أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن البوهي - عبودية حب شرقي














المزيد.....

عبودية حب شرقي


حسن البوهي

الحوار المتمدن-العدد: 5429 - 2017 / 2 / 11 - 04:01
المحور: الادب والفن
    


فتحت لوحة مفاتيح هاتفها النقال وطالعتها رسالة نصية للمتربع على عرش قلبها، اعترت أطراف جسدها قشعريرة مفاجئة وتسارعت دقات قلبها، فيما اتسعت عيناها وتقلصت شفتاها.. ضغطت على رز "الفتح" وسبابة يدها ترتعش، فتحت الرسالة لتجد كلمة يتيمة وحيدة "أشتاقك" تملّت في الكلمة طويلا وأعادت فتحها مرات عديدة كأنها تقرؤها لأول مرة، اغرورقت عيناها بعقد فريد من الدمع غطى جفني عينيها فأضحت زاوية رؤيتها ضبابية واستحالت حروف الكلمة سرابا.. لكم تمنت أن تطالع عيناها هذه الكلمة، ولكم أرادت بشدة أن تُشنّف سمعها لحنا بمخارج حروفها منسابة من شفتيه، طال انتظارها وفي انتظاريتها تلك اتخذت الأرق رفيقا ثقيل الظل لليالي طويلة، والسهاد سميرا مزعجا، حتى ازرورقت بشرة ما تحت عينيها، واختفت نضارة بشرتها الناعمة وحلت محلها صفرة وأطلال محيا شاحب، ذبلت عيناها النجلوان وأضحيتا شبه فتحتين غائرتين، وفي ذروة خوائها وضياعها كانت مستعدة أن تهب زهرة شبابها وبنفسج عفتها قربانا لكلمة وحيدة من قبيل "أفتقدك..أشتاقك" أما كلمة "أحبك" فكانت ستمنحها آخر أنفاسها...لم تدر ذات يوم كيف استبد بها الوجد واليأس القاتل في آن واحد عندما بادرته وهي تنتحب:
" أقبل أن تكذب عليّ. قل لي أنك تريدني وتشتاقني وسأصدق كذبتك وأتخذها نبراسا منيرا لأحلامي المنكسرة، أقسم أني سأعيش بها وأنسج منها تاجا مرصعا لأحاسيس كامنة أضناها الصد..."
اكتفى وهو في عز اعتداده بنفسه وغروره أن أجابها باستعلاء متقمصا صفة "المعشوق النبيل:
"أمقت الكذب قدر مقتي للمجاملات الكاذبة... مشاعري مُشوّشة أو بالأحرى لا يحركني اتجاهك إحساس حب.. ولا تدغدغ قلبي عاطفة وجد..أسف عزيزتي. كان بود أن أكذب عليك بضمير مرتاح لكن أرفض ذلك..مشاعري مضطربة ولست متأكدا منها..امنحيني فترة علني أهتدي لحقيقة ما" قذف بكلماته تلك مستمتعا أيما استمتاع وهو يراها أمام عينيه تتوسل وتتسول مشاعره.
خائبة الأماني، منكسرة الوجدان كانت تنتهي لقاءاتها به، وإن كانت شعلة صغيرة في لحظات احتضارها الأخير تنير بضوء خافت عتمة دواخلها وتُمنّي النفس بصحوة مشاعره اتجاهها في لحظة عابرة.
طال انتظارها.. سنة.. سنتان..ثم ثلاث سنوات، وأكثر ما كان يزيد من شدة مرارة وقسوة انتظاريتها تلك أنها كانت تكتشف خياناته المتكررة المتوارية خلف مثاليته الكاذبة، جادلته أول عهدها بها ولشراسة رده وشدة وقعها عليها تعلّمت أن تغض الطرف وتواري خيبتها في صدرها.. صادفته ذات يوم رفقة فتاة أخرى أحاط خصرها بذراعه ويداعبها بحركات تنطق شبقا، أصابها دوار وتجمّدت أوصالها وتمنت أن تنشق أرضية الزقاق وتطمسها من موقفها ذاك، لم تملك من أمرها إلا أن أدارت ظهرها قبل أن يلحظها ومشت بخطى متسارعة لتختفي في زقاق أخر، ثم توارت عنهما مراقبة إياهما من الخلف، لم تعد رجلاها تقويان على حملها فاصطكت ركبتاها واستندت بظهرها على حائط في الخلف ثم هوت على الرصيف رويدا رويدا ودموع صامتة تطبع خديها، لم تعرف كم طال بها الأمد وهي على حالتها تلك إلى أن جاءت إحدى صديقاتها في لحظات ذهولها وشرودها، فلم تجد تفسيرا تعلل به انهيارها ذاك سوى كذبة بيضاء عنونتها بدوار مفاجئ يلازمها بين الفينة والأخرى، دون أن تكشف سر بلواها العاطفية كي لا يتضاعف ألمها عندما تصبح خيبتها مدار حديث صديقاتها وهي التي بالغت في وصفه لهن كملاك بشري سقط سهوا من مدينة أفلاطون الفاضلة.
