أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق عوده الغالبي - سهام النخوة














المزيد.....

سهام النخوة


عبد الرزاق عوده الغالبي

الحوار المتمدن-العدد: 5414 - 2017 / 1 / 27 - 00:54
المحور: الادب والفن
    


وينفجر الزمن، عبوة ناسفة تتبعثر أشلاؤه كرات من خجل، تحت قدميها النصف حافيتين من مظاهر الدنيا، بريئة من كل ما يحدث ، نصف حذاء تتباهى به القمامة، يعانق قدميها بشوق ولهفة، وينفخ صدره بكبرياء، أنه لا يزال لم يفقد هيبته، ربما كان يوشح أرجل غادة، فهو يملك الحق بهذا الكبرياء، لو علم أنه يطأ ذهباً، يلفها تحت الأسمال حزم من نور، تنطلق مبعثرة بعفوية، تنتشر في ظلال المكان بفوضوية عارمة تبهر النواظر وتهز الشهوات والندم معاً، تنبعث من الثقوب والرقع التي ترصع تلك الأسمال وكأنها تغلف قالباً جليدياً يرتجف من شدة البرد ، يحاول أن يخفي إشراقته بارتباك مكشوف ومحفوف بوقاحة التلصلص ، والتواء الأعناق تحت عواصف العوز المغلف ببداعة الخلق، تغط حتى أذنيها في بحر الاستحياء، حتى تكاد تغرق، تستجدي أنفاسها بصعوبة، إلا من بقية في طرف اللسان، ترمي بنفسها كرة من رهبة تتدحرج، فوق قارعة الأمل المرتمي بين ذراعي الإفك، تخرج بنت شفة واحدة وينقطع الرجاء بتلك النبرة المتهالكة، تحت أمواج الأهوال المترامية من انكسار وحرقة :

-"لم أتناول طعاماً من يوم أمس...!؟"

وانحسر الصوت، فغر الزمن فاهه وبرزت أسنانه القاسية، وبات يقترب من هذا الكيان المزهر ليسرق، كأنه يريد يقضم آخر لقمة من وجبته الدسمة بعد أن أتى عليها كاملة، لكن صوت ارتطام رأسها في الأرض، أغضب النخوة وجمد الصراخ فوق الشفاه، هرعت الرجولة والأنوثة والإنسانية معاً، بدأت الشفاه تلوك، والألسن تلعن، تتحرك كعجلات مركبة من ريبة ، طمست في وحل من شفقة أملس لا تثبت فيه أقدام، تعبت من أحمال رزايا الفعل المنحرف ، واستهتار الزمن المخبول، تغطت بغطاء الهمس والتساؤل حتى أذنيها، ذلك لم يعق برد الشوارع والأرصفة، الذي رتع في أنحاء أرض كيانها الغارق في أوحال اليتم والوحدة والفقر والموت والهلاك والحزن وأسباب الزمن السوداء، كتلة سوداء غطت بجناحيها جميع معالمها

المبهرجة بالثقوب، ربت خفيف فوق خد لذيذ ناعم أعاد نصف عينيها نحو الموجود ولهذا الهجير اللاهب بالأسى، حتى بات الحزن رفيقاً، يعزف سمفونية العويل الدائم، والحزن الموغل في القلوب، أنشودة الديمومة التي لا تنسى ولا تمل ولا تموت:

-" أين أنا.... ومن أنت....!؟"

طارت بنات شفاهها بصوت التعب المستميت فوق ساحات حظها العائد تواً من حرب خاسرة بين الجوع والشبع، البرد والتشرد، الأمومة والمسؤولية، تمزقت فوق جثث جوعها بشائر النصر والانكسار معاً، فهي تقاتل في الجهتين، رغيف خبز ضائع تطارده، بين أحلام مفقودة، وآلام تقطر دماً و تقطع أوصال دواخلها الفارغة، أجابت الكتلة السوداء الجاثمة فوق أثيرها المهموم :

-" لا عليك يا ابنتي، اعتبريني واحدة من بنات هي ... من أنت وما قصتك.....!؟"

تلفتت كمجمع الأسى، حول محورها بغرابة وكأنها تبحث عن فردوسها المفقود، رغيف خبز حار، هو منتهى طموحها بان لها في غيبوبتها حلماً، وقد اختفى الآن في الغميضة، الدور الأخير، نطقت الثانية أشد من الأولى:

-" أطفالي ، لا أدري أين تركتهم بعد اشتداد البرد والجوع.....!؟"

لم تمهلها تلك الكتلة السوداء الجاثمة فوق أثيرها المكلوم، قدح امتلأ حتى الحاشية وفاض هماً، وجعاً، دمعاً، وووو

