أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد العالي كركوب - مدخل لقراءة كتاب بول ريكور -نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى-















المزيد.....

مدخل لقراءة كتاب بول ريكور -نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى-


عبد العالي كركوب

الحوار المتمدن-العدد: 5244 - 2016 / 8 / 4 - 00:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شكل كتاب "نظرية التأويل: الخطاب و فائض المعنى" لبول ريكور (*)مساهمة نوعية في المجال اللغوي، و قدم فهما جديدا للتأويلية. و هو في الأصل عبارة عن أربعة مقالات عرضت كمحاضرات في جامعة تكساس (23-30 نونبر 1973) خضعت للتعديل و نشرت بالعنوان المشار إليه سلفا، عوض العنوان الأولي "الخطاب و فائض المعنى" الذي أصبح فرعا و لم يعد أصلا.
و يهدف بول ريكور من خلال هذا الكتاب إلى حل "مشكلة الفهم على صعيد نتاجات مثل القصائد و الحكايات و المقالات سواء أكانت أدبية أو فلسفية"(1)، إضافة إلى إعادة قراءة اللغة باعتبارها خطابا، وفق مصطلحات حديثة في مجال علم اللغة، رغم أن الإشكالية - على حد تعبيره - قديمة في الأصل.
فكيف ينظر بول ريكور إلى اللغة بوصفها خطابا؟ و هل يمكن اعتبار الكتابة خطابا؟ و ما موقع الاستعارة و الرمز في الخطاب؟ و هل الخطاب يقبل التفسير أم الفهم؟

