أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد سعده - ثورات الربيع العربي .. حلم، أم كابوس ؟!















المزيد.....


ثورات الربيع العربي .. حلم، أم كابوس ؟!


أحمد سعده
(أيمï آïم)


الحوار المتمدن-العدد: 5589 - 2017 / 7 / 23 - 09:40
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


تبدأ القصة بأوبرا "نابوكو" الميلودرامية الحزينة التي أبدعها الموسيقي الإيطالي "فيردي" .. وتحكي مأساة اليهود ومعاناتهم في بابل القديمة إبان حكم الملك "نبوخذ نصر" الذي سبى اليهود وأذلهم بعد أن اجتاح أورشليم وهدم معبد سليمان .. ونابوكو صيغة تحقير لنبوخذ، والمقطوعة في مجملها ترمز إلى التحرر من الذل والعبودية..


وأمام فداحة السيطرة الروسية على خطوط الغاز الأوروبية وامتلاك روسيا لأكبر احتياطي غاز في العالم، ولدت فكرة مشروع خط غاز "نابوكو" العابر للقارات عام 2002 والذي تبنته أمريكا كبديل للغاز الروسي، عن طريق أنبوب ضخم بطول 3300 كيلو لنقل الغاز من تركمانستان عبر بحر قزوين وصولا إلى أذربيجان ومنها إلى تركيا، ثم إلى أوروبا والمرور ببلغاريا ورومانيا والمجر ليصب في مستودعات ضخمة داخل النمسا.


إن تسمية "نابوكو" إذن ذات معنى ومغزى كما تعودنا دائمًا من اليهود والأمريكان عند اختيار الرموز والأسماء .. إنها ليست فقط مجرد إشارة رمزية للخلاص من الهيمنة الاحتكارية الروسية المعلقة كسيف ديموقليس على رؤوس الأوربيين .. بل أيضا لإضفاء طابع ديني توراتي على المشروع، والسخرية من حضارة بابل القديمة وملكها العظيم الذي استعبد اليهود وسقاهم كئوس الذل في الأزمنة السحيقة ..


وهكذا، فإن الإعلان عن إسم نابوكو لم يتوقف عند حد السخرية من حضارة بابل، بل كان مقدمة صهيونية أيضا لغزو العراق وتدميرها عام 2003، والانتقام من أبناء بابل وأحفاد نبوخذ نصر، بعد أن حشدت امبراطورية الشر الأمريكية حلفاءها من الشياطين والأنجلوساكسون، واشتركوا مع يهود الأشكيناز والسفارديم والمزراحيون والفالاشا والكابالا في محاولة لإخراج العراق من التاريخ وإحياء الأحقاد اليهودية الدفينة.


سقوط بغداد كان بمثابة العزف الأول لمقطوعة نابوكو، وتأمين مسار الخط من خطر تقلبات صدام حسين المزاجية، كما ضمن لأمريكا السيطرة على أهم وريد نفط وغاز في الشرق الأوسط إضافة للسيطرة على الممرات البحرية من مضيق هرمز في مدخل الخليج الفارسي عبر المحيط الهندي وصولا لمضيق ملقا وانتهاء ببحر الصين الجنوبي .. وهي الممرات البحرية الحيوية التي تُغذي النمور الآسيوية بالنفط والمواد الخام، مما يعني قدرة أمريكية على ترويض هذه النمور، وقص مخالب الصين تحديدًا وتقييد صعودها.

رد الفعل الروسي تجاه احتلال العراق لم يتجاوز أكثر من عبارات الرفض والتنديد .. لكن كان لروسيا استراتيجية أخرى في مواجهة نابوكو ذلك المشروع الذي يهدد اقتصادها وأمنها القومي .. !!
أثارت روسيا تساؤلًا جدليًا قانونيًا على المستوى الدولي حول ماهية وتعريف بحر قزوين الذي يمر منه مسار أنبوب نابوكو .. وهل هو بحر، أم بحيرة ؟!

وإذا كان بحرًا فأين الترسيمات الحدودية بين الدول المطلة عليه .. وإذا كان بحيرة فإن من حق كل الدول المطلة عليه بما فيهم روسيا تقاسم ثرواته وموارده طبقا للقانون الدولي، ولا يجوز لتركمانستان أو أذربيجان إقامة أي مشاريع أو مد خطوط دون موافقة كل الأطراف المطلة على البحيرة .. ومن هنا تبنّت روسيا إعادة تعريف بحر قزوين على أنه بحيرة تتجدّد مياهها بواسطة نهر "الفولغا" الروسي .. وعبر هذا الجدل القانوني استطاعت روسيا تعطيل نابوكو لحين الإجابة على تساؤلها.


ولتفريغ المشروع من محتواه، قامت روسيا بإبرام اتفاقيات عبقرية لشراء فائض الغاز من "تركمانستان" و"أذربيجان" بعقود طويلة الأجل تضمن لروسيا انسحاب الدولتين من تعهداتهما نحو اتفاقية نابوكو .. ما يعني أن المشروع النابوكاوي أصبح أنابيب بدون غاز .. نكتة فارغة لم تنسى روسيا أن تسخر منها في كل المحافل الدولية واعتبرت المشروع مجرد أوبرا بدون ألحان وإنشاد فوضوي يردده الأوروبيون والأمريكيون.

واتبعت روسيا سياسة احتكارية شاملة بالإعلان عن مشروعات استثمارية ضخمة في مجال الغاز في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية .. كما أعلنت عن مشروعات ضخمة لإمداد الغاز الطبيعي عبر ثلاثة خطوط عملاقة:
- مشروع السيل الجنوبي "ساوث ستريم" من البحر الأسود لبلغاريا ومنها إلى رومانيا فالنمسا فاليونان وينتهي بإيطاليا ..
- مشروع السيل الشمالي "نورث ستريم" من شمال روسيا إلى المجر إلى ألمانيا ..
- مشروع السيل الأفريقي "أفريكان ستريم" الذي أبرمته شركة "غاز بروم" الروسية مع نيجيريا التي تملك تاسع أكبر احتياطي للغاز في العالم، لإمداد خط غاز عملاق يمر بالنيجر ثم ليبيا ثم إلى أوروبا عبر إيطاليا التي وافق رئيس وزرائها "برلسكوني" آنذاك على بيع نصف حصة شركة "إيني" الإيطالية لروسيا..

وكان طبيعيا أن ينال القيصر بوتين بعد هذه الاستراتيجية وسام الاستحقاق متربعًا على عرش السياسة العالمية بعد أن غرد خارج السرب وعزف منفردًا بعيدًا عن النشاز النابوكاوي، واستعاد لروسيا مكانتها العالمية اقتصاديًا وسياسيًا.



لكن القصة لم تنتهي بعد، بل كان لها فصولًا أخرى .. أمريكا لم تقف مكتوفة الأيدي رافعة الرايات البيضاء أمام الاستراتيجية الروسية الرهيبة .. بل جاء الرد سريعًا:
فلم تكن صدفة في إيطاليا أن يتم عزل برلسكوني بعد هذه الواقعة كسبب رئيسي بعد تقديم أسباب أخرى للجماهير تتعلق بالتهرب الضريبي ..
ولم تكن صدفة أن تشن جماعة "بوكو حرام" الإسلامية المتطرفة أولى عملياتها الارهابية في نفس السنة التي وقّعت فيها روسيا عقدها مع الحكومة النيجيرية ..
والسياسة بالطبع ليس فيها ثمة مجال للصدفة.


واستغلت أمريكا كل حلفائها وعلاقاتها السياسية والعسكرية والمادية في سبيل إحياء مشروع نابوكو وإعطائه قبلة الحياة، ولكن هذه المرة بتوفير مزود للغاز بديلًا عن تركمانستان وأذربيجان اللذين خضعا للدب الروسي..
ووسط ذهول روسيا والعالم تم التوقيع على مشروع "نابوكو" عام 2009 رغم كل الشكوك التي تحيط بنجاح المشروع في ظل عدم وجود مزود للغاز..

والحقيقة أن الأمريكان كانوا بالفعل قد وجدوا البديل الجاهز .. هناك .. في صحراء شبه الجزيرة العربية حيث دولة قطر ..

