|
الأمل غير المنظور
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 5536 - 2017 / 5 / 30 - 17:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما نراه من معطيات بالواقع العالمي والمحلي بمنطقة الشرق الأوسط، يقودنا إلى نتيجة أوضحناها في أكثر من مقال ومجال. خلاصتها أن البشرية الآن بإزاء تسونامي وحشية ظلامية دينية مسعورة، يقوم بنجاح باهر الآن بتخريب الشرق الأوسط، ويتقدم بذات النجاح المرحلي التدريجي ليتغلغل في جسد أوروبا، مدعوماً بتكاثر سكاني هائل، لهذه الشعوب الحاملة لفيروس العداء والكراهية للحضارة، وضغطها المستمر للانسياح باتجاه أوروبا. وقد تجردت أوروبا كما سبق وأن أوضحنا في مقالاتنا السابقة بسبب "تحضرها الفائق"، من المقدرة على الدفاع عن نفسها، في مواجهة البدائية الوحشية التي تداهمها من الشرق. نكون هكذا مقبلين على مرحلة تخريب "مع سبق الإصرار والترصد" للحضارة الإنسانية، التي تعد أوروبا قلبها الذي يضخ الدماء في سائر أنحاء الجسد. لن يقتصر الأمر فيما نرى على تحول الشرق الأوسط إلى خرائب بكل ما تعنيه الكلمة، نرى الآن نماذجاً منها في العراق وسوريا وليبيا. وإنما سيسقط القلب الأوروبي ذاته، والذي يتلقى الآن التباشير الأولى لضربات التسونامي الشرق أوسطي. ورغم بقاء بعض الأمل في تماسك شعوب الشرق الأقصى الصفراء أمام هذا المد الوحشي، إلا أننا نظنها غير قادرة على الاحتفاظ حتى بمستوى حضارتها الراهن دون الاعتماد على القلب الأوروبي. فما حضارتها الراهنة سوى صورة تنعكس في مرآة للحضارة الأوروبية الأصل. هذا في الوقت الذي قد تذهب فيه الأمريكتان الشمالية والجنوبية إلى عزلة إجبارية، اتقاء لشر الظلامية والتخريب الذي لا راد له. يمكن أن يكتمل توقعنا هذا إن صح خلال قرون قليلة، ليعيد البشرية فيما نسميه "العالم القديم" إلى ما قرب الوحشية البدائية الأولى. لا نقول بحتمية تحقق هذه الرؤية التي يقودنا إليها مد الخطوط الموجودة على أرض الواقع الآن على استقامتها بنسبة 100%. فقد تتحقق كلياً أو جزئياً، لكن كسر هذه الصيرورة أو عودة البعث من رمادها لن يتأتى بأي من العناصر الواقعية الآن، وإنما بفضل قانون طبيعي يستخلق الحياة مما نظنه مواتاً. ليس ما بالواقع المنظور هو كل شيء. هناك الأخطر والأعمق تأثيراً وإبداعاً، وهو غير المنظور ولا الموجود الآن. فقبل نشأة الحياة على سطح كوكبنا، حين "كانت الأرض خربة وخالية"، لم تكن ثمة دلائل ولا عناصر منظورة تشير إلى أن حياة مزدهرة ستظهر على سطح هذا الكوكب بعد بضعة ملايين من السنين. هناك خاصية اكتشفها العلم حديثاً في المادة، وصيغت في نظرية تم إثباتها عملياً في العديد من المجالات المادية الصماء والبيولوجية، تسمى "نظرية الانتظام الذاتي". تكشف هذه النظرية عن قدرة المادة على الابداع وتشكيل منظومات مادية وحيوية دون تدخل أو توجيه وتخطيط خارجي. وهي بالأساس التي أنتجت كل ما نشهد من انتظام في الكون، الذي بدأ كامل العشوائية والفوضى. . قوة الخلق المادي المبدعة هذه تعمل منذ "الانفجار الكبير"، ومستمرة ما بقيت المادة والطاقة الكونية. تحتاج فقط إلى توفر ظروف التحرر من القيود التي تفرضها على الواقع تشكيلات منتظمة تعيق حركتها وفعاليتها، وهي الظروف التي نسميها نحن "فوضى"، وتعتبر من وجهة نظر هذه الخاصية المادية "فوضى خلاقة". هي تستكمل تلقائياً عدم الانتظام في الوجود، لتخلق في مساحات "الفوضى" نظماً وحالات جديدة تماماً، قادرة على إعادة بعث الحياة والحضارة. هكذا تفشل التوقعات المستقبلية على المدى الطويل، التي نعتمد فيها فقط على رصد "الموجود"، ولا نحسب حساباً لـ"غير الموجود"، الذي ستأتينا به في المستقبل خاصية "الانتظام الذاتي" المادية. تعني رؤيتنا أننا مقبلون على ما نسميه خراب أو "فوضى"، أن المجال سيتسع لعمل آليات "الانتظام الذاتي" للمادة. وأن لنا أن ننتظر الجديد المبهر من "الانتظام". هي الولادات الجديدة الدائمة للحياة، تتكاثر ويتسارع معدلها كلما أطبق عليها ما تصورناه الموت. الآن ونحن نغرق في مستنقع أو بحر رمال "الموجود"، علينا أن ننتظر ونأمل في الفعل المبدع لـ"غير الموجود".
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر والمصير
-
عندما يرأس أمريكا سمسار سلاح
-
رؤية حالكة السواد
-
تلك الليبرالية اللعينة
-
مصر لن تموت
-
رزكار عقراوي وأنا
-
معاً لدوام التخلف
-
ماذا تريد النخبة من سيادة الرئيس؟
-
لماذا أصف البرادعي بالغباء
-
رأيت فيما يرى النائم
-
في ذكرى ثورة منكفئة
-
فوبيا د. محمد البرادعي
-
سفر التكوين
-
على هامش إعادة هيكلة الاقتصاد المصري
-
د. محمد البرادعي بين الحمرة والجمرة
-
مصر وصندوق النقد الدولي
-
بئس الليبرالي أنت يا هذا!!
-
من أجل الربيع المصري القادم
-
إني أختنق
-
التعثر في دنيا التابوهات
المزيد.....
-
رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس
...
-
مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
-
الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا
...
-
إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
-
إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
-
مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا
...
-
تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
-
سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث
...
-
ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع
...
-
بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|