أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جلال مجاهدي - مساحة الفراغ بين الواقع و الإدراك














المزيد.....

مساحة الفراغ بين الواقع و الإدراك


جلال مجاهدي

الحوار المتمدن-العدد: 5411 - 2017 / 1 / 24 - 17:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الانسان يعيش حسيا و إدراكيا في جزء من عالم الواقع و ليس في الواقع كما هو , أفكاره ما هي إلا نتائج ترسبات لصور ذهنية و عمليات عقلية و وجدانية واعية و لاواعية تنسج صورة ما يعتبر أنها حقيقة للواقع؛ الواقع كما يتصوره لا يعدوا أن يكون واقع الحواس و التأويلات العقلية الواعية و اللاواعية له , ما يربط الإنسان بالعالم الخارجي هي حواسه التي تحول ما يراه و يسمعه و ما يشتمه و ما يلمسه و ما يتذوقه إلى معلومات يقوم العقل بالتعرف عليها و تمحيصها و التفاعل معها بشكل أو بآخر , الانسان لا يدرك سوى جانب بسيط من الواقع, فالحواس دائما متهمة و قاصرة عن إدراك ما وراء حدود قواها و العقل لا يسعفه إلا ما تمكنه منه عملياته الادراكية الممكنة, الواقع الكبير يجمع أربعة أوجه , الاول وهو الحسي الادراكي الذي نستطيع التعرف عليه بحواسنا و تدركه عقولنا مثل العوالم المادية بصفة عامة والثاني وهو المدرك غير المحسوس الذي نستدل عليه بعقولنا و لا تصل إليه حواسنا كالجاذبية مثلا و الثالث و هو المدرك المحسوس الذي نستطيع التعرف عليه بحواسنا لكن لا نستطيع الوصول إلى فهمه بعقولنا كتفسير و جود الأكوان و ما إلى ذلك , ثم الرابع و الأخير و هو المغيب الذي لا نستطيع الوصول إليه لا بحواسنا و لا بعقولنا , إذن الواقع يجمع ما يقع في دائرة الادراك و ما يقع خارجها أي يشمل ما نعيه كواقع إضافة إلى ما وراء الواقع.
الحقيقة العامة كما يسميها المعجم الفلسفي لا تدرك و هي ليست موضوعا علميا يمكن البحث فيه , فحقيقة الشيء هي ماهيته و الماهية هي أمر خارج عن قدرة العمليات الادراكية للعقل البشري , فالوجود المحسوس واقع , لكن الكنه و الماهية أي حقيقته لا ندركها و بالتالي فلا أحد من البشر يعرف حقيقة الأشياء و الوجود إطلاقا , لذلك فعندما يستعمل مصطلح حقيقة الواقع , فلا يقصد منه الحقيقة العامة , بل صفات نضفيها على جوانب من الواقع كما نتمثله و نقصد بها تمفصلاته وأشكاله ومؤدياته , و إذا كانت هذه التمفصلات و الأشكال و المؤديات هي أمور إدراكية , فإن ذاتية المدرك هي من تحددها بالنسبة لها فقط دون باقي الذوات و دون أن تصل لإدراك الواقع كما هو - هذه التمثلات التي تشكل حقيقة ما يعتقد الانسان أنه الحقيقة , هي ما يصطلح عليه ب"مبدأ الواقع" أو "مبدأ الحقيقة " و هي النسخة الادراكية للعقل البشري و التي تتفاوت مساحة الفراغ بينها و بين الحقيقة الواقعية من ذات لأخرى ومن هذا المنطلق ,لا يمكننا الحديث عن الواقع ,بل عن شبه الواقع la pseudo-realité ,الذي نكونه ونعيش به و نتعايش من خلاله ونجعله مقاس ومقياس ما نعتقد أنه حقيقة و السؤال الفلسفي الذي يحاول أن يجيب عن مدى تطابق الأفكار من حيث هي تمثلات مع الواقع من حيث هو معطى يبقى دائما بدون جواب , طالما أن أي ادعاء بإدراك الواقع كما هو, لا يعدوا أن يكون جوابا ذاتيا ناتجا عن التشفير العقلي الذاتي للمعطى و ناتج عن احتكاك الذات المجيبة بالموضوع

إثر عصر الأنوار اهتدى الانسان إلى مقاييس يقاس بها مدى تطابق الواقع مع التمثلات العقلية و لم تكن هذا المقاييس سوى العقلنة و العلمنة و الموضوعية و كل ما وراء ذلك أو دونه من معارف تم رفضها لعدم استجابتها للمناهج العلمية القائمة على التجربة أو الاستقراء , لكن هذه المقاييس أيضا لم يعرف مداها و الى أي حد يمكن اعتبار نظرية ما كنظرية علمية و هو ما تنبه له المفكر النمساوي كارل بوبير حين قرر أن مجموعة من النظريات لا تختلف عن الاسطورة من حيث الأساس العلمي الموضوعي كنظرية فرويد و نظرية أدلر في علم النفس و نظرية التطور لداروين و نظرية ماركس و نظرية النسبية لاينشتاين , هذه النظريات شبهها بعلم التنجيم في علاقتها بالواقع .

