أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - قصة قصيرة...الخرافة ..هي أن لاتكون قبل أن تكون















المزيد.....

قصة قصيرة...الخرافة ..هي أن لاتكون قبل أن تكون


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1431 - 2006 / 1 / 15 - 09:41
المحور: الادب والفن
    


جلس هاملت أمامي في مطعم بسيط بمدينة البصرة التي زرتها قبل أيام مدعوا لحضور ملتقى السياب السنوي ، وهو تقليد أثرت المدينة أن تقيمه رغم آلامها التي لا تنتهي احتفاءً بموت الشاعر السنوي وهو يبصق الم رئتيه في مستشفى بمدينة الكويت .
أصابني الذهول أن أرى أميرا سكسونيا يطلب أكلة عراقية هي عبارة عن صحن من الرز المليء باللحم والبهارات يسمى في المتداول الشعبي ( برياني ) وهي أكلة ربما من أصول هندية لكثرة ما يوضع عليها من التوابل .
لم ينتبه احد إلى غرابة ملابسه . وهي تشبه ملابس أهل تبريز حيث ثوبه المزركش العريض وقبعته المدورة والتي تشبه كثيرا قبعات الجنود البريطانيين الذين يجوبون اليوم شوارع المدينة وفوقها ريشة لتميز صنف الفوج الذين ينتمون إليه .
الأمير هاملت كانت فوق قبعته ريشه .
الذي لفت انتباهي انه حرص كثيرا على تقليد حركة الزبائن أثناء الأكل ولأن من جاوره في المائدة كان فلاحا بسيطا لا يعرف الأكل بالملعقة بل بيديه ، أضطر أن يفعل مثله وان يأكل بأصابعه النحيفة البيضاء كسيقان طفلة تأخذ درسا في الباليه الروسي .
بدا المشهد كوميديا وأنت ترى أميرا من بلاطات كنتربيري يأكل بيديه كما يفعل ضيف العائلة اليابانية الغريب حين يعطى أعوادا ليتناول بها الرز .
ورغم هذا تجاوز حرجه وبدأ يستمتع شيئا فشيئا ويأكل بيديه ، بل صار (يلطع ) السمن المسال بين أصابعه بلسانه كما يفعل القروي وهو يرسم بوجهه بهجة مشاعر غريبة بهذه الحركة الشرقية التي رسم فصولها مكتشفه شكسبير في تراجيديا أخرى تدعى ( عطيل ) .
الذي شغلني فيما سيحصل هاملت هو عملية دفع الحساب وبأي عملة ، حيث في زمنه لم يكن الجنيه الورقي موجودا لقد كانت هناك دنانير من ذهب وفضة وحين سيدفعها سيحدث غرابة ولغطا وربما سيثير عليه الشكوك ويتعرض لأمور كثيرة . لكنه فاجأني حين اخرج من جيب ثوبه الستن العريض محفظة وورقة نقدية مما يتداول به الإنكليز اليوم .
صاحب المطعم لم يلتفت حتى إلى وجهه وهيئته بل اخرج من خزانة النقود حاسبة صغيرة وحسب بها فرق الجنيه بالنسبة لثمن الطعام من خلال سعر الصرف في سوق العملة الذي كان يعرفه تماما وأعطى الباقي للأمير.. ولسعادته بورقة النقد الأجنبي طلب له شايا على حساب المطعم تناوله هاملت بفرح غريب وكأنه يحتسي كونياكا أو نبيذا ويلزياً كالذي كان يقدم للأمراء في مراسيم تنصيب الملوك الجدد .
لم اكلم الأمير الإنكليزي بل دلفت أسير وراءه وهو يتأمل المدينة ويسير بمحاذاة نهر العشار ورأيت في عينيه تساءلا إن كان هذا النهر الذي يشق المدينة في أكثر من خاصرة هو ذاته الذي جرت عليه أحداث مسرحية شكسبير تاجر البندقية بعد أن علم إن معظم البيوت البصرية ذات الواجهات الخشبية المزخرفة كانت سكنا لليهود قبل تهجيرهم في خمسينات القرن الماضي بعض قضية التفجيرات المقصودة وتهريب السلاح الخردة إلى فلسطين التي قام بها بعض التجار اليهود وكان هاملت يعرف كل هذا لأنني رأيته يتأمل الفصول ذاتها مدونة في كتاب في يديه عنوانه ( تواريخ البصرة الهائمة بين النخل والحزن والحسرة ) يقال إن مؤلفه السندباد البصري البحار الشهير الذي قيل في بعض ما قيل إن شكسبير نفسه اخذ حكايات تراجيدياته من كتاب ألف ليلة وليلة التي كان السندباد احد أبطالها في رحلاته السبع وان البصرة كانت احد أمكنة هذه الحكايات .
آخرون نسبوا هذا الكتاب إلى الشاعر بدر شاكر السياب لأنه امتلئ بحسرة الجوع والشعر والمرض ، لكن الحقيقة المعروفة إن مؤلف كتاب ( تواريخ البصرة الهائمة بين النخل والحزن والحسرة ) هو مؤلف مجهول كما الذي كتب وألف الكتاب الأسطوري ألف ليلة وليلة .
ربما تعب الأمير من سيره البطيء وقنسلوته الستن الحمراء تثير فضول المارة وهم يطلقون في وجهه ابتسامة غامضة تنتابها بعض الأحيان مشاعر الريبة والنظرات المتسائلة إن كان هذا الرجل النحيف بزيه الغريب رحالة أجنبي أم تاجر من شيراز أو ممثل ارتدى ملابس ملهاة ما ليصور ساعة تلفزيونية في الهواء الطلق . ولأن المدينة تعودت على الغرباء منذ سيوف الزنج والقرامطة فعدته واحدا من أولئك الذين مروا على تواريخ البصرة منذ زمن ما بعد التمصير وحتى زمن الممثل المدني لحكومة جلالة الملكة إليزابيث بعد أن عاد الإنكليز مرة أخرى بالجزمات القديمة للسيربيرسي كوكس المندوب السامي في العراق يوم احتل الإنكليز العراق لأول مرة في نهاية الحرب الكونية الأولى يعاونون المدينة في إلغاء عهد التغيب ونعوش بحيرة الأسماك ودموع نهر جاسم .