قطر تملك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم بعد روسيا وإيران، وتعتمد فكرة تصدير غازها على تقنية "الإسالة" المكلفة للغاية .. مما جعل من فكرة نابوكو حلًا ذهبيا للقطريين عن طريق إمداد خط من حقل فارس في قطر ليمر عبر السعودية ثم الأردن ومنها إلى سوريا ثم إلى تركيا ليلتقي بنابوكو..

وابتسمت الأقدار أيضًا للأمريكان حينما اكتشفت إسرائيل عام 2009 كميات هائلة من الغاز في حقل تمار قبالة سواحلها بالمتوسط، ما جعل من إسرائيل شريكًا هاما في نابوكو عن طريق إمداد خط من إسرائيل يمر بلبنان ثم سوريا ثم يلتقي بنابوكو هو الآخر في تركيا..
إذن فإن سوريا أصبحت مركزًا يمر منه الغاز القطري، والغاز الإسرائيلي إلى تركيا حيث نابوكو .. ولكن حدث مالم يكن في الحسبان .. !


لقد اصطدم الحلم الأمريكي بنظام الأسد الذي رفض مقترح أمير قطر لمرور الأنبوب القطري من الأراضي السورية .. والسبب ببساطة هو أن سوريا لن تضر بمصالح أهم حليف لها على الإطلاق وهو الدب الروسي، كما أن سوريا أبرمت اتفاقا مبدئيا مع إيران وروسيا لإنشاء خط غاز مواز
لنابوكو وينقل الغاز من إيران التي تملك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم إلى العراق ثم سوريا ثم إلى سواحل لبنان ومنها إلى أوروبا ليلتقي بخط السيل الجنوبي "ساوث ستريم" الروسي..


ومن هنا أصبحت سوريا والإطاحة بنظامها وتحويلها إلى دولة فاشلة يسهل التعامل على أرضها، مسألة "نكون، أو لا نكون" بالنسبة لأمريكا وحلفائها الذين جن جنونهم ..
فسوريا بحكم موقعها الجيوبولوتيكي تمثل عقدة وصل بين آسيا وأوروبا، ورفضها لمرور الغاز القطري سيقف حجر عثرة أمام مشروع نابوكو، ومن جهة أخرى ستساعد على مزيد من النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة .. وما زاد الطين بله، أن المسح الجيولوجي بالقمر الصناعي أوضح أن سوريا تمتلك تحت أراضيها احتياطي ضخم من الغاز يؤهلها لأن تصبح بين الدول الست الأكبر تصديرًا للغاز في العالم.


كل هذه الأقدار الجيوسياسية وضعت سوريا على المحك، وجعلت منها مفتاح الزمن القادم.


وتحركت أمريكا على كل الأصعدة لإخضاع هذه المنطقة الحيوية ورسم ملامح شرق أوسط جديد يسهل من عملية فرض السيادة والسيطرة والتمهيد للنظام العالمي الذي طالما تحدثت عنه المحافل الماسونية، ونقشوه على عملة الدولار الواحد ورمزوا إليه بالعين الماسونية والهرم.
واتفقت أمريكا مع تركيا على أن تساعد أمريكا أردوغان على تولي خلافة المسلمين عبر حزب إسلامي سني قوي يسهل من عملية إعادة تقسيم المنطقة، ومساعدة تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي.
وقد وجدت أمريكا ضالتها في "الإخوان المسلمين" كجماعة منظمة ومستعدة في سبيل الوصول إلى السلطة لتقديم أي تنازلات والموافقة على أي إملاءات أمريكية تركية.


إن الشرق الأوسط وليمة كبرى تغري الجميع على التهامها .. فتاة جميلة وغنية يتودد إليها الكل بالذهب والمال والدولار، ويتقاتلون من أجلها بالسلاح والدم والنار .. والرابح من هذه الحرب سيتربع على قمة أعلى دول العالم تصديرًا للغاز وجنيًا للأرباح.
ومن أجل هذا دخلت أمريكا حربًا جديدة من حروب الجيل الرابع بالسيطرة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وشراء الذمم بالمال، لتعبئة الجماهير العربية ونشر الفوضى وتأجيج الفتن وإثارة النزعات الدينية والعرقية عبر خطط وبروتوكولات اليهود الماكرة لإشعال الثورات تحت ستار شعارات بريئة رقيقة في ظاهرها، وحشية مخربة في مضمونها.


