أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد العالي كركوب - نقد نظرية الفعل التواصلي الهابرماسية















المزيد.....

نقد نظرية الفعل التواصلي الهابرماسية


عبد العالي كركوب

الحوار المتمدن-العدد: 5482 - 2017 / 4 / 5 - 01:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شكل النقد محطة أساسية في الفكر الفلسفي، إن لم نجزم بأن النقد هو أساس تطور الفلسفة واستمرارها... والنقد ليس وليد الفلسفة المعاصرة، بل كان حاضرا في الفلسفات السابقة؛ حيث نجد في الفلسفة اليونانية نقد أرسطو لنظرية المعرفة عند أفلاطون، وفي الفلسفة الإسلامية نذكر السجال الفكري الذي دار بين الغزالي وكتابه "تهافت الفلاسفة" وبين ابن رشد وكتابه "تهافت التهافت"، أما في الفلسفة الحديثة فنذكر نقد التجريبيين (فرنسيس بيكون، دافييد هيوم...) لأولوية العقل كأساس للمعرفة التي دافع عنها ديكارت، وتعويض العقل بالتجربة والحواس كأساس للمعرفة.

ويقصد بمفهوم النقد ذلك الفحص والتحليل المعمق الذي يهدف إلى تجاوز فكرة ما أو تعديلها... وارتبط هذا اللفظ بالفلسفة الألمانية سواء مع كانط أو هيجل أو ماركس... حيث يتضح بأن هذه الفلسفة بنيت على النقد مدشنة بذلك تيارا فلسفيا سمي ب"الفلسفة النقدية"، ومن أبرز ممثليها المعاصرين نجد رواد مدرسة فرانكفورت، ومن بينهم ممثل الجيل الثاني "يورغن هابرماس" صاحب نظرية الفعل التواصلي.

و إذا كان هابرماس بنى نظريته على نقد ممثلي الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت إضافة إلى اتجاهات فلسفية أخرى، كفلسفة الوعي، ومفهوم الصراع في الفلسفة الماركسية... فإن نظريته بدورها تعرضت للنقد من طرف مفكرين وفلاسفة آخرين، نذكر من أهمهم: جون فرنسوا ليوطار، نيكلاس لوهمان، و شانتال موف.

1) نقد جون فرانسوا ليوطار لمفهوم الإجماع الهابرماسي:
يعتبر الفيلسوف الفرنسي جون فرانسوا ليوطار (1924-1998) من الفلاسفة المعاصرين، وأحد ممثلي فلسفة الاختلاف و أبرز منظري فلسفة ما بعد الحداثة، ولقد قدم نقدا لنظرية الإجماع لدى هابرماس، التي تنبني في أساسها على نظرية الفعل التواصلي. ويتمثل نقده في كتابين أساسيين، وهما: "التنازع" و "حقبة ما بعد الحداثة". فإذا كانت نظرية الإجماع الهابرماسية تهدف إلى تحقيق إجماع مشترك بين المتخاطبين بصدد قضايا معينة تكون محطة نقاش و تداول،(1) فإن ليوطار يؤكد على أن الاختلاف هو الذي ينتج الإبداع أما الإجماع فهو يقتله، يقول ليوطار في هذا الصدد: " إن الاختلاف أقدر على الابتكار من الإجماع" (2) كما يذهب أبعد من ذلك حين يعتبر الإجماع إرهاب عقلاني، يقول مانفرد فرانك في كتابه حدود التواصل: الإجماع و التنازع بين هابرماس و ليوطار: " هناك أمل يحدو ليوطار و نود أن نأخذه محمل الجد، لا باعتباره حجة بل باعتباره إعلانا عن موقف حياتي، و هو بالأخص الأمل في الابتكار أي في تغيير الأنظمة الترميزية المتصلبة و يضيف إلى ذلك قوله (ليوطار) بأن اختلاف الناس بحكم الطابع الإبداعي الذي يوجِد تغيير المعنى، يفرز اقتضاءات أكثر جدوى من كلية الإجماع الذي تفضي إليه المناقشة" (3) و المقصود بهذا القول أن ليوطار حاول تجاوز النظرة الثابتة للتواصل عموما و للإجماع بشكل خاص، و التي تفضي إلى الانغلاق و التقوقع، و ما يساهم في هذه الحالة هو اعتماد أخلاقيات المناقشة التي لا تقبل التحريف أو التغيير باعتبارها أخلاقيات كونية، و عوض ذلك يقر ليوطار أن الاختلاف هو أساس الإبداع داخل العملية التواصلية، و هنا إشارة إلى حضور مفهوم الصراع أو التنازع، الذي سبق لهابرماس أن عوضه بمفهوم الحوار في نقده للفلسفة الماركسية.

