|
قانون مكافحة الطبقة الوسطى في الأردن قبل قانون مكافحة الإرهاب والفساد!
باتر محمد علي وردم
الحوار المتمدن-العدد: 1431 - 2006 / 1 / 15 - 11:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إستقبل الأردنيون حكومة د. معروف البخيت بأمل وترحاب، ووضعوا الكثير من الآمال على أن تساهم هذه الحكومة في تحقيق مكاسب اقتصادية وتنموية وسياسية للأردن، وتساهم في حل مشاكل الفقر والبطالة والتنمية المستدامة، وحماية الدولة والمواطن من المخاطر الإقليمية والدولية التي تعصف بالمنطقة.
وقد قرأنا في خطاب الرئيس وتصريحاته، وفي التحليلات السياسية لنهج الحكومة الكثير حول الوعود والتطلعات، وبعض الأولويات والتي من أهمها تحقيق التوازن ما بين معادلة الأمن والحرية، وبمعنى آخر العمل على مواجهة الفكر التكفيري والإرهابي بدون المساس بالحريات السياسية والديمقراطية للمواطنين.
وكانت الحكومة قد أعلنت استهداف الإرهابيين ومن يساندهم فكريا وماليا وتنظيميا، وقررت إصدار قانون لمكافحة الإرهاب بالحوار والتنسيق مع الجهات المعنية، كما قررت إصدار قوانين ديمقراطية للأحزاب والبلديات والانتخابات، بالإضافة إلى القانون العتيد لهيئة مكافحة الفساد الذي يفترض أن يساهم في مأسسة مكافحة الفساد ويجعل الفاسدين يدفعون الثمن للمرة الأولى بدلا من تحقيق مكتسبات مضمونة.
ولكن الحكومة فاجأتنا عندما سبقت كل هذه القوانين المقترحة بقانون ضريبة الدخل الذي تم إصداره كقانون مؤقت- غير دستوري حسب الأجندة الوطنية- ونشرته في الجريدة الرسمية ليصبح نافذ المفعول بدون أي حوار ونقاش وتبادل وجهات النظر مع المتأثرين مباشرة بالقانون، وهم بكل بساطة حوالي نصف الشعب الأردني. وإذا أردنا أن نشمل مع ذلك الاقتصاد الأسري فإن كل الشعب الأردني يتأثر بهذا القانون مباشرة بعكس قوانين الإرهاب والفساد والبلديات والأحزاب والتي قد تؤثر على نسبة ضئيلة من الناس.
قبل إصدار هذا القانون كان هناك الكثير من الجدل الوطني حول ضعف تحصيل الضرائب في الأردن، وبأن ضريبة الدخل لا تساهم إلا بأقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بحوالي 7% في منطقة الشرق الأوسط. وقد أعلنت الحكومة، إضافة إلى الأجندة الوطنية عن البدء بعملية "إصلاح ضريبي شامل" لتحسين قدرة الحكومة على تحصيل الضرائب من الفئات المستهدفة مع التركيز على تحقيق "العدالة الاجتماعية" والحصول على الضرائب من القطاعات الأكثر ثراء والمؤسسات والشركات التي تحقق أكثر الأرباح.
وبالرغم من أن هذه التوجهات النظرية لاقت قبولا كبيرا في الأوساط الاقتصادية والشعبية في الأردن، فإن مضمون قانون ضريبة الدخل جاء مخيبا للآمال لأنه استهدف وبشكل مباشر الطبقة الوسطى من خلال زيادة نسبة ضريبة الدخل أضعافا على الأفراد بينما تم تخفيض الضريبة على الشركات توجها لتوحيدها في سقف ضريبي موحد قد لا يتجاوز 15%. وفي هذا السياق توجه القانون بشكل غير متوقع وغير مقبول إلى الفئات التي يفترض أن تشكل التوازن الاجتماعي في الأردن واستهدفها بطريقة تساهم في جعل الحياة صعبة حيث يلغي جميع الإعفاءات التعليمية والصحية ويدمر القطاع الزراعي تماما عن طريق فرض ضريبة 50% من أرباح الإنتاج الزراعي بشكل لا أعتقد أنه مسبوق في أية دولة في العالم.