لتنفجر براكين الربيع العربي .. !!

غير أن مجتمعات الربيع العربي بعيدًا عن أي مؤامرات كانت تحمل في رحمها بالأساس جنين هذه التعبئة، خصوصًا وأنها مجتمعات الفقر والجهل والتبعية والتهميش والاستبداد والديكتاتورية ولصوصية الحكام وضيق أفقهم .. ولا أحد يستطيع أن يلوم شعب جائع في الثورة على حكامه حتى لو كانت ستؤدي إلى لا شيء.

ولكن الخطر كل الخطر هو من مؤامرات توظيف هذه الثورات، وهو ما فعلته أمريكا وحلفائها بتوجيه الأحداث للقضاء على الأنظمة التي تعترض مشروعها وخلق أنظمة بديلة قابلة لقبول أي شروط واملاءات أمريكية .. وتضليل الشعوب الفقيرة في غياهب شعارات مضللة هتف بها الثوار في مختلف العواصم العربية بمنتهى البراءة والحماس والعفوية، رغم أن معظمها شعارات جوفاء يقف وراءها عقول ماكرة وضعتها في أفواه هؤلاء الثوار السُذَّج.

وانقلبت ساحة الربيع العربي إلى مسرح كبير من الأحداث الدموية .. وتمخض جبال الثورات لينجب فأرا ينذر بالطاعون الأسود والويل والثبور وعظائم الأمور .. وتحولت حروب الشعارات إلى حروب أشخاص وجماعات، وحروبًا بالوكالة .. والحصاد كان ويلًا وخرابًا للجميع ..

بدأت أمريكا وحلفاؤها بالرئيس الليبي معمر القذافي الذي كان قد وافق على مرور خط غاز روسيا ”السيل الإفريقي“ القادم من نيجيريا .. كما كان قد أقدم في العام 2010 على جمع 180 طنا من الذهب وصك عملة باسم الدينار الذهبي ذو قيمة ثابتة مرتبطة باحتياطي الذهب، في خطوة منه للتعامل بها في إفريقيا كبديل للدولار .. وقام بالفعل بالتعاون مع كابيلا في الكونغو ولوران غباغبو في كوت ديفوار لتأسيس اتحاد افريقي نقدي .. وهو بالطبع ما هدد مصالح أمريكا وهيمنتها في القارة السوداء.

واجتاح حلف الناتو ليبيا بدعوى إنقاذ الشعب الليبي من مذابح القذافي الذي تم قتله بطريقة بشعة .. وانتهى الأمر باستيلاء شركة "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية على النفط الليبي، وتركوا الشعب الليبي للدمار والخراب وويلات الحرب الأهلية والتقسيم .. وكل هذا حدث في ظل موقف روسي مرتبك ومتردد.

ولم تنسى أمريكا أن تتخلص من كابيلا، كما اعتقلت فرنسا لوران غباغيو تأديبًا لهما على تعاونهما مع القذافي.

فهل كان التدخل حقًا لإنقاذ الشعب الليبي .. ؟!

وفي مصر صارت الأمور كما ينبغي بالنسبة للأمريكان بوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم .. ولكن بقيت المعركة الأهم استراتيجية بالنسبة لأمريكا والغرب هي إسقاط "سوريا"..

إن إسقاط سوريا يعني تحويلها لشبه جزيرة مفتوحة على البحر ومعزولة كلبنان تمامًا، كما يضمن لأمريكا مرور الغاز القطري والسعودي والإسرائيلي عبر أراضيها إلى تركيا والإلتقاء بنابوكو، ويحول دون مرور خط الغاز الإيراني .. ويمهد الطريق لإقامة دولة الأكراد، إضافة لتحقيق أطماع إسرائيل في الاستيلاء على ثلاثة آبار للغاز في سوريا تقع مناصفة بين أرض تحتلها إسرائيل وأرض تابعة لمحافظتي القنيطرة ودرعا التي تحتلها داعش دون أن تدري أن تواجدها على هذه الأرض ليس سوى لحراسة هذا الغاز وتأمينه مستقبلا لإسرائيل..

