|
الديمقراطية ليست لعبة انتخابوية ، ولا مراجعة دستورية لدساتير ممنوحة . انها معركة مستمرة ومتواصلة
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5453 - 2017 / 3 / 7 - 22:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الديمقراطية ليست لعبة انتخابية ، ولا مراجعة دستورية . إنها معركة مستمرة وشاملة . يجمع معظم شرفاء وأحرار المغرب ، الذين يرفضون التمييع ، والتغليف ، والتزليج ، والتسويق الى أوربة وأمريكا ، أن الديمقراطية الحقيقية إمّا ان تكون بمعاييرها المتفق عليها كونيا ، أو لا تكون إطلاق . وقد ساهم في تركيز هذه القناعة الراسخة ، التطور الفكري والنضج السياسي المتزن ، الذي أبان عنه الشعب المغربي الذي قاطع مؤخرا انتخابات الملك ، لإنشاء برلمان الملك الذي من المفروض ان تنبثق منه حكومة الملك كذلك . ان هذه المقاطعة التي بلغت نسبة تراوحت بين 75 و 77 في المائة ، كانت متوقعة بفعل التغيير الذي أحدثته حركة 20 فبراير التي كسرت طابو الخوف من النظام ، واعتبرت مرحلة مفصلية في تاريخ نضال الشعب المغربي ، بين عهد الحجر والجور الذي عاش فيهما المغرب منذ 1961 ، وبين الأمل الذي لاح بفعل الهبّات الشبابية التي لم يعد لها ما تخسره غير الانتفاضة ضد وضعها المزري على جميع الواجهات . لذا فالديمقراطية بمفهومها الأصيل ، إمّا ان تكون واقعا يسود العلاقات الاجتماعية والسياسية ، أو لا تكون بالمرة ، لان المغاربة أعيتهم أكاذيب النظام التي انطلت على آبائهم واجداهم منذ ؤول انتخابات في بداية ستينات القرن الماضي ، والى آخرها في سنة 2016 . لقد اقتنع الشعب المغربي وشرفاءه وأحراره ، وبعكس السلف الذي ذهب ضحية الأضاليل والأكاذيب المنسوجة من قبل النظام العشائري القروسطوي والفيودالي طيلة اكسر من خمسة وخمسين سنة مضت ، بان الديمقراطية لم تعد كما كانت يافطة تعرض على السياح ، او موسم للاحتفال به موسميا ، وكلما رغبت نزوة النظام في ذلك ، بل ان الديمقراطية أضحت حقيقة يجب ان تفتح لكل مغربي شريف وحر إمكانية التقدم والمعرفة ، كما تتطلب تنظيما اجتماعيا يحتاج هو نفسه الى تغييرات في الهياكل الموروثة عن الاستعمار ، وليس فقط مراجعة الدساتير الممنوحة التي تضفي على الحاكم هالة ، وتجعله مقدسا لا يعتريه العيب ولا النقص من حيث أتى ، وفي غياب الممثلين الحقيقيين للشعب الذين يتعرضون لشتى أصناف التنكيل والقمع ، بغية تركيز الطابع الاستبدادي للحاكم بآمر الله لا بأمر البشر . ان تطبيق الديمقراطية على الحياة السياسية ، يعني البحث عن الماسكين الحقيقيين بزمام القوة السياسية ، لإخضاعهم الرادة الشعب ، لا لإرادة الحاكم الذي تتعارض مصالحه مع مصالح الشعب . فبهذا الوضوح حدد المهدي بن بركة المضمون الاجتماعي للديمقراطية ، الذي يعني استحالة الجمع بين واقع القهر ، والهيمنة ، والتسلط ، والاستحواذ ، وبين المؤسسات الديمقراطية الحقيقية والفعلية . من هذه القناعة والزاوية ، يصبح النضال الديمقراطي الحقيقي ، مرهونا بالوفاء للهدف الاستراتيجي الثابت ، الذي هو تحقيق السيادة الشعبية ، لا تحقيق سيادة الحاكم بأمر الله ، وبالتالي ، فالنضال