نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28 - 07:45
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
صدرت عن دار المدى المجموعة الشعرية الخامسة { ظلال بلون المياه } للشاعر العمُاني زاهر الغافري المقيم في السويد منذ سنوات ، بعد مجموعاته : { أظلاف بيضاء } باريس 1984 و { الصمت يأتي الى الاعتراف } كولونيا 1991 و { عزلة تفيض عن الليل } مسقط 1993 و{ أزهار في بئر } كولونيا 2000 . ضمت المجموعة 7 قصائد طويلة حاولت أن تستبطن محنة الانسان والأشياء في العالم عبر كتابة حميمة ومغايرة لها فرادتها وخصوصيتها في خضم الفوضى التي يشهدها الشعر العربي منذ سنوات عديدة . ويأتي صدور هذه المجموعة الآن ليتوج تجربة الشاعر التي عرفت بالتجريب والمغامرة المستمرة التي بدأها في أعماله السابقة ، عبر شعر يحاول أن يقتنص اللحظات الفريدة للصيرورة والحب والموت والتحول والزمن والطفولة ، والميزة الأساسية لزاهر الغافري عبر مجموعته هذه هي تلك الصرخة في الحنين الى ماضي طفولته وحياته بكل آمالها وأشواقها ، التي توزعت بين الاقامة ببغداد سنوات طويلة وأخرى مثلها في المغرب وامريكا . امتزجت هنا تجارب الشاعر وثقافته وأحلامه بجذوة القلق والضجر في الوجود والحب الذكرى والأمل ، وانتجت لنا حصيلة ابداعية عالية في رؤاها المغايرة .
مقطعات من المجموعة
القصيدة الأولى { مستودع الغيوم }
فقدنا تيجان الزهور
وكنّا فتية .
على الأرجح ظنَّ بعضهم
أننا نحنُ أبناء
الأبواب المفتوحة ،
قبل أن تنغلق
القلعة كلها .
هذا صحيح
لكن الصحيح أيضاً
أن أرواحنا طارت الى أبعد
وقريباً ستصل ربما
الى أرض نوح .
الى أرض حرة ،
فيها نعرفُ
أن قبلة واحدة على الشفاه
كافية
لتسدل عيون حبيباتنا .
لا يجوع أحد
أمام زهرة .
منّا على الأقل
مَن لم ينخدع ثانية
أمام صحراء .
خبرنا الألم بقوة
حتى حسبناه نهراً
يجري في نومنا .
وحتى لو لم يكن
مغيب
الشمس
شبيهاً بسرير فارغ هذه
الليلة ،
فإننا سنظل نمجد
تلك اللحظة
في مستقبل الأيام .
لا أحد يشير الى الزمن
كبلشون
عالق في شجرة .
إذ يكفي أن يكون
الهواء الرطب متوجاً
بظفائر طفولتنا .
يكفي أن الدخان
ارتفع ليلاً
فوق قمم الجبال .
أيدٍ كثيرة
أضاءت سماءنا ،
فانكشف
البحر والسهل وحجرة الأموات .
من القصيدة الثانية { عنايتها في الجبروت ، تحت الجبل لو كان حقاً }
1
المربية تحت سن الرشد
كعلامة الملعونين
طاعة عمياء تحت برج الشمس ,
الى متى المربية بسن ذهبية
تتجول في غرف الليل
ضوءاً خالصاً
أقوى من الحرية ؟
2
الكلام ليس إلاّ
اليأس كسقوط
من أعلى الجبل
يأس القادر على النسيان
تحت المظلة المفتوحة ،
الأمر نفسه يحدث لي
عندما أريد أن أصمت .
3
لم تقل شيئاً تلك المرأة
الواقفة على الشرفة ،
المعجزة في النظر الى تحت
وأنا أصعد اليها .
يا إلهي لا تكسر السلم .
5
ساعة السأم
والحقيقة لا تقال
المنحدر نفسه ذهاباً وإياباً
أيام طويلة وصرختي لا تسمع .
كان الضوء خافت
تحت تلك النافذة
7
كالأعمى يتنزه الضوء على شَعركِ
خفة القول في ما أريد .
اللمس إشارة المبصرين ،
على الندى
والأعشاب .
9
زهرة الليل في فمي
الجسد أوعى من الشجرة .
سيحدث ذات يوم ، أن
تسقط الثمار على ثيابي
وأنا نائم في الذكرى .
من القصيدة الثالثة { ظلال بلون المياه }
الغصن أعلى السحابة
مدي يدك الى الأرض .
ستنزل القطرة
غيمة لأيام الجفاف .
إننا في يوم الأحد .
