فاس العَالمة، فاس السَّائِبَة !!

ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 5448 - 2017 / 3 / 2 - 19:03
المحور: كتابات ساخرة
    

فاس العـَالمة، فاس السـَّائـِبَة !!
ذ. ادريس الواغيش
مدينة فاس كانت منذ القديم وعلى فترات متقطعة، تعيش فترات من استتباب الأمن والأمان وازدهار التجارة والصناعة والعلوم وأخرى تعرف فيها”السِّيبـَة” أو ما شابهها كما حدث في عهد السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل، إذ استعصت عليه مدينة فاس حين كانت تعيش أيام ”السيبة”، فتركها واستوطن قصَـبَة خارج أسوارها، قبل أن يستتبَّ الأمن والأمان بعد أن تولى الحكم بعده ابنه سيدي محمد بن عبد الله الذي كان خليفة له على مراكش، وحين تولى الحكم سيدي محمد بن عبد الله وجد خزائن الدولة فارغة، كما تقول المراجع التاريخية، فكان لابن سودة، وهو عالم دين من فاس، دورًا في إصدار فتوى تـُبيح للسُّلطان جمع أموال من الضرائب أو النـُّكوص، وبذلك احتفظت مدينة فاس بدورها الرِّيادي وخاصِّيتها التي لم تتغير منذ القدم في السـِّلم و”السِّيبة” معًا:” بلاد المخـزن ليست آمنة كليا، ولا بلاد السِّيبـة خطيرة دائما”!.
وفاس كمدينة وعاصمة علمية للمملكة المغربية، وإن كان ذلك مجازًا في الوقت الرَّاهن، لم تخرج عن هذه القاعدة، إذ كان يلزمـُك الدخول إليها أحيانا بـ”الزّْطاط” كما هو مثبت في كتب التاريخ، وأحيانا تستطيع القول أنها كانت تعيش في فترات كثيرة من تاريخ المغرب خارجة عن سيطرة المخزن أمنيًّا، وأنا هنا لا أتحدث عن الأمن بمفهومه القومي الحديث، لكن أمن المواطنين من السَّرقات بكل أنواعها.
فهل هي عودة إلى زمن ”الزطـَّاط” في فاس أيام ” السيبة”، لحماية أنفسنا وأرواحنا وأعراضنا أو هواتفنا حين نـُهاتف أحدًا في شوارع العاصمة العلمية(ياحسراه)!.
فبعد أن كانت هذه المدينة المثيرة للجدل في تاريخها القديم والحديث، الأولى علميًا على المستوى الوطني تاريخيا وسياحيًا قبل مراكش وأغادير والثانية صناعيًا بعد الدار البيضاء، هاهي تعود مرة أخرى إلى خاصيتها القديمة، إذ أصبحت اللصوصية فيها وخصوصا عملية ”انتشال الهواتف عنوة” تجارة مربحة وَوَرشات صغيرة للاغتناء، وأيضا عمل من لم يجد عملا !!
- همسٌ لمـُدمني الفايسبوك فقط...
بعيدا عن مسار مدينة فاس التاريخي الحافل بالخلاف والاختلاف، أهمس لأصدقائي المُدمنين والمُدمنات على الفايسبوك وأقول لهم:
- يكفيكم أن تزوروا مدينة فاس ليوم واحد فقط، سيخلصكم لصوصها من الإدمان نهائيا أو مرحليا من الإدمان على الفايسبوك، فقط خـُذوا هواتفكم وتكلموا في الشارع العام على راحتكم دون أن تلتفتوا يُمنة أو يُسرة، لا يهم أن يكون هذا الشارع فرعيا أو رئيسيا، في أطرافها وأحيائها الهامشية أو في وسطها النابض بالحياة، لتجدوها في لحظات معدودات بين أيدي لصوص مَهـرة، ومن ثمة في مرحلة لاحقة بين تجار الهواتف المستعملة في إحدى أزقـة فاس، بعدها لكـُم ولكـُن الخيار في أن تبقوا في مديتنا ”الفاضلة” أو تعودوا طوعـًا من حيث جئتم إلى مدينتكم!
هكذا وجدت نفسي يوم الأربعاء فاتح مارس2017، وأنا أهاتف لدقائق معدودات زميلا لي بدون هاتف في لمح البصر، بعد أن ترجل شاب قوي البنية و"زوين بزَّاف" في ملامح وجهه من فوق دراجة نارية صينية الصنع رمادية اللون، انتشل مني هاتفي النـَّقال كالنسر وسط شارع يُعدُّ من أهم شوارع حي الزهور2 بفاس، حيث تتمركز البُنوك والمتاجر الكبرى والمقاهي وبعض المؤسسات، ثم جرى به في اتجاه صديقه الذي يركب نفس الدراجة، ولاذا بالفرار في اتجاه يعلمُوه جيدا‼.
أنا متأكد بعد هذا الحادث من أن فاس سيصبح لها شأن عظيم، وستتحول بعد الآن مزارًا لمـُدمني الفايسبوك عبر العالم، سواء من الموظفين والموظفات من مختلف القطاعات والأعمار مغربيا، وكذا التلاميذ والتلميذات المقبلين على اجتياز الباكالوريا المغربية قريبا، وأيضا طلبة الجامعات اللذين اللواتي هم/ هن في حاجة للتفرغ للامتحانات التي تنتظرهم قريبا في الدورة الثانية، ثم في مرحلة لاحقة لمـُدمني الفايسبوك من جنسيات أخرى الذين/ اللواتي يعـُجُّ بهم هذا الفضاء الأزرق، ويشتكون ليل- نهار من إدمانهم على الفايسبوك أو تشتكي منهم زوجاتهم وأولادهم وبناتهم في الصيغتين معًا.
جـَرِّبوا زيارة فاس، ستجدون راحة لا نظير لها مثلي، بعد أن يُجـرِّدوكم من هواتفكم النقالة(ذكيّة كانت أو بليدة) مثل التي سُـرقت مني”صَحَّة”، أعترف لكم شخصيًّا أنه كان يشغلني عن كثير من الأشياء، ومنها حصص المُحاضرات الجامعية واللحظات الحميمية مع أبنائي وزوجتي، وأعترف لكم أيضا أنه كثيرا ما كان يسبِّـبُ لي بعض الصُّداع في الرأس وتعبٌ في العينين، بالإضافة إلى مشاكل أخرى مع زوجتي!.
لا تتردَّدوا، جـَرِّبوها ولو مرة واحدة وزوروا مدينة فاس، لن تندموا بعد أن تشعروا براحة البال وتتخلصوا من إدمان لم تستطيعوا الفـَكاك منه، رغم كل المُحاولات التي بذلتموها طول الشهور الماضية‼

#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل