أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق عوده الغالبي - lمقتل سلحفاة














المزيد.....

lمقتل سلحفاة


عبد الرزاق عوده الغالبي

الحوار المتمدن-العدد: 5307 - 2016 / 10 / 7 - 10:36
المحور: الادب والفن
    





مقتل سلحفاة


عبد الرزاق عوده الغالبي


غيوم تتزاحم فوق سقف الله الأزرق ، وكأنها تتمازح فتعكس حركاتها في الماء ، عجول همت نحو الماء لتورد عطشها ، فتجفل من فرشاة رسام وهو يغسل فرشاته ،ويضحك الماء في لجة السلسبيل فتنزاح الدوائر ، تكبر و تتضاعف وتتسع حتى تصطدم بأطراف النهر الملساء ، وتمس أنفي نسيمات خفيفة ، وكأنها تخاطبني قائلة:

-" أنا الشتاء جئت .....فهل عرفتني....!؟"

تستأذنني ولسان حالها يقول :

-" هل أدخل جلبابكم ، أعدكم أن أكون خيراً ، غيثاً ورذاذاً من نعمة وقرصة برد.....؟"

وتتحرك الغيوم هاربة نحو الشرق، خلّفت حولها سقف أزرق، تتسيّده شعلة صفراء وحزم من ذهب يتلألأ ، وتتقدم ببطء نحو الغروب لتلقي بقطرات الظلام ، قطرة بعد أخرى ، وهي تغوص خلف البساتين و تنشر حمرتها شيئاً فشيئاً حتى اصطبغ السقف الأزرق بحمرة ، تتخلّلها بقع من السواد ، لتلبس النهار عباءة الليل ، ببطء و هدوء......

طبع توارثته عن أبي وجدي أن أودّع ذلك المشهد السرمدي كل غروب فوق ضفة الفرات المسافر في جنات الجنوب ، يؤسرني منظر الشمس وهي تبتلع النهار وتلقي الليل في أحضان العتمة والهدوء، وتنشر مكامن الأسرار بين غرف الظلام.... وتجعلني أتيقّن جازماً أن الحياة خبرة تتخللها ممارسات، وفن في العيش يمسك مقوده العقل والغريزة، وهنا يحدث الصراع الأبدي من أجل الديمومة والبقاء وضمان استمرارية الوجود ، وكأن الإنسان يبحث عن الخلود ، فمن أجاده نجا وأفاد واستفاد ، ومن ولّاه ظهره ، قهره وتخطاه ، وفي هذا الأثير الآسر ، أطلق العنان لأخيلتي وأحاسيسي، أتفقّد مكنونات ذاكرتي، أبحث عن قطرة غربة أو غيث سعادة، أو وخزة ضمير أو فيض ألم ، حتى استفزّتني واحدة هيّجت كل أخيلتي وسحبتني نحو وعي حسي مخبوء ، وبدأت الأحداث تتسابق في صندوق رأسي الأسود المقفل ، ليستعرض هذا الحدث فوق جدار الوعي، وتنبهت - وأنا أسترق السمع- لحديث دار بين نفسي وضميري:

-" هل يعتبر الموت نوعاً من القتل....؟"

سأل ضميري بألم وحرقة واستهجان .....شاهدت نفسي تصمت ، تغطيها الحيرة و الهزيمة لغياب الجواب الشافي عن مخيلتها ، وأخيراً أجابت بإرتباك و حيرة:

-" أظن ذلك...!"

ولمعت عيون نفسي بظلال من جهل ، انتبه ضميري نحو حيرة نفسي، وأضاف موضحاً :

-" أقصد الصراع الأزلي بين الظلم والتحرر ، الذي تفسره الممارسات المختلفة التي تسكن حقب الحياة وتملأها بالحركة ، حين تجسّد الخير في القليل ، و بالكثير في دموية الشر ، الذي يتبناه معظم سكان هذا الكوكب المسافر نحو الانحسار و الاندحار بفعل أهله الأغبياء ....مادامت الدائرة مقفلة تبدأها الصرخة الأولى حياة، ويختمها النفس الأخير بالموت.....ألا تعتقد أنّ الموت نوع من قتل....؟"

ضحكت نفسي من إيضاح ضميري، وبان عليها أنها فهمت المقصود ، هزت رأسها استجابة بالفهم والإيجاب.....