بقيتُ أسير خلف خطواته البطيئة ، التي انتهت إلى شاطئ النهر حيث غاصت عيناه في تأمل عميق للسفن الراسية والنهر العريض وغابات النخل التي فقدت الكثير من بريق كثافتها بسبب المدافع التي قطعت أعناقها بعمليات الحروب القاسية التي عانت منها البصرة كثيراً .
لكنه مثل الذي كان على موعد مع احد راح يبطئ الخطوات وهو يرنو بذهول لتمثال البرونز لشاعر المدينة التي رسم لها حداثة الشعر الجديد عندما كتب قصيدته ( هل كان حبا ) والتي عدت في تفعليتها الجديدة تطويرا لبناء الشعر العربي الحديث .
أمام تمثال السياب وقف الأمير هاملت .
الوقفة بدت صارمة في شكلها الفكتوري ، وقفة تأملتها من بعيد لأراها تحمل معاني للقاء مقصود وكأن الأمير كان على موعد مع صاحب المعطف البرونزي وهذه المرة لفت انتباهي إن هاملت كان يتمنطق سيفا فيما كان الشاعر اعزلا سوى يداه النحيفتان كأعواد البخور يمدها أمام وقفته الرتيبة باتجاه نقطة ما لا تعني شيئا يتعلق بما عايشه وخبره وتأسى من اجله . وطوال وقفة الأمير المشدودة كان يمسك بغمد السيف وكأنه يتهيأ لحركة ما .
تضايقت من هكذا مشاعر ، وتصورت إن أميرا يحمل محنته الروحية في بناء كينونة وجوده إزاء هاجس الخيانة وخداع عاطفة الأم أن يعمد إلى الارتماء في أحضان التمثال وكسب وده بشيء من سونيتات الحب وهدأت النفس والمواساة .
غير إن جسد البرونز لم يأبه كعادته وظل مثل كل مرة ينصت لصوت الربابنة والنوتية وهم يطلقون غناءً بحريا ممزوجا بافريقية مندثرة من زنوجة عهد الرق والصراع مع اسماك القرش فيما بقي سعف النخيل يهفهف بضوءه الأخضر على نومة شط العرب غير عابئ بنظرة الأغراء التي كان الجنود الإنكليز يطلقونها على بهجة المكان وهم يمرون في شارع الكورنيش راكبين مدرعاتهم السميكة .
اقتربت من الأمير هاملت ووقفته بعد أن انتابتني مشاعر غامضة أن يحاول الأمير أن ينسى نفسه ويخط بنصل سيفه جملة ذكرى على جسد البرونز تخليدا لهذا اللقاء .
غير أني وأنا اختبئ خلف جذع شجرة تمر هند كبيرة كانت على مقربة من نصب الشاعر ، سمعت حوارا دافئا بين هاجسين متشحين بخيانة ما . الشاعر بخيانة القدر له والنساء اللائي يطلبن منه كتابة غزل عن بياض وجناتهن ودلال مشيتهن . والأمير هاملت جراء الخيانة العائلية القادمة من الثدي الذي شرب منه حليبه الملكي . وبين الخيانتين طرحت الأفكار خرافة التكوين والصلة بين الكائن والمكنون عبر ما نتعرض له في محطات حياتنا .
هاملت : جئت إليك لأدرك ما للحزن من وقيعة مؤثرة على كينونتنا .
السياب: تلك قدرية لم تكن وليدة تجربتك يا أمير . السماء لحظة تجابه أجفاننا النور أول مرة تكتب تحتها سيرتنا الذاتية وهذا لا تغيره أي قوادم . المكتوب على الجبين حتما ستراه العين هذا ما قيل في مأثور شعبي .
هاملت : ولماذا خياراتها تتقصدنا نحن من نملك قلوبا خالية من البغض . لكنه الخيار يزرع البغض رغما عنا .
السياب : أنا لا ادعِ أني مجابه ببغض . إلا إنني جوبهت بسوء طالع وبتكوين جسماني لا يسمح لي حتى بصناعة ابتسامة جميلة .
هاملت : ولكنك تشتغل على هاجس الروح من خلال القصيدة وهذا يكفي لتكون جميلا .
السياب : والفقر أيضا ، العوز ، يدفعك إلى اليأس من إن القدر لن يبتسم لك ذات مرة وهذا ما حدث معي .
هاملت : ومعي أيضا . الخيانة خنجر ابدي لايمكن أن يمحى بممحاة كتابة هكذا تقولون في الشرق .
السياب : أنا خانتني الحياة كلها ورغم هذا مشيت لأكون .
هاملت : أنا توقفت لكي لا أكون . وتلك معضلة خلقت لدي أبدية موزعة على الكثير من البشر عبر كل ما يأتي من القادم والعصور . أنا لا أحب السيد شكسبير لأنه فعل بي هذا .
دمعت عينا السياب وقال بخفوت وتأسي : وأنا لااحب التدرن الرئوي لأنه فعل بي هذا .
هاملت : أذن عندكم بيت عربي شهير يقول : إنا غريبان هاهنا ...وكل غريب للغريب نسيب .
السياب : هذا ينطبق عليك أنت . أما أنا فلست بغريب . أنا أقف على ارض ولدت فيها .
أغمض هاملت عينيه وتراجع بشئ من الخذلان . فيما كان صوت جندي بريطاني يعتلي برج دبابة تكسر برعونة إسفلت الشارع وهو يهتف :
هاي هاملت . تعال معنا لنتناول شاي ما بعد الظهيرة .........!



