أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي عبد الجليل - الغزالي كارثة الإسلام














المزيد.....

الغزالي كارثة الإسلام


محمد علي عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 5558 - 2017 / 6 / 21 - 02:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إنَّ كلمةَ "الحقيقة" مُشتقَّةٌ مِن الفعلِ "حَقَّ" أيْ: حَصَلَ فِعلاً. فإذا بَحثْنا في الحقلِ الدِّلاليِّ للجذْرِ اللُّغويِّ العربيِّ لكلمةِ "حقيقة" نَـجِدُ أنَّ الـمِعيارَ الأساسيَّ الذي يجعلُ مِنَ الشَّيءِ "حقيقيًّا" هو مُعاينةُ حدوثِهِ في الواقع المادّيِّ. وبالتالي فــ"الحقيقةُ" جاريةٌ متغيِّرةٌ دائماً ونِسبيَّةٌ ومُتعدِّدةٌ وقابلةٌ للرَّصد وشخصيّةٌ تُلامِسُ الفردَ أو الجماعةَ. 
فأيُّ شيءٍ لا يلامسُني الآنَ ليسَ "حقيقةً" لي الآنَ ولكنَّه قد يصبحُ "حقيقةً" لي في آنٍ آخر أو قد يكون "حقيقةً" الآنَ لشخصٍ آخر...
فالرّابطُ الوحيدُ الذي يربِطُنا بـ"الواقعِ-الحقيقةِ" هو إذًا الـحواسُّ. الحواسُّ هي النَّوافِذُ الوحيدةُ للإنسانِ على حقائقِ هذا العالَمِ. وبدلًا مِن أنْ يُطوِّرُها الإسلامُ فقَدْ جاءَ الغزَّاليُّ فكذَّبها (في كتابه المنقِذ مِن الضَّلال، ط2، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع، بيروت، 1969، ص 12 و13) واعتبرَها تُشوِّهُ الحقيقةَ واستبدَلَها بِوَهْمِ العقيدةِ.
ما فعلَه الغزَّاليُّ هو أنه استغنى عن الحواسِّ في رحلةِ بحثِهِ عن الحقيقة، بينما ظَلَّ ديكارتُ محتفِظاً بها كدعمٍ له في رحلةِ بحثِهِ. وقد أشارَ الباحثُ التونسيُّ الفرنسيُّ مُنْصِف شِلِّي إلى ذلك بقوله:

« Dans son doute Descartes se ménage une issue et s’arrange pour trouver la pensée comme un appui et un fondement, le doute de Ghazâlî est d’une autre sorte. C’est une récurrence dans l’annulation des évidences. » (CHELLI, Moncef, La parole arabe : Une théorie de la relativité des cultures, Éditions Sindbad, Paris, 1980, chapitre « La parole arabe », p. 284.)
"إنَّ ديكارت في شكِّه يُؤَمِّنُ لنفسِه مَخْرجًا ويَسعى جاهِدًا ليجِدَ الفكرَ دَعمًا وأساسًا، وشكُّ الغزَّاليِّ مِن نوعٍ آخَر. إنه نُكوصٌ في إلغاء البديهيات."