وقد دعمت أمريكا وتركيا وقطر والسعودية الجماعات الإرهابية داخل سوريا والمعارضة المسلحة .. وسارت الأمور كلها في طريق الحرب، وتوقع الكل سقوط مدو للأسد ونظامه .. غير أن دخول الدب الروسي كطرف أصيل في هذه الحرب الطاحنة غير معالمها تمامًا.
وطبقا للقانون الدولي فإن روسيا تخوض حربًا مشروعة على أرض سوريا وبرضاء الحكومة والدولة المركزية السورية وضد جماعات مرتزقة وإرهابيين ممن يسميهم الغرب بالثوار أو الجيش الحر .. بينما تخوض أمريكا والغرب وحلفاؤها من دول الخليج حربًا لإسقاط النظام نفسه.

وبعد التقدم الروسي وإحراز نصرًا تلو الآخر ضد وكلاء الغرب داخل سوريا، تدخل أوباما وعرض عرضًا غريبا على بوتين بالتعاون معه داخل سوريا بشرط أن تشتمل خطة التعاون الإطاحة بالأسد ونظامه .. وكان رد بوتين الحاسم هو أن التدخل الروسي في سوريا أساسًا لمساندة الحكومة الشرعية في سوريا.

إن روسيا إذن كانت الصخرة التي تفتتت عليها الخطة الأمريكية القطرية التركية السعودية الإسرائيلية لإسقاط النظام السوري .. ونتيجة لهذا الموقف الروسي تزايدت شعبية بوتين بدرجة ملحوظة في الشرق الأوسط موجهًا صفعة قوية لأمريكا ومشروعها.
غير أن أمريكا في سبيل إظهار العين الحمراء لخصومها لوَّحت مهددة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران التي كانت قد أعلنت بشكل رسمي في يوليو 2011 عن اتفاقية مع سوريا والعراق لإمداد خط الغاز الإيراني إلى أوروبا عن طريق المرور بالعراق ثم سوريا ثم لبنان ثم إلى أوروبا للإلتقاء بخط السيل الجنوبي الروسي.

وفي مقابل هذا التهديد العسكري ردت خارجية روسيا في عام 2012 بأن قيام الغرب بأي تحرك عسكري ضد إيران سيكون خطأ جسيم ..

ولتوضيح هذه الرسالة أتبعها بوتين بأخرى واضحة قائلًا: إن تجاوز الغرب وقيامه بأي أعمال منفردا على الساحة الدولية سترد عليه موسكو بشدة .. وهو ما يعني إنذارًا للغرب بأن ما حدث في العراق وليبيا لن تسمح روسيا بحدوثه في إيران..

وقد وصل الهلع الأمريكي من روسيا حد الاتهامات لترامب بالعمالة لصالح بوتين والخوف منه، وأن بوتين كان أحد أسباب نجاح ترامب .. بل وحذرت زوجة ترامب زوجها من الالتقاء ببوتين منفردًا في اجتماع قمة دول العشرين يونيو 2017.


وتتوالى الصفعات على وجه الأمريكان، ولكن هذه المرة كانت الصفعة قوية ومدوية بعد أن أطاح الجيش المصري بجماعة الإخوان المسلمين كأهم ورقة راهنت عليها أمريكا في مخططاتها لتقسيم المنطقة .. وهذا ما يفسر شراسة الهجوم الأمريكي الأنجلوساكسوني التركي القطري على مصر..


إذن نحن أمام لاعبين مهمين في هذا الصراع الماراثوني الدموي .. مصر وسوريا ..

ولأجل ذلك دفعت مصر ضريبة قصوى من دماء وأرواح جنودها وأبنائها في مواجهة الإرهاب الشرس المدعوم من أمريكا والغرب وقطر، كما تعمد هذا التحالف الشيطاني الزج بمصر إلى حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ثم الانفصال عن التاريخ، لولا صلابة الشخصية المصرية التي لم تستجب لمحاولات إحراق شعبها في أتون فتنة طائفية..