ينطلق بول ريكور من أبحاث أفلاطون، و تحديدا من محاورة "قراطيلوس" و "تياتيتوس" و "السفسطائي" ليبرز قدم المشكل، و الذي تمثل آنذاك في كون الكلمة في ذاتها ليست بصادقة أو كاذبة، لكن عند تأليف جملة مكونة من عدة كلمات، هنا يبرز مشكل الصدق و الكذب... و بهذا ارتأى ريكور إلى الحديث عن اللغة كخطاب لأن الصدق و الكذب قيمتين ترتبطان بالخطاب.
و حسب ريكور، ما جعل الخطاب إشكالية تستمر إلى اليوم، يرجع بالأساس لإنجازات علم اللغة التي اهتمت باللغة من حيث هي بنية و نسق لا من حيث هي مستعملة (2).
و لكي يعيد ريكور الاعتبار للغة بوصفها خطابا، ينطلق من النموذج البنيوي، و تحديدا من دي سوسير و تمييزه بين اللغة بوصفها لسانا؛ أي أنها تشكل نظاما و نسقا، و بالتالي فهي جوهرية و موضوع علم واحد، و اللغة بوصفها كلاما؛ أي أنها تتميز بالتعدد و التغير، و بالتالي فهي عرضية، و هي موضوع علوم متعددة.
و من هنا، فدي سوسير لم يتحدث عن اللغة بوصفها خطابا. "و بعبارة وجيزة لم تعد اللغة تعامل بوصفها "صورة حياتية" - كما يعبر فتغنشتاين - بل صارت نظاما مكتفيا بذاته ذا علاقات داخلية فقط. و عند هذه النقطة بالضبط تختفي وظيفة اللغة باعتبارها خطابا"(3).
و ليعلل ريكور دعوته إلى التعامل مع اللغة بوصفها خطابا، يميز بين علم الدلالة و السيمياء، على اعتبار أن اللغة تعتمد على وحدتين: العلامات و الجمل، و يؤكد أن الجملة هي وحدات، و تتكون من الكلمات، لكن لا يمكن تجزيئها... كما أن الجملة تتكون من علامات و لكنها ليست علامة، و بهذا فالسيمياء هو العلم الذي يدرس العلامات و يعتبره ريكور علما شكليا صوريا و يعتمد على تجزئة اللغة إلى أجزائها المكونة. بينما علم الدلالة هو علم الجملة و معني مباشرة بمفهوم المعنى، و الانصراف الكلي إلى العمليات التكاملية للغة في تداخلها العفوي، و يبرر ريكور هذا التمييز بكونه يشكل مفتاح اللغة بأسرها.
و يؤكد ريكور من جهة أخرى أن الخطاب بوصفه واقعة، يمثل الواقعة اللغوية، بينما النظام افتراضي فقط، و الرسالة هي التي تضفي الفعلية على اللغة، ف"فعل الخطاب ليس مجرد لحظة منفلتة أو زائلة. بل إن في وسعنا إعادة صياغته بكلمات أخرى في اللغة نفسها أو ترجمته إلى لغة أخرى"(4)، و الرسالة تحافظ على هويتها الدلالية رغم هذا التنقل بين العبارات و اللغات...
كما أن الخطاب يأخذ بعدا إسناديا، فالجملة لها محمول و مسند، "و كما قال بنفنست فإن اللغة قد تستغني عن الفاعل أو المبتدأ أو المفعول و غير ذلك من المقولات اللغوية و لكنها لن تستغني أبدا عن المسند"(5).
و يؤكد ريكور أن تحقق الخطاب كله بوصفه واقعة، يؤدي إلى فهم الخطاب كله بوصفه معنى، و يتحقق هذا الأخير عبر التأليف بين وظيفتين، و هما: تحقيق الهوية و الإسناد. كما أن المعنى يطرح جدلا يتمثل في ما يلي: المعنى هو ما يعنيه المتكلم؛ أي ما يقصد أن يقوله، و المعنى ما تعنيه الجملة؛ أي ما ينتج عن الاقتران بين وظيفة تحديد الهوية و وظيفة الإسناد، و بهذا تصبح الواقعة هي شخص ما يتكلم. و التأويلية تقوم على الواقعة الكلامية، و هذا هو التعريف الصحيح للوظيفة التأويلية.
ينتقل ريكور إلى المستوى الثاني المتعلق بالكلام و الكتابة، لأن التأويلية ترتبط بمشكلة الكتابة، و بالتالي يبرز ريكور شروط الانتقال من الكلام إلى الكتابة، فالنص المكتوب بدوره تحضر فيه جدلية الواقعة و المعنى، ف"الكتابة هي التجلي الكامل للخطاب"(6).
و لكي لا تفهم الكتابة بوصفها بعيدة عن الواقع أو لا تمثل الواقعة اللغوية، يميز ريكور بين الدلالة في الأعمال الأدبية و الدلالة في الأعمال العلمية، فالأولى يحضر فيها فائض المعنى، في حين أن الثانية تفهم فهما حرفيا.
و استرسالا في فهم التأويلية بالإضافة إلى الإشارة للخطاب و فائض المعنى، يشير ريكور إلى مفهوم آخر و هو الرمز، على اعتبار أن هذا الأخير ينطوي على شيء لا- دلالي بقدر ما فيه من شيء دلالي، و بالتالي فهذا المعنى المزدوج يقود إلى الانفتاح عن مفهوم آخر و هو الاستعارة، و يحيلنا تعريف الاستعارة إلى كونها تتضمن معنيين: معنى صريح و معنى ضمني، في إشارة إلى اللغة الإدراكية و اللغة الانفعالية. و في نقد ريكور للتصورات التقليدية يؤكد أن "الاستعارة تهتم بعلم دلالة الجملة، قبل أن تهتم بعلم دلالة الكلمة المفردة. و مادامت الاستعارة لا تحظى بالمغزى إلا في قول، فهي إذا ظاهرة إسناد، لا تسمية"(7). و يخلص في الأخير إلى أن الاستعارة هي حاصل التوتر بين مفردتين في قول استعاري، أو بعبارة أخرى التوتر الحاصل بين تأويلين متعارضين للقول، فهذا الصراع هو الذي يغذي الاستعارة. و من هنا فالرمز لا يمكن أن يتجلى إلا من خلال الاستعارة...
و للوقوف على السمات الأساسية للتأويلية، يعرض ريكور في آخر نقطة يعالجها في الكتاب لمسألة التفسير و الفهم، و على اعتبار "أن الفهم يمثل للقراءة ما تمثله واقعة الخطاب بالنسبة لنطق الخطاب، و أن التفسير يمثل للقراءة ما يمثله الاستقلال النصي و اللفظي للمعنى الموضوعي للخطاب"(8)، و هناك تداخل بين الفهم و التفسير، فالأول مجال التخمين و الثاني مجال التصديق.
و باختصار - فحسب ريكور- هناك أكثر من طريقة لتفسير النص، لكن هذا لا يعني أن التأويلات متساوية.
عموما، فنظرية التأويل عند بول ريكور استثمرت الاتجاهات الحديثة كالبنيوية، الوجودية، التأويلية، الماركسية، نظرية الثقافة و التفكيك و التحليل اللغوي و نظريات اللغة و أنثربولوجيا الدين...، و لا تتمثل الاستفادة في التقليد الأعمى لهذه الاتجاهات و محاولة التوفيق بينها، بل تمثلت الاستفادة في إخضاعها للنقد، و ما عرضناه عن البنيوية في بداية هذا التقرير خير دليل على ذلك. كما استفاد ريكور أيضا من أبحاث كل من أفلاطون (لقد أشرنا إلى بعض مؤلفاته سابقا) و أرسطو من خلال وقوفه على تعريف الاستعارة...
و تبرز قيمة عمل بول ريكور في نقله لمفهوم التأويل من مجال اللاهوت و الدراسات الخاصة بقراءة الكتب المقدسة إلى علم القراءة الذي لا يخرج عن الإطار العام لعلم اللغة.

