أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن البوهي - وجع من الماضي















المزيد.....

وجع من الماضي


حسن البوهي

الحوار المتمدن-العدد: 4553 - 2014 / 8 / 24 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


وجع من الماضي
استيقظ من النوم مذعورا، عيناه جاحظتان، وقلبه يخفق بشدة يكاد يخرج من بين أضلعه، تحسّس جبينه فألفاه يتصبب عرقا وأطراف جسده ما زالت ترتعد...تنفّس الصعداء ثم تمدد من جديد على سريره، وتمتم بضع كلمات حمدا لله على أن الكابوس المرعب الذي رآه في منامه لم يكن حقيقة... رأى أنه كان مصلوبا، وبجانبه قزمين قويي البنية، مُشوهي الخلقة يصرخان في وجهه بشدة: لن تنعم بالطمأنينة، لن تنعم بالطمأنينة... !!! وقبالته مباشرة كانت هناك "ليلاه" في أبهى حُلّتها ترقص على إيقاع أصوات غريبة، مسدلة جدائل شعرها، وممسكة مُدية حادة تلوح بها أمام عينيه مُقهقهة بأعلى صوتها، وبين الفينة والأخرى..وهي في قمة رقصها الهستيري كانت تقترب منه وتطعنه في أعضاء متفرقة من جسمه، حتى بات كله ينزف دما..فكانت تقترب منه وتقول له: عذرا حبيبي لم أتعمد أن أطعنك، ثم تنفجر ضاحكة حتى تظهر نواجدها، وهي تلوّح بمديتها الحادة من جديد...وفي زاوية معتمة غير بعيدة عنه، كانت هناك فتاة أخرى غير واضحة الملامح، تتطلع إليه في صمت وهي تنتحب...
رأى هذا الكابوس لمرات متتالية في منامه، ولا يعرف إن كان سيتوقف أم لا، كابوسه هذا، يستنطق مكنونات ما يختزنه عقله الباطني من كدمات معنوية ومعاناة سرمدية، جراء الخيانات المتتالية لخليلته "ليلى" التي لا يعرف لماذا يستمر في علاقته معها، رغم أنه يملك من الحجة واليقين ما يكشف خيانتها له، في قرارت نفسه يعرف أن هكذا وضع لا تقبله دلائل العشق ولا تبرره قرائن الهيام، ولكم تساءل في علانيته: ترى هل أدمنت بريق عينيها العسليتين اللتين لم تكونا وفيتين لي في يوم من الأيام؟ أم تراني أسرتني ابتسامتها الرقيقة التي كانت توزعها بدون كلفة على غيري من ندمائها؟…غير أن علنية تساولاته هاته تحجُب في سره نزعة مازوشية يجاهد نفسه كثيرا لكي تبقى مستثيرة في دواخله ولا يطلع عليها أحد غيره...
سحر أنوثتها المغرية، وصفاء بشرتها الندية ورونق جدائل شعرها المخملية، تضفي عليها سحرا خاصا يجذب القديس لمغازلتها وتستفز الناسك المتعبّد لمناشدة قربها، وهي بطبيعتها لم تكن ترد رجاء معجب واثق ، ولا تقطع حبل وصال متيم عاشق، فتستمتع بلعب دور الأميرة "الساندريلا" التي يرغب فيها أسياد الرجال ووضعائهم، وكأن جاذبية أنوثتها لا يقوى على استيعابها قلب رجل واحد، فتلبي نداء الخل وصديقه، ولا تجد مرارة في الاستكانة إلى عدوه، لا يقض مضجع سكينتها إحساس مرير، ولا يؤرقها وجع ضمير، فلا تقيم وزنا لمشاعر قيس ولا تكترث لما تخلفه له من معاناة بعدما تأكدت من تعلقه الشديد بها، فكان الثابت من متغير عشاقها، يظهر رجال في حياتها ويختفي آخرون، وهو دائم الوصال بها، لا يهجر خدرها رغم موجات غضبه الجنونية التي تأتي تكسيرا على كل ما تقع عليه عيناه من أواني وتجهيزات منزلية كلما اكتشف فصلا جديدا من فصول خيانتها المتكررة له، غير أنه سرعان ما تهدأ ثائرته فيتحول إلى حمل وديع، يحيطها بذراعيه ثم يحتضنها برقة، ويهمس في أذنها "لماذا تفعلين بي هذا يا وجعي، لا أريد أن أترككي يا جمانة، فأنت مرفأ سفينة قلبي.."

