغى. الأن المعركة اكتملت. اصوات المدافع والبنادق تدوي في اعالي الفضاء. الخيوال تصهل والرجال يصرخون, ويتداخل كل شيء في بعضه. في ذات الوقت, يختلط الدخان المتصاعد من المدينة بالضباب في محيط القتال. لم يكن في مقدورنا ان نعرف من هو الصديق ومن هو العدو. الفرسان والجنود كان لديهم صعوبات ان يعثروا على بعضهم في ساحة القتال. كانت الاصوات والضجيج مريعا من ضربات المدافع والبنادق. جرحت الخيول, وصراخ الجنود الذين على وشك الموت يصعد إلى الذروة, يطلبون النجدة.
في هذه الفوضى, حدث هرج ومرج في صفوف جيشي انتهى بي المطاف عند العدو. العديد من رجالي حاولوا ان يحموني, لكن جنود فالنشتاين راوني وفهموا أنني ملك السويد كوستاف الثاني ادولف, لهذا هجموا علي بقسوة شديدة.
اصبت بطلقة نارية في كتفي اخرجت العظم من مكانه. وفي نفس اللحظة جرح حصاني. العديد من رجال ضمد كتفي وحموا ذراعي ودبروا لي حصان آخر.
ـ مافي مشكلة, صرخت بصوت عالي, ثم ركبت حصاني وتقدمت إلى الأمام. لكني لم اتحمل الوضع مدة طويلة, الأوجاع كانت فضيعة. قلت للمرافقين لي ان علي ان اعود ادراجي إلى المخيم. احد رجالي ركب جواده بالقرب مني ساندا ذراعي, لكننا تهنا, ضللنا الطريق من غزارة الدخان والضباب وقسوة القتال. احد رجال فالنشتاين عرفني مرة ثانية وهجم مقترباً مني. عندما اقترب مني أكثر اطلق النارعلي. الرصاصة اصابتني في ظهري. تابع حصاني تقدمه إلى الأمام. في النهاية سقطت من على السرج وبقيت معلقاً به, يجرني حصاني. وقعت على الأرض. العديد من الأعداء اقتربوا مني وهم على صهوات جيادهم. عندما علموا من أكون, خطوا خطوات سريعة وهم على صهوات جيادهم, اقتربوا أكثر, ثم اطلقوا الرصاص على رأسي. ثم غرزوا نصل السيف في صدري. كان ذلك في السادس من نوفمبيرمن العام 1632.
بدأ جنود فالنشتاين في نهبي. مزقوا ثيابي, جزمتي إلا قميصي بقي علي.
على اطراف مدينة لوتزن كانت جثث القتلى والجرحى مرمية على الأرض. طوال الليل بحث رجالي عن جثتي بين جثث القتلى والجرحى إلى ان وجدوني. تعرض جسدي إلى تسعة رصاصات وإلى ثلاثة طعنات ووخزة واحدة.
بكت زوجتي من الحرقة والألم عندما سمعت بموتي. اسرعوا في الذهاب إلى كنسية مدينة إرفورت حيث يمكث جثماني. أخذوا قلبي ووضعوه في علبه من الفضة واعطوها للملكة. ثم وضعوا جثماني في تابوت. لكن حلول الشتاء وصعوبة التنقل في الاوحال, حال من السير إلى الأمام. في بداية الصيف نقل التابوت إلى مدينة نيشوبينك في السويد. بقي التابوت في تلك المدينة مدة سنة قبل ان يدفنوني. لقد اخذ دفني مدة طويلة لترتيب قبريليق بي. بعد ذلك دفنوني في مقبرة كنيسة ريدا في استوكهولم.
كنت في الثامنة والثلاثون من العمرعندما سقطت ميتاً بالقرب من مدينة لوتزن في يوم كثر فيه الضباب. عشت حياة غنية مملوءة بالاحداث غيرت مجريات الأموركما غيرت وضع السويد كلها.
لقد بقينا فيما سبق في بلدان أخرى ويسرنا القضايا التي تتعلق بالبريد والبنوك. كما بعنا كميات كبيرة من النحاس والحديد إلى العديد من البلدان الأوروبية. لقد جعلت من السويد بلداً كبيراً يمتد على مساحات شاسعة ويطل على مؤانئ شمال المانيا.
لم اكن مجرد محارب مشهور. بمساعدة صديقي إكسيل أوكسينستيرنا جعلنا من السويد بلداً ديمقراطياً, للناس الحق في ان تفكر بما تعتقد به. بنينا الكثير من المدارس لجميع الأطفال والجامعات في العديد من المدن.
لقد اصدرنا صحيفة يومية وسمحت ببناء العديد من المدن الجديدة. أول مدينة بدأت ببناءها هي يوتوبوري كميناء يطل على بحر الشمال. اصبحت السويد في عصري قوية ومنيعة وغنية مثل بقية الدول الذي يضرب بها المثل.
بلادنا لم تكن الا مملكة صغيرة غير معروفة تقع في الشمال. لقد تولى صديقي إكسيل رعاية بنتي كريستينا. لقد رعاها ووقف إلى جانبها إلى أن اصبحت ملكة وحكمت السويد من بعدي.
لم يسعفني الحظ واصبح امبرطورا, لكني اصبحت اعظم ملك في تاريخ السويد, ولمئات السنين بعد موتي.
لقد لقبوني بالملك البطل.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