|
ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً /7-20
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 5525 - 2017 / 5 / 19 - 09:29
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ب . إثارة العجاج لا يفرِّخ الدجاج يواصل الأستاذ عصام الخفاجي المحترم تلاوة مستهله عن "تأملاته في الماركسية" - حسب قوله – بالزعم (سأكرر إيراد مقدماته لضمان تسلسل السياق ) في صدرها : نص صدر مزاعم الدكتور عصام الخفاجي المحترم حسب تسلسلها : " فالماركسية الباقية كعمل نظري ماتت أو تكاد حين ننظر إليها كمرجعية للعمل السياسي أو كبرنامج تهتدي به الحركات السياسية الفاعلة في زمننا. وستتركّز مداخلتي التقديمية لهذا الحوار على هذا الجانب. والفرضية الجوهرية التي أنطلق منها هي أن الماركسية فلسفة وفكر نقدي تاريخي وتحليل عميق للتاريخ لما هو قائم وليست برنامجا سياسيا بنائيا لما يجب أن يقوم. حين نتعامل مع الماركسية في شكلها الأول، فإنها تساعدنا على فهم الكثير من الظواهر والآليات التي شكّلت وتشكّل عالمنا. وأتعمد هنا استخدام كلمة "تساعد" لكي لا يفهم القارئ أنني أراها الفلسفة الوحيدة القادرة على تفسير كل الظواهر. الماركسية في شكلها الأول تجيب على أسئلة جوهرية تتعلّق بالمديات البعيدة للتطور البشري: جوهر الرأسمالية، طبيعة التشكيلات الإجتماعية السابقة (مع التحفّظ على قوالب "أنماط الإنتاج" المتعاقبة عبر التاريخ). وهي منهج يمكن تطبيقه حتى لتصحيح أخطاء في تطبيق ماركس لمنهجه إما لأن كشوف القرن العشرين بيّنت قصورها أو خطأها، أو لأن ماركس خالف منهجه تحت تأثير أحلامه الثورية، كما سأبين. أما التعامل مع الماركسية كبرنامج سياسي أو كدليل لعمل الثوريين في الأمد القصير والمتوسط أو حتى للتنبؤ به، فقد كانت له عواقب وخيمة على اليسار من السخف القول بأنها نتيجة انحراف هذا القائد الماركسي أو ذاك عن "الماركسية الصحيحة". فقد أستخدم ماركس نفسه ماركسيته لتبرير أحلامه الثورية لكن مجرى التاريخ أبى أن يتغيّر لإرضاء أحلام ماركس. ينطبق ماقلت عن مخاطر وعقم التعامل مع الماركسية كبرنامج سياسي على كل الفلسفات الكبرى، أي الفلسفات التي تسعى إلى تفسير العالم الراهن والتاريخ البشري وتقديم صورة المستقبل المنشود وشكل التراصف الإجتماعي بين البشر. والأديان هي في مقدمة تلك الفلسفات الكبرى التي يتصارع مناضلو حركاتها السياسية على من يعبّر عن "إرادة الله الحقة" ويطبّق تعاليم كتبه ويرون في الآخرين منحرفين أو مسيئين لفهم تلك التعاليم. ويسري الأمر على الفلسفات القومية وغيرها. دعوني أطرح أمثلة ملموسة على سخف اشتقاق السياسة من نظرية كبرى كالماركسية. كيف نصوغ برنامج عمل ماركسي نواجه به الوضع العربي القائم الآن؟ الأمثلة التالية كلّها يمكن اشتقاقها من كتابات ماركس ولينين وممارستهما السياسية: - برنامج أول: الماركسية تؤمن بضرورة وقوف القوى الديمقراطية بوجه الدكتاتورية، وبالتالي فعلينا التحالف مع اللبراليين ضد الدكتاتورية الإسلامية. - برنامج ثان: الماركسية تؤكد على أن الأولوية هي لمجابهة الإمبريالية والصهيونية، وعلينا بالتالي أن نوحّد جهودنا مع النظام "الوطني التقدّمي" مهما كانت سياسته الداخلية. - برنامج ثالث: علينا التحالف مع القوى ذات القواعد الشعبية التي تقدّم خدمات للفقراء حتى لو كانت إسلامية. - برنامج رابع: علينا رسم خط فاصل بيننا وبين أعدائنا الطبقيين واللبراليون والإسلاميون هم أعداء طبقيون. - برنامج خامس: علينا الإستفادة من الزخم الجماهيري وعدم التوقّف عند مطالب الديمقراطية. أتوقّع أن يردّ بعض القرّاء بالقول أن الأحزاب الشيوعية والماركسية المشرقية لم تعد تبرر مواقفها وسياساتها بالإستناد إلى ماقاله ماركس أو أتباعه. لكن القضية لا تكمن هنا، بل في أن قضايا كبرى لفهم الواقع المعاصر لاتزال تستمد مرجعيتها، وإن بشكل مضمر، من الماركسية بشتّى تلاوينها."
