محمد التهامي بنيس
الحوار المتمدن-العدد: 5331 - 2016 / 11 / 2 - 23:27
المحور:
المجتمع المدني
ما الحل ؟
قررت أن أفعل شيئا أختبر فيه إنسانيتي , وأعرف هل أنا حقا إنسان ؟ فخطر ببالي أن أحقق شيئا لأول شخص غريب أصادفه هذا اليوم – حسب استطاعتي وإمكانياتي طبعا - خرجت إلى المقهى كعادتي كل صباح , حيث ألتقي بجماعة من المتقاعدين . نلوك الكلام المباح , ونتبادل نكتا للتنفيس والانشراح . ونقرأ عن جديد كل صباح . وقف أمامنا متسمرا في مكانه , شاب قوي البنية , حاد النظر تظهر عليه ملامح الذكاء الحزين . عينه على فنجان القهوة بيدي , ويبدو منهكا متعبا لا يقوى حتى عن الكلام كعادة المتسولين الحافظين لقاموس الاستجداء جدبت كرسيا شاغرا , وسألته أن يتفضل بالجلوس . تردد وهو في مكانه يحدق في ملامح وجهي . وكأنه يتساءل مع نفسه . أهو المقصود بدعوتي ؟ فبادرته بالتأكيد . أنت . لا أحد غيرك واقف . تفضل بالجلوس , واطلب شيئا تشربه جر المقعد ليجلس في وضع يبتعد عن مجلسي . فسحبت الكرسي وأجلسته قبالتي تفصل بيننا الطاولة الصغيرة . وبينما هو يستقيم في جلسته , قال : أريد قهوة . وفي هذه الأثناء حضر النادل يحاول طرده . فقلت له : دعه إنه جليسي . هيئ له فطورا أولا ( خبز الحرشة مذهون بجبن وعسل , مع كأس من حليب ساخن . وعصير برتقال ثم قهوة بعد ذلك ) تهللت أساريره وحاول أن ينطق بكلمات شكر . ولكن بإشارة من يدي رجوته أن لا داعي لأي شكر ولتكسير وقت الفراغ وانتظار إحضار النادل للمطلوب . سألته : لاحظت أنك غريب عن تعاطي التسول , ولعلك غريب أيضا عن المدينة . فهل تسمح لي بسؤالك ؟ فرد على الفور بالموافقة مردفا أنه لا يهمه من أكون ولماذا أريد سؤاله . ويكفي أنني عاملته بإحسان . وتداركت الموقف معلقا : إذا كان هذا يضايقك , اعتبر أنني لم أقل شيئا , فرد مستدركا . لا يضايقني شيء منك . فقط اقبل كلامي أثناء تناولي الفطور لأني أتضور جوعا . وافقت بالقول : خذ راحتك . وكأني فتحت له زر البوح . وكأن بداخله طنجرة ضغط , انفجرت , أو كبتا أطلق عقاله . بعد أول رشفة من الحليب وأول مضغة من الخبز قال بدون حرج أو تردد : اسمي حسن . مغربي الجنسية مولدا ونشأة , أنتمي لعائلة متوسطة اجتماعيا أثناء تواجد الوالد . أما بعد وفاته انحدرت مكانة العائلة إلى الحضيض . خريج كلية الآداب , شعبة الفلسفة وعلم النفس . ثم دكتوراه في علم النفس التربوي . عاطل معطل عن العمل منذ 5 سنوات , أتقن ثلاث لغات حية إلى جانب اللغة العربية ولغة العائلة الأمازيغية , أنحدر من إيموزار كندر . مات أبي بعد السنة الثانية من خيبة أمله في أن أكون عونه وسنده في مصاريف البيت بعد التخرج , وتحملت بعده عبء العائلة التي صارت تتعيش من تقاعد دوي الحقوق , وهو لا يزيد في مجمله عن 2000,00 درهم ثلثها واجب كراء بيت العائلة , والباقي لإطعام خمسة بطون وبطني سادس تنهد حسن بزفرة عميقة , قبل أن يرشف جرعة من فنجان القهوة الذي نزل لتوه , رشفة ابتلع معها نصف ما بالفنجان وتجاهلت الأمر ليأخذ حريته دون أي حاجز . بينما استطرد ساردا مفرغا ما في جعبته : طرقت كل أبواب البحث عن العمل . أجريت عدة مقابلات في القطاع الخاص – ما دام القطاع العام لم يعلن عن أية مباراة للتوظيف – وكنت أول الأمر أبحث عن شغل يناسب مؤهلاتي المعرفية وشهاداتي الجامعية , وأمام انغلاق الأبواب , تخليت عن أي اعتبار للمؤهلات – فقط مؤسسة واحدة للتعليم الخصوصي , وافقت على تشغيلي كأستاذ بأجر مغري , أو هكذا تخيلته أمام معاناتي من البطالة , يصل إلى 6000,00 درهم شهريا . فرحت وتهللت أسارير وجهي , وأخبرت والدتي لأفرحها ( لقد أفرجت والحمد لله ) ولا أستطيع أن أعبر أو أصف مسحة الفرح على وجه والدتي . وعندما حان الموعد المضروب لأستلم عملي . فاجأني صاحب المؤسسة بشروط القبول : نسخة من الدكتوراه . نسخة من السيرة الذاتية مع صور شخصية وطلب خطي , كل هذا كان عاديا ومن ضروريات التشغيل . لكن الشرط الأخير بخر كل أحلامي وحول فرحي إلى كدر تعجيزي . علي أن أوقع التزاما