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة ......لماذا يموت البلبل ؟...................
- قصة قصيرة ...كلب القرية لا ينبح بل يغني .
- من يضيف إلى عينيك الكحل غير أصابعي
- قصة قصيرة....أبي في متحف اللوفر...
- قصة قصيرة...شفتا صديقتي تكتب القبلات ببراعة
- قصة قصيرة ...الشراكسة ومدحت باشا ومدينتي
- قصة قصيرة.. شارب دالي ودولة مالي وردود أفعالي .
- البصرة دمعة نخلة وتوابل قبلة خضراء
- قصة قصيرة ..البرتقال وام اولادي
- قبعة مكسيكية .. وموسيقى موزارتية .. وقصائد سريالية
- قصائد كتبتها نيابة عن أندريه بريتون
- عام مندائي آخر .. وسيغطيني النور برداءه الأبيض
- أمنيات 2006..العراق في حاضنة الورد وليس في حاضنة المفخخات
- قصة قصيرة ..الليل ومدونة القلب
- عام جديد .. رسالة حب وحبة كرز ودمعة قطة
- توصيف اللحظة الرومانسية
- الورد الكردي ..يرتدي القمر دمعة ، وطحين كيمياوي
- الكلمة ...الله ... المرأة
- عولمة .... أو لنقل الزمن الأمريكي
- أنا .. وطفولة وداعاً غوليساري


المزيد.....




- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - قصة قصيرة...الخرافة ..هي أن لاتكون قبل أن تكون