إنتهى نص صدر مزاعم الأستاذ عصام الخفاجي المحترم . إذن – إستناداً لنص و فص الزوبعة الغبارية التي يثيرها الإستاذ عصام الخفاجي أعلاه – فإن "الماركسية الباقية كعمل نظري ماتت أو تكاد حين ننظر إليها كمرجعية للعمل السياسي أو كبرنامج تهتدي به الحركات السياسية الفاعلة في زمننا" . و هذا النص يشهد بكون قائله يزعم بأن الماركسية "كمرجعية للعمل السياسي " هي : إما ميتة (الفاتحة !" ؛ أو أنها تحتضر في النزع الأخير على فراش الموت : (قطَّروا على رأسها الماء ، و اقرأوا لها سورة "النازعات" !" . كما أنه يشهد على أن الماركسية - رغم كونها ما تزال طفلة يانعة - فإن الأستاذ الطهراني الثوري الرأسمالي عصام الخفاجي و من لف لفه لن يتورَّعوا عن دفنها تحت التراب و هي حية ، بلا طرفة عين ؛ و كفى الله البشرية "شر" الكفاح لتحرير العمل و الغاء استغلال حفنة من المليارديرية لسبعة مليارات إنسان ؛ و كفى معه "شر" السعي لبناء الجنة على هذا الكوكب الأخضر الجميل الذي تهدد جرائم الامبريالية "الثورية اليسارية الجبارة" المتواصلة ضد الإنسان و التربة و الهواء و الفضاء ، مع ترساناتها الرهيبة من أسلحة الدمار الشامل ، حتى استمرار الحياة على وجهه . الحل هو الوأد ! يوريكا ! برافو ! و بالطبع ، فإن كلام الأستاذ عصام الخفاجي المحترم أعلاه ينصرف على "الماركسية" جمعاء ، و ليس على أعمال ماركس و انجلز فقط . إذن ، فالماركسية "كمرجعية للعمل السياسي " قد ماتت و أنتهي أمرها ، أو أنها في طور الإحتضار . كيف توصل الأستاذ عصام الخفاجي إلى هذا الإستنتاج "العلمي" الكاسح ؟ لا بد أنه قد تكفل بدراسة برامج كل الأحزاب الماركسية المؤسَسة في العالم - منذ عام 1848 و حتى لآن (عام 2015) - و بعد تحليله العلمي-الإحصائي لها مقارنة بما تم اجازه بفضلها ، فقد خلص إلى هذه النتائج الميدانية التي لا تقبل الدحض و لا الشك و التي تبرر تماماً صياغته لهذا الإستنتاج . السؤال الآن هو : اين هي هذه الدراسة الميدانية العصامية و التي تبرر قيامه بنفخ بالونات مثل هذه التعميمات الكاسحة ؟ الجواب هو أن مزاعم الأستاذ عصام الخفاجي لا تستند إلى أي دراسة علمية ميدانية مدعومة بالوقائع الملموسة . أنها مجرد مزاعم فارغة تنفيها الوقائع القائمة ، و تلك التي ستقوم . يعلم الناس – في عصر الشبكة العنكبية الآن – بوجود أحزاب ثورية ذات هذا التوجه الماركسي أو ذاك تحكم في خمسة بلدان (الصين ، فيتنام ، لاوس ، كوريا الشمالية ، كوبا) ؛ و يعلم بوجود أحزاب ماركسية كطرف مشارك في جبهات حاكمة في ثلاثة عشر بلدًا (بنغلادش ، تشيلي ، الإكوادور ، اليونان ، النيبال ، فلسطين ، البرتغال ، سان مارينو ، صربيا ، أفريقيا الجنوبية ، سوريا ، الأوروغواي ، و فنزويلا ) . كما يعلم بوجود أحزاب ماركسية متعددة تنشط في أكثر من (120) بلداً آخر في هذا العالم المنكود ببربرية الرأسمالية ؛ من ضمنها أكثر من خمسين منظمة ماركسية في الهند وحدها ، و حوالي الثلاثين في أسبانيا ، و خمسة عشر في الولايات المتحدة الأمريكية ... إلخ . من الواضح أن ملايين الناشطين السياسيين في هذه الأحزاب الماركسية لا يشاطرون البتة الأستاذ الدكتور عصام الخفاجي زعمه بكون : "الماركسية "كمرجعية للعمل السياسي " قد ماتت و أنتهي أمرها ، أو أنها في طور الإحتضار ". لماذا ؟ لكونهم يعلمون علم اليقين من تاريخ الحركة الماركسية المشهود بأن هذه المزاعم فارغة ، و لمعرفتهم بأن إثارة العجاج لا تُفرِّخ الدجاج ، و لذا نراهم يسترشدون في رسم سياساتهم و تحليلاتهم للواقع بأفكار ماركس و انجلز كدليل و منهاج ، و لا يسمحون لأنفسهم بنزع سلاح الماركسية المجرب وسط قراع الخطوب ! الماركسية فكر خلاق لا يموت لأن من طبيعته التجدد باستمرار في ضوء الواقع القائم ؛ و متى لم يتجدد ، فسيصبح فكراً ذا مسمّى أخر غير الماركسية. لماذا ؟ لأنه يتيح المنهج لكل إنسان معني بالحرية و الديمقراطية و التقدم لكي يتقدم للأمام في تحقيق هذا المطلب الضروي الممكن في ضوء المعطيات القائمة في بلده و ذلك خدمة لسواد البشر . و من نافلة القول أن ماركس و انجلز قد ماتا بعد أن وفّيا دين الحضارة عليهما حين أثبتا علمياً بأن الرأسمالية وحش كاسر لا مستقبل للبشر دون إتحادهم في شتى اصقاع العالم فكراً و ممارسةً للقضاء عليه عبر السير قدماً في طريق تشريك وسائل الانتاج و الذي لا طريق ممكن سواه ؛ و لن يُبعثا من جديد لكي يعلِّما الماركسيين في أرجاء العالم كافة كيفية قراءه واقع مجتمعاتهم لتحقيق هذا الهدف الضروري و الممكن ؛ تلك هي مهمة المناضلين الماركسيين في ضوء الواقع الملموس القائم في كل بلد ، جيلاً بعد جيل ، بمسيرة جبارة طويلة لا نهاية لها . و في خضم هذه المسيرة ، ستكون هناك الكثير من الأخفاقات و العثرات إلى جانب النجاحات ؛ و لكنها لن تتوقف أبداً بالتأكيد لأن نساء الأرض ولّادات للبشر الواعين بضرورة التغيير الثوري ممن نذروا حياتهم للماركسية بكل نبل و نكران ذات على مر العصور رغم أنف ماكنة الدعاية الإمبريالية الرهيبة . و عندما يحصل التغيير الثوري-الحضاري الواعد في هذه البقعة من الأرض أو تلك ، فإن الثوري الحقيقي سيقف مصفقاً لأولئك الذين هبّوا لاقتحام السماء ، مثلما فعل ماركس و انجلز لأبطال كومونة باريس ، و ليس التقمُّم على جثث فشلهم مثلما تفعل الغربان و الديدان . قبل الحَدَث ، يغلف الجهل عقول البعض ، أما بعد الحدث ، فإن هذا البعض ينصب نفسه بطلا ، بلا بطولة .