الديمقراطي الحقيقي ، وليس المعطوب والشكلي ، عليه أن يتجنب الفخ الذي ينصبه الحاكم والحكم باستمرار ، لمحاولة حصره في أفق جد ضيق ، وجعله في نهاية الأمر ، يخدم ( المشروعية ) الرسمية ويرممها ، ويسمح للنظام العشائري القروسطوي ، بإيجاد واجهة شكلية ، تصونه من العزلة الداخلية والخارجية . إن أي انزلاق في هذا الاتجاه ، أو أي مبادرة تضع الالتزام بالعمل على تحقيق سيادة الشعب جانبا ، وتتوهم إمكانية إصلاح النظام من الداخل ، ومنه الوصول إلى الإصلاح الايجابي للأوضاع القائمة المتأزمة ، لا يمكنها ان تنعكس إلاّ بمردود سلبي ، وهذه تجعله غير راغب ، بل غير قادر على تحقيق أية تجربة ديمقراطية ليبرالية ، عدا التجارب البرلمانية المغشوشة والمزيفة والمشوهة ، التي تبقى في كل الأحوال ، سجينة الإيديولوجية الإقطاعية ، عدوة الديمقراطية ومدمرتها ، كما أن هذا الفعل ليس له من تفسير ، غير تدعيم استمرارية النظام الاثوقراطي المزيف ، والإقطاعي الطاغي و المستبد . ان وضع النضال الديمقراطي في افقه الثوري الصحيح ، يعني انه لا يشكل اختيارا تكتيكيا تفرضه ضرورات الرواج السياسي ، بل محورا سياسيا ، لكفاح الجماهير الشعبية ، وقواها الديمقراطية ، والوطنية ، والثورية الحقيقية والمختلفة . ان تحقيق حكم الشعب كهدف ثوري لهذا الكفاح ، يقتضي بدوره ، نهج أساليب ثورية في تثقيف وتنظيم الجماهير ، لا أساليب التسلط ، والانحراف ، والتحريفية ، والتعامل مع المناضلين العصاميين ، بنفس المنطق المخزني الذي يشكل عماد الحياة اللاّديمقراطية المفروضة على الشعب المغربي . ولنا ان نتساءل ماذا جنا حزب الطليعة والاشتراكي الموحد من مشاركتهما النظام في مسرحياته وخرجاته ، غير العزلة والتهميش الجماهيري والشعبي . ان النضال الديمقراطي الحقيقي ، مثل كل المعارك النضالية ، إذا لم ينطلق من وضوح تام في المواقف إزاء النظام الملكي المطلق والتوتاليتاري ، والمفصوم عن الشعب المغربي . وإذا لم يتبلور هذا الوضوح على مستوى الشعارات والمهام النضالية اليومية ، بوضع الخط الفاصل مع النظام ، والطبقة السائدة ، وسياستها وشعاراتها الكاذبة والتضليلية ، حيث تستمر في الافتراس ، والنهب ، والتسلط ، والاستحواذ على الخيرات والعباد ، فإنه لن يؤدي إلاّ إلى نتائج عكسية ، تضر بالمسيرة النضالية الثورية للشعب المغربي . ان شرفاء وأحرار الشعب المغربي ، مطالبون بفك الشفرة التي يستعملها النظام ، والتي هي فرق تسد ، حتى يضعف الجميع ، ويتقوى هو كنظام خارج الزمن ، ومرفوض من قبل العالم الحر الديمقراطي . إذن لا غرابة مرة أخرى ، أن يؤدي خوض المعركة الديمقراطية بمنطق " الإجماع الوطني " غير الموجود أصلا إلاّ في ذهن دهاقنة النظام المتخلف ، ووسائله وضوابطه ، الى عزلة أصحابها ، وبقاءهم سجناء أنصاف الحلول السلبية التي تكلم عنها المهدي بن بركة ، ومؤسسات النظام النخبوية والهامشية ، وانفضاح أمرهم على الصعيدين الوطني والديمقراطي الحقيقي ، عند الخاص والعام . انه من البديهي ان من يكتفي بالخطة التكتيكية المرحلية ، دون أفق استراتيجي ، يكون مصيره ، إمّا ان يسرق منه الخصم سياسته ، وإمّا