لقد كذَّبَ الغزَّاليُّ حاكِمَ الـحِسِّ ووصلَ به الأمرُ أنْ جعَلَهُ يُكَذِّبُ حاكِمَ العقلِ، وادَّعى وجودَ حاكِمٍ آخر إذا تَـجَلَّى كَذَّبَ العقلَ في حُكْمِهِ، ثمَّ افترضَ أنَّ هذا الحاكِمَ الآخرَ لا يَكونُ إلاَّ في حالةِ الموِت مُستنداً إلى ما يُسمَّى "دليلًا نقليًّا" وهو حديثُ نبيِّ الإسلامِ محمَّدٍ ("الناسُ نِيامٌ فإذا ماتوا انتبهوا"). ثمَّ ادَّعى الغزَّاليُّ أنَّ نفسَه شُفِيَتْ مِن مَرَضِ السَّفسَطةِ وعادت تَقْبَلُ المنطِقَ (الضرورياتِ العقليَّةَ) وأنَّ شفاءه هذا حصَلَ بفضلِ قوَّةٍ خارجيّةٍ ("نورٌ قذَفه اللهُ في الصَّدرِ"). ثمَّ ارتمى في أوحال التقليدِ وجرَّ إليها أُمَـمَ العربِ والإسلامِ.  وأقصى ما توصَّلَ إليهِ سَقْفُ وعْيِهِ الإقصائيِّ هو الاستشهادُ بقولِ محمَّدٍ عن علامةِ النُّورِ وهي التَّجافي عن دار الغُرورِ والإنابةِ إلى دار الخلود. 
وأصبحَ مفهومُ البحثِ ("العلميِّ" أو العِرفانيِّ) عند الغزَّاليِّ هو التعرُّضُ لنفحاتِ الله العشوائيّةِ، واستشهدَ على كَذِبِ الحواسِّ الساطعةِ بحديثٍ لمحمَّدٍ يَشْرَحُ نظريَّتَه عن الخَلْقِ متخيِّلاً –أيْ محمَّد- أنَّ اللهَ عندما خَلَقَ الخَلْقَ في طَنجرةٍ مُعْتِمةٍ رشَّ عليهم مِن تَوابِلِ نُورِه. (الحديثُ هو: "إنَّ الله تعالى خَلَقَ الخَلْقَ في ظُلمةٍ ثمَّ رَشَّ عليهم مِن نُوْرِهِ.")
ولو كان لدى الغزَّاليِّ وعيٌ منفتِحٌ وانتباهٌ كافٍ لرأى أنَّ حاكِمَ الـحِسِّ وحاكِمَ العقلِ صادِقَينِ، ولكنْ لهما حدودُهما، ولَـمَا كان لـَجَأَ إلى حاكِمِ الذاكرةِ الـجَمعيةِّ الـموروثةِ الـمُضلِّلةِ التي لا دليلَ عليها والتي لا معنىً محدَّدًا لها، فكلُّ امرئٍ يُؤَوِّلُها على قدر وعيِه.
الغزَّاليُّ بعدَ أن أدركَ حدودَ الحواسِّ، ونظراً لسيطرة النقلِ وحُمَةِ القرآن عليه، ارتعدَت فرائصُه مِن هَوْلِ الشَّكِّ فهرعَ يَتزمّلُ بالموروثِ الدينيِّ وفقأَ عينَيهِ فعجِزَ عن النظرِ والرصدِ. وليتَه صمَّ أذنَيه عن سماعِ أصواتِ الموروث. ولا أدري لَعمري لِمَ صَدَّقَ أُذُنَيهِ ولَمْ يُصَدِّقْ عينيهِ.
الكارثةُ هي أنَّ الغزَّاليَّ قد وَرَّثَ فِعلَتَه هذه إلى قومِه مِن بعدِه ففقؤوا أعينَهم وأطلقوا رصاصةً على عقولهم وغطُّوا في سُباتٍ عميق.
ثمَّ جاءَ ديكارتُ فقَرأَ منهجَ الغزَّاليِّ وفضَّلَ أنْ تتقاذفَه رياحُ الشَّكِّ ولاموثوقيةُ الحواسِّ وأنْ يَحتفظَ بحواسِّهِ (على عِلّاتها) على أن يتدثَّرَ بتراثِه النقليِّ الإبراهيميّ.



#محمد_علي_عبد_الجليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أسباب تراجع الوعي الحضاري لدى العرب والمسلمين
- في الخوف
- يا خمرتي يا ربتي
- أُصَلِّي إلى الراح
- راحوا
- تعالى ذكرها الأسمى
- القلب يرشف خمرة في صمته
- قم فاسقنيها
- أعاقر ويسكي
- ملاحظات حول التقمص
- رسالة إلى مؤمن
- مفهوم الله
- قراءة جديدة لقصة أضحية إبراهيم
- القرآن وثقافة الخوف. كيف يشل القرآن نفسية المسلمين؟
- لماذا القرآن؟ ولماذا فيه أخطاء؟
- أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية: قراءة تفكيكية
- بضع ملاحظات على أسلوب الالتفات في القرآن
- كيف يحجب القرآن الرؤية؟ (2)
- الأخطاء اللغوية والإنشائية في القرآن: رد على سامي الذيب
- نشأة الكون بين الخلق والتجلي والأزلية


المزيد.....




- لجنة طوارئ كنيسة العائلة المقدسة في غزة تقرر البقاء في الكني ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -العقاب الجماعي- في غزة
- البرلمان يصوّت على مدونة الأحوال الشخصية وفق المذهب الجعفري ...
- جدل إثر تخصيص متحف في البوسنة ريع مخطوطة يهودية ثمينة لدعم س ...
- الجزائر.. إخماد حريق ضخم بالشريعة قرب العاصمة وسط إجلاء العا ...
- بابا الفاتيكان يطالب بوقف العقاب الجماعي والتهجير القسري للف ...
- بابا الفاتيكان يوجه مناشدة قوية لإنهاء الحرب في غزة
- -سأنهي الإسلام في تكساس-.. مرشحة أمريكية تحرق نسخة من القرآن ...
- الحاخام الرئيسي لبولندا: -لا يجب تجويع المدنيين في غزة فهذا ...
- مراهقان خططا لهجمات على معابد يهودية وبرج إيفل.. هل تتوسع ظا ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي عبد الجليل - الغزالي كارثة الإسلام