محمد التهامي بنيس
الحوار المتمدن-العدد: 5417 - 2017 / 1 / 30 - 20:01
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
أريحوا واستريحوا
يا ساسة وطني و قادة أحزابنا الوطنية . عودوا إلى الرشد السياسي , فكفى اعتناقكم الشعبوية كمذهب أو كتقليد واقتداء . فقد فقدتم توازنكم وأفقدتمونا معكم كل التوازن مع أنه شكل من أشكال نجاح الحديث السياسي وفهم الخطاب السياسي والممارسة السياسية الإيجابية . لا زلتم تتشبتون بالعاطفة والانحياز للرأي الواحد , ابتعدتم عن المنطق السياسي وجعلتم حديثكم لا يحيد عن التنظير بالكلام المباح . أي الشعبوية في أدنى مستواها . ومع تبنيكم الافتراض أن الشعب كله معكم , صرتم لا تؤمنون بالاختلاف والحق في الاختلاف . بل لا تؤسسون للاختلاف داخل أي بيت من بيوتكم أو دكان من دكاكينكم الانتخابية . لا تسايرون مطالب الحياة المتسارعة التغير , ولا تفتحون عيون من بقي من مناضليكم على العالم , فيقتحمونه رغما عنكم وعن أجهزتكم وإعلامكم – إذا كان لكم إعلام أصلا -
أريحوا واستريحوا 2
وللأمانة يا قادة أحزابنا الوطنية , بدأت أقتنع بأنكم تشكلون حالة في مجتمع تجاوزكم ولم يعد يأبه لخطاباتكم ومواقفكم من قضاياه . وهي حالة تستوجب دراستها . فالجيل الجديد من شباب الوطن أكثر انطلاقا ووعيا من مشروعكم المستنسخ . فلو يقوم أحدكم – ولا أظن أحدكم سيفعل – بإطلالة سريعة على ما يقع من تواصل على الشبكات العنكبوتية اليوم . سيجد أنه يجسد نوعا من انفجار لما تحاولون السكوت عنه . وذلك بغية وصول كل مواطن وكل مناضل إلى تحقيق وفاق مع الجوهر المغيب عن اهتماماتكم . وبتحرر شامل من استراتيجيات أحكامكم الإقصائية أو التي تعتبر المناضل هو الكائن الحزبي الولائي الممتثل الخاضع لطرحكم مهما كان بعيدا عن الاهتمامات وواقع الحال . وهذا جزء من نتائج بروز قوة مضادة لا للمناضل فحسب ولكن مضادة للمغربية والمغربي عامة الذي تحاول سياستكم المتصارعة تحويله إلى سلعة قابلة للتداول . وقد صرنا نلاحظ تفشي هذه الظاهرة ونلمسها في بعض المتنقلين بين أحزابكم . كما لاحظناها في بعض الأحزاب المؤسسة على هذا المبدأ . وهي تحتضن السلعة المنتهية صلاحيتها داخل أحزابها الأم . وسرعان ما نجد الأحزاب المحتضنة للسلع ( الفاسدة ) لا تتوفر على شرعية . لأن أي إنتاج سياسي فيها , يزداد التباسا بين صدقية الإنتاج السياسي والاستهلاك والعلاقة مع المواطنين
أريحوا واستريحوا 3 يا قادة أحزابنا الوطنية . ها قد بلغ تلاعبكم بمستقبل البلاد . أنكم أدخلتموها في دهليز مظلم ووضعتم أنفسكم في متاهة لم تعرفوا الخروج منها بحكومة أنتم مكوناتها المفترضون . فرئيس الحكومة المكلف , قائد من طينتكم , ينعدم فيه ما ينعدم فيكم من اعتبار للمواطن واعتبار للوطن . مع أنه للأسف حملتكم الرياح لمواقع قيادة فوق مؤهلاتكم وفوق قدراتكم – ولا أقول فوق طاقتكم , لأنها تقال للذي يبدع الحلول ويبدل الجهد , حتى إذا فعل ولم يفلح , يقال له فوق طاقتك لا تلام , فالمنتخب الوطني المغربي في انهزامه أمام منتخب مصر مثلا يستحق أن نقول له : فوق طاقتك لا تلام – بينما أنتم تلامون بل وتستحقون المحاسبة على فشلكم مهما كانت الخلفيات . فقد أسأتم للوطن ومواطنيه وأسأتم لأحزابكم ومناضليها وأسأتم لاقتصاد البلاد ووضعية كل القطاعات المرتبطة بتشكيل حكومة صرتم أعجز على بلوغها
أريحوا واستريحوا 4