ان يظهر بمظهر الانتهازي والوصولي المهزوم شعبيا وجماهيريا . إذا كان النضال الديمقراطي بمعناه الأصيل ، وليس ما الصق به من تشويهات وتحريفات انتخابوية ضيقة ، يقتضي فرز العدو الرئيسي والأساسي ، والحيلولة دون تلغيمه للصف الوطني الديمقراطي الحقيقي الذي لم يتلوث بمسالك الارتزاق المخزني ، والتصدي لتكتيكه السياسي بخط وطني مستقل ، فان الانفتاح الذي يجب ان يسود في الحقيقة ، هو بين القوى الوطنية والتقدمية والثورية المناضلة التي يوحد بينها هدف إقامة حكم الشعب ، ومنه سلطة الشعب ، وتحرير البلاد من السيطرة الاستعمارية الحالية ، ومن السيطرة الأجنبية بكل مظاهرها . لذلك نؤكد كمثقفين ، وكفاعلين سياسيين مهتمين بالشأن العام لبلدنا ، أن لا إجماع حقيقي غير الإجماع الشعبي الجماهيري ، حول ضرورة النظام الديمقراطي الحقيقي ، كعنوان لمرحلة التحرر الوطني بكاملها . ان الديمقراطية إذ تعتبر بهذا المعنى ، معركة شاملة ، فهي تتطلب استعدادا شاملا يدمج كل الطاقات والقطاعات الشعبية ، والتنظيمات التقدمية في نضال يومي ، في سبيل إيقاف عدوان الحكم الطاغوتي الجبري والعدواني على المستضعفين ، وإيقاف انتهاك الحقوق الديمقراطية ، وإنهاء الاعتقال السياسي والمحاكمات السياسية ، وطبخ المحاضر البوليسية المزورة ، للإيقاع بشرفاء وأحرار الشعب المغربي ، ثم إقرار مواطنة المواطنين ، وبكلمة في سبيل مواجهة النظام المطلق الفيودالي ، ودولة الاستبداد والطغيان . ان المرحلة الدقيقة التي تجتازها بلادنا ، حيث اعترف النظام بالجمهورية الصحراوية التي أنشأتها الجزائر وليبيا ، ولم ينشئها الصحراويون ولا قرروا بشأنها مصيرهم ، رغم ان كل قرارات مجلس الأمن منذ 1975 والى اليوم ، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 1961 والى اليوم ، كلها تنصص على الاستفتاء الذي لا زال لم يتم تنظيمه الى اليوم ، يقتضي الإسراع بتشكيل كتلة تاريخية جماهيرية شعبية وثورية ، او جبهة وطنية تقدمية وديمقراطية ، يجب ان تكون تجسيدا متكتلا لهذا التطلع الديمقراطي ، وإطارا وحدويا لتحقيقه من خلال : 1 – ملئ الفراغ الذي سيسببه ذهاب الصحراء ، حتى لا يتم ملئه من القوى الرجعية المرتبطة بالصهيونية والامبريالية ، ونسقط في نفس الخطأ الخطير عند التوقيع على معاهدة أيكس ليبان التي سلمت المغرب لمن باعه بمقتضى اتفاقية الخيانة ( الحماية ) في سنة 1912 . ان هذه الكتلة ، هي وحدها القادرة على حماية المغرب أرضا وشعبا ، كما أنها وحدها القادرة على مواجهة كل المخططات الصهيونية التي تنفذ اليوم بالشرق الأوسط . 2 – تكثيف الدعاية للمفهوم التقدمي الحقيقي للديمقراطية ، وحكم الشعب الديمقراطي . 3 – الجواب على الوضع القائم حاليا ، لتعميق القطيعة مع الطبقة السائدة ، والنضال ضدها في كل الواجهات السياسية والنقابية والثقافية والجمعوية والطلابية . 