أتخنها جراحا وأمعن فيها طعنا فلم يعد بها موطئ سليم في القلب والجسد، قامت ذات يوم بصباغة شعرها المخملي الشديد السواد باللون الأصفر، وهي تعلم أنه لا يناسبها البتة ويعكس فيها تضاربا صارخا لملامح متنافرة حد التناقض، لم تصبغ شعرها حبا في الشعر الأشقر ولا رغبة فيه وإنما قامت بما قامت به لتُخفف من شدة وطأة سهام الجراح الموغلة فيها، ذلك أن بعض أصدقائها أسروا لها غير ما مرة أن المتربع على عرش قلبها يتردد منذ مدة في المقاهي والساحات العمومية مع فتاة شقراء، فغيرت لون شعرها لمعرفتها المسبقة بضعفه أمام لون البشرة البيضاء والشعر الأشقر ولتقطع حبل التشكيك لدى أصدقائها مُدّعية أنها هي من كانت برفقته ولا وجود لفتاة أخرى غيرها.
طال انتظارها وخبا وميض شعلة مشاعرها، وفي ذروة انكسارها تحولت أحاسيسها من سيل جارف متدفق إلى صقيع مُتجمد، فتجلى أمام عينيها حجاب قسوته وأنانيته التي استعصى عليها فك رموزها طيلة ثلاث سنوات، عيناها العاشقتان لم تكن تُبصران حينها زيف عشق محموم استحال إلى سراب، أما هو بطبيعة تفكيره الشرقية فقد أحبها على طريقته السادية، لم يكن يستشعر حبها إن لم يقسو عليها، ولم يك يخفق قلبه إلا عندما يحطم فؤادها، ولم يكن يستشعر ثقته بنفسه إلا عندما يجعلها تبدو أمامه ذليلة، رثة الحال ضعيفة الأحوال، لم يبادلها الحب يوما وأحب فقط حبها له... استبد بها اليأس من توسلاتها وتسولاتها فنأت بنفسها بعيدة عن يم أمواج عشقه المتلاطمة.
راوده حنين غطرسته وشوق أنانيته المُغلّفة بدثار العبودية والاسترقاق العاطفي، حينئذ فك رمز لوحة مفاتيح هاتفه الخلوي ورقن كلمة واحدة من ستة أحرف "أشتاقك" وذهنه يعتمل بالمعنى الأصح "أشتاق عبوديتك".
ألقت نظرة أخيرة على الكلمة اليتيمة وضغطت على زر الإجابة بثقة ورقنت كلمة "أرفضك"..فور إرسالها أحست بأطرافها متحررة من وهم حب كبّلها لأماسي سرمدية وباسترسال أنفاسها ملء رئتيها، راودتها رغبة في التحليق بعيدا رغم أن غصة ما زالت تجثم على صدرها وتُصرّ على تثبيتها في باطن الأرض.. ندت عن شفتيها ابتسامة خافتة رافقها بريق عيناها النجلوان وأسرّت لنفسها "عذاب غيابك أهون من عبودية حضورك...أعلن نفسي حرة من وهم حبك"



#حسن_البوهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محسن فكري...شهيد كبرياء المغاربة المجروح
- وحش الداخلية يطل برأسه من جديد
- تساؤلات حول مسيرة البيضاء الملغومة وقضية القباج المحمومة
- الشرطة القضائية بالمغرب تصادر الهواتف الذكية..وتجهز على الحر ...
- أساتذة جامعيون منتجون لقيم التخلف العلمي
- مشروع مدينة الفنون الشعبية: رؤية ضبابية بآليات اشتغال قبلية
- البرلمانيون الأشباح
- أية حداثة لمغرب الألفية الثالثة (2/3)
- أية حداثة لمغرب الألفية الثالثة (3/3)
- أية حداثة لمغرب الألفية الثالثة ؟ (1/3)
- موقع أثري لأقدام ديناصورات( 250 مليون سنة) ورسومات فنيقية (أ ...
- مواطنون منسيون
- التوزيع اللامتكافىء للثروة بالمغرب
- يا أشباه الصحفيين لقد دنستم شرف صاحبة الجلالة
- فشل عاطفي
- وجع من الماضي


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن البوهي - عبودية حب شرقي