كارل بوبير إن كان في طرحه يقدم وجهات نظر مسميا إياها بالتفنيدات العلمية لمجموعة من النظريات لعدم استجابتها للمقياس العلمي المطلوب و هو الأمر الصحيح بالنظر لكون هذه النظريات لا يمكن فحص أساساتها العلمية الموضوعية فإنه ضمنا لم يجرد هذه النظريات من قيمتها العلمية طالما أنه كان يعترف بأن لها قوتها التفسيرية .

السؤال المطروح هنا هو هل يجب إخضاع كل المعارف إلى المناهج العلمية الصرفة القائمة على التجربة أو الاستقراء أو يجب البحث عن مناهج علمية لمجموعة من المعارف تعتمد على مناهج علمية أخرى ؟

يبدوا أن السؤال نفسه يتضمن الجواب , فحين يقرر المفكر كارل بوبير أن النظريات التي فندها على أساس علمي محض هي نظريات لها قوتها التفسيرية , فهو يقرر ضمنا بأن قوتها تتجلى في كونها تفسر بعض جوانب الواقع التي تقع خارج دائرة العلم التجريبي او الاستقرائي .

و من تم يثور التساؤل الثاني الذي هو هل يمكن للعلم الموضوعي العقلاني تفسير جميع جوانب الواقع ؟

الجواب عن هذا السؤال هو حل لعقدة العقلنة الشاملة التعميمية التي انتهجها العقل الأداتي المبالغ في العلمنة و العقلنة و الموضوعية , فالعديد من المعارف الانسانية لا يمكن إثبات صحة ما تدعيه إذا ما تعرضت للتمحيص الموضوعي العلمي العقلاني لكن وصفها باللاعلمية هو وصف غير صحيح بالنظر لكونها في طبيعتها هي معارف تقع خارج دائرة القياس و التجربة الامبيريقية و الاستقراء و بالتالي فلا يمكن تمحيصها إلا من خلال نتائجها و من خلال ما تقدمه من تفسيرات لجوانب الواقع التي لا يستطيع العلم الموضوعي العقلاني الخوض فيها أو تقديم إجابات بخصوصها لعدم قابليتها للتجربة او الاستقراء.

العقلنة في ظل هذه الاستنتاجات تقتضي تطوير نموذج آخر للمناهج العلمية للمعارف الانسانية الخارجة عن دائرة التجربة و الاستقراء , و ذلك للتقرب من إدراك الواقع في جميع جوانبه, ليصل الإنسان إلى التمثل الأمثل للواقع في تجلياته المحسوسة و غير المحسوسة , ليبلغ بذلك رشده الوجودي للارتقاء به في أفق المعنى و القيمة.



#جلال_مجاهدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقلانية بين مفهوم العلم و مفهوم المعرفة
- ثقافة المجتمعات من التثاقف إلى التثقيف إلى ثقافة العولمة
- المذهب الوهابي منبع إرهابي سطر تاريخه بالدماء
- ما وراء التعثر المؤقت في تشكيل الحكومة المغربية
- البوليزاريو و انعدام الشرعية و الصفة لتمثيل الصحراويين
- إصلاح القضاء في المغرب و الأركان المظلمة المسكوت عنها
- الخطاب القومي الأمازيغي المغربي و ضرورة إعادة الصياغة
- استخدام و توظيف مفهوم القيمة و فائض القيمة لكارل ماركس
- توصيات الصناديق الائتمانية الدولية و عرقلة الاقلاع الاقتصادي ...
- ضوابط استعمال رجل الشرطة لسلاحه الوظيفي في مواجهة مسلحي الشو ...
- نظام الحكم المخزني المغربي في مواجهة تفاعلات الحراك الفكري ا ...
- أمازيغ المغرب و الاستعراب و إشكالية الانتماء
- الالحاد سقوط في اللاعقلانية – الجزء الثالث-
- الالحاد سقوط في اللاعقلانية – الجزء الثاني -
- الإلحاد سقوط في اللاعقلانية – الجزء الأول -
- ثقافة الثورة
- القرآن من تسامح النبي الى تعصب المسلمين
- القرابين البشرية و المنابع النصية للفكر الارهابي
- حزب العدالة و التنمية المغربي ليس حزبا إسلاميا
- حزب الأصالة و المعاصرة المغربي وانعدام الهوية


المزيد.....




- بعد وقف إطلاق النار.. رئيس إيران يوجه -طلبا- إلى محمد بن زاي ...
- نظريات المؤامرة: كيف أصبح مروجوها خطراً على من حولهم؟
- حلم -تغيير النظام- الإيراني - تجارب الشرق الأوسط الفاشلة نذي ...
- إنقاذ الحياة والثروة السمكية في المتوسط.. مهمة تنتظر تعاون ا ...
- النجم الهندي سلمان خان يفاجئ الجمهور بحقيقة وضعه الصحي الخطي ...
- خبراء يحذرون: تعليم القراءة في سن الثالثة قد يُعيق نمو الطفل ...
- نواف سلام يؤكد من الدوحة على الدور المحوري لقطر في استقرار ل ...
- الترجي.. هل تواصل تونس صناعة التاريخ للكرة العربية بالفوز عل ...
- لحظة انقلاب مروحية أثناء محاولتها الهبوط في أمريكا.. شاهد ما ...
- إيران تقصف قاعدة العديد في قطر وترامب يشكر طهران على إنذاره ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جلال مجاهدي - مساحة الفراغ بين الواقع و الإدراك