يصف لنا أنجلز في خاتمة كتابه "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" تشكُّل الحضارة البشرية القائمة على خلق الثروة ، و كيفية حصول "التقدم للأمام" فيها لتجاوز البربرية . يقول إنجلز (ترجمة: إلياس شاهين):
" و بما أن استثمار طبقة لطبقة أخرى هو أساس الحضارة، لذا فإن كل تطورها يجري في غمار تناقض دائم. و كل خطوة إلى الأمام في مضمار الإنتاج تعني في الوقت نفسه خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بأوضاع الطبقة المظلومة، أي الأغلبية الهائلة. و كل خير لبعضهم هو بالضرورة شر لبعضهم الآخر، و كل تحرر جديد لطبقة يعني اضطهاداً جديداً لطبقة أخرى. و أسطع مثال على هذا إنما هو استعمال الآلات الذي يعرف الجميع الآن عواقبه. و لئن كان من المتعذر أو يكاد عند البرابرة التمييز بين الحقوق و الواجبات، كما سبق و رأينا، فإن الحضارة تبين بوضوح، حتى للغبي المطلق، الفرق و التضاد بين الحقوق و الواجبات و ذلك بمنحها طبقة جميع الحقوق تقريباً و بإلقائها جميع الواجبات تقريباً على الطبقة الأخرى. و لكنه لا ينبغي أن يكون ذلك. فما هو صالح للطبقة السائدة، إنما ينبغي أن يكون صالحاً أيضاً للمجتمع كله الذي تعتبر الطبقة السائدة أنه صورتها و مثالها. و لهذا، بقدر ما تسير الحضارة إلى أمام، بقدر ما تضطر إلى أن تغطي بأردية الحب الظاهرات السلبية التي تولدها بصورة محتمة لا مناص منها، و أن تطليها بالمساحيق أو أن تنكرها بصفاقة- و بكلمة ، أن تضع موضع التطبيق نفاقاً عاماً لم تعرفه لا أشكال المجتمع السابقة، و لا حتى الطوران الأولان من الحضارة، نفاقاً يبلغ في آخر المطاف ذروته في الزعم القائل أن الطبقة المستثمِرة لا تستثمر الطبقة المظلومة إلا في مصلحة الطبقة المستثمَرة وحدها، و إذا كانت هذه الأخيرة لا تفهم ذلك، و إذا ذهبت إلى حد التمرد، فإن سلوكها هذا أسوأ من جزاء سِنِّمار تجاه المحسنين إليها أي تجاه مستثمِريها . و ختاماً، إليكم رأي مورغان في الحضارة: “منذ ظهور الحضارة، غدا نمو الثروة على درجة من الضخامة، و أشكالها على درجة من التنوع، و استعمالها على درجة من الاتساع، و إدارتها في مصلحة المالكين على درجة من المهارة، بحث أن هذه الثروة أصبحت قوة لا تقهر، تجاه الشعب. إن العقل البشري يقف حائراً قلقاً أمام صنيعته بالذات. و لكنه سيأتي مع ذلك زمن يبلغ فيه العقل البشري من القوة و القدرة ما يمكنه من السيطرة على الثروة، و يقرر فيه على السواء موقف الدولة من الملكية التي تحميها الدولة، و حدود حقوق المالكين. لا ريب أن مصالح المجتمع تعلو على مصالح الأفراد، و ينبغي إقامة علاقات عادلة و متناسقة بين هذه و تلك. إن مجرد السعي وراء الثروة ليس هدف البشرية النهائي إذا ظل التقدم قانون المستقبل كما كان قانون الماضي. إن الزمن الذي تصرم منذ فجر الحضارة إنما هو جزء تافه من الزمن الذي عاشته البشرية، جزء تافه من الزمن الذي ستعيشه. إن هلاك المجتمع ينتصب إمامنا مهدِداً بوصفه خاتمة مرحلة تاريخية تشكل الثروة هدفها النهائي الوحيد، لأنه هذه المرحلة تنطوي على عناصر دمارها بالذات. إن الديموقراطية في الإدارة، و الإخاء في المجتمع، و المساواة في الحقوق، و التعليم العام، كل هذا سيقدس المرحلة التالية العليا من المجتمع التي يسعى إليها الاختبار و العقل و العلم على الدوام. و ستكون بمثابة انبعاث- و لكن بشكل أرقى- للحرية و المساواة و الإخاء في العشائر القديمة”(مورغان “المجتمع القديم” ص 552) . كتب بين أواخر آذار (مارس) و 26 أيار (مايو) عام 1884. " أنتهى نص أنجلز . المصدر: https://ayman1970.wordpress.com/2011/03/31/كتاب-أصل-العائلة-والملكية-الخاصة-والد-11