سيكون الصباح أجمل
وأنت على السرير .
لقد رمينا حجراً
في بئر الحياة .
هذا أقل قسوة
من رسالة محمولة في اليد
قد تصل متأخرة .
اللمعة على الشرشف ، هي نفسها أخت
شارلوت على الاصبع .
الحقيقة أيضاً طاقة عمياء
تحرك هواء الستارة .
يداكِ مغسولتان
بالحجر والطين ، مغسولتان
هناك في الأعلى .
ستنزل القطرة بطيئة
وأنا أدخل الغابة
لأرى الزبد مكوماً على الضفاف .
سيقفز قلب الماضي الى الأنهار
وقد نجذف في شارع الغرباء
الخالي تماماً هذه اللحظة .
لتكن الظلال مرئية عبر الجسور التي نعبر .
القارب سنتركه هناك
مضاء بنداء الزمن .
إنه يوم أبيض بفضل الكلمة
التي لن تقال .
سنكتفي بالأمكنة ومنحدرات
الليل الصامتة .
بالرخاوة واليتم ورماد
الحطب في المدخنة .
ضوءكِ ةحده أيضاً يكفي
في شتاء كهذا ،
إذا لم نرغب في العثور على نجوم
كثيرة في الرمل .
ستكون الرحلة أخفّ وأجمل
ونحن عاريان بلون المياه .
المصير يعرف بلحظة واحدة
كومضة السر
في الأبراج العالية .
من القصيدة الرابعة { خريطة الأوهام }
لأنكِ ، في هذه اللحظة
أجمل أمرأة ميتة .
فإنكِ لن تلّوحي لي بغصن
ولا بمنديل .
أنا في ضفة وأنتِ في ضفة
أخرى ، على حافة الينبوع .
الممشى المسكون بخيبة العالم .
والسرير الذي أضاء الغرفة
والنافذة .
ثم تلك القفزات العالية في
الهواء الطلق بين الأشجار ،
هي أكثر من ذكرى حياة تتدحرج
على السلالم .
إنني أوشك أن أبصر ماضيكِ في
صرختي الأولى ،
وأجرب أيضاً حرارة الليل
في جسد ميت .
ولئلا أتعب سأضع يدكِ
المرمية ، في يدي ، لتكونا معاً
ما يشبه كنوزَ
أمكنة ومسرات .
هكذا ، على الأقل ، لن أضيّع
صورتكِ مهما ابتعدتِ كثيراً
عن المرآة .
من القصيدة الخامسة { كلمة تعني مدينة أو امرأة }
والآن ما الذي ستفعله هذه الكلمات
القليلة من أجلكِ أيتها الغريبة ؟
لا أبواب هنا لتنفتح ولا هناك .
الصبر أسلوب حياة مخادع .
الصبر كلمة تعني مدينة أو امرأة .
عام 1963 جاء قطار الكارثة ،
فلم يعد النوم على ضفاف أنهاركِ
في مساء كهذا ،
غير حلم فوق رماد الأسرّة .
من ذكرى سرير ينهض الموت
على أبوابكِ .
من ذكرى رغبة
يتسلق الظل شجرة الدار .
وأنا الغريب أيضاً .
كلما تأملت سحابة مرّت ،
أقول لها :
يا سحابة ،
يا سحابة أيامي ، تعالي
واجلسي على ركبتي .
أنا الغريب أنظر الى مرآتي
فأرى طيف
من أحب عارباً كلعنة العذراء .
كنت أخرس تحت برج العقرب
فاصطادني ضوء لامس شعركِ
تحت برج الأسد ،
ودخلت الغابة فكان الكلام .
يتيم إل من ثمار الليل
على حافة المنحدرات .
كان ذلك منذ زمن بعيد ،
منذ كنت يافعاً ، ينظر
الى بئر الأحلام ،
المليئة بالنجوم .
نسيم الصيف
يرفعني الى الأعلى
على محفة الغفران .
المسرات أكيدة أيضاً ،
مثلاً ، ابن اللحظة هارب
من أيامه ليقرأ الكتب
ويشاهد الأفلام باستحقاق
كامل .
كنت يافعاً وكنت أخاطب
الصبية كما
أخاطب الريح .
متى يصيح الديك أيتها الصبية ؟
الساعة قد جاوزت التاسعة
وأنا لم أرها بعد .
جاء القطار الوحشي
وعمّا قليل سيحلّ الظلام .
في يدي فطيرة { كاهي } الصباح ،
وهذه القرنفلة
البيضاء أيضاً .
لم انظر من الثقب لكنها وقعت .
وقعت الحرب أيتها الصبية
فلا بأس من نسيم
يعيد شعرها الأسود الى الخلف قليلاً .
