أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الدين والسياسة خلطة التأريخ القاتلة















المزيد.....

الدين والسياسة خلطة التأريخ القاتلة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5421 - 2017 / 2 / 3 - 09:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السياسة والدين من أدوات التحكم البيني متعدد المستويات الفعلية داخل المجتمع البشري المنظم فقط، ومنذ القدم، وبينهما وشائج الترابط أكثر من خلافات المبدأ، وتناقضات المصالح أحيانًا، فهما يمثلان سلطة القوة، وقوة التحكم الفوقي، نشأت السياسة من روح المجتمع المنتظم على قاعدة المصلحة المدنية بحكم الضرورة، ولضرورات التحكم الرأسي أبتدأ من سلطة الأب داخل الأسرة، وصولًا لقمة الهرم الاجتماعي، كما نشأ الدين أيضا من ضمن مجموعة مشابهة لهذا النمط من التصرف الجمعي، ولكنها ارتبطت بالكثير من القيم الغيبية، وبمجموعة محددات، منها: الأخلاق المستحكمة على قاعدة الحق والباطل، ومفاهيم الخير والشر والحياة والموت والخوف والقلق، ارتبطت وتشابكت وتداخلت العلاقة المستمرة بالدين والسياسة، أو استغلت هذه المفاهيم، مرة للتسويق، ومرة للتبرير، وفي أحيان كثيرة لبسط وجودها الأصلي، وهو تسلط الأنا، وسلطتها المزاحمة.
حتى على الكثير من المتخصصين صعبت اليوم القدرة على الفرز بين الدين والسياسة، برغم التجربة المرة التي عانى منها الإنسان، حين جعل الاثنين في سلة واحدة، أو حين خلط بينهما، دون أن يكون مختارًا في أحيان كثيرة، ومريدًا لهذا الاختيار في أحيان أخرى، هذا الخلط سبب له أن يثير مجموعة من الإشكالات الفكرية والمصاعب بالتوفيق بين أخلاقيات الدين، وبرغماتية السياسة، هنا لم تعد للحدود بين البرير، والتقرير مجال, ولم يعد من الممكن فصل الدين عن السياسة كون السياسي مستعد للمتاجرة بأي شيء لتحقيق هدف سياسي كلي أو جزئي.
في السياديني يتمدد المفهوم ويتحدد وفقًا للمصلحة، دون أن تحتفظ السياسة ببعض المفاهيم، بحدود واضحة عكس الدين في مفهومه الاجتماعي الذي يعني القواعد الأخلاقية الملزمة بالرضا أو بالقهر، هذا التناقض، لم يمنع السياسي من استغلال القواعد الدينية؛ طالما يجد من بين المؤسسة الدينية من يسخر له الطبيعة الفكرية للدين؛ كون قواعده تتداخل فيها أحيانًا قواعد الإلزام بقواعد النصح والإرشاد، فيستبدل هذه بتلك، وتلك بغيرها، حتى أصبح الدين السياسي اليوم مجموعة من الأفكار السياسية، بثوب قس أو إمام أو كاهن.
لم تكن فكرة السياديني ملتصقة بالأديان الوضعية، كما يتوهم الكثيرون، بل هي تجربة إنسانية رافقت البشر منذ عرف الدين، وعرف السياسة، وحينما كانت الآلهة تتزاوج وتلد ملوكًا وساسة وقادة في كل الديانات القديمة، بل كانت بعض هذه الآلهة ساسة، وبعض الساسة تحولوا آلهة، ويكفينا أن نقرأ الأساطير القديمة من بابل وسومر، مرورًا بمصر إلى روما وأثنيا، وغيرها من عوالم الوجود القديم؛ لنرى هذا التشارك بينهما متلاحمًا.
وحتى في المجتمعات الطوطمية والبدائية، دومًا الزعيم المتسلط هو جزء من مفهوم الرب، جزء من حكاية الدين، بل إن الدين يجري في عالم السياسة الاجتماعية مجرى الفلك نحو المركز، هذا لا يعدو أن يكون أمرًا طبيعيًا في مجتمع مبني على الخشية من سطوة رب الدين، وليس من سطوة السلطة، فهو قادر على التمرد عليها، بغياب الحس الديني، لذا نجح من وعى هذه الحقيقة في جعل الدين الدرع الأساسي الذي يحمي السياسة، ويقود به رباط المجتمع من غير تكاليف باهظة، طالما أن الرب هو من يتحمل الخطايا أخيرًا.