4 – تنمية وتطوير الفرز الإيديولوجي والسياسي والتنظيمي ، على طريق بلورة الأداة الثورية . ان تعميق التوجه الوحدوي على أساس هذه المهام ، هو الكفيل بتوفير شروط العمل الكتلوي ، وشق الطريق نحو بناء الكتلة التاريخية الثورية الشعبية العريضة ، كهدف ثابت وبُعد استراتيجي للمدارسة الآنية . والخلاصة ، هي ان القضية الديمقراطية شكلت ، ولا تزال تشكل ، محور الصراع في مجتمعنا ، وستظل كذلك لغاية حل التناقض الرئيسي والأساسي في البلاد ، وفرض السلطة الوطنية الديمقراطية التي تعني حكم الشعب وليس حكم العائلات . ان المعركة الديمقراطية بهذا المفهوم ، هي معركة دائمة ومستمرة ، ولا يمكن اختزالها في لعبة انتخابوية مُقيتة ، ولا في مراجعة دستورية لدساتير ممنوحة تزكي دكتاتورية الحاكم المستبد بأمر الله . إنها معركة شاملة غايتها الأسمى ، إقرار سلطة الشعب وحكم الشعب ، بتصفية النظام القائم على الإذلال والعبودية والعدوانية ، لأنه نظام جبان ، والمنتمي الى قرون الانحطاط والزمن الميت ، والذي يقف عائقا في وجه التحرر الوطني الديمقراطي ، ووليد الاستعمار بشكليه القديم والجديد . ان تأسيس الكتلة حيث يلزم الظرف ذلك ، هو واجب طني ، بل أضحى فرض عين لمواجهة الإخطار المهددة لوحدة المغرب أرضا وشعبا .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أما حان الوقت لحكومة الملك ان تظهر .
-
الثورة المهدورة والمجهضة
-
النظام الملكي اعترف بالجمهورية الصحراوية
-
تقرير لرصد ما جرى -- حين يطبخ النظام المحاضر البوليسية لتجفي
...
-
مؤسسة الحسن الثاني للشؤون الاجتماعية لرجال السلطة
-
ملاحظات سريعة عن خطاب الملك امام البرلمان
-
خلفيات تعيين البرتغالي انطونيو غويتريس امينا عاما للامم المت
...
-
من الفائز بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات .
-
لماذا يجب مقاطعة الانتخابات التشريعية القادمة ؟
-
الجمهورية الصحراوية ستصوت لصالح انضمام النظام المغربي الى ال
...
-
قراءة لتقرير المدعي العام لمحكمة العدل الاوربية بشأن اتفاقية
...
-
وجهة نظر تُعقّب على وجهة نظر
-
تحليل لخطاب الجلوس على كرسي الحكم - العرش -
-
بين العودة والانضمام وشرط الطرد ، النظام المغربي يجري جرية ا
...
-
هل اصبح النظام المغربي معزولا دوليا ؟
-
رسالة مفتوحة الى رئيس الجمهورية الاسلامية الموريتانية السيد
...
-
مجموعة 24 ( اللجنة الخاصة المكلفة بتصفية الاستعمار التابعة ل
...
-
الصراع المفتوح مع الحكم
-
النظام المخزني يرضخ للشروط الهولندية بخصوص مستحقات الضمان ال
...
-
وفاة محمد عبدالعزيز
المزيد.....
-
مشتبه به يرمي -كيسًا مريبًا- في حي بأمريكا وضابطة تنقذ ما دا
...
-
تعرّف إلى فوائد زيت جوز الهند للشعر
-
مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم
...
-
مسؤول إسرائيلي: العملية العسكرية في معبر رفح لا تزال مستمرة
...
-
غارات جوية إسرائيلية على رفح.. وأنباء عن سماع إطلاق نار على
...
-
من السعودية والإمارات.. قصيدة محمد بن راشد في رثاء بدر بن عب
...
-
شاهد.. أولى الدبابات الإسرائيلية تسيطر على الجهة الفلسطينية
...
-
هل انتقلت الحرب الروسية الأوكرانية إلى السودان؟
-
فيديو: ارتفاع حصيلة القتلى جرّاء الفيضانات والأمطار في كينيا
...
-
فيديو: آلاف المجريين يخرجون في مظاهرة معارضة لرئيس الوزراء ف
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|