2) نقد نيكلاس لوهمان لنظرية التواصل الهابرماسية:
غير بعيد عن الطرح الذي توقفنا عنده مع ليوطار، يقدم نيكلاس لوهمان (1927-1998) انطلاقا من كتابه "الأنساق الاجتماعية" نقدا لنظرية التواصل عند هابرماس.. و يتمثل هذا النقد في اعتباره أن التواصل لا يجب أن ينبني على مبادئ أنطولوجية، كما أن التواصل يجب ألا يهدف إلى الإجماع، لأنه عبارة عن لعبة يقوم على الاختلاف بين المعلومة و التوصيل، و بالتالي "فالتواصل كإختلاف هو إبداع أما التواصل كإجماع فهو قتل للإبداع".(4)
و يؤكد لوهمان على عكس هابرماس دائما أن التواصل يقوم على الصراع الذي يحافظ على مرونة النظام و قابليته المستمرة للتعلم. و يختزل لوهمان التواصل في كونه تفاعل لثلاث عناصر، و هي: الإخبار، الخبر أو المعلومة، و الفهم. و بالتالي فرغم أن الخبر واحد فإن عمليتي الإخبار و الفهم تختلفان من شخص إلى آخر، مما يجعل التواصل قائم على الاختلاف و ليس الإجماع.

3) نقد شانتال موف لنظرية التواصل الهابرماسية في شقها السياسي.
أعادت المفكرة البلجيكية المعاصرة شانتال موف (1943 – …..) التفكير في مفهوم "السياسي" و "ما بعد السياسي" في نقدها للديمقراطية الليبرالية التي يعتبر هابرماس أحد المنظرين لها و المدافعين عنها، فأكدت - و على عكس هابرماس - أن التنظير الليبرالي الحالي لا يميز بين الخطاب الأخلاقي و الخطاب السياسي (5) و أن الإجماع الكلي يعد منظورا ضالا... كما أقرت بأن المجال التواصلي، و المجال السياسي بالخصوص تسوده التعددية و التنازع و الصراع، فالمجتمع الديمقراطي - حسب شانتال موف - لم يعد بالإمكان تصوره كمجتمع من شأنه أن يحقق حلم الانسجام و الشفافية المثالية، و لا يمكن أن ينال طابعه الديمقراطي إلا من خلال غياب أي فاعل اجتماعي ينسب لنفسه تمثيل الكل.
و أكدت شانتال موف في ذات السياق، أن الممارسة السياسية تكمن في تشكيل الهويات، و أن الهدف ليس القضاء على السلطة، و إنما خلق أنماط من السلطة تتماشى مع القيم الديمقراطية.
و عموما، فشانتال موف انطلقت في نقدها لهابرماس من مرجعية الفكر ما بعد الحداثي من جهة، حيث جاءت ضرورة استخدام الأدوات النظرية التي وضعتها التيارات المختلفة لما يمكن أن يسمى ما بعد الحداثة في الفلسفة و الاستيلاء على نقدهم للعقلانية و الذاتية. (6) كما استندت أيضا على الفكر الماركسي في دفاعها عن مفهوم الصراع و الجدل، و إن كانت لم توظفهما صراحة حيث عوضتهما بمفهوم التعددية و التنازع...