فتجيبه : قلت لك أكثر من مرة ليس اسمي "جمانة" إسمي ليلى، كم علي أن أكرر لك هذا..؟
فيرد معقبا: لا يهم.. المهم أن لا تكرري ألاعيبك مرة أخرى، لأني أخشى أن أرتكب فيك جناية ما، إذا لم تنته.
تجيب: تلموني دائما، في حين أنك أيضا الملام، لأنك لم تتخلص من ذكرياتك الماضية.. طولا تنفك تهذي باسمها كلما ركبت الجنية رأسك.. إليك عني..
يتوقف الجدال بينهما عند هذا الحد، وهو يلعن في أعماق نفسه عقله الباطني الذي لم يستطع أن يتخلص من شبح إرهاصات الماضي التي ما زالت تطارده كلما اعتقد أنه تخلص منها للأبد، ولطالما تمنى أن تكون له ذاكرة سمكة لكي يعيد ترميم شتاته الداخلي، ولكن عبثا تأبى ذاكرة الهدهد لديه، إلا أن تعيد استحضار شبح الماضي في حاضره، فتبعث مواجعه من مكمنها، وتعيد رسم مخلفات أرشيفه العاطفي أمام عينيه بمداد من ألم، فينقبض صدره وتتقزم ذاته، وتتقوى نزعته الانتقامية من نفسه، لعلها تعيد إليه توازنه النفسي المفقود، ويسترجع نضارة صورة "جمانة" وابتسامتها العذبة في مخيلته.
قال متنهدا وعقد من الدمع ينفرط في مآقيه: رحماك ربي، قد عيل صبري.. عفوك جمانة ارحميني من وجع الضمير.. ليتني أجن أو أقضي نحبي.. لكي لا أراك مرة أخرى ..ويغادرني نحيبك للأبد.
في لحظة ابتهاله ورجائه تلك، استعاد ذكرى جمانة تلك الفتاة التي تضاهي "إيزيس وأفروديت وفينوس وعشتار في صفاء طويتها وجمال روحها، أحبته حتى الثمالة، كانت تنظر للدنيا بعينيه لأن عين المحب ضريرة، وتعيش أملا في الحياة لأنه غذا رمز حياتها، لم تكن تعير أدنى اهتمام لعروض غيره من الرجال ممن هم أرفع منه شأنا وأوسع رزقا، لأنه ملك عليها قلبها وعقلها، فكانت على استعداد لأن تصغر فيكبر هو، ولأن تفشل لينجح هو، نذرت حواسها قربانا لابتسامته، واستصغرت كل كبيرة فداء لبريق عينيه... ففي لحظة من لحظات غروره ونرجسيته الذكورية، اختار بقرار أُحادي أن يُحور مسار سفينة دفئهما العاطفي صوب أمواج عاتية، لتتخذ وجهتها التراجيدية، على غرار أغلب حكايات الحب الشرقية.
يتذكر جيدا، ويا ليت ذاكرته تسعفه على النسيان، أنه في إحدى الأماسي المعلومة التاريخ والتوقيت لديه، كافأ وفاءها له بالخذلان، وقابل تعلقها به بالنكران، عندما أخبرها وبدون مقدمات، أنه لا يحنّ إليها ويشك في أنه يبادلها مشاعر الحب، مقترحا أن يفترقا مؤقتا ليتأكد من ماهية مشاعره اتجاهها...بهتت المسكينة ولم تنبس ببنت شفة واختارت لغة الصمت والصبر عنوان نائبتها.. لم تعاتبه ولم تنتفض في وجهه، نظرت إليه بحنو والدمع لاح في جفنيها، ... ثم طأطأت رأسها، مستسلمة لخيبة أملها التي لم تكن تتوقعها، يستعيد هذه التفاصيل ويتذكر معها أنها أخبرته غير ما مرة أنها تقوى على تحمل ومواجهة كل أرزاء الدهر، إلا بعده عنها فإنها لا تقوى مجابهته وترتعد فرائصها بمجرد التفكير فيه.
خلال فترة ابتعاده كانت شعلة الأمل بداخلها تخبرها بأنه سيعود بمجرد ما يشده الشوق والوجد إليها، لأنها تحس في مكنون قلبها أنه يحبها بشدة، وفترة ابتعاده عنها لا تعدو أن تكون سحابة صيف عابرة من سحب نرجسيته الشرقية، التي لا يرضى فيها الرجال بغير أدوار البطولة على حد قول قباني.. لم تلم إصراره على عدم الاعتراف بالحب لاقترانه في ذهنيته بالضعف والهوان، فالتمست له العذر غير حاقدة عليه، منتظرة عودته المنشوذة إليها، غير أن الأيام.. والأسابيع.. والأشهر.. انصرمت تباعا من دون أن يسأل عنها أو يرفع سماعة الهاتف للاستفسار عن أحوالها، فتبخرت آمالها، واسودت جدوة الحياة في عينيها، وفي لحظات يأسها وافقت على الزواج من رجل أخر لعلها تتمكن يوما ما من تضميد جراح ساديته عليها.
بخسارته ل"جمانة" لم يعد به موطئ للخسارة كما نظم محمود درويش، فأصيب بنهم النساء ينتقل من حضن إلى حضن أخر، وعند انقضاء كل تجربة كان يتجرع فشله بطعم المرارة والخسارة، فتحرك ذكرى جمانة في نفسه لواعج الحزن والشجون، بعدما تأكد أنها كانت استثنائية بأفكارها وأحاسيسها وخوفها عليه الذي كان يتجاوز خوفه هو على نفسه.. تأكد أنها نعمته العشقية التي لم يحققها حق قدرها فتحولت لنقمته الوجودية، خلص لهذه النتيجة بعد فوات الأوان، فاستقر اختياره على "ليلى" ليقينه أنها نقيض جمانة ولن تتوانى على أن تقتص لها من ذاتيته الأنانية، وعند كل فصل من فصول خياناتها العشقية كان يستيقظ من كوابيسه مذعورا على وقع صدى صوت قادم من بعيد يردد في أعماقه : "حكايات الحب الشرقية غالبا ما تنتهي بنهايات مأساوية"



#حسن_البوهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن البوهي - وجع من الماضي