سأنتظر
حتى تأتي الغريبة
على أقل من مهل .
علّ الصمت يكون أمين سر ّ الغابة .
{ من ذا الذي لم يكن شاهدأً على الضفاف
سوى قلبي ؟ }
تقول المغنية الأجنبية
وأنا أحتسي العرق في حانة { شريف وحداد }
وأغمض عيني ،
لئلا تصب الأنهار كلها في
غيابي .
وعندما عدتُ وأنا أصعد السلم ،
لم أكن أملك غير
قرنفلة ذابلة
و{ اعترافات مالك بن الريب }
فسقطتُ في البئر وحيداً ،
وكنتُ بلا اخوة .
من القصيدة السادسة { في مديح المرأة النائمة تحت أضواء النجوم }
في الطريق الى هناك
بعد أن تعبر حياة كاملة .
حياة كأنها بستان من رماد .
وأنت تعبر
كأنك رسول تائه
والرسالة بيضاء .
تماماً في ذلك المنعطف
الذي ولدت فيه
تظهر لك أرواح الزمان .
تظهر تلك الكلمة المفقودة
كشمس مطفأة ،
لكنها مع ذلك هي الألق
الوحيد فوق أشحار الليل .
يتجمع حولك المارة ، ربما
للمرة الأخيرة .
ينظرون اليك باستغراق كامل
كأنما ينظرون الى الأفق .
من أنت ؟
النسيم يسّرح شعر الموتى
هذه الأيام .
لقد جئت لأجلنا متاخراً .
على منحدرات الليالي .
أنت ضيف الظلال الغريب
أنت الغائب الذي عاد
بلا حكمة .
وكأنني أكتشفٌ للمرة الأولى
لؤلؤة حياتي .
نظرتُ أمام خلاء البيت .
كانت الروح تخفق خلف الجبال
كغيمة مضاءة بأبراج البحر .
نصف سماء على الرأس
نصف أرض تحت القدمين .
نبيذ ينتظر حراس القلعة .
هنا سترفع الزهرة فمها
الى الينبوع .
الأغنية التي تسربت من
بين الأحجار .
الميتة التي أُضيء قنديل
نومها .
أخت الانشودة والمسرات
على ضفاف العالم
وفوق شرشف الليل والطبيعة .
الذنوب هذا اليوم
تضيء شعركِ الأسود .
البريق أقوى من ذهب الجبال .
لأن حياتكِ أرجوحة
والموت إشارة هواء
خفيف .
لكنهم يشربون من نبيذ الجرّة
وأنا أجدل شَعركِ خصلة
خصلة .
ولا أرى من يحمل المرآة
ليرى موتكِ
ناصعاً وأبيض
وخفيفاً كالنسيم .
يا ربّ اسقِها موت العافية
على المنحدر المظلم ،
الذي تمشي فيه .
من القصيدة السابعة { قصيدة الأب }
لن أنخدع مرةً أخرى يا أبي .
سأقود حياتي الى حافة الينبوع ،
وأنام على العشب
وأنظر الى رحيل السحب
الى بستان الجحيم .
أجل ،
الليل خذلني يا أبي .
خذلني
ليل
الزمن وأنت تستعد للعبور
الى الشاطئ الآخر .
أجل
أذكر كيف كنت
تعبر المسافات الطويلة
بأجنحة غضب هائل .
وتتركني وحيداً أرعى الحيرة
في بئر يوسف يا أبي .
لكنني لم أرَ الذئب إلا بعد أن كبرت
وأمسكت بالجمرة .
لذلك لن تكون لي سنوات إضافية مثلك .
سأغادر القلعة مبكراً ،
قبيل الغروب ربما
تحت ظلال النارنجة التي زرعناها معاً .
أنا مَن كسّر الجرة
وهرّب التماثيل الى الغابة .
لكنني كنت صغيراً يا أبي .
يأتي النسيم من كل الآبار .
تأتيني كلمة الأم ،
في الطريق التي ستمجد
اليد الذهبية يا أبي .
في الهواء تتجول
وفي بيت الأزهار أيضاً .
هناك نسيت الكلمة
أن تعيد نفسها الى الضوء .
لا ، لن أستطيع ، أنا لست
شاعراً يا أبي .
نافذة المعبد تكفي كي أنام .
لذا ستعود حياتي كلها الى هناك .
الى تلك البئر التي لم يشرب منها غير
الأرامل واليتامى والمنتحرين .
لن أنخدع مرة أخرى .
سأشرب النبيذ الطيّب
وأضع يدي في النهر البارد حتى
يطفو قلبي مثل اللؤلؤة يا أبي .
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