و ما يعاب على نظرية التأويل لبول ريكور كونها أهملت المؤلف أو الكاتب، و أعطت الأولوية للقارئ أو المتلقي، كما ألغت الجانب النفسي و التاريخي في فهم النصوص، فالتأويلية لا تهتم بما في نية الكاتب أو ما يود أن يقوله، بقدر ما تهتم بالخطاب في صيغته الدلالية، معتمدة بذلك شبكة مفاهيمية مثل ما رأينا سابقا ( الرمز، الاستعارة...). و بناءا على هذا، فسواء رواد مدرسة التحليل النفسي أو رواد المدرسة الوضعية المعاصرة سيعارضون ريكور و يرفضون التأويلية و المنهج التأويلي، و ذلك لأن المدرسة الأولى تركز على البنية اللاشعورية في إنتاج الخطاب، بينما المدرسة الثانية تعتمد التفسير في شقه العلمي المحض لفهم الظواهر الإنسانية سوء كانت ظواهرا أدبية أو علمية... و من هنا نقول أن ما يعيبه ريكور على البنيويين سقط فيه هو الآخر، فرفضه الانغلاق على البنية لأنه يؤدي إلى التقوقع، أدى به للقول بالانفتاح التأويلي الذي سيؤول إلى عدد لا حصر له من التفسيرات و الفهم للنصوص، لكن هذا يمكن أن ينظر إليه كنقطة إيجابية في المجال الأدبي، فالاختلاف في التأويل هو إبداع في حد ذاته... و ما الأدب في الأخير إلا أشكالا متعددة من الإبداع، أما إذا خرج التأويل عن هذا السياق فإنه يمكن أن يؤدي إلى ضياع الرسالة...

هوامش:
ـــــــــــ
(*) فيلسوف فرنسي و عالم إنسانيات معاصر، ولد في 27 فبراير 1913، و توفي في 20 ماي 2005، و هو أحد ممثلي التيار التأويلي و رائد سؤال السرد، من أهم مؤلفاته: "التاريخ و الحقيقة" و "الرمز و الحكي" و "نظرية التأويل: الخطاب و فائض المعنى"...
(1) بول ريكور، نظرية التأويل: الخطاب و فائض المعنى، ترجمة سعيد الغانمي، ط2، المركز الثقافي العربي ، 2006 ، ص.21
(2) نفسه، ص. 25
(3) نفسه،ص. 30
(4) نفسه، ص. 35
(5) نفسه، ص. 35
(6) نفسه، ص. 56
(7) نفسه،ص. 90
(8) نفسه، ص.118



#عبد_العالي_كركوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنية الفكرية للراحل محمد عابد الجابري
- مقولة الإرهاب بين الإيديولوجيا الزائفة و الواقع الحقيقي
- الإسلام السياسي و تناقضات الممارسة
- معاناة المثقف العربي!!
- محمد عابد الجابري: حياته، مؤلفاته، مماته.
- مملكة الجرذان
- إشكالية الجبر و التخيير من منظور الفكر الديني
- إشكالية الحرية في الفكر الفلسفي
- الفكر السوفسطائي و العدالة كممارسة سياسية، تراسيماخوس و كالي ...
- البعد الفلسفي لحقوق الإنسان
- المغرب بين المرتكزات الدينية و أسس العلمانية
- -هذا ليس مقتطفا من جمهورية أفلاطون و لا مدينة الفارابي الفاض ...
- دعوة إلى التسامح
- محمد عابد الجابري و مشروع نقد العقل العربي ، الجزء الأول: مك ...
- الوضع العربي الراهن و نقد مفهوم الثورة
- المشهد السياسي المعاصر: زمن بنكيران


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد العالي كركوب - مدخل لقراءة كتاب بول ريكور -نظرية التأويل: الخطاب وفائض المعنى-