و لكي لا يفهم موقف شانتال موف خارج سياق ما نحن بصدده، أذكر بأن هابرماس أسقط نظريته في الفعل التواصلي على المجال السياسي، حيث تحدث عن مفهوم الفضاء العمومي و الديمقراطية التشاورية التي تستثمر أخلاقيات المناقشة (و هنا يتمثل الجمع بين ما هو سياسي و ما هو أخلاقي الذي دعت شانتال موف إلى الفصل بينهما) فأعطى الأولوية لمفهوم الإجماع و الحوار متجاوزا مفهوم التنازع و الصراع... و يهود موقفه هذا كما أشرت في البداية إلى نقده للتصور الماركسي الذي يجعل من الصراع محرك التاريخ و أساس الانتقال من مجتمع ذو طبيعة محددة إلى مجتمع آخر تختف بنيته التحتية و الفوقية على ما كان من قبل.

و في الأخير، أود أن أوضح أن نقد نظرية الفعل التواصلي لهابرماس، لم يكن الغرض منها التنقيص من قيمتها أو إبراز عيوبها، و إنما شكلت منطلقا للحديث عن نظريات فلسفية تواصلية و سياسية أخرى، اعتمدت مفاهيم جديدة...
و بالنسبة للانفتاح عن المجال السياسي، فهذا تأكيد على أن النظريات التواصلية تهم العلاقات التواصلية للمتخاطبين المنتمين لمجتمع سياسي، اجتماعي، اقتصادي، و ثقافي... لذا فالحديث عن التواصل هو حديث عن كل أشكال وأنماط و مواقع التواصل...


الـــهــــوامــــش:

1) محمد، الأشهب، الفلسفة و السياسة عند هابرماس: جدل الحداثة و المشروعية و التواصل في فضاء الديمقراطية، منشورات دفاتر سياسية، 2006، ص. 40

2) محمد، الأشهب، مرجع سابق، ص. 41

3) مانفرد، فرانك، حدود التواصل: الإجماع و التنازع بين هابرماس و ليوطار، ترجمة عز العرب حكيم بناني، دار افريقيا للشرق، 2003، ص. 27

4) رشيد، بوطيب، ، مفهوم التواصل في الفلسفة: من الحقيقة إلى الاختلاف (هابرماس و لوهمان) aljabriabed.net/n88_08boutayeb.htm (تاريخ المطالعة: 10.5.2015)

5) Chantal mouffe, the return of de political, first published, by verso, 1993, p. 148

6) Chantal mouffe, the return of de political, first published, by verso, 1993, p. 10



#عبد_العالي_كركوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب العجائبي في النص المنقبي: دراسة تأويلية لقصة الإسراء و ...
- الملحمة: قضايا وإشكالات
- مدخل لقراءة كتاب بول ريكور -نظرية التأويل: الخطاب وفائض المع ...
- البنية الفكرية للراحل محمد عابد الجابري
- مقولة الإرهاب بين الإيديولوجيا الزائفة و الواقع الحقيقي
- الإسلام السياسي و تناقضات الممارسة
- معاناة المثقف العربي!!
- محمد عابد الجابري: حياته، مؤلفاته، مماته.
- مملكة الجرذان
- إشكالية الجبر و التخيير من منظور الفكر الديني
- إشكالية الحرية في الفكر الفلسفي
- الفكر السوفسطائي و العدالة كممارسة سياسية، تراسيماخوس و كالي ...
- البعد الفلسفي لحقوق الإنسان
- المغرب بين المرتكزات الدينية و أسس العلمانية
- -هذا ليس مقتطفا من جمهورية أفلاطون و لا مدينة الفارابي الفاض ...
- دعوة إلى التسامح
- محمد عابد الجابري و مشروع نقد العقل العربي ، الجزء الأول: مك ...
- الوضع العربي الراهن و نقد مفهوم الثورة
- المشهد السياسي المعاصر: زمن بنكيران


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد العالي كركوب - نقد نظرية الفعل التواصلي الهابرماسية