ومن المؤسف أن يأتي هذا التوجه "لمعاقبة" الطبقة الوسطى في الوقت الذي يشهد فيه الأردن تبدلات كبيرة في الاقتصاد، ساهمت في تزايد نسبة الثراء السريع غير المرتبط بأية جهود تنموية ولا إنتاجية، وخاصة الثراء من بيع وشراء العقارات والأراضي والمضاربات في سوق عمان المالي. وهذه التوجهات ساهمت في إثراء نسبة من المواطنين بشكل سريع من غير بذل الجهود الاعتيادية التي تبذلها الطبقة الوسطى وبدون أن يترافق هذا الثراء مع تحصيل ضرائب بحجم يتناسب مع هذا الثراء.
المشكلة أن قانون ضريبة الدخل، وبهذه الصيغة يعطي رسالة للأردنيين بالتخلي عن التعليم والجهد الإنتاجي والجهد الذهني الذي يبذله المهندسون والمحامون والمحاسبون وأساتذة الجامعات ومعلمي المدارس الخاصة والأخصائيين الفنيين والصيادلة والباحثين والصحافيين وأصحاب الحرف الصناعية الصغيرة وهم يمثلون الفئات الأكثر تأثرا بضريبة الدخل الجديدة، والتركيز على الفهلوة في المضاربات المالية والعقارية والتي قد يبرع بها شباب لم ينهوا دراستهم الجامعية ويختاروا المضاربات للحصول على الثراء السريع والهروب إلى خارج الأردن بعد خداع المواطنين الآخرين!
القضية الأخرى التي تثير التناقض، هي أن قانون ضريبة الدخل يتنافي تماما مع التوجهات المكتوبة للاقتصاد الأردني للانتقال إلى "اقتصاد المعرفة" والذي يعتمد في مجمله على جهود ذهنية ومعرفية لفئات "موظفي المعرفة" والذين يشكلون الطبقة الوسطى المتعلمة والفنية. وعندما يتم صياغة قانون يؤثر على مكتسبات هذه الطبقة فإن الأردن لن يكون أبدا مكانا جاذبا لاقتصاد المعرفة والذي قام في معظم دول أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية بالأخص على جهود الطبقة الوسطى التي حولت استثمارات الأغنياء إلى منتجات معرفية حققت للدول المعنية أسبقيات مهمة في صراع مجتمعات المعرفة العالمي.
وفي مواجهة هذا القانون، من المتوقع أن يشهد المجتمع الأردني هجرة عقول جديدة من الطبقة الوسطى للعمل في دول أخرى لا تهدد قوانينها الضريبية المكتسبات الفعلية للطبقة الوسطى، أو على الأقل يتم استثمار الضرائب فيها لتحقيق المزيد من الخدمات العامة للمواطنين كما في دول "الرفاه الاجتماعي" الأوروبية التي تستخدم كل الضرائب لمصلحة المواطنين من خلال خدمات الرعاية الاجتماعية. أو سيتم التوجه وخاصة من قبل المتعلمين إلى نشاطات اقتصادية قصيرة الأمد تمثل خدمات معرفية استشارية حرة خارجة عن إطار العمليات الإنتاجية والتنموية المحلية وبالتنسيق مع مؤسسات خارج الأردن.
وما يعطي القانون أطرا سلبية أخرى، أن المواطنين في الأردن غير مقتنعين بأن هذه الضرائب سيتم استثمارها في جهود إنتاجية وخدمات تعود بالفائدة على المواطن الأردني. أن المعادلة الأكثر تبسيطا للمسألة في ذهن المواطن العادي تشير إلى أن "الحكومة ستأخذ الضرائب من الطبقة الوسطى لتعطيها للنخبة السياسية والاقتصادية" من خلال عدة وسائل ومنها زيادة امتيازات المسؤولين الكبار واستهلاكهم المالي العالي لخزينة الدولة من رواتب وسيارات، أو يتم إضاعتها في غياهب صفقات رشاوى وفساد اقتصادي ومالي في العطاءات أو العمولات الاستثمارية أو وكالات الشركات الأجنبية.