بدين بقيمة 60000,00 درهم لأن منصبا بأجرة 6000,00 درهم يساوي ثمنه 60000,00 درهم . خرس لساني جراء هذه الصدمة غير المنتظرة . وجمعت وريقاتي وهممت بالمغادرة . لكن صاحب المؤسسة تدارك الأمر ليخفف عني أثر الصدمة قائلا : أعرف أنه قد لا يتوفر لك هذا المبلغ ولهذا أقترح عليك دفع مبلغ 30000,00 درهم مسبقا . أما النصف الثاني فيقتطع بالتقسيط لمدة 20 شهرا بمبلغ 1500,00 درهم شهريا . كان بالإمكان افتراضيا , أن أقبل العرض على مضض . ولكني وأمي وعائلتي لا نساوي ثلاثين ألف درهم . وهكذا غادرت المؤسسة أجر خيبة فقري ويتمي وثقل العائلة بعد رشفة ثانية أفرغت ما في الفنجان بشراهة المتحسر , وأنا أتأمل في هذا الحديث المرير . طمأنته إلى أن المستقبل يبشر بالخير وليس هناك ما يقلق , ولا بد لهذه الأوضاع أن تتغير , وقلت كثيرا من العبارات التي تناسب هذه الحالة والتي أروم منها تخفيف معاناته لكن حسن فاجأني بالحديث عن أخته : حتى أختي الكبرى التي تصغرني بثلاث سنوات . وهي مطلقة بدون أبناء . صارت تساعدنا ببعض المصاريف . وأنا أعرف أنها لا تشتغل , وتشككت في مصدر تحصلها على تلك المبالغ . فحاولت أن أكون السيد بعد رحيل والدي , رجل الأسرة . فعبرت لها عن استيائي من غموض مصدر ما تساهم به من نقود . فجرحتني أجوبة الجميع بدءا من الوالدة إلى بقية الأخوات . كتمت غيضي وانصرفت , ولم أجد حلا ثانيا إلا أن هجرت ذاك البيت , وتركت الجمل بما حمل . والآن أشعر بوخز الضمير على سلوكي الجبان . ومع ذلك لا زلت مصمما على ألا أعود إلا يوم تكتمل رجولتي بإيجاد شغل يكسبني كرامتي والتي بها أسترجع كرامة أسرتي . وهكذا جددت محاولات البحث , وانضممت إلى الوقفات الاحتجاجية التي ينظمها حملة الشواهد العليا المعطلين , فكنت ضحية التعنيف ضربا ورفسا . وكسرت يدي وبدوت معوقا , حتى الحرف أو الأشغال الشاقة تنظر إلي بنظرة الإشفاق لأني لا أصلح لمثل هذه المهن . هكذا ومن أجل أن أضمن لنفسي حق الحياة وقوت يومي . جربت التسول . وأدركت أنه يحتاج لمؤهلات خاصة أفتقر إليها . ولكن الله ييسر لي بعض المحسنين الذين يطعموني قرب مطاعم المدينة , ولا أعود خاوي اليدين على الأقل بما يشبع بعض جوعي بما شاء الله وقدر لقد شدهت لما سمعت , وشردت عن بقية حديثه , لأني صرت أسير ضميري , أسير قراري في اختبار إنسانيتي مع أول غريب أصادفه . لكن حسن لم يعد غريبا عني . فأنا الآن أعرفه اسما ومؤهلات ضائعة ومشاكل اجتماعية متسلسلة متلاحقة ترى . هل أتحرر من التزامي مع نفسي وأتحجج بأن مشكلته أكبر من إمكانياتي . خاصة وأنه صورة واضحة لمأساة حقيقية يعيش على إيقاعها بلدي , في ظل حكومة شبح غائبة عن مآسي سواعد الأمة . ولم تبدع حلا للاستثمار في مؤهلاتهم . هل أنصحه بأن يترك هذا البلد الذي لم يفكر فيه وفي أمثاله , كما ترك أسرته الصغيرة بحثا عن أمل مفقود في أرض الله الواسعة ؟ هل أقدم له مبلغا مما هو في استطاعتي , وأنهي المقابلة ؟ لا ليس هذا ولا ذاك . وإلا فستكون نتيجة اختباري لإنسانيتي صفرا على صفر , بل لابد من ....................... .............................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................. أنا في حيرة من أمري . وأتخيل لو كل واحد أو واحدة منك في مكاني . سيكون له رأي , سيبدع حلا مرضيا , أو على الأقل يقترح على من بيدهم أمر الشأن العام , حلا أو وجهة نظر . فحسن هو أي شاب أو شابة عاطل أو عاطلة عن العمل . أسرته تشبه كثيرا من الأسر التي تعاني من بطالة ابن أو اثنين أو أكثر . المشكل قائم بل مستفحل ويزيد استفحالا باللامبالاة وغظ الطرف . أفيدونا برأيكم ولنجعل من موقع التواصل الاجتماعي , منبرا لاقتراح الحلول لهذه الأزمة . فهي ليست أزمة حسن لوحده . وليست مسؤوليته لأنها مسؤولية من أوكل لهم أمر تدبير شؤون البلاد . وهم صم بكم عمي عما يعانيه شباب المغرب وعائلاتهم . فما الحل ؟
فاس . محمد التهامي بنيس
#محمد_التهامي_بنيس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