واستطاعت مصر رغم الصعوبات والحصار الإرهابي الخانق أن تضع قدمًا على سلم اكتشافات الغاز بإعلان إيني الإيطالية عن اكتشاف غاز حقل "ظهر" في البحر المتوسط والذي يبدأ تشغيله فعليا في نهايات 2017.. وفي سبيل تأمين هذه الثروة القومية اتبعت الدولة المصرية استراتيجية من عدة جهات:
- الإسراع أولًا في طريق تسليح الجيش والأسطول البحري بالذات لردع أي تهديدات أو محاولات متهورة للتفكير في الاستيلاء على هذا الكنز الثمين.
- الاستفادة من التناقضات بين الدول العظمى بتوطيد العلاقات العسكرية والاقتصادية مع الصين وروسيا.
- ترسيم الحدود البحرية مع كل من اليونان وقبرص والسعودية لتأمين حقوق مصر في ثرواتها النفطية والغازية والبدء في عمليات الاستكشاف.
- إبرام اتفاق ما سمي بـ"إعلان القاهرة" بين مصر وقبرص والذي يقضي بعدم السماح لأي دولة أخرى في التنقيب في حدود أي منهما إلا بموافقة الطرف الآخر، ما يعد طردًا لإسرائيل من التنقيب في حدود قبرص.
- تراجعت مصر عن اتفاقها المبدئي بخصوص استيراد الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي، ما يعني خسارة قومية لإسرائيل التي لا بديل لتصدير غازها سوى لمصر أو الأردن.

وفي العام 2014 بلغ النفوذ الروسي مداه حينما رفعت روسيا سقف التحدي ضد أمريكا والناتو بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في عام 2014، لضمان السيطرة على البحر الأسود وإزالة أي عوائق قد تحول دون مرور خط غاز السيل الجنوبي في البحر الأسود.

إن غزو بوتين لأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم في حالة من عدم التصديق كان بمثابة الاستهانة بالغرب والأمريكان .. وكان بمثابة اعتلاء بوتين على عروش قلوب الملايين من الشعب الروسي الذين طالما حلموا بعودة القرم كجزء من رومانسية الامبراطورية الروسية.

إن بوتين رأى بعينه الضعف الأمريكي الغربي في سوريا .. وهذا ما ملأه بالثقة من أن ردود الفعل الأوروبية لن تتعدى مجرد الإدانات الببغائية، ثم العودة لاستجداء الشراكة التجارية مع روسيا مثلما تفعل ألمانيا وأسبانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال.

وقد أدركت أمريكا حجم الخطر الروسي الذي يسحب البساط من تحت أقدامها شيئا فشيء .. وهو ما ظهر في ارتباك تصريح وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر في أكتوبر 2016 حينما ذكر أن واشنطن لن تتردد في إشعال حرب نووية إذا لزم الأمر .. وهو تصريح يدل على الخوف وليس الثقة.

غير أن أمريكا تدرك جيدا أن المواجهة العسكرية مستحيلة مع روسيا التي تملك الغواصة تايفون ذو الرؤوس النووية القادرة على محو أوروبا بالكامل .. كما تملك صاروخ بولافا بعيد المدى الذي يحمل 10 رؤوس نووية قادرة على الاتجاه في مسارات وأهداف مختلفة في نفس اللحظة سواء كانت برًا أو بحرًا أو جوًا ..

إن المواجهة العسكرية هنا لن تعني سوى حرب عالمية ثالثة تهلك الكرة الأرضية بأكملها.

ولأن روسيا تفصل جيدا بين القضايا السياسية والاقتصادية، فقد تجاوزت خلافها مع السعودية على أرض سوريا، وأعلن بوتين في لقاء جمعه في موسكو بتاريخ مايو 2017 مع محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي عن توافق تام حول مسائل النفط.