-" ولماذا تركتهم، وصرتي هنا....!؟"

اندلقت عيناها فيضاً من وجع فوق أرصفة شوارع العوز، غيثاً يسقي همومها العطشى، يطفو فوق هزيع موج الدموع، ورمت الثالثة، أشد السابقات:

-" اشتد القصف و الجوع والبرد معاً ونحن لا نملك سوى الخيمة....!؟"

عندها نسى الزمن القاسي وقاحته العمياء تماماً، بكى بدموع ثكلى، واشرأبت أعناق الملائكة، وبانت قبضات التساؤلات والألم تتحرك اتجاه البعض، أظنّ بسوساً سترسو في هذا المكان بين الخير والشر، غطى صاحب المحل الموقف بغطاء الرجولة والإنسانية والحكمة وبساطة الأهل حين الشدائد ، تشتد:


-" لمٓ جئت لي.....!؟"

شعرت المأساة بقرب الانفراج، فأترعت الموقف بسيل من إعصار نخوة ، حضرها الخير واضعاً يده فوق صدره، متعهداً بالوفاء تلك المرة، هرب إبليس، حين لفح النور فوق وجوه الألسن، وأردفت صاحبَ المكان بنخوة أخرى :

-" أملي بطانية لأطفالي، وما يحتل جيبي لا يكفي ، عشرة آلاف دينار ، أروم منها خبزاً ، لم يزر خيمتنا من يومين....!؟"

رعدت سماء الموقف بشدة، واكتظت الغيوم فوق هامات وعيون علامات التعجب والاستفهام، وتحركت العواطف بأرجل من حديد، تسابق الخير والريح، وتمسح وجوه الأخوة والأمومة والأبوة، هي ثورة من علائق، ديدن أهلنا الفقراء حين يشتد أوار الظلم والعوز، لم يكسر صاحب المكان حياء مجمع المآسي تلك، فقد مسح عرقها بقول مشبع بالرجولة وأسباب الله:

-"عندي طلبك، بطانيات ثلاث، اشتريتها قبل عام، ولم يشترِها أحد مني، فهي قصيرة، سعر الواحدة ألفي دينار، خذيهم كلهم بستة آلاف فقط...!؟"

أشرقت سماء وجهها وانحسرت الغيوم، إلا من رذاذ خفيف يرطب الموقف، نسمات خفيفة قلبت الموقف دفئاً، مسك الجوع نفسه وهدأت الآلام في جوفها، ورحل البرد من جسدها المنهد، وهو يلوح بيده مودعاً، فقد هزم فوق قارعة الخير والإنسانية، وأريق دمه بسهم من سهام النخوة، غادر المكان متجهاً صوب مأساة أخرى، هو حال الدنيا، احتج أحد الزبائن وقال بغضب :

-" لمَ بعتني ذاتها بثلاثين ألف دينار وبعتها ثلاثٍ بستة آلاف ؟ والله أمرك عجيب يا أخي...هل أنت مجنون.....!؟"

أجاب صاحب المحل بهدوء وسكينة :

-" لا يا أخي....انا لم أبعها شيئاً، انا تبايعت مع الله، حسبت الرزق بفرق السعر، صدقة في السر، لكي أحفظ ماء وجه معوز، والعفاف زينة المعوزين، وهل يا ترى إن فرق السعر يستوفي إراقة ماء وجه معوز، لو أجهرت الفرق....!؟....وقد بعت و كسبت عشرة أضعاف ما بعت.....!؟"


انفض الموقف تحت جناح الحكمة والخير والرجاء، و صاحبت مأساتنا جمع النخوة نحو مخيم سوق السياسة الجاهز ليبدأ العدو من جديد .....



#عبد_الرزاق_عوده_الغالبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية يرويها سكين نادم
- انتحار قلب
- خيانة كلب
- ان قلت اعلم ، فأنت فعلا لا تعلم
- زمن الانتهاك
- الكارثة الموقوتة
- تسواهن
- الحنين إلى الناصرية والوطن في شعر الشاعر العراقي الشفاف
- lمقتل سلحفاة
- هل الغربة وطن....؟
- انتحار قلم
- انكسار
- ندم
- امبراطورية الصفيح
- غفوة
- كارثة
- ادب الحرب عند الاديب السوري الكبير عماد الشيخ حسن
- سكن
- قراءة نقدية لنص الاديبة السورية الدكتورة عبير خالد يحيى
- العبور الى الضفة الاخرى


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق عوده الغالبي - سهام النخوة