بقيت المجتمعات تعاني من فساد الدين وفساد السياسة، حتى أصبحت كل دعوة دينية لا تركن للترابط العضوي الذي صنعته حركة السياسة في فكر الدين، وفي وعي الناس، مجرد فترة لا تعد من التاريخ؛ لضآلة ما تعيشه من عمر زمني، لتتحول بفعل عوامل قوة وحدة حركة الأنا في ذات الإنسان المتسلط، لتجر الدين إلى وحل الأنانية، وإخراجه مهزومًا أمام قوة الثابت التاريخي المختصر في عبارة «لا سياسة قوية، بدون دين ضعيف، في مواجهتها»، هذه الخلاصة لا بد لنا أن نربطها بمحصلة أخرى، أنتجها عصر التنوير في أوروبا بتراكمات إنسانية شارك فيه الديني والفلسفي، وتوصلت لنتيجة مهمة، هي أن الدين عامل عام، واحد من أهم أسباب فشل الإنسان في التحرر من زي السلطة وتحايلها على حق الإنسان بالحرية والمشاركة والمساواة، وأن الحل يكمن بإبعاد الدين عن السياسة؛ لتعرية الأخيرة من ثوب القداسة، وبالتالي سلخ المبرر الذي تستتر به بمواجهة المجتمع.
كان شعار صيانة حرية المجتمع بتجريد السياسة الممثلة بمؤسسة السلطة من المبرر الديني، الذي يمنحها التمجيد والمنعة بمواجهة استحقاق الإنسان لحقه الطبيعي بالحرية، هو الطريق الوحيد الذي يمر من خلال عزل الدين في عنوان ضيق، ومنزو، ومحاط بالشبهات والشك، وعنوان لمرحلة تأريخية امتدت لهذا اليوم، تتصارع فيها فكرة «الدين لله» وفكرة «الدين من الله»، دون أن تنجح أيا من الفكرتين في إعلان انتصارها الحقيقي على أرض الواقع.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ولا يجد على الدوام إجابة مقنعة، هو: ما هو سر التناقض المزعوم بين الدين والسياسة، طالما أن كليهما من أدوات الضبط الاجتماعي، ومن وسائل الانتظام المدني، ومن العلاقات الطبيعية التي تتواءم مع كونية المجتمع البشري القائم على فكرة أن المدنية قيمة أصلية فيه، وأن الإنحرافات السلوكية التي تنتج من ممارسة الدين والسياسة هي النقيض للطبيعي للتمدن؟ الحقيقة المرة أن السؤال هو جواب خفي وأن كثرة التساؤل لا تعني عدم القدرة على إنتاج إجابة محددة.
يفترض البعض أن الدين قيم وأن السياسة معالجات واقعية قد لا تكون في أحيان كثيرة صالحة لأن تمثل وتنبسط للقيم المثالية الدينية، وبهذا، فالواقع هو من يتحكم بالسياسة، وليس القيم المثالية، في حين أن الدين يفترض عالمًا خياليًا خاليًا من غير المتوقع، ويعيش في واقع هو ما يصوره، ويصيغ شكلياته، وبالتالي، فالحلول التي يطرحها الدين غالبًا ما تكون حلولًا خيالية، لذا فلا يمكن ربط الدين بالسياسة، ولا يجب للسياسة أن تنصاع للمفردة الدينية.
الواقع الذي لا ينكر أن التنظير الفكري ـ أحيانا ـ هو الذي يصيغ عالمًا مثاليًا، ويبسط مفرداته التأملية على واقع غير حقيقي، ومن هنا فليس التنظير المجرد هو ما يقرر الأصلحية وعدمها, التجربة الحسية بقوانينها المجردة هي ما تملك الحق في ذلك، والتجربة الحقيقية التي تجعل من الدين ضابطًا للسياسة في فترات معدودة، عندما كان الدين معافى من التداخل البشري تثبت أن نظرية التعارض مجرد خلط وتحر، وكان على دعاة الفصل بدلًا من ذلك أن يهذبوا التعاطي السياسي بالحس الديني من خلال تقديم الأخلاقيات الإنسانية، بدلًا من فرض الواقع، كمقياس للصحة, المنحرف في سيره والخاضع للتبدلات الأنانية لا يمكن أن يكون قانونًا معياريًا لقياس التوافق الصحيح.