مجاهد من أهلي ، تطارده قوى الظلام التي ابتلعت شموس الخير و مياه الأهوار ، وطردت الرزق من البيوت قسراً ، واللقمة من أفواه أبناء بلدي ثلاث عقود ونصف ، ألقى الرجل مسواقه في الأرض ، واستمر بالعدو بعيداً عن فوهات الموت ، وأزيز الرصاص يداعب أذنيه أنغاماً فيروزية ، متجهاً نحو منطقة ( الحمارة ) القريبة من هور الحمار ، والتي ألتقطت هذا الاسم من شدة الحر والرطوبة في مناخها، لتحذير رفاقه وسد رمق عطشه ..... الإنسانية دأب الأحرار، وسجاد صلاة الشهداء ، و قبلة الأتقياء ، وعندها نسي الموت هذا الرجل ، تحت مرأى غريب ، سلحفاة عطشى تسعى ببطء نحو الماء، وهي تجر نفسها جراً ، من ثقل الجوع والعطش الذي بذرته أصابع الظلم القاسية .....أحس الرجل بعينيها الصغيرتين وهي تنظر نحوه ، كأنها تستجديه رشفة، أو أن يمنحها جزءاً من سرعته لتصل الماء، والمواقف الصعبة شعاع قوي شديد السطوع يكشف النفوس ، التي يتسيّدها الظلم ، فتذوب الفوارق وتتوحد في بودقة الإنسانية ، وتختلط أحاسيس المخلوقات معاً في اتجاه واحد ، التحرر والخلاص......

شعرالرجل بساقيه قد كبلت بسلاسل من حديد قذفتها نظرات تلك السلحفاة المسكينة العطشى، وكأنها من بين سيل دموعها ، تقول:

-" لك الله يا أخي ، فأنا مثلك شملني الظلم ولفني بعباءة الموت ، خذني معك أرجوك...!"

هز الرجل رأسه بالإيجاب، وكأنه سمع صوت خطابها الخفي الواضح ، انحنى عليها بحنان وهدوء ، التقطها ووضعها في جيبه واستمر في العدو من جديد غير آبه لأزيز الرصاص وأصوات عجلات الموت التي تلاحقه للنيل منه ومن رفاقه ، فرحاً بما في جيبه من خير وكأنه عثر على درع حماية وكنز من أمل بالحياة .....

ويمر الزمن ثقيلاً، وساقاه لا تزالان تعملان بإخلاص وحرفنة ، لبلوغ هدف تضاعف عنده الآن ، بثقل مسؤولية أخرى ، فقد نسي حياته وبدأ يفكر بحياة ساكن جيبه ، فزاد سرعته خوفاً عليها ، والأفكار تأخذه في كل الاتجاهات ، حتى لاحت له أخيراً ، منطقة (الحمارة) وهي مبتغاه الأول والأخير .....

أدرك الماء ، بعد أن ضيَّع أثره الملاحقون من جنود الظلم ، وقبل أن يسقي نفسه الماء ، فكر في ساكن جيبه ، وأخرج تلك السلحفاة المسكينة من جيبه ووضعها في الماء ، قصمت المفاجأة ظهر الماء، وظهر هذا الرجل الغيور ، بعد أن أحسّ أن هدفه السامي لم يتحقق ، ومهمته الإنسانية قد باءت بالفشل ، أطرق الماء برأسه خجلاً ، ولفظ آخر أنفاسه بموت سلحفاة.....احمر وجه الإنسانية غضباً حتى صغر حجمها ، أمام هذا المشهد المأسوي .....فهل تعرق جباه الظالمين......!؟
_____________________________________________


(ملاحظة : تلك قصة حقيقية رواها لي شاهد عيان وهو الصديق العزيز السيد ناصر حسين اليعقوبي كما حدثت لاحد مجاهدي الاهوار وكلفني بكتابتها مشكورا )



#عبد_الرزاق_عوده_الغالبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الغربة وطن....؟
- انتحار قلم
- انكسار
- ندم
- امبراطورية الصفيح
- غفوة
- كارثة
- ادب الحرب عند الاديب السوري الكبير عماد الشيخ حسن
- سكن
- قراءة نقدية لنص الاديبة السورية الدكتورة عبير خالد يحيى
- العبور الى الضفة الاخرى
- العيش بين شفاه امراة
- وهل العفوية جنون؟
- الاقتضاب والتدوير والعمق الرمزي
- رحلة المصير
- زهرة من عالم الغموض
- هي فينوس ام شبعاد......؟
- الوطن في قلب شاعرة
- قراءة نقدية في نص الشاعر العراقي الشاب المبدع اياد القلعي
- الجبروت


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرزاق عوده الغالبي - lمقتل سلحفاة