ربما قد يكون المواطن أكثر تقبلا لقانون ضريبة دخل يسحب الكثير من الحقوق من الطبقة الوسطى والموارد المالية للأسر ونظام التكافل الاجتماعي الشعبي ومخصصات التعليم والصحة لو كان يثق بأن هذه الأموال سيتم استثمارها في تحسين خدمات التعليم والرعاية الصحية والمياه والضمان الاجتماعي وغيرها من شؤون التنمية. ولكن سطوة الفساد وعدم وجود قانون ذي أنياب لمكافحة الفساد يمكن أن يضع الفاسدين وراء القضبان ويجعل الفساد مخاطرة يمكن للفاسد أن يدفع ثمنها بدلا من أن تكون أداة مضمونة للثراء السريع، يجعل الغضب الشعبي على هذا القانون في ذروته، لأنه في واقع الأمر سوف يخسر أبناء الطبقة الوسطى مزيدا من الأموال لصالح الطبقة الثرية وما يسمى "النخبة السياسية والاقتصادية" في الأردن، وهذا ظلم حقيقي.
قبل زيادة عبء الضرائب على الطبقة الوسطى لا بد من تحصيل الضرائب من الأثرياء وعمليات الثراء السريع في العقارات والأراضي والأسهم، وتفكيك شبكات الفساد القوية من خلال قانون فعال لمكافحة الفساد، وتحسين الخدمات التنموية لعامة المقدمة للمواطنين وإلا فإن القانون سوف يؤدي إلى نفور تام للطبقة الوسطى في الأردن من السياسات الحكومية وانعزال عن العملية التنموية وتآكل نواة "مجتمع المعرفة" الأردني قبل أن ينشأ أساسا وفي كل ذلك انعكاسات سلبية هائلة على الاستقرار الاقتصادي والتنموي والسياسي في الأردن أهم بكثير مما سوف تقوم الحكومة بتحصيله من أموال من دافعي الضرائب. ولنا ثقة نرجو ألا تخيب في أن الحكومة سوف تراجع موقفها وسياساتها سواء لأسباب لها علاقة بحس "المسؤولية الوطنية" أو "العدالة الاجتماعية" أو بكل بساطة نتيجة ضغط سياسي واقتصادي لا بد من ممارسته ضد هذا القانون بكل السبل السلمية التي تكفلها التشريعات الأردنية، فهذا القانون، ومع الاحترام للحكومة الموقرة يهدد مستقبل آلاف العائلات الأردنية وموازنتها الأسرية، ولكن كيف يمكن أن يتم ذلك؟
القانون الذي تم إعداده بدون مشاورة، ذهب إلى مجلس النواب حيث قام المجلس مشكورا برفض القانون. ولكن هذا لا يعني نهاية الأمر حيث أن النظام الديمقراطي الأردني يسمح بترك الأمور بين يدي مجلس الأعيان، والذي أصبح الآن هو حجر الزاوية، فإما أن يترك القانون بدون مناقشة وبالتالي يأخذ صفة القانون المؤقت المنفذ ويستمر تطبيقه إلى أجل غير مسمى، أو أن يقوم المجلس بمناقشته والموافقة عليه أو رفضه وإعادته إلى الحكومة لتعديله.
بعد انكشاف أمر القانون ثارت ضده كل مؤسسات العمل العام في الأردن بلا استثناء، حيث نشرت الصحف عشرات المقالات والتحليلات ضد القانون، وقامت الأحزاب بإرسال رسائل اعتراض للحكومة وتم عقد العديد من الندوات وورش العمل لتوضيح أخطار القانون، وحتى النقابات المهنية استراحت قليلا من مسؤولياتها في الدفاع عن صدام حسين وقامت جزاها الله خيرا بإرسال رسائل اعتراض إلى مجلس الأعيان للدفاع عن حقوق المواطن الأردني حتى لو لم يكن هذا المواطن إسلاميا أو قوميا.
ولكن في محصلة الأمر، تبقى القضية التي تؤثر على 5 ملايين مواطن أردني بطريقة مباشرة محصورة ما بين سلطتين غير منتخبتين هما الحكومة ومجلس الأعيان، وتبقى المؤسسات المدنية الهامة والأحزاب والنقابات غير قادرة على إحداث تأثير مباشر على مسار القانون إلا في حالة تنفيذ نشاطات واعتصامات ومسيرات وربما إضرابات، أو القيام بكل الجهود السلمية لإقناع مجلس الأعيان بخطورة القانون وأهمية رفضه.