كما قرر بوتين في نفس الشهر مايو 2017 إلغاء العقوبات التي كان قد وقعها ضد تركيا ردًا على تدمير مقاتلة روسية جوية من طراز سوخوي في نوفمبر 2015 .. وبعدها بشهر واحد ترجم بوتين هذا التقارب بالإعلان عن أعمال بناء قسم خط أنابيب المياه العميقة التركي والذي سيسمح بتزويد تركيا بالغاز الروسي، إضافة لإمكانية نقل هذا الغاز من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بدلا من نابوكو.


لقد أدركت تركيا أخيرا أن ارتمائها في أحضان السياسة الأمريكية طيلة سنين مضت لم يضف إليها سوى الخسارة والعداوات .. وقد حان الوقت للتخلص من هذه التبعية.

وهذا يفسر تراجع الدور التركي في الحرب ضد سوريا، وتراجع الهجوم الإعلامي التركي على النظام المصري.
ومع الأخذ في الاعتبار أن دولة مثل قطر هي أكثر براجماتية وانتهازية من واشنطن نفسها، يتأكد لنا أن العلاقات القطرية الأمريكية لا تحكمها سوى المصالح، بدليل علاقات قطر القوية مع إيران التي تشترك معها في أكبر حقل غاز في العالم .. ما يعني أن إيران قد تكون الحل بالنسبة لقطر في نقل الغاز القطري إلى أوروبا.

وهو الأمر الذي أغضب ترامب ودول الخليج وفي مقدمتهم السعودية .. وأدى بالإعلان في النهاية عن مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر وقطع العلاقات معها ..


إلى هذا المدى تستطيع القول أن ما يحدث على ساحة الشرق الأوسط مؤامرة استعمارية كبرى، لا تهدف سوى للطمع .. ثم إلى مزيد من الطمع .. إنها ليست مجرد حرب لإسقاط ديكتاتور هنا أو لردع جماعة إرهابية هناك .. ولكنها حرب غير معلنة لامتلاك الغاز، والرابح فيها سيملك هذا العالم.

إن الصراع على الشرق الأوسط هو صراع بين الدناصير والحيتان والأسود الجائعة، ولكن دون مواجهة مباشرة .. والدول الكبرى تعرف جيدًا أنها لا يمكن أن تدخل في مواجهات مباشرة ضد بعضها البعض بسبب التسليح النووي، وجل ما يمكن القيام به هو حروبًا بالوكالة.
وفي سياق هذه البربرية الغربية التي تتحالف مع الاتجاهات السلفية الماضوية، يتجه العالم ببطء نحو ديستوبيا الهلاك الجماعي .. غير أن كل الخيارات ممكنة في السياسة، وقد ينتهي الصراع بإعادة توزيع مناطق الهيمنة والنفوذ بالتراضي بين الدول المتصارعة..


فإلى أين نتجه .. ؟!

أحمد سعده
كاتب سياسي من مصر

مصادر:

en.wikipedia.org/wiki/Natural_gas
http://www.eia.gov/naturalgas
https://www.cia.gov/library/publica...
http://www.noonpost.net/content/786
http://www.voltairenet.org/article1...‎
http://www.bbc.com/arabic/business/2011/07/110724_iraq_iran_syria_gas.shtml
http://www.bbc.com/arabic/worldnews...
www.aljazeera.net



#أحمد_سعده (هاشتاغ)       أيمï_آïم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشتُ مرتين ..
- الأسد سلطان
- العذاب الصامت
- ليمون بالنعناع
- المصحف الشريف
- المرأة .. نضال لا ينتهي!
- موتوسيكل
- رقية وعثمان
- رسالة إلى ضائعة
- عن الوحدة
- عن الإنتحار
- دين الحب
- الحب آخر ما تبقى من أمل
- عم سعيد ليس سعيدا.
- الحل الأمني لا يكفي للقضاء على التطرف!
- الأشياء ليست دائما كما تبدو!
- طفلة وشيكولاتة
- الرسول وشارلي إيبدو.
- قصة رواية غيرت التاريخ
- صديقتي الألمانية والدين والسياسة.


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أحمد سعده - ثورات الربيع العربي .. حلم، أم كابوس ؟!