يا قادة أحزابنا الوطنية . يوجد بينكم حزب كان يوما يروج شعار ( إذا شعرتم بالهزيمة , اعطوا للشعب الكلمة ) وأنتم لا تشعرون بالهزيمة وحسب , بل تعيشونها وأنتم تجرون وراء مصالحكم الشخصية ولا تهزمون الأنانية فيكم , وذلك على حساب المصلحة العليا للوطن . التي جعلت منها شعاراتكم , سلعة تطرح للاستهلاك وفي المزاد العلني . ما الذي يمنعكم من أجل المصلحة العليا حقا . أن تقدموا نقدكم الذاتي وتعلنوا عن هذا الفشل الملموس . وتنسحبوا من الحياة السياسية بشرف , تريحون وتستريحون . وهذا أقل ما ينتظره الشعب منكم سواء بطواعية أو بإرادة شعبية وملكية , وقد أصبحت أكثر التحاما وبالملموس ,. وأكثر تعلقا وبالملموس بينما أنتم تقبعون في متاهة المناصب والمكاسب وبدون حد أدنى من خدمة الشعب والوطن
أريحوا واستريحوا 5
يا قادة الأحزاب الوطنية . أحيانا يتساءل المرء . ماذا يستحق أن ننتقده في عمل أحزابنا المغربية ؟ وهي متمركزة في بيوتها إذا فتحت يوما , منغلقة حول نفسها , متقوقعة في دهاليزها , لا تطور مفاهيم . وليست لها قضايا يقال إنها تناضل من أجلها . ليست لها غايات مجتمعية ولا تصورات , وبرامجها غامضة متشابهة بل مستنسخة , وبالتالي لا نتاج لها في الحياة الاجتماعية . الناقد يوجه انتقاده لشكل الإنجازات , وللظواهر الفكرية والاجتماعية . وأحزابنا لم تبلغ عملا يجسد ظاهرة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو إبداعية , وكأنها استسلمت وسلمت أمرها لبعض جمعيات المجتمع المدني , ثم تتولى انتقادها على أنها لا يمكن أن تقوم مقامها . وقد يتفق البعض مع الأحزاب . فهي أحزاب والجمعيات جمعيات . ولكن الطبيعة لا تقبل الفراغ . فالمجتمع يحتاج لمن يؤطره ولمن يتفاعل معه . وأنتم يا قادة أحزابنا عن كل هذا غافلون وبقيمته جاهلون
أريحوا واستريحوا 6
إن معظم قادة أحزابنا الوطنية . يعاني من اللا نضج بقضايا المجتمع المغربي وسير شؤونه العامة . معظمهم يقمع إمكانات المناضلين ومن خلالهم إمكانات المجتمع , فأصبح نضال أغلبية المواطنين ينحصر في سبيل البقاء , والظواهر كثيرة لو يفتح هؤلاء القادة عيونهم عليها , والتي صارت المؤسسة الملكية تهتم بها , لسد حاجيات المجتمع التي هم عنها غافلون أو متجاهلون لمخاطرها
يا قادة أحزابنا الوطنية . إن كلمة ( ليس في القنافذ أملس ) التي يروجها الشعب كناية بوجودكم في حياته . أصبحت قليلة في حقكم . والله إني لا أنطق عن الهوى . فقد خبرت البعض منكم . داخل الحزب أو داخل المؤسسات المنتخبة , والذين أعنيهم يعرفونني حق المعرفة , ويعرفون أني صوت من أصوات المجتمع الصادق . ومن لم أعرفه منكم عن قرب , فقد عرفته من خلال مسؤولياته وواجهات اشتغاله بالسياسة . وكيف وصل لما وصل إليه , وعلى حساب من , ومن وجهه ويوجهه للعب دوره في مسرحية رديئة . فجميع قادة أحزابنا في سلة واحدة , وبيضة واحدة صالحة في نفس السلة , مآلها مآل كل ما بداخلها من بيض فاسد
يا قادة الأحزاب . أريحوا واستريحوا , وسلموا الرسالة لمن يقدر على حملها أمانة تكليف لا هدية تشريف . وسنقول لكم ما قاله يوما رئيس الحكومة المغربية - ولو كان قد استعملها في هذا المنحى , لاتفقنا معه ( عفا الله عما سلف ) - فقد صرتم عبء على المناضلين . عبء على المجتمع . عبء على الوطن . فبرهنوا عن صدق الوطنية فيكم وانسحبوا . وإنكم لمنسحبون مهما كان موقفكم . فلا تؤجلوا ما لابد من حتمية وقوعه . وعفا الله عما فعلتم بهذا الوطن . والوطن غفور رحيم . قالها الملك الراحل الحسن الثاني
فاس . محمد التهامي بنيس
30 - 01 – 2017
#محمد_التهامي_بنيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