والطريف في الأمر، أن الحكومة نفسها ولو فرضنا جدلا أنها اقتنعت بخطورة هذا القانون بعد أن تابعت ردود الأفعال السلبية، فإنها لن تستطيع أن تقوم بأي تعديل طالما أن القانون في مجلس الأعيان. وفي المحصلة فإن كل مسارات الديمقراطية الأردنية، التي تستثني الأحزاب والنقابات والمؤسسات المدنية والشعبية وأحيانا مجلس النواب تصل عند المحطات الحاسمة إلى مجلس الأعيان والذي يتحمل الآن مسؤولية كبيرة في التعامل مع هذا القانون الخطير.
ولكن هذه الطريقة ليست ديمقراطية في نهاية الأمر، ولا بد من تطوير سياسات وآليات تضمن المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وإن كان مجلس النواب يمتلك صلاحيات كثيرة بموجب الدستور فإن موقفا شجاعا منه، مثل رفض القانون قد لا يكون مفيدا إذا تم تطبيقه ضمن مسار آخر يتجاوز مجلس النواب ويمنح السلطة التنفيذية فرصة تطبيق بنود قانون يرفضه الكل ويؤثر على مبادئ العدالة الاجتماعية وبتناقض مع الكثير من سياسات الدولة المعلنة وخاصة في مجالات التنمية المستدامة وتنمية الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية كما يتناقض مع التزامات الأردن الدولية وأهمها الالتزام بتحقيق أهداف التنمية للألفية الجديدة والتي توافقت عليها كل دول العالم وتستند إلى قيم العدالة الاجتماعية.
#باتر_محمد_علي_وردم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراقبة الإنترنت في الأردن: بين حقوق التعبير وتهديد الإرهاب
-
بعد بيان الزرقاوي...سقوط نظرية -إبحث عن المستفيد-!
-
مواجهة ثقافة الإرهاب تتطلب مناخا من الحريات والمشاركة العامة
-
تفنيد الأوهام العشرة المستخدمة لتبرير الإرهاب!
-
العراقيون أخوة لنا!
-
هل يغسل الدم الأردني الغشاوة عن أعين المتعاطفين مع القاعدة؟
-
أخطاء المثقفين والإعلاميين الأردنيين بحق الشعب العراقي
-
لو أتيح المجال لذهبت في زيارة إلى أوشفتز!
-
الانتخابات العراقية: نحو رؤية الصورة الشاملة!
-
بزنس الدعاية الانتخابية العراقية في الأردن!
-
المهام المقدسة لبوش والزرقاوي!
-
ما هو الإرهاب... في نظر الشارع العربي؟
-
الليبرالي الوطني...والليبرالي المعدل وراثيا!
-
خزعبلات الديجيتال: هل نحن بحاجة إلى - تسونامي- في العقل العر
...
-
الضحايا 80 ألف شخص وألف سائح!
-
البنتاجون يعترف أخيرا: العرب يكرهون سياساتنا، لا حريتنا!
-
ملاحظات -ليبرالية- حول بيان الليبراليين العرب
-
روسيا تنقذ كيوتو: التزام بيئي أم انتهازية اقتصادية- سياسية؟
-
عندما تصل المشاكل إلى هولندا..!!
-
ما هي -القيم الأخلاقية- في المجتمع الأميركي ؟
المزيد.....
-
كاميرا مراقبة رصدت الجاني.. فيديو قد يحل لغز اختفاء 3 أطفال
...
-
-اليونيفيل- تعلن عن ثاني انفجار بمقر قواتها في جنوب لبنان خل
...
-
بسبب السفر إلى لبنان.. النائب العام الإماراتي يأمر بالتحقيق
...
-
واشنطن ترفض الإساءة للمرجع الديني العراقي السيد علي السيستان
...
-
-أبناء غير شرعيين-.. تغريدة وزير عراقي تشعل عاصفة انتقادات
-
-على واشنطن أن تنضم لإسرائيل في الثأر من إيران-- وول ستريت
...
-
التكهّنات حول اختفاء اسماعيل قاآني مستمرّة والحرس الثوري يكذ
...
-
المنظمة الدولية للهجرة: نحو 700 ألف نازح بحاجة إلى أماكن إيو
...
-
من التسهيلات إلى التحديات.. تغييرات في قروض الطلبة بالولايات
...
-
حزب الله ينفي مزاعم حيال تعيينه قيادات عسكرية جديدة واستعداد
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|