الجواب المضمر في التساؤل هو أن العوامل الضابطة لحركة المجتمع والمنظمة لنشاطه بغض النظر عن مصدريتها يجب أن تتحول إلى منظومة تكامل تسعى وفق منهجية تتلمس الإصلاح الاجتماعي، وتتقيد بمنطق أن المصلحة العامة، والتي تتناسب مع وظيفة الإنسان في الوجود، هي المقياس الذي نحتكم له في المتعارضات العملية، وليس الواقع المادي الراهن؛ لأن الإنسان أساسًا موجود بفلسفة تتمحور حول حريته في الحركة للأمام، وبالتالي تقيده بالواقع ومتطلباته، إنما يعني أننا نركن للانحراف، ونتعبد، سواء بالسياسة أو بالدين، لواقع الأنا المنحازة لذاتيتها التي صنعت هذا الواقع وجسدته كوحدة معيارية.
الخطأ ليس في الدين، وليس في السياسة، الخطيئة في وعي الإنسان، وبدورهما في الحياة، وتحديد مسارات هذا الوعي وتقييده بالضوابط العقلية، الخطيئة عندما تخرق القيم بدواعي المصلحة، وليس بدواعي الحق والخير والجمال، الإنسان مكيف ومكون على أن ينصاع لقوانين تضمن له العيش المنتظم، وتضمن له حق الحرية التي تتفاعل مع وظيفته الأساسية، لكنه أيضا سرعان ما يتمرد على هذه الكونية والكيفية، ويحاول أن يبحث عن مبررات وهمية خارج طبيعة التكوين؛ لأنه يعلم ويعي أنه على خطأ يلجأ لكل ما هو غير حقيقي، وغير طبيعي، ليستمر بمنحنى التزييف، وليذهب في الآخر ضحية هذا المنهج الضال.
إن الوعي بمشكلة التعارض وفهم حقيقة الخلاف والاختلاف الناشئ من عدم جدية الإنسان في البحث عن حلول ممكنة تتراوح بين التنسيق بين الدين باعتباره وعيًا متقدمًا وعمليًا خارج تدخل الإنسان في تغيير المراد القصدي الأساسي منه وبين السياسة؛ كونها ترجمة لمجموعة الأفكار والرؤى التي تضبط إيقاع المجتمع، بما لا يمنح للفوضى فرصة التغلغل في حقيقة تمدن المجتمع المنتظم بقانون البقاء لأجل الإصلاح، والتطور والاستفادة من العامل الروحي الذي يمثله الدين في تعزيز آليات الانتقال من الواقع اليومي إلى حالية التجدد الذي يمنح قدرًا أكبر للإنسان من إشباع حاجات أساسية، ورئيسة تتفرع من هرمية الحرية، وتتغلغل إلى تفصيلات أدق وفق وعي شامل للحياة أنها تجربة إيجابية لا تتكرر.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل من تمر ... أمرأة من عنب
- إشكالية العقل الديني والتطور
- هل غادر الشعراء من متردم
- رسالتي إلى السيدة الأولى
- المفيد
- العراق ... وتخاريف الصغار
- سوق المربد حيث تباع الكلمة بخسة ونخاسة
- الشذوذ في عالمي السياسة والدين ح1
- مشهد من فلم لم ترونه كاملا..............
- المصير خلق التجربة وإثبات لدور المعرفة
- حين يتكلم الفاسدون عن العفاف والطهارة والوطنية
- نظرات أولية في نتائج تحرير الجانب الأيسر من الموصل
- أنشودة الدم المسفوح في روح القصيدة
- أمريكا وأحتمالات العمل العسكري في العراق
- الدين وإنسانية القيم الأخلاقية
- أمريكا وسياسة التوجه للداخل
- تجريف التربة الصالحة للزاعة وتلويث المياه ... حرب بأيقاع أخر ...
- ثورة الفقير ومشكلة السيد الأمير
- هاجس الأمن بين حاجة المجتمع وتقاطعات حماية حقوق الإنسان ح2
- هاجس الأمن بين حاجة المجتمع وتقاطعات حماية حقوق الإنسان


المزيد.....




- “ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا ...
- الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل ...
- “طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها ...
- غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة ...
- مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس ...
- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا ...
- قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الدين والسياسة خلطة التأريخ القاتلة