في النص أعلاه يدمغ أنجلز الزعم القائل بأن "الطبقة الراسمالية المستثمِرة لا تستثمر الطبقة العاملة المظلومة إلا في مصلحة الطبقة المستثمَرة وحدها، و إذا كانت هذه الأخيرة لا تفهم ذلك، و إذا ذهبت إلى حد التمرد، فإن سلوكها هذا أسوأ من جزاء سِنِّمار تجاه المحسنين إليها أي تجاه مستثمِريها" حسبما يفعل الأستاذ عصام الخفاجي المحترم و من لف لفه سابقاً و لاحقاً بوسمه بصفة : "ذروة النفاق" . نعم ، بالتأكيد . كما يوضح لنا ، بالاستناد إلى مورغان ، كيف أن الجشع الرأسمالي الذي لا حدود له لامتلاك الثروة لذاته يهدد بإفناء الحضارة البشرية برمتها . ألم يلحق هذا الدمار أجيالاً من كل شعوب أوربا الغربية و الشرقية و اليابان و الصين و بلدان جنوب شرق آسيا و شمال أفريقيا خلال الحربين العالميتين ؟ بلى ، و لكن بعض الناس يتعامون ! ثم ماذا عن الدمار الذي لحق بعدئذ بشعوب فلسطين و الكوريتين و الكونغو و فيتنام و لاوس و كمبوديا و اندونيسيا و انغولا و تشيلي و بوليفيا و الإكوادور و جزر الدومنيكان و بوتوريكو و لبنان و أفغانستان و الشيشان و الصومال و العراق و اليمن و ليبيا و سوريا و جورجيا و دول البلقان و أوكرايينيا وووو ؟ و بسبب هذه الجوائح الرهيبة الماثلة للعيان ، لم يعد يوجد الكثير ممن يسبحون بحمد الرأسمالية مثلما يفعل الأستاذ عصام الخفاجي بعد اضطراد الكوارث التي جرّتها على العالم في أزماتها الدورية المتواصلة ، و حروبها الفتاكة التي لا تنتهي ، و تقسيمها العالم إلى أغلبية ساحقة من المحرومين و حفنة من المليارديرية المتبطلين المتخمين على حساب الجميع ، و تلويثها التراب و الماء و الهواء و الفضاء . كل الباحثين في الرأسمالية بتجرد يدركون الحقيقة التي اكتشفها ماركس و انجلز : أنه نظام لا مستقبل له بسبب تناقضاته الداخلية التي تجبر المرء على الوقوف حائراً و هو يتفرج حوله على"كل شيء صلد يتميع ، و كل مقدس يتنجس" . عندما ضربت أزمة "فقاعة الرهونات العقارية من الدرجة غير الممتازة من طرف المصارف الأمريكية" العالم أجمع عامي 2007-8 ، و أنزلت الويلات على شغيلة الشعوب في أمريكا و أوربا و اليابان و آسيا على نحو غير مسبوق ، و كلفت دافعي الضرائب في تلك البلدان و الدول المنتجة للنفط خسارة الترليونات من الدولارات طوال عقد من الزمان ، تفاجأت ملكة بريطانيا ألزبث الثانية بأن استثماراتها بمبلغ مائة مليون باون قد نقصت بمقدار الربع بين عشية و ضحاها بسبب تلك الأزمة . فذهبت في الخامس من شهر تشرين 2008 إلى معهد لندن للدراسات الإقتصادية (LSO)، و سألت جهابذة الإقتصاد فيه هذا السؤال : ما دامت هذه الأشياء بهذه الضخامة فكيف فات على الجميع التنبؤ بها ؟ فلم يجد هؤلاء غير سيادة "ثقافة الإنكار" عند المحللين الإقتصاديين المعنيين توضيحاً لها . إنكار ماذا ؟ أنكار أن النظام الرأسمالي هو بطبيعته نظام مهزوز خلاق للكوارث الإقتصادية . و لكنك تجدهم يغلفون هذا الواقع بإدعاء أن المشكلة عندما تصبح متعلقة "بعطل بنيوي" (systemic break-down) فسيكون من الصعب التنبؤ بها ! هل يمكن – مثلاً - التنبؤ متى ينثقب الدولاب الأمامي لسيارتك ؟ كذا ! منطق تلفيقي عجيب ! هذا هو بالضبط ما شرحه لنا إنجلز في نصه السابق أعلاه عندما قال : " و لهذا، بقدر ما تسير الحضارة إلى أمام، بقدر ما تضطر (الطبقة السائدة) إلى أن تغطي بأردية الحب الظاهرات السلبية التي تولدها بصورة محتمة لا مناص منها، و أن تطليها بالمساحيق أو أن تنكرها بصفاقة- و بكلمة ، أن تضع موضع التطبيق نفاقاً عاماً " . ما أشبه إنكار دهاقنة الراسمالية لشرورها اليوم بالبارحة ؟ و لكن ماذا يقول التحليل المستند على الماركسية عن التنبؤ بتلك الأزمة الرأسمالية قبل حصولها عندما ضربت لأول مرة في التاريخ أسواق المال و ليس الإنتاج الصناعي الرأسمالي و التي ما زال ينوخ تحت اثقالها شغيلة العام أجمعه ، ناهيك عن الشعب اليوناني برمته ؟ لنقرأ هذا النص الماركسي بعنوان " آفاق بريطانية 2006" الذي نشره الحزب الاشتراكي في المملكة المتحدة ( Socialist Party (England and Wales)) كجزء من مقررات مؤتمره الحزبي المنعقد في شباط من نفس العام (أي قبل سنة و نصف على انفجار فقاعة القروض العقارية الأمريكية) . " التطورات العالمية ... كل هذا (أي العجز في الميزان التجاري الأمريكي) فاقم في تزايد الإنفاق عند المستهلكين و انخفاض الادخار ، وصولاً إلى "فقاعتهم العقارية غير القابلة للتحمل على نحو متسارع" (الفينانشل تايمز) . و مثلما سبق لنا و للمعلقين الجادين للرأسمالية أن أعلنّاه ، فأن بيت الورق المالي هذا يمكن أن ينهار في أي لحظة لأن "الأختلال في التوازن قد أقترب من نقطة الهاوية" (نفس المصدر السابق) ... " المصدر : BritishPerspectives2006
يتبع ، لطفاً . 19/5/2017 .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً /6-20
-
ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 5-20
-
ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 4-20
-
ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 3- 20
-
ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 2-20
-
ترسمل المتمركس : عصام الخفاجي أنموذجاً / 1 - 20
-
ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 8-8
-
ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 7
-
ذكريات شيوعي عراقي : كاظم الشيخ / 6
-
حالةٌ من ملايينِ الحالات
-
قصيدة -ليلةً الشتاءِ- للشاعر الروسي : بوريس پاستِرناك (1890
...
-
نشيد المجرة
-
لا يمكن إصلاح العملية السياسية في العراق دون التخلص منها / 3
...
-
لا يمكن إصلاح العملية السياسية في العراق دون التخلص منها / 2
-
لا يمكن إصلاح العملية السياسية في العراق دون التخلص منها / 1
-
المهاجر / 3-3
-
تطور سلطة البرجوازية الطفيلية في العراق من 1980 إلى الآن
-
المهاجر / 2 - 3
-
تدهور أسعار النفط الخام و العجز في موازنة العراق
-
المهاجر / 1 - 3
المزيد.....
-
بمناسبة الذكرى 50 لاغتيال الشهيد عبد اللطيف زروال، وقفة احتج
...
-
على طريق الشعب: في المهرجان يكبر الفرح وتتعزز الثقة بالغد
-
بــلاغ صادر عن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب
-
تفاؤل مغربي وترقب من البوليساريو.. هل يُنهي ترامب نزاع الصحر
...
-
هل تستطيع تركيا التوصل إلى اتفاق مع الأكراد للقضاء على حزب ا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي بجهة أوروبا الغربية: حول أحداث
...
-
وقفة احتجاجية بالرباط من أجل حرية التنظيم والتجمع وحرية الرأ
...
-
محمد عفيف: الحكومات ستتكاتف من اجل قمع الحريات وعدم المس بما
...
-
هولندا.. اعتقال متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في أمستردام
-
وداعًا المناضل أحمد الأهواني
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|